أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

لمسات بيانية الجديد 10 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟ » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | () الزوجة الصالحة كنز الرجل () » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | مغني راب أميركي يعتنق الإسلام بكاليفورنيا » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,740
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    20-03-2024
    على الساعة
    12:55 AM

    افتراضي أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم


    ‎‎ والخطاب الدعوي الذي يجب أن ينفتح على أهل الكتاب وغيرهم من أهل الملل الأخرى،يتصور فيه أن يتخذ ثلاثة أشكال من الخطاب الإسلامي : (خطاب القدوة،وخطاب المجادلة،وخطاب المجاهدة).‏

    أولا : خطاب القدوة :‏

    ‎‎ وخطاب القدوة هو أول خطاب يجب أن يوجه إلى الناس من أصحاب الدعوات وحملة الرسالات ومن اتبعهم بإحسان وخلفهم بإيمان،وإلا فسيبقى الناس في حاجة شديدة لهذا الخطاب،مهما وجه إليهم من خطاب آخر،وإن جمل أو كمل.‏

    ‎‎ ولقد كان النبيون -صلوات الله وسلامه عليهم- قبل أن يقدموا خطاب ربهم للناس،يقدمون لهم أنفسهم -خيرين صالحين راشدين- فيجد الناس فيهم الصدق والأمانة،والبر،والحرص على نفعهم،فيرضون بهم،ويرجون منهم،ويتخذونهم أسوة حسنة.‏

    ‎‎ قال تعالى في رسولنا صلى الله عليه وسلم : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" ( الأحزاب : 21).‏

    ‎‎ وقال في النبيين من قبله،صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين : "لقد لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" ( الممتحنة : 6) بعد أن أخبر سبحانه أنهم صفوة البشر فقال : "وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار" (ص : 47).‏

    ‎‎ ولقد فطر الناس على افتقاد القدوة والبحث عن الأسوة،لتكون لهم نبراسا يضيئ سبيل الحق،ومثالا حيا يحتذى به،ويقتدى بفعاله،يبين بحاله كيف يكون المؤمن،وكيف يلتزم؟‏

    ‎‎ ولقد ربى القرآن الكريم دعاة الإسلام من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كيف يعطون القدوة لغير المسلمين،نقدم منها ثلاثة نماذج تبين ما نقصده من إعطاء القدوة:‏

    الرسول صلى الله عيه وسلم يعطي القدوة لغير المسلم:‏

    ‎‎ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه وجميع سلوكه،وحسن تعامله مع الناس،ترجمة صادقة للداعية الموفق،وأسوة حية لمن يرجو التحقق بالقرآن،والتزام تعاليمه وآدابه،وقد اكتمل فيه خلق القرآن،حتى قالت عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه : "كان خلقه القرآن" (27).‏

    ‎‎ ولقد جعله الله تعالى قدوة وأسوة للناس،فأعطى من نفسه القدوة في كل شيء،فانتصر لغير المسلم على المسلم،إقامة للحق والعدل،بتوجيه الوحي المعصوم،ونذكر لذلك موقفين من مواقفه الدعوية التي أعطى فيها القدوة لغير المسلم،فأقنع العالمين بأحقية الإسلام في قيادة البشرية.‏

    الموقف الأول : قصة اليهودي الذي اتهم بسرقة الدرع،وهي أن رجلا من المسلمين سرق درعا،فلما خاف أن تظهر عليه،رمى بها في دار يهودي،فلما وجدت الدرع أنكر اليهودي أن يكون أخذها،واستعان السارق بقومه على اليهودي،فغلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهودي قد سرقها إذ شهد شهود بذلك،ووجدت الدرع في بيته،وهذه كلها قرائن قوية،ولكن القرآن ينزل منتصرا لليهودي على المسلم قائلا : "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما" (النساء : 105).‏

    ‎‎ وقد أراه الله أن المسلم هو السارق،وأن اليهودي بريء،فبرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم.‏

    والموقف الثاني : أن أبا حدرد رضي الله عنه قال : كان ليهودي علي أربعة دراهم،فاستعدى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال له : إن لي على هذا أربعة دراهم،وقد غلبني عليها،قال : "أعطه حقه" قلت : والذي بعثك بالحق نبيا،ما أصبحت أقدر عليها قال : "أعطه حقه"،فأعدت عليه . فقال : "أعطه حقه"،فخرجت معه -أي اليهودي- إلى السوق،وكانت على رأسي عمامة،وعلي بردة متزر بها،فاتزرت بالعمامة،وقال : اشتر البردة،فاشتراها بأربعة دراهم (28).‏

    ‎‎ وهكذا يقف النبي صلى الله عليه وسلم في صف اليهودي،ينتصر له،وينتزع حقه من المسلم مع عسر تحقيقه على المسلم،ولا تعليق على هذه المواقف بعد أن كان غير المسلم ممن لم يستجب للدعوة يستعدي رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم على المسلم الذي يتبعه،ويؤمن برسالته،ويحمي دعوته،ويقسم بالحق الذي بعث به.‏

    عمر يعطي القدوة لغير المسلم:‏

    ‎‎ ولو استرجعنا أيام خلفاء الرسول صلى الله عيه وسلم الذين تربوا على يديه،نجد أنهم اقتدوا به،واهتدوا بسنته،فتوجوا التاريخ بمواقف يكاد يستحيل حصولها،ويندر وقوعها في تاريخ البشرية.‏

    ‎‎ فعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسجل للتاريخ أروع المواقف في إقامة العدل،ويعطي القدوة من نفسه لغير المسلم،فيطمئن هذا لدين الحق،ويسعد في ظلال شرعه وأحكامه،وحكامه،وإن لم يؤمن بعد.‏

    ‎‎ ضرب ابن لعمرو بن العاص رضي الله عنه وهو وال على مصر ابنا لقبطي من أقباط مصر بالسوط،وهو يقول : أنا ابن الأكرمين. فأتى القبطي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين،يشتكي واليهم عمرو بن العاص،قال أنس رضي الله عنه : "كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل من أهل مصر،فقال : يا أمير المؤمنين ! هذا مقام العائذ بك ! قال : وما لك؟ قال : أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل،فأقبلت فرسي،فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو فقال : فرسي ورب الكعبة،فلما دنا مني عرفته،فقلت : فرسي ورب الكعبة،فقام إلي يضربني بالسوط،ويقول : خذها وأنا ابن الأكرمين .. فوالله ما زاد عمر على أن قال له : اجلس. ثم كتب إلى عمرو ابن العاص : إذا جاءك كتابي هذا فأقبل،وأقبل معك بابنك محمد .. وقال للمصري : أقم حتى يأتيك،فدعا عمرو ابنه فقال : أأحدثت حدثا؟ أجنيت جناية؟ قال : لا. قال : فما بال عمر يكتب فيك؟ فقدما على عمر . قال أنس : فوالله إنا عند عمر،إذ نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء،فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه،فإذا هو خلف أبيه،فقال : أين المصري؟ قال : ها أنذا،قال دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين،فضربه حتى أثخنه ونحن نشتهي أن يضربه،فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه،وعمر يقول : اضرب ابن الأكرمين،ثم قال : أجلها على صلعة عمرو،فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه،قال : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت،وقد ضربت من ضربني،فقال : أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه،ثم قال عمر : أيا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ فجعل يعتذر ويقول إني لم أشعر بهذا،ثم التفت عمر إلى المصري فقال : انصرف راشدا،فإن رابك ريب فاكتب إلي" (29).‏

    ‎‎ ومن العجيب أن كل من حضر هذا الحادث كان قد وجد في نفسه من فعل ابن عمرو بن العاص،وكان يحب أن يضربه القبطي المصري كما يقول أنس رضي الله عنه : "فضربه حتى أثخنه،ونحن نشتهي أن يضربه"،انتصارا للمظلوم ولو كان من غير المسلمين،وردعا للظالم وعدم الوقوف معه ولو كان من قادة المسلمين.‏

    علي بن أبي طالب يعطي القدوة لغير المسلم:‏

    ‎‎ ولقد تابع علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر،يعطي القدوة من نفسه لغير المسلم وهو أمير المؤمنين،ولا ينتصر لنفسه،ولا تأخذه العزة بالسلطان،مما دعا غير المسلم أن ينضم إلى هذه الأمة راضيا راغبا معلنا إسلامه.‏

    ‎‎ فقد حكى التاريخ روعة موقفه من النصراني الذي أخذ درعه، فاحتكما إلى قاضي المسلمين،فيحكم قاضي المسلمين للنصراني على أمير المؤمنين.‏

    ‎‎ والقصة : أن عليا رضي الله عنه وجد درعه عند رجل نصراني،فأقبل به إلى شريح (القاضي) يخاصمه،فقال : هذا الدرع درعي ولم أبع ولم أهب،فقال شريح للنصراني : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني : ما الدرع إلا درعي،وما أمير المؤمنين عندي إلا بكاذب. فالتفت شريح إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ! هل من بينة؟ فضحك علي وقال : أصاب شريح،ما لي بينة،فقضى شريح بالدرع للنصراني،فأخذه النصراني،ومشى خطى،ثم رجع،فقال : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء،أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه يقضي عليه،أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين،اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الأورق،فقال علي رضي الله عنه : أما إذ أسلمت فهي لك،وحمله على فرس (30).‏

    ‎‎ هكذا غزا الإسلام قلب هذا النصراني،وهكذا غزا الإسلام أواسط أفريقيا وكثيرا من البلاد،بما قدمه المهاجرون لها في أهلها من القدوة الحسنة،والتزام الحق،والدعوة بالحال قبل الجدال والقتال،وقد لا يحتاج الدعاة إلى كثير معاناة وجهد،إذا التزموا الحق،وقدموا الخير الذي أصابهم بأجمل ما يكون،وعلى أحسن حال يرجى،ولكن يا حسرة على المهاجرة إلى بلاد الكفر،يقدمون أسوأ أحوال المتفلت عن الدين،المتحلل عن ملزماته،المتخلي عن آدابه،فيرى غير المسلم المسلم فيسوؤه ما يرى،فيدبر ولا يقبل.‏

    ‎‎ فمن الضروري -إذن- أن يبدأ الخطاب لغير المسلم،بتقديم القدوة الحسنة.‏

    خطاب القدوة لا ينافي البراء:‏

    ‎‎ وقد يظن بعضهم أن في إعطاء القدوة ومعاملة غير المسلم بالبر والقسط والعدل،وبالتزام الحق ولو على النفس،منافاة للبراء الذي يجب أن يكون بين المسلم وغير المسلم،وأن فيه موالاة لهم،وهذا غير صحيح،إذ التزام الحق مع الناس،ومعاشرتهم بالبر والقسط والعدل،هو نداء الإسلام في كل حين،ولم يقصد الإسلام يوما ما أن تقوم الحياة كلها بين المسلم وغيره على العداء المستمر،والقتال الدائم،وتجهم الوجوه،وسوء المعاملة،وفظاظة العشرة،وفحش الكلام،وبذاءة القول،والظلم والتظالم .. لا،لم يقصد الإسلام إلى ذلك،إذ الأصل في حياة الناس : السلم،وطيب المعاشرة،والعدل،والإنصاف،والبر،والإصلاح،وحسن المقال،وبهذا نادى القرآن،يقول تعالى : "وقولوا للناس حسنا" ( البقرة : 83) .. ويقول أيضا : "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا " (الإسراء : 53).‏

    ‎‎ ولما قدمت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه إليها في المدينة،وهي مشركة وهي راغبة في صلة ابنتها،فجاءت أسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن صلتها،فقال لها : "نعم،صلي أمك"،فأنزل الله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" (الممتحنة : 8).‏

    ‎‎ وأكثر أهل التأويل والتفسير على أن هذه الآية محكمة،باقية أحكامها إلى يوم الدين،وهو ما اختاره الطبري والقرطبي والشافعي في أحكام القرآن وغيرهم.‏

    ‎‎ إذن،فليس محظورا ولا ممنوعا،ولا من الموادة والموالاة،أن تبر غير المسلم المسالم،وأن تقسط وتعدل في عشرته ومعاملته وأن تنصفه فيما له من حقوق على المسلمين.‏
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,740
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    20-03-2024
    على الساعة
    12:55 AM

    افتراضي

    ثانيا : خطاب المجادلة:‏

    ‎‎ إن كانت بعض الفئات من البشر تفتح قلبها القدوة الحسنة،فتسارع إلى الإيمان وتشهد بالتوحيد،فإن فئات أخرى تؤثر فيهم المجادلة بالحسنى،ويلزمهم الحوار بالتي هي أحسن،فتنقاد عقولهم إلى الحق لتسلم القلوب لله رب العالمين.‏

    ‎‎ والدعوات كلها تنطلق أساسا من الحوار،وتتخذ سبيل الجدال في كل أطوارها ومراحلها،ولا تتوقف المجادلة إلا باعتراض عنيد يستوجب إزالته باليد والسيف،ثم تواصل المجادلة سيرها تلزم الحجة،وتقنع المرتاب،وتهدي الحيران،وتثبت المتردد،وتصارع الأفكار،وتخاطب العقول،يبلج الحق فيها ويزهق الباطل،إذ تقذف بالحق عليه فيدمغ ويزهق.‏

    ‎‎ ولقد أكثر الدعاة من الجدال بالحسنى،عبر المرسلين والمتبعين لهم بإحسان،حتى تضايق قوم نوح من جداله،يؤاخذونه به،ويرضى الله عنه،بذكر شكايتهم وتضايقهم،في معرض الإنكار عليهم في قوله تعالى : "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثر جدالنا،فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" (هود : 32). ‏

    ‎‎ فالقرآن ينبه الداعين إليه إلى التزام المجادلة في الدعوة إليه،ويقرنها بالحكمة والموعظة الحسنة،فيقول تعالى : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (النحل : 125).‏

    ‎‎ وينادي الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يكون خطابهم إلى أهل الكتاب خطاب مجادلة ومحاورة بالحسنى،يرسم لهم أساسيات هذا الجدال،وما لا يضر الحق من الإقرار به،وإعلانه،والاتفاق فيه معهم،وذلك في قوله تعالى : "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم،وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت : 46).‏

    ‎‎ بل يأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو أهل الكتاب من غير المسلمين،يناظرهم ويحاورهم ويجادلهم بأقصى ما يمكن اتخاذه من أساليب المجادلة والمحاورة،فيقول له تعالى : "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ،فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" (آل عمران : 64).‏

    ‎‎ يقول الجصاص رحمه الله : "وفي هذه الآيات دليل على وجوب المحاجة في الدين،وإقامة الحجة على المبطلين .. قال : وقوله تعالى : "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" (آل عمران : 66) ،أوضح دليل على صحة الاحتجاج للحق" (31).‏

    ‎‎ ولقد وصل الحال برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباهل نصارى نجران في جداله معهم،وقد قدموا عليه يجادلونه في عيسى عليه السلام،فأنزل الله عليه قوله تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" (آل عمران : 59) ،يقطع عنهم الحجة ويلزمهم (32).‏

    ‎‎ ويقول ابن القيم في فقه قصة مجادلته صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران : "ومنها : جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم،بل استحباب ذلك،بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم،وإقامة الحجة عليهم،ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة،فليول ذلك إلى أهله،وليخل بين المطي وحاديها،والقوس وباريها (33).‏

    ‎‎ واستمر خطاب الحوار والجدال يقارع الحجة،ويصارع الأفكار والمذاهب والملل،كلما خاض معركة انتصر،ولا يزال في الأمة المجاهدون بألسنتهم،لا ينازلهم أحد إلا صرعوه.‏
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,740
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    20-03-2024
    على الساعة
    12:55 AM

    افتراضي

    ثالثا : خطاب المجاهدة:‏

    ‎‎ لو كان الناس تقبلوا الحق حين رأوا أصحابه يعطونهم القدوة من أنفسهم،أو بما قام بينهم من حوارات ومجادلات،أو كانوا تركوا الدعاة يبلغون دين الحق دون الصد عن سبيل الدعوة والوقوف في وجهها بالمال والقوة والسلطان،لما احتاج المسلم أن يشهر سيفه،ولاكتفى بالمشاكلة والمجادلة .. ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يدعو قومه بشيء من حرية دون اعتراض شديد،بل يجد الحماية والجوار،يصدع بالحق في قريش،ويعرض دعوته في المواسم للحجيج والتجار،ما احتاج المسلمون إلى توجيه خطاب المجاهدة إلى أهل مكة،وكما يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : "لم يكن هناك ضرورة ملحة لتجاوز هذه الاعتبارات كلها،والأمر بالقتال،ودفع الأذى،لأن الأمر الأساس في هذه الدعوة كان قائما -وقتها- ومحققا،هذا الأمر الأساس هو وجود الدعوة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وشخصه صلى الله عليه وسلم في حماية سيوف بني هاشم،فلا تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع،فكان صلى الله عليه وسلم يبلغ دعوته -إذن- في حماية وأمن،لا يكتمها ولا يخفيها،فكان للدعوة وجودها الكامل،ومن ثم لم تكن هناك الضرورة القاهرة لاستعجال المعركة .. "(34).‏

    ‎‎ ولكن حال المناقضين للفطرة،من أصحاب الجاه والسلطان والمال،أنهم لا يتركون الدعوة تمضي،ولا يخلون بين عامة الناس وبين اختيارهم بحرية،فيقفون في وجه الدعوة،يقاومون أهلها بكل وسيلة،ويمنعون الناس أن يسمعوا أو يقربوا أو يختاروا،فعندئذ لا بد من إزاحة هذه العوائق من على طريق الدعوة،فيتحول خطاب المسلم من المشاكلة والاستحسان،ومن الحوار والجدال،إلى خطاب السيوف والرماح والنبال،ومن جهاد الجدال إلى جهاد القتال،حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.‏

    ‎‎ وبعدأن تزاح عوائق سماع الدعوة،وتزول الفتنة الواقعة أو المتوقعة عن الدين،يعود خطاب القدوة وخطاب المجادلة.‏

    مرحلة الصفوية

    ‎‎ انفتاح الخطاب الدعوي على جماهير الناس،ليس على إطلاقه،ولا يقتضي بحال أن تكون الانفتاحية في كل حين وحال،بل لابد من الصفوية في مرحلة من مراحل الدعوة،وذلك أن الدعوة لا تنطلق بذاتها،وإنما يحمل خطابها مؤمنون بها.‏

    ‎‎ وهؤلاء المؤمنون الأوائل،هم الصفوة المقصودة،إذ المصلح أو الداعي يبدأ بفئة أو طائفة أو جماعة متقاربة في الالتزام والطاعة،متقاربة في الفكر والاعتقاد والمبادئ والأهداف،متقاربة في الاجتهاد والتبليغ والدعوة،وهؤلاء هم الصفوة.‏

    ‎‎ وهكذا كان الله سبحانه وتعالى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ،والرسول مع السابقين الأولين من صحابته رضوان الله عليهم.‏

    ‎‎ فالقرآن بدأ بتنشئة صاحب الدعوة،يهيىء فكره وعقله،مخاطبا إياهما بـ " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم" (العلق : 1 -3).‏

    ‎‎ ثم هيأ روحه ودواخله آمرا إياه أن : " قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" (المزمل : 2 -5).‏

    ‎‎ وبعد ذلك هيأ له راية الإبلاغ تبشيرا وتنذيرا،فأمره أن : "قم فأنذر،وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر" (المدثر : 2 -5).‏

    ‎‎ والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدأ مع أهله،ثم أصدقائه وأخلائه،ثم عشيرته،ثم انطلق وصدع،وهذا تمرحل طبيعي.‏

    ‎‎ وفي أثناء ذلك عكف يربي فئة خيرة سابقت العالمين إلى الإيمان به واعتناق الدين الذي جاء به،والالتزام بمفاهيمه وقيمه وتعاليمه،لينطلق بهم في الأرجاء،ينشر الدين ويدعو إلى الديان رب العالمين.‏

    ‎‎ ولقد كان الصحابة الأولون مثلا في التقوى والالتزام،والتخلق بخلق الإسلام،قل من يأثم أو يظلم،أو ينحرف أو يحيد،أو يذنب أو يكيد.‏

    ‎‎ ولكن لما كثر المؤمنون،وانبسطت تعاليم الإسلام في البلدان والأمصار،كثر المذنبون والآثمون،وكثر أيضا المتقون الطائعون.‏

    ‎‎ ولن نقول بكراهة نشر الدين مخافة دخول الذين سيذنبون أو يعصون بحجة أنهم سيسيئون إلى الإسلام،فالإسلام دعوة عالمية،محفوظة بحفظ الله ،يجب أن تبلغ العالمين،ورسالة مطلقة عن الأشخاص والأزمان والأمكنة : "إن هو إلا ذكر للعالمين" ( التكوير: 27) .. "وما هو إلا ذكر للعلمين" (القلم : 52) .. "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء : 107) .. "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (سبأ : 28).‏

    ‎‎ إذن الأصل هو انفتاح الدعوة على الأمة لا الصفوة .. وأما الصفوية فهي مرحلة ضرورية،ولكنها عارض،تزول بانبساط الدين في الأرجاء وتهيئة الأجواء،ودخول الأفواج(*).‏

    ‎‎ ومجتمع المدينة كان يضم أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،رضي الله عنه،وأيضا ضم أمثال عبد الله بن أبي رأس النفاق .. وهذا هو الأصل الذي يجب أن يتوقعه الدعاة،ويجب أن يتعاملوا معه.‏

    ‎‎ فينبغي أن يكون الخطاب الدعوي اليوم خطاب أمة لا خطاب صفوة .. خطاب جماهير لا نخبة،يتخذ الانفتاحية بديلا عن الانغلاقية والصفوية التي اتسمت بها بعض الدعوات الإسلامية المعاصرة.‏
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. متحف الفن الإسلامي في الدوحة..« 1400» عام من التاريخ الإسلامي
    بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى المنتدى التاريخي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-11-2012, 05:04 PM
  2. في الملحدين واللادينيين وغيرهم - مهم
    بواسطة سيف الحتف في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-10-2010, 01:05 AM
  3. فصل الخطاب فى نصيحة اهل الكتاب
    بواسطة عثمان القطعانى في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 31-12-2009, 02:27 PM
  4. فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب للصلابي كتاب الكتروني رائع
    بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20-08-2008, 09:37 AM
  5. فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب للصلابي كتاب الكتروني رائع
    بواسطة عادل محمد في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20-08-2008, 09:37 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم

أشكال الخطاب الإسلامي إلى أهل الكتاب وغيرهم