نحن لا نستطيع أن نمنع المشاكل والهموم من الحدوث، ولا يوجد إنسانٌ يعيش حياةً خاليةً من الآفات والمنغّصات والمكاره، ومع ذلك نرى من النّاس من هم مشرقون مستبشرون، ومنهم من هم منطفئون مكتئبون، ونرى نفس المشكلة تصيب اثنان فنجدُ أحدهما مضطرباً والآخر مطمئنّاً، فما معنى هذا؟
معنى هذا أنّ المشاكل ليست هي السّبب في القلق والاضطراب، ولكنّها الاعوجاجات الفكريّة النّاتجة عن سوء الظنّ بالله تعالى وعدم الثّقة بالنّفس والنّظرة المتشائمة للأمور والتّفكير الكارثي المتمثّل بألفاظ مثل: لا أتحمّل، مستحيل، ستنتهي حياتي، سأتدمّر، فشلت، والتفكير الخرافي مثل: ماذا لو أصابني مرض خطير؟ وتضخيم الأمور والفهم المتطرّف لها مثل: فشلتُ في عملٍ ما إذاً لن أنجح في حياتي أبداً!
فإذا نجحنا في تحديد سبب المرض، سَهُلَ إيجاد العلاج، فإنّ القاعدة العلاجيّة تقول: أزِل أسباب المرض. وما دام الداء هو طريقة التفكير المعوجّة فإنّ الدّواء هو تتبّع هذه الأفكار في نفوسنا وشنُّ حملة تنظيف للدّماغ والقلب منها وإعادة البرمجة بتحميل وتنزيل الأفكار المشرقة، ولسنا بحاجةٍ للبحث في فلسفة الأوّلين والآخرين عن مفاتيح السّعادة النّفسيّة، بل هي جاهزةٌ في القرآن كأتمّ وأفضل وأوفى وأرقى ما يكون، فالّذي خلق النّفس وسوّاها هو الأعلم بصحّتها ودواها.
وإليكم بعضاً من ذلك الدّواء القرآنيّ العجيب:
إن قلقت على عائلتك فتذكّر: "الله حفيظٌ عليهم وما أنت عليهم بوكيل" 6 الشّورى
وإن قلقت على صحّتك فتذكّر: "وإذا مرضت فهو يشفين" 80 الشّعراء
وإن قلقت على وضعك المادّي فتذكّر: "وفي السّماء رزقكم وما توعدون 22 فَوَرَبِّ السماءِ والأرضِ إنّه لَحَقٌّ مثل ما أنّكم تنطقون 23" الذّاريات
وإن قلقت على علاقاتك فتذكّر: "إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمن وُدّاً 96" مريم
وإن قلقت على عملك أو دراستك فتذكّر: "وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب" 88 هود، وكذلك: "إنّا لا نُضيعُ أجرَ مَن أحسَنَ عملاً" 30 الكهف
وإن قلقت على مستقبلك فتذكّر: "ولا تَقُولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غداً 23 إلّا أن يشاء الله واذكر ربّك إذا نسيتَ وقل عسى أن يهدينِ ربّي لأقربَ من هذا رشداً 24" الكهف، وأيضاً: "إنّ معي ربّي سيهدين" 62 الشّعراء، وسورتي الضّحى والشّرح
وإن أصابك ما يسوؤك وفاتَكَ ما يَسُرُّكَ فتذكّر: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 216 البقرة
وإن ظلمك أحدهم فتذكّر: "وسيعلمُ الّذينَ ظلموا أيّ مُنقَلَبٍ ينقلِبون" 227 الشعراء
وإن خفت من تهديدٍ ما فتذكّر: "قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون 51" التّوبة
وإن أصابتك مصيبةٌ لا تجد لها حلّاً وأمرها ليس في يدك فتذكّر: "ولِرَبّكَ فاصبِر 7" المُدّثِّر، والجأ للدّعاء فإنّه سببٌ للفرج، قال تعالى: "الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا لله وإنّا إليهِ راجعون 156 أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ وأولئك همُ المُهتدون 157" البقرة
وإن أهمّتك ذنوبك فتذكّر: "سلامٌ عليكُم كَتَبَ ربّكم على نفسِهِ الرّحمةَ أنّه مَن عمِلَ منكم سوءاً بجهالةٍ ثمّ تابَ مِن بعدِهِ وأصلحَ فأنّهُ غفورٌ رحيم" 54 الأنعام
وإن قلقت على مستقبل أمّتك فتذكّر: "وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً" 55 النّور
وإن قلقت من الحرب على الإسلام فتذكّر: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نورِهِ ولو كره الكافرون 8" الصّف
ولا تستمع لوساوس الشيطان وللأوهام التي يلقيها في قلبك ليخوّفك بها ويثبّطك عن العمل والإنتاج والإنجاز وتذكّر: "الشّيطانُ يعِدُكُمُ الفقرَ ويأمُرُكُم بالفحشاءِ واللهُ يعِدُكُم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليم 268" البقرة
وتذكّر أنّ التقوى هي السّبب الرئيس للسّعادة وتفريج الكروب، قال تعالى: "ومن يتّقِ اللهَ يجعل له مخرجاً 2 ويرزُقهُ مِن حيثُ لا يَحتَسِب ومن يتوكّل على الله فهو حسبُهُ إنّ الله بالغُ أمرِهِ قد جعل الله لكلّ شيءٍ قدْراً 3" الطّلاق
وتذكّر أنّ الله لا يظلم أحداً، قال تعالى: "لا يكلّفُ اللهُ نفساً إلّا ما آتاها سيجعلُ اللهُ بعد عسرٍ يُسراً" 7 الطلاق
فأحسن الظنّ بالله تعالى ففي الحديث القدسي: "أنا عند ظنّ عبدي بي"
وقال صلى الله عليه وسلّم: "ما قضى الله لمؤمنٍ قضاءً إلّا كان خيراً له"
وقال بعض العارفين: " من عرف سرّ الله في القدر هانت عليه المصائب"
وبعد.. هل يجد القلقُ سبيلاً إلى قلبٍ يؤمن بالله تعالى ويقرأ القرآن ويتّبع السّنّة؟!
المفضلات