قالوا على سبيلِ التهكمِ والاستهزاءِ:إن رجلاً جاء إلى رسولِ الإسلامِ يخبره أن أخاه يشكوا بطنه ، فقال له رسولُ الإسلامِ: " اسْقِهِ عَسَلًا " ففعل ولم يشف ، ثم جاء إلى رسولِ الإسلامِ للمرةِ الرابعةِ ولم يشف ، فكان ردُ رسولِ الإسلامِ " صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ " !! فهل هذه من معجزاتِ رسولِكم ، أم هي من الخرافات ؟!
استندوا في ذلك بما جاء في الصحيحين :
1- صحيح البخاري كتاب (الطب) باب (الدواء بالعسل ) برقم 5252 حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ .فَقَالَ:" اسْقِهِ عَسَلًا ". ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلًا ". ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:" اسْقِهِ عَسَلًا" . ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَ:" صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ " .
2- صحيح مسلم كتاب ( السلام ) باب (التداوي بسقي العسل )برقم 4107 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" اسْقِهِ عَسَلًا " فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ :" اسْقِهِ عَسَلًا " فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ ".

• الرد على الشبهة

أولاً : إن المسلمين يعتقدون بأن عسلَ النحلِ فيه شفاءٌ للناس ، وذلك مصدقًا لقولِه : ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (النحل69).
ولقول نبيِّنا r في الحديثِ الذي نحن بصدده " اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ ".
إن هذا الحديثَ يدل على صدقِ نبوة نبيِّنا r ، وصدقِ ما جاء به وهو القرآن الكريم ؛ حيث إننا نجد في نهايةِ الحديثِ أن الرجلَ الذي كان يشكوا بطنه شُفي لما شربه العسل الذي وصفه النبيُّ r له دواءً ؛هذا واضحٌ من الحديثِ نفسِه ففيه " اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ ".
نلاحظ كلمة " فَبَرَأَ ".
وعليه فإن الحديث لا يخدم المعترضين بحالٍ من الأحوال - ولله الحمد- بل يثبت علماءُ الغرب وأصحابُ الأبحاثِ الطبيةِ إلى يومنا هذا أن في عسلِ النحلِ شفاء من أمراضٍ كثيرةٍ جدًا كما أخبر القرآنُ وأخبر النبيُّ r ، وأحيل الباحثين إلى الرجوعِ إلى موقعِ الإعجاز العلمي في القرآنِ والسنةِ ففيه ما يفيد من دراساتٍ وأبحاثٍ قيمةٍ في ذلك الشأن.

ثانيًا: إن اعتراض المعترضين يكمن في أن رجلاً جاء إلى رسولِ اللهِ r للمرة الرابعة ولم يشف ، فكان رد رسولِ اللهr " صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ " اعتراض لا قيمة،بل هو دليل على عدمِ فقههم ؛ لأن شفاءَ الرجل من مرضِه لا تكفيه جرعة واحدة ، أو سقية واحدة ؛ حيث إننا نجد أن رسولَ اللهِ r كام متأكدًا من شفاءِ الرجلِ المبطون ، فقال: " صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ "
ولكن للشفاء مدةٌ معينة قدّرها اللهُ  فلا يبرأ إلا بعد تكرارِ العلاجِ ( العسل ) لا من أول سقية ...
أتضح ذلك بعد السقية الرابعةِ ؛وجدنا الرجلَ المبطون قد شُفِيَ تمامًا كما جاء في الرويةِ التي معنا ففيها : ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ :قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ :" صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ ".
وبالمثال يتضح المقال : لما يمرض إنسانٌ في عصرنا هذا ، ويذهب للطبيب يصف له احد المضادات الحيوية ، ويحذره الطبيب من إيقاف العلاج إلا بعد انتهاء الجرعة المطلوبة المحددة حتى يتم الشفاء ، ولو نظرنا في نشرة الدواء لوجدنا مكتوبًا فيها: لعلاج أمراض الجهاز التناسلي ، الجرعة المحدده لمدة أربعة أيام.. ..
وبهذا المعنى ذكره ابن حجر في الفتحِ عن الإمامِ الخطابيِّ قال : فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاء ، فَأَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيه ، فَلَمَّا تَكَرَّرَتْ الشَّرَبَات بِحَسَبِ مَادَّة الدَّاء بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى . وَفِي قَوْله r : " وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " إِشَارَة إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاء نَافِع ، وَأَنَّ بَقَاء الدَّاء لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاء فِي نَفْسه وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّة الْفَاسِدَة ، فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْب الْعَسَل لِاسْتِفْرَاغِهَا ، فَكَانَ كَذَلِكَ ، وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه . أهـ

أقول عن المعترضين كما قال اللهُ  : بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ  (يونس39) .

ثالثًا : إن إنجيل مرقس يذكر أن يسوعَ بصق في عينِ الأعمى ليشفيه ،ولم تكن البصقه الواحدة كافية لشفائه... وذلك في الإصحاح 8 عدد 22وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، 23فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟ .
قلتُ : إننا لن نسأل بطريقتهم ، ونقول مثلاً: أليس هذا شيءٌ مقزز أن يتفل يسوع في عين الأعمى ليشفيه ؟ ألا توجد طريقة أفضل من هذه.... ؟!
وتذكر بقية النصوص ما نصه: و لما َسَأَلَه ُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟ 24فَتَطَلَّعَ وَقَالَ:«أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ».
نلاحظ :أن الأعمى لم يرى الصورةَ واضحةَ بل رأى الناسَ كَأَشْجَارٍ ، فمن الواضح أن البصقة لم تكن كافية لشفائه حتى يبصر تمامًا وبعد ها 25ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا. 26فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً:«لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ».!!
وأتساءل:هلا اعترض المعترضون على تلك النصوص كما اعترضوا على حديثِ النبيِّ r...

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-