الإسلام انتشر بالحكمة والإقناع والموعظة الحسنة

المصدر: القاهرة ـ دار الإعلام العربية

التاريخ: 25 مارس 2011


تخصصه الدقيق هو علم «المسكوكات»، إلا أن هذا التخصص أعطاه فرصة للغوص في أعماق التاريخ الإسلامي بكل عصوره، وهو ما أعطاه فرصة لدراسة العوامل السياسية التي أثرت على الدول الإسلامية من خلال الرسائل الثلاثين في مجال المسكوكات أو «علم دراسة النقود» التي أشرف عليها، بالإضافة إلى ‬10 رسائل دكتوراه أشرف عليها في مجال العمارة الإسلامية.. صاحب هذه المسيرة هو صاحب كتاب «الإسلام دعوة بلا إكراه ـ فضل الإسلام على الغرب» د. رأفت محمد النبراوي، الذي التقيناه عبر هذا الحوار.

الأمة الإسلامية تعاني اليوم من فجوة معرفية يصفها البعض بأنها فجوة حضارية بالأساس، فمن واقع خبراتكم ما السبب وراء ذلك؟

هذه سُنة الحياة في البشر والدول، مثل الإنسان يبدأ بالطفولة ثم الشباب حيث الازدهار ثم الشيخوخة، وكل دولة لها مراحل؛ مرحلة التكوين والنشأة ثم الازدهار والتدهور، فهذا شيء طبيعي خاصة وأن كل دولة لها أعداء يضمرون لها السوء، لكن لا يستطيعون فعل شيء عندما تكون الدول قوية وينتظرون الفرصة للانقضاض على هذه الدولة في حالة ضعفها، وهو ما حدث، حيث كانت هناك ثلاثة خلافات متناقضة؛ الخلافة العباسية السنية في بغداد، والخلافة الفاطمية الشيعية بشمال أفريقيا في تونس ثم القاهرة، والخلافة الأموية الأندلسية في الأندلس، لم تتفق مع بعضها ولو حدث لما استطاع الغرب أن ينقض على بعض الدول ويحتلها ويستولي عليها كما حدث مع الأندلس، فالاختلافات الداخلية سبب انهيار أي دولة وأي حضارة، وكل دولة لها عوامل خاصة في انهيارها، فالدولة الأموية والعباسية انهارت بسبب عوامل كثيرة منها الموالي «الفرس»،حيث التفريق بين العرب والموالي والسنة والشيعة العلويين والخوارج، حتى إن بقايا الأمويين كانوا يحاربون الدولة العباسية.

وهل ترى أن الشرق أو العالم الإسلامي سيسترد مرة أخرى ريادته الحضارية؟

الشرق في تقدم والغرب في تفكك، كما تفكك الاتحاد السوفييتي ليعود الشرق كما كان مركز الحضارة، فكانت لدينا حضارة عظيمة في العصور الوسطى، بينما الغرب كان يعاني من الجهل والفقر والحروب؛ لذلك جاءت الحروب الصليبية وكونوا مستعمراتهم في مملكة بيت المقدس وأنطاكيا وطرابلس، فكانوا يهربون من الفقر الذي يعيشون فيه بأوروبا لنهب خيرات الشرق العربي والاستمتاع بالحضارة الموجودة مثل بعض الشباب الذي يسافر لأوروبا اليوم للاستمتاع بالحضارة الأوروبية الحديثة، نفس الوضع، كان عندنا حضارة وحلت محلها الحضارة الأوروبية الحديثة، حيث اهتموا وبدأوا يطورون أنفسهم واكتسبوا خبرات الحضارات السابقة واستفادوا منها، ونحن علينا فعل ذلك الآن.

هجمات وشبهات

لكن مع ذلك فإن الإسلام يتعرض منذ فترة للاتهام بأنه ضد الحضارة، كيف ترى أن الإسلام سيسترد مكانته الحضارية في ظل تعرضه لكل هذه الاتهامات؟

لا جدال أن الإسلام يتعرض دوما لهجمات وشبهات، لكنه في الفترة الأخيرة تعرض لحملة أشد شراسة من قبل المغرضين الغربيين بقصد الإساءة للإسلام والنيل منه، وعندما وجدت ذلك، غيرتي وحبي لديني جعلني أرد، وتساءلت ماذا الذي يحدث؟ الإسلام دين سماوي صالح لكل زمان ومكان، فكيف يُتهم بهذه الاتهامات الباطلة المغرضة؟ نحن لا نسيء لأي دين آخر، لا لليهودية ولا للمسيحية، فكيف يساء إلى ديننا، فتتبعت المشكلة بالضبط وبدأت أتتبع كيف انتشر الإسلام، وهل هو كما يدعي البعض أن الإسلام انتشر بحد السيف، فوجدت أن هذا الكلام غير صحيح؛ لأن الإسلام انتشر بالحكمة والإقناع والموعظة وفقا لقوله تعالى: «ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»؛ لذلك اخترت اسم الكتاب الذي أصدرته وهو «الإسلام دعوة بلا إكراه ـ فضل الإسلام على الغرب».

الإسلام متهم أيضا بأنه انتشر بحد السيف، كيف يمكن الرد على ذلك الاتهام؟

من خلال ما فعله القادة المسلمون الذين فتحوا البلاد غير الإسلامية، حيث كانوا يعاملون أهلها معاملة طيبة جدا فكانوا يخيرونهم بين الدخول في الإسلام أو من يريد أن يظل على دينه يدفع الجزية، فلو كان الإسلام انتشر بحد السيف كما ادعى البعض لكان على المسلمين عندما يفتحون مدينة أن يقولوا لأهلها شيئين: الإسلام أو القتال، ولا يعرضون الجزية.

معابر حضارية

لكن حتى الادعاءات التي تتهم الإسلام بأنه انتشر بحد السيف لا تمنع بعض المؤرخين المنصفين من الاعتراف بفضل الإسلام على العالم الغربي، ما تعليقكم على ذلك؟

فضل الإسلام على الغرب يأتي تأكيدا على أن الحضارة المزدهرة التي تعيش فيها أوروبا وأميركا الآن السبب فيها هو الإسلام، فكل حضارة وكل فن من الفنون متأثر بما قبله ويؤثر فيما بعده، وإذا كانت الحضارة الإسلامية تأثرت بالحضارة البيزنطية والقبطية والفرعونية؛ فإن الحضارة الإسلامية أثرت في الحضارة الأوروبية الحديثة من خلال ستة معابر أساسية منها صقلية والأندلس.

عطاء وبناء

هل أضاف المسلمون لحضارة الأمم التي فتحوها أم اكتفوا بنقل حضارتهم والبناء عليها فقط؟

الحضارة الإسلامية اختلفت في كونها حضارة بناء وليست حضارة هدم، كما حدث بالنسبة للمغول، حيث كانوا يدخلون المدن ويحرقونها، بينما الإسلام جاء بالاختيار، من يقتنع بالدين يعتنقه ومن لا يقتنع يظل على دينه ليس هناك إجبار، فالحضارة الإسلامية فرضت نفسها بسماحتها وأسلوبها وما تحمله من قيم ومبادئ إلى أهل البلاد المفتوحة فاقتنعوا بها وتبنوها ودخلوا في بوتقتها.

وكيف تعامل المسلمون الفاتحون مع حضارات الأمم المفتوحة؟

عندما دخل الإسلام إيران وتركيا على سبيل المثال تم الحفاظ على الحضارات السابقة، فالآثار الساسانية مازالت موجودة منذ العصر الإسلامي، وفي أفغانستان الآثار التي ترجع إلى فترة ما قبل الإسلام مازالت موجودة، وفي مصر حيث الحضارة الفرعونية عندما قام المسلمون بفتحها ظلت بمبانيها سواء المعابد والمقابر أو خلافها بحالة جيدة، فدائما ما كان المسلمون يحافظون على الآثار لتوصيلها إلى الأجيال القادمة.. وبقيم الإسلام ومبادئه وأخلاقياته وسماحته، استطاع المسلمون فعل إنجاز عظيم متمثل في التركيبة الجغرافية الدينية الثقافية للدولة الإسلامية.

إبداع بالفطرة

من خبرتكم في مجال المسكوكات كأحد مجالات الفنون الإسلامية، ما أهم ما ميز الحضارة الإسلامية والفن الإسلامي؟

الفن الإسلامي يميل إلى الإجادة والتنمق والزخرفة وعدم محاكاة الطبيعة، واتخاذ الكتابة كعنصر زخرفي والاهتمام بالعمارة وابتكار أنواع جديدة من العمائر مثل المدرسة والمساجد والجامعات وأيضا الاهتمام بالفنون التطبيقية مثل الخشب والخزف والنسيج والسجاد، فالمسلمون ابتكروا أنواعا من الخزف لم تكن موجودة قبل العصر مثل الزخرفة الهندسية المعروفة بالطبق النجمي، وابتكروا نوعا ثالثا من الحفر وهو الحفر المشطوف إلى جانب الحفر الغائر والبارز.

كيف يمكن تقسيم التراث الأثري في الوطن العربي؟

كل بلاد الوطن العربي والإسلامي تمتلك آثارا مهمة، لكن بدرجات مختلفة، فمصر بصفة عامة أغنى دول العالم في الآثار بكل فتراتها، حيث تبلغ الآثار الإسلامية في القاهرة أكثر من ‬800 أثر وفي كل مصر ما يقرب من ‬1200 أثر، ثم يأتي من بعدها العراق وبلاد الشام وشمال أفريقيا. بالإضافة إلى الآثار الموجودة في دول الخليج، خاصة البحرين والكويت.

نعود إلى كتابكم، لماذا اخترتم الكتابة في مجال بعيد عن تخصصكم الدقيق وهو المسكوكات الإسلامية؟

لم أبتعد عن تخصصي بل من خلال هذا التخصص استطعت تقديم معلومات جديدة عن عوامل نشر الإسلام، وكانت النقود الإسلامية التي يسجل عليها الآيات القرآنية من أبرز هذه العوامل، حيث إنها شارة من شارات الحكم؛ بمعنى أن أي حاكم يتولى لا بد أن يقوم بثلاثة أشياء أساسية حتى يكون حكمه قانونيا وشرعيا؛ أن يقوم بضرب النقود باسمه، ويأمر بالدعاء له في خطبة الجمعة، ويأمر بنقش اسمه على النسيج، والنقود الإسلامية.



موقع البيان - 25 / مارس / 2011م