من وحى الهجره
الحمد لله الذى شرع الهجرة وفرض الجهاد
حماية للدين وأمناً للبلاد
نحمده تبارك وتعالى ونسأله أن يهدينا سبيل الرشاد
ونصلى ونسلم صلاة وسلاما يليقان بمقام خير العباد
سيدنا ومولانا محمد ٍ وعلى اهله ما دامت الدنيا وحتى يوم التناد
أما بعد
فإن فى تاريخ ألأمم أحداثا تطرأ عليها ويكون لها ألأثر البالغ فى تطور حياتها
وبقدرما يكون لهذه ألأحداث من أثر يكون شأن هذه ألأمم ووخطرها وقيمتها
والمجتمعات لا يمكن ان تعيش فى ضعف دائم
ولا يمكن أن تحيا مغلوبه على أمرها ابد الدهر
فالضعف ليس من صفات ألأنسان الكامل
والذله يأنف منها الرجل الفاضل وألإسلام
الحنيف لا يرضى لأبنائه حياة الضعف والهوان
ولذا فإنه ينعى عليهم ألإخلاد إلى الأرض والتعلق بها والرضا بالواقع والإستسلام والظلم والأذى لذلك نرى القرأن الكريم يسجل بسوء العاقبه على من يرضون بالحياة الذليله فيقول تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم
قالو فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى ألأرض
قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا )
وإن من ألأحداث التى أثرت فى مسار الدعوه
ألإسلاميه وغيرت وجه التاريخ
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينه؟
فلقد مكث النبى بمكة ثلاث عشرة سنه يدعوا إلى الله على بصيره
ويهدى الناس إلى الحق فى تؤدة ومهل
ويمحوا أثار الجاهليه الطامسه وما خلفته فى العقول من خرافه وما تركته فى القلوب من زيغ وهوى وفى الأعمال من رجس وفساد
وظل النبى الكريم يفك أغلال القرون ألأولى



ويعلى قدر الإنسان والإنسانيه ؟
لايعلى قدرها بمظاهر فارغه ولا بدعاوى بدون
مضمون إنما يعلوا قدر الإنسان إذا صفت نفسه
واستنار طريقه وعمل لربه كما يعمل لنفسه وعمل
لدينه كما يعمل لدنياه وتلك هى أهداف الإسلام
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إلفا مألوفا
وسهلا واضحاً ؟
دعاهم إلى الإسلام وكان اسلوبه فى الدعوه بعيد عن التعقيد أو النفور أو ألإغراء أو الإغواء
كان يطلب من الناس أن يمكنوه من أن يعرض ما عنده ثم يفكروا فيه ؟
هاكذا أمره ربه (قل إنما أعظكم بواحده)
فإذا فكر الانسان فى هذه الرساله تفكيرا سليما
فإن الأمر لابد أن ينتهى إلى النهايه التى ذكرها الله (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض )
إلا أن خصوم الإسلام لجأو إلى اساليب رخيصه ووسائل دنيئه فى النيل من الدعوه وصاحبها
لجأو أولا إلى التشويش على القرأن الكريم
وإثارة الشغب فى مجالس قرأته
(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرأن والغوا فيه )
ثانيا السخريه والإستهزاء من المسلمين
(إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون ) وتنوع الأذى بأصحاب النبى
وهم صابرون محتسبون حتى إرتفعت صرخاتهم
إلى عنان السماء (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها )
وكانت خاتمة الصراع بين جبابرة الوثنيه وبين الحنيفية السمحه أن يدبروا موأمره لإغتيال محمد صلى الله عليه وسلم واجتمعوا فى ليلة حالكه لإنفاذ الفكره الغادره وترصدوا بسيوفهم ألأثمه
فيا لله ما أجرم القوم وما أهول الموقف
لقد كان قلب الدهر خافقا وعين الزمان ساهره
ولو تم للمشركين ما أرادوه تلك الليله لقضى على هذه الدعوه لحظة ميلادها ولنطفأ ذلك النور
الذى إنبثق ليبدد الظلام ولينشر الهدى وألأمن والسلام
لكن الله غالب على امره وأين مكر القوم من رقابة الله ( وإذ يمكرو بك الذين كفروا ليثبتوك
او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
علم الرسول بما بيته القوم فخرج ومعه صاحبه
إلى غار فى الجبل بأسفل مكه فدخلاه وبقيا فيه ثلاث ليال وقريش قد خيب الله مساعيهم واحبط موأمرتهم فجعلت مائة ناقه لمن يظفر بمحمد وصاحبه
وكانت الفتاه الصغيره اسماء بنت ابى بكر تذهب اليهم كل مساء فى خفاء تقطع الطريق فى جوف الليل وهى تحمل لهما الزاد والماء وقد بلغ من شجاعة الفتاه ان يقابلها فى الطريق أبو جهل فيسألها عن أبيها وأين هو فتتجاهل الأمر فيلطمها
ألأثيم على وجهها لطمه يطير لها قرطها من أذنها وهى مع ذلك لا تبوح بمكنون سرها
إنطلق المشركون فى كل مكان فى الصحراء
يبحثون عن محمد وصحبه وعند الغار تنتهى أثار السير وإذا بهم يطوقون الغار من كل جانب
ويسمع ابا بكر اقدامهم فيضرب قلبه ويهمس فى أذن الرسول إن قتلت انا فإنما انا رجل واحد أما إذا قتلت انت يا رسول الله هلكت الأمة جميعا من بعدك
إلا ان الرسول يبقى ثابت الجنان واثقا بنصر الله
وتأييده يقول يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
يا ابا بكر لا تحزن إن الله معنا
ورد الله الذين كفروا بغيظهم وحيل بينهم وبين ما ارادوا وارتدوا على اعقابهم خائبين
ووصل الرسول وصحبه الى المدينه فى حفظ الله ورعايته واستقبله اهلها اعظم استقبال
وهناك وجد قلوبا تفتحت لدعوة الحق فأذرتها وأيدتها وتكونت الدوله المؤمنه المجاهده التى دانت لها الدنيا شرقا وغربا
تلك الدوله المتحابه التى لا تعرف عصبيه لجنس او لقبيله فقد اصبحوا جسما واحدا وبناءً
متراصاً متحدا يعمل كل فردٍ فيه لصالح هذا المجتمع ولنصرة هذا الدين واحب اهل المدينه إحوانهم من المهاجرين واحب المهاجرون إخوانهم من ألأنصار وزكى القرأن صنيعهم حيث قال (والذين تبوأو الدار وألإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتو ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه)
إخوانى وأخواتى
إذا أمعنا النظر قليلا فى حادث الهجره وسألنا أنفسنا
هل كانت الهجره فرارا من الموت
هل كانت طلبا للنجاه
كانت ألإجابه كلا بل كانت إنتقال بالعقيده من مكان كثر فيه الباغى وقل فيه الناصر إلى وطنٍ
أخر تأمن فيه على نفسها ويستطيع المسلمون ان يجدوا تربه طيبه فيغرسوا فيها شجرة ألإيمان
لم تكن الهجره فرارا بل كانت إنتصارا
لأنها كانت إنتقالا بالدعوه إلى أفاق واسعه وإلى مجال تستطيع فيه ان تنموا وتنتشر وتنبت هدايتها للناس فى مشارق الارض ومغاربها
حتى تعلو كلمة الله وتسود رايته وينتصر جنده كما قال
(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون)
إن سلفكم الصالح حينما ارادوا ان يجعلوا لأمتهم تاريخا استعرضوا اعظم ذكرياتهم حادثه حادثه فلم يجدوا إلا الهجره بدأً للتاريخ ومفتاحا
لكل عام جديد
كانوا يستطيعون ان يوأرخوا بميلاد النبى او بيوم بعثته الى الناس ولكنهم ادركوا فقه الاسلام حينما جعلوا الهجره بداية عامهم وتاريخهم
الحافل بأمجد الذكريات
فهى لا تكرم بوصفها سفرا من مكان الى مكان
او من بلد الى بلد فالموظف يسافر اكثر من هذه المسافه والتاجر يقطع اضعافها سعيا وراء ربح قد يكون جزيلا او قليلا
وإنما كرمت الهجره لأن المسلمين أرخصوا مصالحهم الخاصه بجانب عقيدتهم فكان هذا معناه ان الفرد لا يعيش لنفسه فحسب بل عليه
ان يحيا لأمته ولدينه وان يجاهد لتثبيت ما تقدسه ألأمه من فضائل وما يحث عليه الدين من عزه وكرامه وحريه وهذا معنى قول الله عز وجل
(إن الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)
وإن ذكريات الهجره تفد الينا وفى إيطارها
صور للشرف والتضحيه الكريمه
تعرض علينا نمازج رفيعه للأمانه والوفاء
والشجاعه والإصرار على مرضاة الله مهما يجد ألإنسان من صعاب ومشاق
الهجره تفد علينا لتعلمنا ان الأمم بحاجه إلى ان ترخص مالها وروحها فى سبيل الله وفى سبيل بلادها
فهذه الهجره تطل على المسلمين وتهيب بهم فى قوه وشده ان اثبتوا مكا نكم وقاتلو اعداءكم
وحرروا اوطانكم وعيشوا احرارا فى بلادكم وأزيلو اثار العدوان عن كل بقعه من ارض العروبه
والإسلام
لنتعلم من الهجره صناعة التضحيه والفداء والوفاء والإيثار
لنصنع ما صنع اسلافنا من إيبائهم للضيم ومن رفضهم للمذله ومن ثورتهم على العدوان والمعتدين
لندرس سيرة اجدادنا الذين حرصوا على الموت اكثر من حرصنا نحن على الحياه ولو كنا كذلك بحق لرفضنا ما يحدث الأن لإخواننا فى غزه هذا القتل الجماعى والتدمير والتخريب ومنع الطعام والشراب لو كنا كما امرنا ربنا لما هنا على اعدائنا
ولكن استأسد الحمل لما استنوق الجمل
حسبنا الله ولا نملك غيرها
وإلى لقاء بمشيئة الله
مع تحيات اخوكم فى الله
رشدى العطار