عـائشـة أحـب النـاس إلى رسول الله
الشيخ. أحمد ابو العينين
مجلة الهدي النبوي - بــاب السنــة

روي البخاري (3662) ومسلم (2384) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل ، فأتيته ، فقلت : " أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة ، فقلت : من الرجال ؟ قال : أبوها ، قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فعد رجالاً " .

وهذا الحديث قد خرجته في تخريجي لمنتخب عبد بن حميد برقم (295) فأغنى عن إعادته هنا ، وهو حديث صحيح ، بل في أعلى درجات الصحة .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/26) : وقع في حديث عَبْد اللَّه بْن شَقِيق قَالَ : " قُلْت لِعَائِشَة : أَيّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبّ إِلَيْهِ ؟ قَالَتْ : أَبُو بَكْر ، قُلْت : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : عُمَر ، قُلْت : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح ، قُلْت : ثُمَّ مَنْ ؟ فَسَكَتَتْ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ فَيُمْكِن أَنْ يُفَسَّر بَعْض الرِّجَال الَّذِي أُبْهِمُوا فِي حَدِيث الْبَاب بِأَبِي عُبَيْدَة ، وَأَخْرَجَ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : " اِسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْر عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعَ صَوْت عَائِشَة عَالِيًا وَهِيَ تَقُول : وَاَللَّه لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلِيًّا أَحَبّ إِلَيْك مِنْ أَبِي " الْحَدِيث ، فَيَكُون عَلِيّ مِمَّنْ أَبْهَمَهُ عَمْرو بْن الْعَاصِ ، وَهُوَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِر يُعَارِض حَدِيث عَمْرو لَكِنْ يُرَجَّح حَدِيث عَمْرو أَنَّهُ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِنْ تَقْرِيره ، وَيُمْكِن الْجَمْع بِاخْتِلافِ جِهَة الْمَحَبَّة : فَيَكُون فِي حَقّ أَبِي بَكْر عَلَى عُمُومه بِخِلافِ عَلِيّ ، وَيَصِحّ حِينَئِذٍ دُخُوله فِيمَنْ أَبْهَمَهُ عَمْرو ، وَمَعَاذ اللَّه أَنْ نَقُول كَمَا تَقُول الرَّافِضَة مِنْ إِبْهَام عَمْرو فِيمَا رَوَى لِمَا كَانَ بَيْنه وَبَيْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ، فَقَدْ كَانَ النُّعْمَان مَعَ مُعَاوِيَة عَلَى عَلِيّ وَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ مِنْ التَّحْدِيث بِمَنْقَبَةِ عَلِيّ ، وَلا اِرْتِيَاب فِي أَنَّ عَمْرًا أَفْضَل مِنْ النُّعْمَان ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قلت : ويؤيد ويقوي صدق عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقدمه على غيره حين استعمله ، فقد قال الحافظ : وَقَعَ عِنْد اِبْن سَعْد سَبَب هَذَا السُّؤَال وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْس عَمْرو لَمَّا أَمَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَيْش وَفِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر أَنَّهُ مُقَدَّم عِنْده فِي الْمَنْزِلَة عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ لِذَلِكَ .

وفي المغازي عند البخاري برقم (4358) فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم .

فمع أن جواب النبي صلى الله عليه وسلم جاء على خلاف ما توقع ، وعلا خلاف ما يشتهي فلم يغير ولم يذكر نفسه ، بل لم يكتم الحديث ، فهذا دال على صدقه وتحريه رضي الله عنه فيما يحدث به خاصة إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فرضي الله عنهم وأرضاهم وأخزى من عاداهم .

وفي الحديث فضيلة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه حيث قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على غيره من الصحابة ، وفضائله وتقدمه على غيره وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في أحاديث صحيحة كثيرة جدًا ، وليس هذا موضع ذكرها .

وفيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها ، فكفاها فضلاً أنها أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذه طائفة أخرى من فضائلها رضي الله عنها :

* فمنها : ما رواه البخاري في صحيحه (3768) ومسلم (2447) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ . فَقُلْتُ : وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لا أَرَى تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . ففي هذا الحديث سلام جبريل عليه السلام على عائشة وقد عينها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكم الذين نالوا هذا الفضل ، وهذه الرتبة العالية من الخلق ؟ فمن تأمل هذه الفضيلة لعائشة لم يطلب غيرها .

* ومنها ما رواه البخاري (3769) ومسلم (2431) من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " وقد رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه بالقدر الذي في حق عائشة فقط ، وهذا نص على تفضيل عائشة على غيرها من النساء وتقديمها عليهن ، إلا ما كان من خديجة رضي الله عنها ، فإن الأكثر على تقديمها على عائشة رضي الله عنها وهو الراجح ، لكن لم يقدم أحد من أهل العلم أحدًا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها سوى خديجة فيما نعلم .

* وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أمر قد تضافرت عليه الأدلة ، فقد روى البخاري (3775) ومسلم (2442) وهذا لفظ مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي فَأَذِنَ لَهَا . فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ وَأَنَا سَاكِتَةٌ قَالَتْ : فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ ؟ فَقَالَتْ : بَلَى . قَالَ : فَأَحِبِّي هَذِهِ قَالَتْ : فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا : مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ : وَاللَّهِ لا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَعْظَمَ صَدَقَةً وَأَشَدَّ ابْتِذَالاً لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ قَالَتْ : فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ قَالَتْ : ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا قَالَتْ : فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ قَالَتْ : فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَسَّمَ : إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ " .

* وعائشة رضي الله عنها اختارها الله عز وجل لتكون زوجة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري (7012) ومسلم (2438) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ : إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ " .

فمن لم يرض عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد اعترض على الله في حكمه ، وعارض الله فيما اختار لنبيه ، واعترض على النبي صلى الله عليه وسلم .

* وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلل عائشة ، ويحرص على مودتها ، فقد روى البخاري (5228) ومسلم (2439) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ : أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ : قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلا اسْمَكَ " .

* وعائشة رضي الله عنها أم المؤمنين كغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال الله : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب :6) ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلّونها ، ويعرفون لها مكانتها ، ففي الصحيحين عنها أنها استعارت قلادة ، فهلكت ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه في طلبها ، فأدركتهم الصلاة ، فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : جزاك الله خيرًا ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا ، وجعل فيه للمسلمين بركة .

وروى البخاري (3771) عن القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت ، فجاء ابن عباس ، فقال : " يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ " فهذا اعتقاد ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فيها ، ورغم ما وقع بينهما وبين علي فإن أحدًا من الصحابة لم يتكلم فيها إلا بخير لأنها زوجة نبينا وحبيبته ، لا عليٌ ولا أحد من أصحابه ، فقد كان عمار بن ياسر من الذين قاتلوا مع علي ، وقد ذهب إلى الكوفة يستنفر الناس ، ليكونوا مع علي رضي الله عنهما وقد روى البخاري (3772) عن أبي وائل قال : لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا ، وقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنها راض ، وهي حبيبته ، فمن أبغضها فببغضه أبغضها ، وإن ادعى أنه من أتباعه .

* وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي " .

طعن الرافض ياسر الحبيب في عائشة رضي الله عنها :

ومع ما سبق وغيره من فضائل عائشة رضي الله عنها ومنزلتها في الإسلام وقد قال السبكي الكبير كما في فتح الباري (7/139) : لعائشة من الفضائل ما لا يحصى فقد طلع علينا المسمى بياسر الحبيب الرافضي من لندن يسب عائشة رضي الله عنها بأقذع الشتائم وأقبحها ويدعي أنه مسلم وانه ينتسب لعلي أو ينتصر له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي والمؤمنون بريئون منه ومن أمثاله .

من طعن في عائشة وقذفها فهو كافر :

قال القرطبي رحمه الله (7/4597) : قوله تعالى: (يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى في عائشة، لأن مثله لا يكون إلا نظير القول في المقول عنه بعينه ، أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لما في ذلك من إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله، وذلك كفر من فاعله.

قال هشام بن عمار : سمعت مالكًا يقول : من سب أبا بكر وعمر أدّب ، ومن سب عائشة قتل ، لأن الله تعالى يقول : (يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فمن سب عائشة فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قتل .

ياسر الحبيب ليس وحده :

ولا يظن أحد أن هذا الخبيث وحده ، فإنه تلقى هذا عن طائفته الرافضة ، وهذا هو اعتقاد هذه الطائفة الخبيثة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الفارق الوحيد أنه صرح بما يبطنه ، وطرح التقية ، لكن أصحابه يخفون ، ولا يعلنون ، لكي يخدعوا السذج من أهل السنة ، ويستدرجوهم كما حدث وسمعنا عن بعض المنتسبين للسنة ، الذين اغتروا بشعاراتهم في عداء أمريكا واليهود ، فشجعوهم ورفعوا دعوى التقريب بيننا وبينهم ، فأين دعاة التقريب اليوم ، هل تبرأت إيران من هذا الخبيث وأقواله ؟ فليفق أهل السنة فالأمر خطير ، فهؤلاء ينقضون الإسلام من أصله ، وإذا تمكنوا لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، فأسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم .

تحية لمجلس الأمة الكويتي :

وبهذه المناسبة نحيي كل من وقف ليذب عن عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى رأسهم أصحاب مجلس الأمة الكويتي ، فقد رأيت وسمعت اجتماعهم لذلك ، ورأيت منهم الغيرة على عرض أمهم ، فجزاهم الله خيرًا .

لا تأتي نصرة السنة عن طريق المحاكم الدولية :

ونصرة أم المؤمنين لا تأتي عن طريق المحاكم الدولية ، فمثل من يلجأ لذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فمتى نصر هؤلاء الإسلام ؟ فهم يهود ونصارى ولا يستبعد أن يكون لهم مشاركة في ذلك ، فمواقفهم وتحالفهم وتحالف الرافضة معهم في العراق وأفغانستان وغيرهما لا تخفى ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118) .

فلا نصرة للسنة وأهلها إلا بالرجوع إليها ونشرها والعمل بها وتوعية المسلمين وإيقاظ الغافلين ، نسأل الله عز وجل أن يردهم إلى الحق ردًا جميلاً .