قالوا : من الخرافاتِ التي قالها رسولُ الإسلامِ لأصحابِه أنه صارع الشيطانَ فخنقه حتى وجد بردَ لسانِه بين يديه ، ثم أراد أن يربطه في أحدى أعمدةِ المسجدِ ، ولكنّه تركه من أجلِ دعوةِ سليمانَ !
تعلقوا على ذلك بهذين الحديثين :
الأول : مسند أحمدَ برقم 11354 سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفَهُ فَقَرَأَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ:" لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ ". صححه الشيخُ الألبانيُّ - رحمه اللهُ – في السلسة الصحيحة برقم 3251.
الثاني: صحيح البخاري كِتَاب ( تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ) بَاب قَوْلِهِ:{ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } برقم4434 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ :" إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ { هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي }". قَالَ: رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا .

• الرد على الشبهة

أولاً: إن ما فهمته من الشقِ الأولِ من سؤالِهم هو: هل الشيطان يتجسد حتى يصارعه النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟
قلتُ: نعم ،ولا إشكال فيه ؛ لأن الشيطانَ جاء لرسولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متشكلاً متجسدًا ، وظهر كذلك ليسوع بحسبِ ما ذكرت الأناجيلُ ؛ أخذه و جربَه ... و كان متشكلاً أيضًا في صورةِ الحية لما ظهر لآدمَ - عليه السلام - كما يذكر سفرُ التكوين ، فالجن أعطاه اللهُ القدرةَ على ذلك...
وبالتالي فإن اعتراضهم هو محض اعتراضٍ على قدرةِ اللهِ تعالى ، ونصوصِ الوحي التي تؤكد ذلك ،مثل: القرآنِ الكريم ،والسنةِ ، والكتابِ المقدس ، وعليه فلا إشكالية في ذلك - بفضل اللهِ تعالى - .
وأما ما فهمته من الشقِ الثاني من سؤالِهم الذي ألمح فيه الاستهزاء هو: حول بردِ لعابِ الشيطان الذي كان على يدي النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ...
قلتُ: يتعجب المعترضون من أن يكون للشيطانِ بردٌ في لعابِه وهو مخلوق ، ولا يتعجبون أن يكون لربِّ السماوات والأرض - يسوع بحسب إيمانِهم- لعاب ، و براز ، وبول.... ؟!

ثانيًا: إن المعترضين يعترضون على حديثِ النَّبِيِّ r ؛لأن النبيَّ r صارع شيطانًا فغلبه ،ولا يعترضون على يعقوبَ النَّبِيِّ  الذي ينسبُ له الكتابُ المقدس أنه صارع ربَّ العالمين ،وانتصرَ عليه لدرجة أن الربَّ صرخ وقال: أطلقني ...!! جاء ذلك في سفرِ التكوين الإصحاح 32 عدد 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ،لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».
قلتُ: إن محمدًاr انتصر على الشيطان وامسك به وكاد أن يربطه... ولكن تلك النصوص تقول: إن يعقوبَ انتصر على اللهِ في المصارعة ....
ثم إنني لم أسخر منهم كما سخروا ، فأقول مثلاً: وهكذا حارب يعقوبُ إلههم ، وهزمَه بل وأوثقه ،وطلب منه ربُّهم أن يطلقه ؛لأن الفجرَ قد طلع , ولا أعلم ما علاقة طلوع الفجر برغبةِ ربِّهم في الانصراف ، فما زل الإله يترجى يعقوبَ كي يطلقه ؟
وهل الربُّ يخافُ من الشمسِ كمصاصي الدماء ؟
أليست هذه الصفات تدل على ضعيفِ ربِّهم ....؟!!
وهل كان الربُّ جاهلاً باسم يعقوب الذي من المفترض انه خلقه ...وذلك في هذا النص : 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ».28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ،لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».؟! لا تعليق!


ونلاحظ من خلالِ قراءةِ النصوص أن الربَّ لما صارع يعقوبَ كان في صورةِ إنسان 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. فالعجب العجاب أنهم ينكرون علينا أن الشيطانَ تجسد وخنقه النبيُّ r حتى وجد بردَ لُعابِه بين أصابِعه r ،وهذا ربُّهم تجسد في صورة إنسان وضربه يعقوب...

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-