قال فَضيلةِ الشَّيخِ عَبدِ المَالكِ رَمضَانِي -حفظهُ اللهُ-:
" حقيقة هذا الموضوع شغلنا كثيرا

وشغل الساحة شغلًا لا نعلم أنه حصل من ذي قبل بمثل هذا الحجم والتكرار

وحُق له أن يُكرر ويُذكَّر الناس فيه بالحق الذي ينبغي أن يكونوا عليه

لأنه -مع الأسف- انقلبت سهامُ كثير منا على بعضِنا عن غير استحقاق

فيه نوع من الغلو وما إلى ذلك.

لكن أنا -دائمًا- أكرر الكلام للإخوة أقول لهم:

لا تأخذوا الموضوع من جانب وتغفِلوا الجانب الآخرلأن هذا الموضوع ينتزعه طرفان:

طرف يريد أن لا يسمع عنه شيئًا، بتعبيرهم هم: لا جرح ولا تعديل! ويقصدون لا جرح.

والطرف الثاني: لا يرى من الدِّين سوى الجرح! يتفرغ له تفرغًا كاملًا.


فالقسم الأول :

يريدون أن يستروا على مَن يسميهم الناس رموز دعوتهم

بعض الرؤوس تصدر منهم أخطاء، فإذا جئتَ أنت تبين أخطاءهم بالحق وبالدليل

قالوا: ما عندكم سوى الغيبة، ما عندكم سوى أكل لحوم الناس!

فيأتون بكلمة حق، لكن يضعونها في غير موضعها

لأن بيان خطأ المُخطئ هذا مِن الدين، الله -عز وجل-

كم يقول: وقالوا ويقولون. . وقالوا ويقولون. . وقالوا ويقولون . . يرد عليهم

والنبي -صلى الله عليه وسلم- رد على كثير من الناس

ثلاثة من الناس عزفوا عن الدنيا؛ فقام خطيبًا فرد عليهم.

قام خطيب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب خطبة فأخطأ في جملة من لفظه

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بئس خطيب القوم أنت!" كما جاء في "صحيح مسلم"؛ بيَّن خطأه.


وهذا شيء لا يكاد ينحصر

لأن في بيان خطأ المخطئ إخلاص للأمة؛ من أجل تخليصها من تلك الأخطاء؛ حتى لا يُقلَّد

وإخلاص للمخطئ نفسه أي نُصح له؛ حتى تقل أخطاؤه.

كما ذكر ذلك الإمام أحمد -رحمة الله عليه- قال:

(لَنحن لهؤلاء أنصح منهم لأنفسهم؛ إنما نريد أن نخفف عليهم أثقالهم يوم القيامة).

نعم {لِيَحْمِلُوا أوْزارَهُم ومِن أوزارِ الذِين يُضِلُّونَهم بِغيرِ عِلمٍ ألَا سَاءَ ما يَزِرونَ}.

فلذلك نقول:

الجرح والتعديل -لا شك- أنه مِن الفنون التي امتازت بها هذه الأمة

وبذلك حظيت أو حظي هذا الدِّين بالحفظ -والحمد لله-

من أسباب الحفظ بيان من يحِق أن يجرح، بيان من ينبغي أن يعدل

حتى يعرف الناس عمن يأخذون دينهم، كما قال ابن سيرين -رحمه الله-:

(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)...

فعلى كل: يقال للناس الجرح والتعديل دين.

لا كما يقول أولئك الذين يريدون أن ينفوه من أجل التستر على أخطاء شيوخهم

مع أنهم إذا ذَكروا أهل السُّنة السلفيين

لم يذكروا لهم شاردة ولا واردة إلا أظهروها للناس مما يتوهمونه خطأ

أبدًا إذا ذكروا أهل السُّنة السلفيين ما عندهم إلا الجرح!

أما الطرف الثاني -الذي ظهر بقوة في هذه السنوات الأخيرة من بعض إخواننا-:

الغلو في الجرح حتى شمل الجرح إخوانهم في الدِّين، إخوانهم في السُّنة

والله تعالى يؤصِّل لنا فيقول: {والمؤمِنون والمؤمِناتُ بَعضُهم أولياءُ بعضٍ}

ويقول: {إنمَّا المُؤمِنونَ إخْوَة}

والنبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ستر مسلمًا في الدنيا؛ ستره الله يوم القيامة"

مرة كنت في مثل هذا المجلس، ذكرت هذا الحديث؛ جاءني واحد وقال: سبحان الله!

هذا الحديث كدت أنساه! حديث معروف، عامة المسلمين يعرفونه ويحفظونه:

"مَن ستر مسلمًا في الدنيا؛ سَتره اللهُ يوم القيامة"، قال: كدنا ننساه!

بحيث يُخطئ المخطئ منا إلا ونكمل عليه وننتهي منه!

ما نفكر كيف نستره في هذه الدنيا ونحاول معه! ...


يعالَج هذا المشكِل -مِن حيث التأصيل العام- بالرجوع إلى النفس، كيف ذلك؟

هذا من ذنوبِنا -ولا شك - ...لأن الله -تعالى- أخبرنا خبرًا عامًّا لجميع الخلق؛ فقال:

{ومَا أصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثيرٍ}

والمصائب هي جنيُ أعمالِنا؛ بل أخبر -سبحانه وتعالى- عن أفضل جماعة اتَّبعت نبيَّها؛ فقال:

{أوَ لَـمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثلَيْها قُلتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ}

هذا خطاب لمن؟ لأصحابِ النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إذا كان الصحابة يُخاطَبون بمثل هذا الخطاب: {أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ} وإيش السبب؟

{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ } فكيف بمن دونهم!

بل قال الله -تعالى- لأشرف الخلق -إطلاقًا- محمد -صلى الله عليه وسلم-:

{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.

لماذا لا نحترز -الآن- من ذنوبها وأخطائِنا؟!

لأننا نحن -الآن- نتكلم عن أعراض الخَلق

بسبب تسلط الناس عليك (كأنك) تتسلط عليهم بغير حق، يُتأمل هذا جيدًا. هذا حقيقة

رأيناها عيانًا في كثير مجتمعاتنا السُّنِّية.

تجد تسلط حتى بعض الحكام على كثير من المتدينين

لمَّا كان في هؤلاء المتدينين غلو وبَسط لسان في أعراض إخوانِهم بغير حق

كما تتسلط يُسلَّط عليك! الجزاء من جنس العمل.

فينبغي أن ينظر في هذا بمنظار الشرع؛ نتوب من ذنوبننا حتى يرفع الله -تعالى- ما نحن فيه.

ثم نأتي إلى التفصيل -لكن ما نطيل إن شاء الله- لكن فيه شيء من التفصيل، كيف ذلك؟

الآن الشاب مِن توه بدأ في الطلب؛ يُسند إليه تتبع أخطاء فلان!

يتفرغ لأشرطته، لكتبه، بل لتحركاته، بل لقُرَنائه؛ من يجالس! يروح المسكين!

الآن يقال: أنت مجاهد! الرد على أهل البدع جهاد! نعم؛ هو جهاد

لكن كل يطيقه؟! كل يقدر عليه؟! كما قال بعض السلف:

إذا كان الشاب في أول الطلب يَبدأ يقول: فلان فيه وفلان فيه؛ متى يتعلم ومتى يُفلِح؟!!

نعرف رجلًا -سبحان الله!- هو نفسه يحكي يقول: ثلاثة أشهر ما رأيت صلاة الفجر في المسجد!

ما السبب؟ أُسند إلي أشرطة فلان أتفرغ لها، قال: فكنت الليل كامل

وأنا كلما وجدت خطأ له طِرت فرحًا! ثم يأتي يقربه قُربانًا للشيخ فلان

حتى يُعطى له وسام، أفضل واحد في الجرح والتعديل في القرية الفلانة هو فلان!!

فمسكين دينه طايح!! هو دينه طايح المسكين! نسي نفسه

وأنتم تعلمون نسيان النفس من أسباب الفسق

{ولا تكونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفَسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

التقيت قريبًا جاني واحد كنت أعرفه كان ممن دخل في الفتنة طبخ فيها طبخ غير عادي

قال لي: ... شوف والله العظيم ما سلم مني أنا سوى أنت؛ لأني أحبك!

شوف المسكين يعترف!

قال: والله هذي الذي تراها؛ ما تركتها إلا رجولةً ليس تديُّنًا نسأل الله العافية [يقصد اللحية].

فالآن شبابنا مسكين في ضعف شديد! اللحية نعم؛ ما خليتها على خدي سوى (رجلة) فقط!

وإلا قال: نحن في ضعف في الدِّين شديد جدًّا ...

الجرح والتعديل تفرَّغ له علماء كبار، اقرأ في الجرح والتعديل يدور على من؟

5..6..10. .11. . ولا على الأمة؟

ما تجده أنه يدور على الأمة، خاصة في المسائل الدقيقة.

تأتي للشاب تقول له: المجمل والمفصل ومثل ما ذكر الشيخ بعض القواعد الآن دخَّلوا فيها ... نعم ...

(لا خل شوي نعدل القاعدة يمكن نشوف بعض الأفراد دخلوا فيها، وهو لا يريد إدخلالهم)!

مَد وجزر!! ليش؟ ما عنده تقعيد علمي، ثم دخل في قواعد كبيرة عليه!

كيف نزج بالشباب في مثل القضايا هذي؟!

نحن ما ننكر الجرح والتعديل، لكن ما كل إنسان يصلح له.

ثم ليش علماء كتب الرجال يشترطون في عالِم الجرح والتعديل أن يكون ذا تُقى وعلم؟

ذا تُقى ليش؟ حتى يفرق بين الإنتصار لنفسه والانتصار للدِّين ...

يختلف مع شخص يروح يطلع فيه شريط ديني! وكل القضية شخصية!

يبحث له عن أي شيء! ويعطيها صبغة دينية!!

ولذلك الحرص على أخُوَّة الإسلام، الحرص على أخُوَّة السُّنة، لنا إخوة في السُّنة نفرح.

رأينا علماء كبار يرون من الشخص مخالفات، لكن ما هي مخالفات كبيرة، يَغضُّون الطرف؛ ليش؟

يشوفون الشخص -ما شاء الله- يحب السُّنة وينصرها؛ فيؤيِّدونه ويشدون مِن أزرِه

ما يُنهونه ويَنتهون منه

بل يحاولون معه حتى (يُقِيمُونه)، إذا سقط أقاموه ما أجهزوا عليه

لأن هذا المطلوب

{وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ} تعينه ويعينك

نحن بشر نخطئ -ولا بُد-. لكن ليش ما نفرِّق بين مبتدع وبين صاحب سُنة؟

مُبتدع أخطأ، وصاحب سُنة أخطأ، ليش ما نفرق؟

بل الرحمة للجميع؛ حتى المبتدع نرحمه ونحاول معه.

فعلى كل: احرصوا على إخوانكم. كان أيوب السختياني -رحمه الله-تعالى- يقول:

(إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السُّنة؛ فكأنما سقط عضوٌ مِن أعضائي).

شوفوا الحب للخير، الحب للسُّنة، الحب لأهل السُّنة

يموت رجل من أهل السنة؛ كأنه عضو سقط من جسمِه! يحس حقيقة!

أهل السنة متعاضِدون، مُتناصِرون، يَنصرون الحق، والله -تعالى- بهم ينصر الحق.

هذا والله -تعالى- أعلم. نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى."

نصيحة لِشبابِ أهل السُّنَّة في كَيفيَّة التَّعامُل مع الفِتنَة (منقول)