في قصة يوسف أشارات عن الرقي الحضاري الذي كان عليه البيت المصري في الطبقات العليا والحاكمة فى ذلك العصر الذى حكم فيه الهكسوس مصر

فقد كان يتكون من حجرات شتى وأبواب متعددة وأجنحة مختلفة ، بدليل أن امرأة العزيز حين أرادت أن تراود يوسف عن نفسه " غلقت الأبواب ) " و َرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) ، والمتوقع أن تكون قد عملت على إتمام الخطة بأن تغلق باب الجناح الذي تقيم فيه مع باب حجرتها الخاصة , وأبوابا أخرى بينهما،ومما يدل على كثرة الأبواب التي ينبغي غلقها في تلك المساحة ( بين باب الجناح وباب حجرتها الخاصة استعمال لفظ الجمع ( وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ). وكثرة الأبواب دليل على تقدم العمران والحضارة في ذلك الوقت

ولم يستخدم لفظ " وأغلقت الأبواب " وإنما لفظ : (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)، تعبير مبالغة ـ أى إن الأقفال في ذلك الوقت كانت لها درجات في الإغلاق ، وقد استعملت المرأة أقصى درجة فيها لإحكام الغلق أي إلى هذه الدرجة وصل الرقي الحضاري في العمران

و نجد فى الآية ( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (دليل أخر على التقدم العمرانى فى ذلك العصر أي أنها أحكمت إغلاق باب حجرتها الخاصة عليهما ، وقبل ذلك أحكمت إغلاق الأبواب كلها من باب الجناح إلى الأبواب الأخرى حتى حجرتها الخاصة ، وعندما استبقا الباب وانفتح باب حجرتها الخاصة فظهر الزوج لدى الباب .. فكيف اجتاز تلك الأبواب الأخرى التي أحكمت المرأة إغلاقها إلا إذا كان يحتفظ هو الأخر بمفاتيح إضافية للأبواب ، أي كانت الأقفال تفتح من الداخل و من الخارج أيضا

و نجد فى الآية (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ). ونتخيل الرفاهية في بيت عزيز مصر: إذن ففي البيت مساحة واسعة تكفي لأن تعد فيه السيدة حفلا لنساء المدينة المترفات 0 بينما تطوف عليهن الخادمات بأطباق الفاكهة وسكاكين يأكلن بها .. وفى هذه الصالة المتسعة التى أعدت فيها إمرأة العزيز حفل استقبال للنسوة المترفات ، كانت هناك حجرات جانبية تؤدى إليه كأى فندق متعدد النجوم . ونتذكر أنه حين كانت النسوة المترفات منشغلات فى الثرثرة والأكل كان يوسف ـ بأمر من إمرأة العزيز ـ ينتظر فى حجرة مغلقة ينفتح بابها على الصالة المتسعة ، وحين أمرته خرج عليهم فجأة
وغالب الأمر أن الهكسوس قد عرفوا هذه الرفاهية و تعلموها من العمران المصرى بعد أن تمصّروا وتعلموا من المصريين ترف الأكل بالسكين