بسم الله الرحمن الرحيم
اسباب زواج النبى(ص) بامهات المؤمنين
و مقارنة ذلك بما ورد بالتوراة و الانجيل
فيما يتعلق بزواج الانبياء السابقين
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير الاولين و خير الاخرين سيدنا محمد و على اله و صحبه و من اهتدى بسنته الى يوم الدين ثم اما بعد....................
اثارت مسالة زواج النبى (ص) بامهات المؤمنين لغطا كثيرا و طعنا فى الدين و لا سيما من قبل الغرب الملحد و جعلوا من هذه المسالة مادة لبث الفتنة و السموم و الطعن فى النبى (ص) و اتهامه بالشهوانية و التمرغ فى الملذات الجنسية و لعل من اخطر مصادر هذه الشبهات هو الانترنت (رغم ماله من فوائد علمية و انه وسيلة اتصال سهلة و رخيصة خاصة للمغتربين) الا انه اصبح شيطان الغرب لتشكيك المسلمين فى دينهم و نبيهم (ص) و على الاخص الشباب عضد الامة مستغلين جهل المسلمين بالكثير و الكثير من امور دينهم و كما سبق و اوضحنا فى مقالات سابقة فان عدم علم الانسان بالشئ هو الوسيلة المثلى و المدخل الذى يتمناه الشيطان و اولياؤه لفتنته فيه لذلك يقول الحق تبارك و تعالى ( و لا تقف ما ليس لك به علم) الاسراء 36 كما يقول عز من قائل ( و من الناس من يجادل فى الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منيرثانى عطفه ليضل عن سبيل الله له فى الدنيا خزى و نذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) الحج 8 – 9( و من الناس من يجادل فى الله بغير علم و يتبع كل شيطان مريد ) الحج 3 (بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم فمن يهدى من اضل الله و ما له من ناصرين ) الروم 29 فالشاهد من الايات ان عدم العلم بالشئ مع الخوض فيه من المهلكات لاسيما اذا تعلق هذا الشئ بدين الانسان او بعبارة اكثر دقة اذا تعلق بالله تبارك و تعالى و من ثم امر الله و رسوله بطلب العلم و حبذ اليه بل بدأ الدين كله بالامر بالتعلم فكانت اول ايات القران هى اقرأ و الادلة على وجوب التعلم كثيرة لا حصر لها ليست هى موضوعنا و لكن بالتاكيد سوف نتناولها تفصيلا لاهميتها فيما بعد لذلك احذر شبابنا من الخوض فى اى مناقشة على الانترنت دون علم ووعى للمسالة الدينية المطروحة لانها لا يقصد بها الا الاضلال و لا يوجد ما يمنع من مجادلة اهل الكتاب بالتى هى احسن لكن لابد اخى المسلم ان تكون مستعدا حتى لا تضطرب عقيدتك و كذلك لانك ان فعلت فانك تمثل الاسلام و المسلمين بل لا اكون مخطئا لو قلت انك تكون بمثابة خليفة عن النبى(ص) فى المنافحة عن الدين فاحذر و انتبه لهذه المكيدة.

اعود فاقول ان تعدد زوجات النبى(ص) الذى لا يعلم الكثيرون منا الحكمة منه و اهميته بالنسبة للدعوى الاسلامية كان وسيلة لاثارة الشبهات بل ان هذا الموضوع كان مادة تدرس بالجامعة الامريكية للمسلمين و غيرهم وضع مادته من يدعى ماكسيم رودنسون اليهودى الاصل و قد اثار ضجة عارمة فى الاوساط الاعلامية و الفكرية و تصدى له بعض الغيورين على الاسلام و كشفوا زيفه فاسدل الستار عليه و كأن شيئا لم يكن
لذلك سوف يتناول بحثنا هذا بيان زهد النبى (ص) الاسباب الخاصة وراء تزوج النبى (ص) من كل زوجة على حدة ثم بيان الاسباب العامة من هذه الزيجات و الحكمة التى من اجلها اباح الله للرسول (ص) التزوج باكثر من اربعة واما القسم الاخير فسوف نورد فيه ان شاء الله من التوراة و الانجيل وضع الانبياء السابقين فى هذه المسالة حتى لا نترك قولا لقائل و هذا القسم فى غاية الاهمية و البيان فالمرجو الاهتمام به

ولكن قبل ان نخوض فى الحكمة من زيجاته وجب علينا ان نذكر نبذة عن زهده فى متع الدنيا (ص) لاتصال هذه الخصيصة بموضوعنا قلبا و قالبا فقد كان (ص) إماماً للزهد و مثالا للعفاف و الورع ولم يملك خلال فترات حياته الا حد الكفاف من كل شئ لا يرجو من هذه الدنيا الا وجه الله ولا يبتغى منها الا ما يخدم رسالته العظيمة

والزهد في حقيقته هو الإعراض عن الشيء ، ولا يطلق هذا الوصف إلا على من تيسر له أمرا من الأمور فأعرض عنه وتركه زهداً فيه ، وأما من لم يتيسّر له ذلك فلا يقال إنه زهد فيه ،و قد كان النبى (ص) ملكا متوجا يستطيع ان ينال كل ما يريد فضلا عن نبوته و قدراتها التى منحها الله له كما رأينا من معجزاته التى تزيد الشئ الى اضعاف مضاعفة و تجعل الحصى يتكلم الا انه كان دائما مثالا للزهد و التقوى و حسن الخلق كيف لا و هو المتتم لمكارم الاخلاق و خاتم النبيين صلى الله عليه و سلم و قد احمعت الامة باسرها على زهد النبى(ص) و كمال خلقه العظيم و اليكم قليل من كثير فيما ورد فى حقه (ص) عن صفة زهده :-

فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك ، ولا نعطي أحداً من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله ، فقال : اجمعوها لي في الآخرة ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا } (الفرقان : 10) ، وخُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملِكاً
نبياً أو عبداً رسولاً ، فاختار أن يكون عبداً رسولاً .

وأما حياته صلى الله عليه وسلم ومعيشته فعجب من العجب ، يقول أبو ذر رضي الله عنه :كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرّة المدينة ، فاستقبلَنا أحدٌ ، فقال : ( يا أبا ذر : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا شيئاً أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، ثم مشى فقال : إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ) . رواه البخاري ، وكان من دعائه
صلى الله عليه وسلم :( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا - وفي رواية - كفافا ) ،

و هذا هو عمر الزاهد العادل الذى تتحاكى عنه الدنيا ليس الا تلميذا نجيبا من تلاميذ النبى (ص)حيث يروى انه دخل رضي الله عنه يوما على النبى (ص) ً ، فإذا هو مضطجع على رمالٍِ وحصيٍر ليس بينه وبينه فراش ، وقد أثّر في جنبه ، قال عمر : فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر ، فقلت : ادع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فقال : ( أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) ، فحينما شاهد عمر النبى (ص) ينام على حصير خشن له اثر ظاهر على جسد النبى (ص) فيقول عمر فقلت فى نفسى ان النبى (ص) ان اراد كان له مثل الملوك فتعلمها انذاك عمر ووعى حكمة الحياة انه الزهد فيها اخى المسلم و حين اقتدى و فعل كان عمرا الذى تتحاكى عنه الدنيا وكان يقول : (ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها ) ، وكان فراشه صلى الله عليه وسلم من الجلد وحشوه من الليف
و كان يقول (ص)(من كانت الاخره همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله و اتته الدنيا وهي راغمه و من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنيا الا ما قدر له)) رواه الترمذى و ابن ماجة و عن بن عمر عن النبي ((صلاح أول هذه الأمه بالزهد و اليقين و يهلك آخرها بالبخل و الأمل))اخرجه احمد

وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة ، وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل - وهو رديء التمر - ما يملأ به بطنه ، وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز برٍّ حتى قبض ، وكان أكثر خبزه من الشعير ، وما أُثر عنه أنه أكل خبزاً مرقّقا أبدا ، ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام - حتى مات ، بل إن خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبزٍ ولحم إلا حين يأتيه الضيوف .
وفي الصَّحيحين من حديث جرير بن عبد الحميد عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت‏:‏ ما شبع آل محمد صلَّى الله عليه وسلَّم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعاً من خبز بر، حتى مضى لسبيله‏.‏ وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان، حدَّثني أبو حازم قال‏:‏ رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً، والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدُّنيا‏.‏ وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسن، ثنا زويد عن أبي سهل، عن سليمان بن رومان مولى عروة عن عروة، عن عائشة أنها قالت‏:‏ والذي بعث محمداً بالحق ما رأى منخلاً، ولا أكل خبزاً منخولاً منذ بعثه الله - عز وجل - إلى أن قُبض‏.‏ وروى البخاري عن محمد بن كثير، عن الثوري، عن عبد الرَّحمن بن عابس بن ربيعة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ إن كنَّا لنخرج الكراع بعد خمسة عشر يوماً فنأكله‏.‏ قلت‏:‏ ولِمَ تفعلون ذلك ‏؟ فضحكت وقالت‏:‏ ما شبع آل محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - من خبز مأدوم حتى لحق بالله - عز وجل -‏.‏ وفي الصَّحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أنها قالت‏:‏ أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار يبعثون إلى رسول الله بلبن نوقد ناراً، إنما هو الأسودان التَّمر والماء، إلا ويسقينا من ذلك اللَّبن منائحهم فيشرب، وقال أبو داود الطَّيالسيّ عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرَّحمن بن يزيد، عن عائشة قالت‏:‏ ما شبع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من خبز شعير، يومين متتابعين حتى قبض‏.
و كان شعاره دائما ان ( من ملك قوت يومه فقد ملك الدنيا و ما عليها )‏
وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الصَّمد، ثنا عمار أبو هاشم صاحب الزَّعفرانيّ عن أنس بن مالك أنَّ فاطمة ناولت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كسرة من خبز الشَّعير فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام‏)‏‏)‏‏.‏
ولم يكن حاله في لباسه بأقل مما سبق ، فقد شهد له أصحابه رضي الله عنهم بزهده وعدم تكلّفه في لباسه وهو القادر على أن يتّخذ من الثياب أغلاها ، يقول أحد الصحابة واصفاً لباسه : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلّمه في شيء فإذا هو قاعد وعليه إزار قطن له غليظ ، ودخل أبو بردة رضي الله عنه إلى عائشة أم المؤمنين فأخرجت كساء ملبدا وإزارا غليظا ، ثم قالت : قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الثوبين ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية .
و عن الرسول الله((من ترك اللباس تواضعا و هو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامه على رؤس الخلائق حتى يخيره من اي حلل الايمان شاء يلبسها)) اخرجه الترمذى و حسنه الالبانى
بل انه فى كثير من الاوقات لم يكن لدى رسول الله (ص) مصباحا قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الله، حدَّثني أبي، ثنا بهز، ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلاً فأمسكت، وقطع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو قالت‏:‏ أمسك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقطعت - قالت‏:‏ تقول للذي تحدثه‏:‏ - هذا على غير مصباح‏.‏ وفي رواية‏:‏ لو كان عندنا مصباح لأتدمنا به‏.‏
و روى البيهقى عن ابى سعيد الخدرى قال كنت فى عصابة من المهاجرين جالسا معهم و ان بعضهم ليستتر ببعض من العرى و قارئ لنا يقرأعلينا فكنا نستمع الى كتاب الله فقال رسول الله (ص) (الحمد لله الذى جعل من امتى من امرت ان اصبر نفسى معهم قال ثم جلس رول الله وسطنا ليجلس نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فاستدارت الحلقة و برزت الوجوه قال :فما عرف رسول الله (ص) احدا منهم غيرى فقال المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الاغنياء بنصف يوم و ذلك خمسمائة عام )
ولم يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة ، قالت عائشة رضي الله عنها : " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي ، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ " ، ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهوديّ مقابل شيءٍ من الشعير .
و هذا هو وادى بين جبلين ملئ بالغنم كان نصيبه من احدى الغزوات يتنازل عنه (ص) فى لحظة و يهبه لرجل لا يعرفه حتى نعته الرجل لقومه انه لا يخشى الفقر لقد قرأها الرجل بفطرته البدوية التى لا تخطئ ان من يتخلى عن هذا الكم الهائل من الثروة رجل زاهد لا يأبه لمتع الحياة و الزهد لا ياتى معه الا الصدق فاسلم و اسلموا جميعا من فرط زهده (ص)
الحديث في الصَّحيحين، كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يدَّخر شيئاً لغدٍ‏.‏ و المقصود لنفسه من حاجات البشر و الا فانه ثبت فى الصحيحين انه كان يدخر اموال الامة لانفاقها فى طرق الانفاق المختلفة
كما جاء بمسند الامام احمد ان موسى بن جبير روى عن السيدة عائشة انه كان للنبى(ص) بالبيت ستة دنانير اوسبعة فامرها (ص) ان تفرقها اى توزعهم فنسيت من مرض النبى (ص) و بعد ان شفى النبى(ص) سالها عن الدنانير فاخبرته ان وجعه انساها و لا زالت تحتفظ بهم فقال (ص) (ما ظن نبى الله لو لقى الله و هذه عنده )

و كذلك روى الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا مروان بن معاوية قال‏:‏ أخبرني هلال بن سويد أبو معلى قال سمعت انس بن مالك و هو يقول : اهديت لرسول الله (ص) عليه ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلما كان من الغد أتته به‏.‏ فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألم أنهك أن ترفعي شيئاً لغد فان الله عز و جل يأتي برزق كل غد‏)

و روى البيهقى و غيره ( ان بلالا كان يحتفظ فى بيته بتمر فساله النبى (ص) عن ذلك فقال له بلال ادخرها فقال له النبى (ص) ( انفق بلالا و لاتخش من ذى العرش اقلالا)

وقال صلى الله عليه و سلم يوم حنين يوم حنين حين سألوه قسم الغنائم‏:‏ ‏(‏والله لو أن عندي عدد هذه العضاة نعما لقسمتها فيكم ثم لا تجدونى بخيلا و لا ضانا و لا كذابا )‏‏

لقد كان النبى (ص) زاهد فى كل شئ فى الدنيا فلم يكن يرجو الا ان يعطى بسخاء من نبوته و علمه و رحمته حتى الغضب كان زاهدا فيه و هناك الكثير و الكثير من الامثلة التى نعلمها جميعا عن غضب النبى (ص) و كيف كان يكظمه مبتسما رغم ان اغلبها كان بعد الهجرة اى كان النبى (ص) ملكا متوجا وكان من يغضبه رجل من اقل الناس شأنا ضاربا اروع انواع القدوة فى الزهد وحسن الخلق
حتى النوم زهد فيه (ص) فكان يقوم ثلثى الليل لا يأبه بغلبة نوم ولا ببرد و لا بحر و لا حتى مرض فحين يمرض يصلى الليل ايضا جالسا و اذا سئل اجاب على الفور (افلا اكون عبدا شكورا) و هو من غفر الله له كل ما مضى و كل ما هو آت و ليست صلاة كصلاتنا فقد كان حين يقوم الليل( كما ورد فى صحيح النسائى ) يصلى فى الركعة الواحدة بالبقرة و ال عمران و النساء ليس هذا فحسب و انما كان لا يمر بآية رحمة الا سأل و لا بآية عذاب الا استجار

و فى كل المناسبات كان يدعو (ص) الى الزهد فى متع الدنيا و رجاء الآخرة و هذا هو القرآن الذى بلغه عن ربه ينطق فى كل حال بالزهد فى الدنيا و تلك هى سنته اى التطبيق العملى لزهد النبى (ص) وورعه فالنبى (ص) كان دائما يفعل ما يقول و حتى فى آخر لحظات حياته (ص) ظل مشددا على اهمية الزهد فى الدنيا بملذاتها حين كان مقبلا على الموت خيره ربه بين ملك الدنيا او الاخرة فاختار الاخرة و الرفيق الاعلى

اخى المسلم هذا هو نبيك (ص) زاهدا لا يريد الدنيا هذا هو النبى (ص) الذى لاقى الايذاء فى سبيل الدعوى وواجه الاعتداءات التى وقعت عليه و التهديدات التى كانت ترسلها قريش للنبى(ص) و كانت اجابته (ص) التى اهتز لها عمه ابو طالب و كل من سمعها (يا عم و الله لو وضعوا الشمس فى يمينى و القمر فى يسارى على ان اترك هذا الامر حتى يظهره الله او اهلك فيه ما تركته ) مما اذهل عمه الذى كان متحيرابين موقف ابن اخيه و موقف قومه الثائرين و لكن باستشعاره صدق موقف ابن اخيه قال له ( و الله لا اسلمك لشئ تكرهه ابدا) و اسرع الى بنى هاشم و بنى المطلب يطلب منهم مؤازرة ابن اخيه و منعه (الدفاع عنه ) فاستجابوا جميعا الا ابو لهب بل بلغ بقريش الامر ان استعملوا معه اسلوب الترغيب و الاغراء فخيروه بين متع الدنيا التى يسيل لها اللعاب بين السلطان او المال او النساء الجميلات فكان دائما النبى الزاهد فى الدنيا و ما عليها صلبا مجاهدا فى سبيل رسالته التى اضاءت من المشرق الى المغرب

إن ما ذكرناه في هذه العجالة هو شيء يسير من أخبار إمام الزاهدين وسيد العابدين صلى الله عليه وسلم ، وغيرها كثير لم يذكر ، وستظل هذه الأخبار شواهد صدق على نبوته وزهده وإيثاره ما عند الله عز وجل ، وإن فيها دعوة للأمة وللأجيال المؤمنة للزهد في الدنيا والحذر من فتنتها ، فلو كانت الدنيا دليل محبة الله لصاحبها ، لفاز بها خير الخلق وأكرمهم على الله

انه لمن المضحك ايها الاخوة ان يحاولوا تشكيكنا فى ديننا مستندين على هذه الارهاصات التى تغير لا و لن من الحقيقة شئ انهم ايها الاخوة اصطدموا بصميم الدين الاسلامى و يا لغبائهم حقا ان صميم الدعوى الاسلامية قولا و فعلا و تقريرا هى الزهد فى متع الدنيا و ليس للاسلام فيها الا رجاء الله و اليوم الاخر اليس هذا هو الاسلام فى صميمه ام نبتدع ما ليس لنا به سلطانا هل من كانت هذه اخلاقه و افعاله رجل يريد شيئا من الدنيا سواء نساء او مال او غير ذلك‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍ان العقل السليم و المنطق الصحيح يأبيان هذه الافتراءات الحاقدة

و طالما ثبت يقينا و اجماعا من الامة ان النبى (ص) كانا زاهدا زهدا تاما فى متع الحياة سواء نساء او مال او غير ذلك فاننا يجب ان نبحث عن الحكمة الحقيقية من زواجه (ص) من امهات المؤمنين لان زهده لا يتفق مع ما يدعيه المشككون الكفار مضحكة العقلاء و الا فكيف يجمعون بين الزهد فى متع الدنيا و حب متع الدنيا لا يتفقان ابدا و كلاهما نقيض الاخر و اما الحكمة من ذلك فهو امر سهل اشتشفافه من حياته (ص) فلم يكن لديه (ص) شئ يخفيه بل كل حياته مكشوفة للجميع حتى ادق ما فيها و الان نكمل باقى القصة حتى نتمكن من استنباط الحكمة الاساسية من تلك الزيجات المباركة



مقالات منقولة عن القاضى الفاضل / هانى عبد القادر