قالوا : وصل الأمر برسولِ الإسلامِ إلى أنه قال لأصحابِه :إنه خُلق من نورٍ!! فهو بذلك ليس كبقيةِ البشرِ ، ويستدلون على ذلك بحديثٍ يُروى عن جابرٍ أنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال :" يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره...".

• الرد على الشبهة

أولاً: إن النبيَّ r بشرٌ من ذريةِ آدمَ ، مخلوق من طينٍ ...تدلل على ذلك أدلة منها:
1- قوله : قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف110).
2- قوله : وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً  (الفرقان20).
3- قوله  : وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ  (الفرقان20.( كان هذا جوابًا علي المشركين، لما قالوا:مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ  (الفرقان7) .
فمقتضى هذه البشرية للأنبياءِ أنهم يصيبهم ما يصيب البشر من الأعراضِ ، فهم ينامون ويقومون ، ويصحون ويمرضون، ويتعرضون للابتلاءِ كما يتعرض غيرُهم من البشرِ، بل هم أشد الناسِ بلاء.
وعليه فإن من يزعم أن محمدًا r خلق من نور زعمه باطل؛فهو بذلك ملك، وشابه المشركين الذين استبعدوا واستنكروا أن يكون البشر رُسولاً؛ قال اللهُ  : وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاًوَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً  (الإسراء94 (.
فرسول اللهِ r بشر لا ملك ، وقد أمره اللهُ أن يصرحَ بذلك قائلاً له r : قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً  (الإسراء 93.(
ليس في القرآنِ ، ولا في السنةِ ، ولا ما أجمع عليه سلف الأمة ما يوجب الخروج عن هذه الحقيقةِ : أنه بشرٌ من ذريةِ آدمَ ، وقد خُلق آدمُ من ترابٍ لا من نورٍ....
وعليه فهذا ردٌ على قولِهم: وصل الأمرُ برسولِ الإسلام أنه قال لأصحابِه : إنه خلق من نور! فهو بذلك ليس كبقيةِ البشرِ....

ثانيًا : إن استدلالَهم على شبهتِهم بحديثِ جابرٍ أنه قال: قلتُ :يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال r: " يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره "..استدلال باطل لا يخدم مصالحَهم بحالٍ من الأحوالِ ؛ لأن الحديثَ موضوعٌ على نبيِّناr لا نعترف به ؛ حَكم عليه بذلك علماءٌ أجلاءٌ منهم:
1- الشيخُ الألبانيُّ - رحمه اللهُ - في تعليقه على الحديثِ الصحيحِ في السلسة الصحيحة برقم 458 - " خلقت الملائكة من نور و خلق إبليس من نار السموم و خلق آدم  مما قد وصف لكم " .
كان تعليقه - رحمه اللهُ - قائلاً :
وفيه إشارة إلى بطلانِ الحديثِ المشهور على ألسنةِ الناس : " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ". و نحوه من الأحاديث التي تقول بأنه r خلق من نور ، فإن هذا الحديثَ دليلٌ واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور ، دون آدم و بنيه ، فتنبه و لا تكن من الغافلين .
و أما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " ( ص 151 ) عن عكرمة قال :
" خلقت الملائكة من نور العزة ، و خلق إبليس من نار العزة " .
و عن عبد الله بن عمرو قال : " خلق الله الملائكة من نور الذراعين و الصدر " .
قلت : فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها ، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق r . أهـ
2- قال الشيخُ أبو الفيض أحمد الغماري في كتابِِه : المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير: وهو حديث موضوع، لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في نحو ورقتين من القطع الكبير مشتملة على ألفاظ ركيكة ومعان منكرة أهـ.
3- قال الشيخُ رشيد رضا في فتاواه 2/447:
أنه حديث لا أصل له، وقد سبق إلى ذلك السيوطي ، فقد سئل عن هذا الحديث، كما في الحاوي للفتاوى جـ1 ص 323، فقال: الحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه. انتهى. والله أعلم. أهـ
إذن: الاستدلال به باطلٌ لا يخدم المعترضين لما أسلفت – بفضل اللهِ .

ثالثًا: إن قيل: إن هناك حديثًا آخر يخبر أن النبيَّ r مخلوق من نور؛ جاء في السلسةِ الصحيحة للألباني برقم1545 قال r: " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى - عليهما السلام- ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ".
قلتُ : إن المقصودَ بالنورِ هنا هو ما قاله ابنُ رجب الحنبلي وغيره: هو نور الهداية الذي جاء به محمدٌr ليمحو به ظلمةَ الشرك ....
وبالتالي لا يقول عاقلٌ قط بأن أم النَّبِيِّ r أمنة بن وهب وضعت نورًا لا جسدًا ، فهذا لم يرد إلينا قطُ ، لا في حديثٍ صحيحٍ ،أو ضعيفٍ، أو موضوعٍ ...........
وعليه فإن النبيَّ r لم يقل ذلك حتى يُظهر مكانته بين أصحابِِه  كأنه ليس كبقيةِ البشر كما قال المعترضون ؛ بل صح عنه r عكس زعمِهم ؛جاء ذلك في عدة أحاديث منها:
1- صحيح البخاري برقم 3189 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ".
2- سنن ابن ماجةَ برقم 3303 ، وصححه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقم 1876 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَال:َ أَتَى النَّبِيَّ rرَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ : " هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ "
(القديد): اللحم المملوح المجفف في الشمس .
والشاهد أنهr كان زاهدًا متواضعًا مع أصحابِه  ، ومع الناس أجمعين r ....
فعلى هذا تبطل الشبهة التي هي أوهن من بيتِ العنكبوتِ لو كانوا يعلمون.

رابعًا: إنني أتعجب كثيرًا أن تُطرح شبهة كهذه من المعترضين ؛إنهم ينكرون علينا بحديثٍ لا نعترفُ به ، ولا نصدقه رُغم المدح الذي فيه لنبيِّنا r أنه خلق من نور، ولا ينكرون على أنفسهم أنهم جعلوا إنسانًا(يسوع) يتبرز ويبول وينام............ إلهًا ؟!

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-