أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

    مفهوم السنة والبدعة عند ابن تيمية

    يحسن قبل الشروع في بيان أصول شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم على أهل البدع، أن أعرض بشيء من الاختصار ما يبين مفهومه رحمه الله للسنة، ويحدد أهلها، ويوضح طريقتهم، ويبين مفهومه للبدعة وتفاوتها، ودعوته إلى الاعتصام بالسنة، وتحذيره من البدعة وفسادها بحيث يتحدد لنا موقفه من الاتباع والابتداع ابتداءً.‏

    1 ـ تعريفه للسنة : ‏

    يرى أن السنة من الفعل هي : (ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله، سواء فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو فُعل على زمانه، أم لم يفعله ولم يفعل على زمانه، لعدم المقتضي حينئذ لفعله ،أو وجود المانع منه، فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة، كما أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب(35)، وكما جمع الصحابة القرآن في المصحف(36)، وكما داوموا على قيام رمضان في المسجد جماعة(37)) (38).‏

    قصد الشيخ في هذا التعريف، المعنى العام للسنة، وهو الطريقة الموافقة لهدي الرسول صلى الله عليه و سلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم، ولا سيما الخلفاء الراشدون، وقد استقاه من وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثَات الأمور، فإن كُلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة) (39).‏

    ‏2 ـ مَن هم أهل السنة ؟ ‏

    يرى أنهم المتبعون لسلف الأمة، الذين عاشوا في القرون الثلاثة المفضلة، وحازوا كل فضيلة، وثبت لهم ذلك بالضرورة، وأنه (من المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف، أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد... القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ،كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجه(40)، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة، من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل.. هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على علم) (41)، كما قال عبد الله بن عمر(42) رضي الله عنهما : (مَن كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا.. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم، كانوا على الهدى المستقيم) (43).‏

    وقال غيره : (عليكم بآثار مَن سَلَف، فإنهم جاءوا بما يكفي ويشفي، ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه) (44)، وقال الإمام الشافعي(45) : (هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل، وكل سبب يُنال به علم أو يُدرك به هوى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) (46).‏

    وحَدَّدَ رحمه الله أهل السنة والجماعة، فقال : (أهل السنة والجماعة من الصحابة جميعهم والتابعين، وأئمة أهل السنة وأهل الحديث، وجماهير الفقهاء والصوفية(47)، مثل مالك(48) والثوري(49) والأوزاعي(50) وحماد بن زيد(51)، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، ومحققي أهل الكلام(52)) (53)، فلم يحصر أهل السنة والجماعة في مدرسة معينة، لأن طريق السنة يتسع لكل من اعتصم بها، واتبع آثار السلف رحمهم الله تعالى).‏

    ‏3 ـ طريقة أهل السنة : ‏

    بين الإمام ابن تيمية أن (طريقة أهل السنة والجماعة، اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم باطنًا وظاهرًا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال : (عليكم بسنتي) (54) إلى آخر الحديث) (55)، فهم إنما سُموا بأهل السنة لهذا المعنى، وسُموا أهل الجماعة لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفُرقة، نسبة إلى الأصل الثالث وهو الإجماع، ويقصد به الإجماع المنضبط، وهو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بَعْدَهم كَثُر الاختلاف، وافترقت الأمة(56).‏

    وإنما كان السلف على السنة، لأن غاية ما عندهم أن يكونوا موافقين لرسول الله صلى الله عليه و سلم، ولأن عامة ما عندهم من العلم والإيمان استفادوه منه صلى الله عليه و سلم، الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد(57)، لذا كان الحق معهم، لأن (الحق دائمًا مع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وآثاره الصحيحة، وأن كل طائفة تضاف إلى غيره إذا انفردت بقول عن سائر الأمة، لم يكن القول الذي انفردت به إلا خطأ، بخلاف المضاف إليه أهل السنة والحديث، فإن الصواب معهم دائمًا، ومَن وافقهم كان الصواب معه دائمًا لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معهم دونه في جميع أمور الدين، فإن الحق مع الرسول صلى الله عليه و سلم، فمن كان أعلم بسنته وأَتْبَع لها كان الصواب معه، وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسنته، وأتبع لها، وأكثر سلف الأمة كذلك، لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين) (58).‏

    لذا كانت متابعة السلف شعارًا للتمييز بين أهل السنة وأهل البدعة، كما قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك(59) : (أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم) (60)، فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف.. ولما كان الرافضة(61) أشهر الطوائف بالبدعة، حتــى إن العامــة لا تعرف مـن شعـائـر البـدع إلا الرفض، صار السني في اصطلاحهم مَن لا يكون رافضيًا، وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن، وأكثر قدحًا في سلف الأمة وأئمتها، وطعنًا في جمهور الأمة من جميع الطوائف، فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة(62)، وهناك طوائف أقرب منهم إلى طريقة السلف مثل (متكلمة أهل الإثبات من الكُلاَّبية(63) والكرامية(64) والأشعرية(65) مع الفقهاء والصوفية وأهل الحديث، فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف، بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم، لكن كل من كان بالحديث من هؤلاء أعلم، كان بمذهب السلف أعلم، وله أتبع، وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها، وقلة ابتداعها) (66).‏

    ‏4 ـ تعريفه للبدعة : ‏

    يرى البدعة في مقابل السنة، وهي : (ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات) (67)، أو هي بمعنى أعم : (ما لم يشرعه الله من الدين.. فكل من دان بشيء لم يشرعه الله فذاك بدعة، وإن كان متأولاً فيه) (68)، أي مما استحدثه الناس، ولم يكن له مستند في الشريعة.‏

    وهي (نوعان : نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، وهذا الثاني يتضمن الأول، كما أن الأول يدعو إلى الثاني) (69)، فمثال الأول في الأقوال : بدعة الأوراد المحدثة، وفي الاعتقادات : بدعة الرافضة والخوارج(70) ، والمعتزلة(71) ، والمرجئة(72)، والجهمية(73).. ومثال الثاني في الأفعال : لبس الصوف عبادةً، وعمل المولد(74)، وفي العبادات، الجهر بالنية في الصلاة، والأذان في العيدين(75).‏

    ـ تفاوت البدعـة : ‏

    يرى أن البدعة تكون باطلاً على قدر ما فيها من مخالفة للكتاب والسنة، وابتعاد عن متابعة السلف، فهي ليست باطلاً محضًا، إذ لو كانت كذلك لظهرت وبانت وما قُبلت، كما أنها ليست حقًا محضًا لا شــوب فيه، وإلا كـانت موافقــة للسنــة التي لا تنــاقض حقًا محضًا لا باطل فيه، وإنما تشتمل على حق وباطل(76)، وعلى هذا يكون بعضها أشد من بعض(77)، ويكون أهلها (على درجات : منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة) (78).‏

    وهذا التفاوت يقع في مسائل العقيدة والعبادة على حد سواء، فإن (الجليل من كل واحد من الصنفين، مسائل أصول، والدقيق مسائل فروع) (79).. وما درج عليه الناس من تسمية مسائل العقيدة الخبرية بالأصول، ومسائل العبادة العملية بالفروع، تسمية محدثة، قسمها طائفة من الفقهاء المتكلمين، وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أن المسائل العملية آكد وأهم من المسائل الخبرية المتنازع فيها، لذا كثر كلامهم فيها، وكرهوا الكلام في الأخرى، كما أثر ذلك عن مالك وغيره من أهل المدينة(80).‏

    وقد أشار الشيخ إلى هذا التفاوت من حيث قُرب الفِرَق وبُعْدها عن الحق قائلاً : (وأصحاب ابن كلاب(81) كالحــارث المحاسبـــي(82)، وأبي العباس القلانسي(83)، ونحوهما، خير من الأشعرية في هذا وهذا، وكلما كان الرجل إلى السلف والأئمة أقرب، كان قوله أعلى وأفضل) (84).‏

    ‏6 ـ تأكيده على العمل بالسنة : ‏

    يؤكد شيخ الإسلام على أنه لا عاصم من الوقوع في الباطل إلا بملازمة السنة، ذلك أن (السنة مثال سفينة نوح عليه السلام، من رَكِبَها نجا، ومن تَخَلَّف عنها غرق، قال الزهري(85) : كان من مضى من علمائنا يقولون : الاعتصام بالسنة نجاة) (86)، لذا فإن المبتدعة لما كانوا مخالفين للسنة، وقعوا في الباطل وإن كانوا متأولين، لأنهم اتبعوا الهوى، وضلوا طريق السنة المنصوب على العلم والعدل والهدى، ومن هُنا سُمي أصحاب البدع، أصحاب الأهواء(87).‏

    أما أهل العلم والإيمان من السلف، فإنهم تمسكوا بالسنة، وكان منهجهم على النقيض من منهج المبتدعة، فهم (يجعلون كلام الله ورسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه، فما وافقه كان حقًا، وما خالفه كان باطلاً، ومن كان قصده متابعته من المؤمنين، وأخطأ بعد اجتهاده الذي استفرغ به وسعه، غفر الله له خطأه، سواء كان خطؤه في المسائل العلمية الخبرية أو المسائل العملية، فإنه ليس كل ما كان معلومًا متيقنًا لبعض الناس، يجب أن يكون معلومًا متيقنًا لغيره، وليس كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمه كل الناس ويفهمونه، بل كثير منهم لم يسمع كثيرًا منه، وكثير منهــم قد يشتبـــه عليـــه مـــا أراده، وإن كـــان كلامـــه في نفســـه محكـمًا مقــرونًا بما يبين مراده) (88).‏

    لكن إذا لم يُتَّبَع منهج السلف، فإنه يُخاف على المنتسبين إلى العلم والنظر العقلي، وما يَتْبَع ذلك، من الوقوع في بدعة الأقوال والاعتقادات، ويُخاف على المنتسبين إلى العبادة والإرادة، وما يَتْبَع ذلك، من الوقوع في بدعة الأفعال والعبادات، وكل ذلك من الضلال والبغي، وقد أُمر المسلم أن يقول في صلاته : (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (الفاتحة : 6*7)، آمين، وصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (اليهــود مغضوب عليهم، والنصــارى ضـالـون) (89)، قـــال سفيــان بن عيينة(90) : كانوا يقولون : من فَسَد من العلماء ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من العُبَّاد ففيه شبه من النصارى.. وكان السلف يقولون : احذروا فتنة العَالِم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، فطالب العلم إن لم يقترن بطلبه فِعْلُ مــا يجـب عليـه، وتَرْكُ ما يحرم عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، وإلا وقع في الضلال(91).‏

    ‏7 ـ تحذيره من البدعة، وبيانه لوجه فسادها : ‏

    حذر الشيخ من البدعة، وبين أنها أشر من المعصيــة(92)، لـذم رسول الله صلى الله عليه و سلم إياها في قوله : (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) (93)، وفي رواية : (وكل ضلالة في النار) (94).. وذمه عليه الصلاة والسلام الواقعين فيها، في ذمه للرجل الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه و سلم في قسمته، فقال فيه : (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئي(95) هذا قومٌ يَحْقِرُ أحدُكُم صلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِم، وصيامَهُ مَعَ صِيَامِهِم، وقِرَاءَتَه مَعَ قِرَاءتِهم، يقرؤونَ القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم، يَمْرُقُون(96) مِنَ الإسلامِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة، لَئِن أدركتُهُم لأَقْتُلَنَّهم قَتلَ عاد) (97).. وفي رواية : (لو يعلمُ الذين يقاتلونهم ماذا لهم عن لسان محمدٍ لاتَّكَلُوا عن العمل) (98).. وفي رواية : (شر قَتْلَى تحتَ أديمِ السماء، خير قَتْلَى مَنْ قَتَلُوه) (99).‏

    قال الشيخ معلقًا على هذا الحديث : (فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم، وما هم عليه من العبادة والزهادة، أمر النبيُ صلى الله عليه و سلم بقتلهم، وقَتَلَهم علي بن أبي طالب(100) ومَن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم، وذلك لخروجهم عن سُنة النبي وشريعته، وأظن أني ذكرتُ قول الشافعي : لأن يُبتلى العبد بكل ذنب، ما خلا الشرك بالله، خير من أن يُبتلى بشيء من هذه الأهواء) (101).‏

    كما بين الشيخ أن فساد البدعة وضررها من وجهين : ‏

    الأول : أن البدع مفسدة للقلوب، مزاحمة للسنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول (الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث) (102).‏

    الثاني : أن البدع معارضة للسنن، تقود أصحابها إلى الاعتقادات الباطلة والأعمال الفاسدة والخروج عن الشريعة، وفي هذا المعنى يقول : مبينًا أن (من أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة، الخروج عن الشِّرعة والمنهاج، الذي بعث به الرسول صلى الله عليه و سلم إلينا، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان، ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) (103)، وهذا ظاهر في منهج المبتدعة، القائم على معارضة الكتاب والسنة، لـمَّا (جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها هي الأقوال المحكمة، التي جعلوها أصول دينهم، وجعلوا قول الله ورسوله من المجمل الذي لا يُستفاد منه علم ولا هدى، فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المحكم، والمحكم من كلام الله ورسوله هو المتشابــه، كمـا يجعـل الجهميـة من المتفلسفـة والمعتزلـة ونحوهـم، ما أحدثوه من الأقوال التي نفوا بها صفات الله، ونفوا بها رؤيته في الآخرة، وعُلُوه على خَلْقه، وكون القرآن كلامه ونحو ذلك، جعلوا تلك الأقوال محكمة، وجعلوا قول الله ورسوله مؤولاً عليها، أو مردودًا، أو غير ملتفت إليه، ولا متلقى للهدى منه) (104).‏
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    الأصول‏

    أقام ابن تيمية رحمه الله أصول حكمه على المبتدعة، وفق منهج السلف من أئمة العلم والهدى، متبعًا لهم في الأحكام، ومتصفًا بما كانوا يتحلون به من خلال التعامل مع هؤلاء المخالفين، وقد بيّن منهج السلف الذي اتبعه في هذا الشأن، فقال : (وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان : فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة، سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج عنها، ولو ظلمهم كما قال تعالى : (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائــدة : 8)، ويرحمــون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق، ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا) (105).‏

    حقًّا إن ابن تيمية ترجم هذا المنهج إلى علم وعمل، معتمدًا على الدليل الشرعي في بيان مفارقة البدعة للسنة، والحكم عليها وعلى أصحابها حسب درجتها، متوخيًا في ذلك الدقة المتناهية، حذرًا من الوقوع في الخطأ أو الزلل، ولاسيمــا ما يتصــل بالتضليـل أو التفسيــق أو التكفير، ومتحريًا العدل في إنصاف المخالفين، وإثبات ما عندهم من حق أو باطل، وما لهم من محامد أو مذام، متجردًا في ذلك دون أن تدفعه الغيرة على السنـــة، والكراهة للبدعـــة، إلى الوقـــوع في الظلـــم أو الحيف في الحقوق، وقاصدًا الرحمة بالمخالفين، والإحسان إليهم، باذلاً في سبيل بيان الحق والهداية إليه كــــل ما يملك من جهـــد ووقت، أو ما يلائم من حكمة وموعظـــة حسنـــة وجـــدال بالتي هي أحســن، أو ما يؤدي إلى الزجر والردع، حسب ما تقتضيه المصلحة، أو يدفع المفسدة بأنجع وسيلة، مع تدرج في سلوك هذا بما يعيدهم إلى رشدهم، أو يكف أذاهم عن غيرهم، متقيًا الاعتداء أو التشفي، مريدًا الخير والإصلاح، مبتغيًا وجه الله تعالى وإعلاء دينه.‏

    هذا جملة المنهج الذي سار عليه ابن تيمية في تحرير أصول حكمه على المبتدعة، التي جاءت منضبطة وواضحة ودقيقة، تمثل تفصيل منهج أهل السنة والجماعة، في التعامل مع المبتدعة والحكم عليهم، وإليك البيان...‏

    الأصل الأول ‏

    الاعتذار لأهل الصلاح والفصل عما وقعوا فيه بدعة عن اجتهاد، وحمل كلامهم المحتمل على أحسن محمل ‏

    الأصل الثاني

    ‏ عدم تأثيم مجتهد إذا أخطأ في مسائل أصولية فرعيه ، وأولى من ذلك عدم تكفيره أو تفسيقه ‏

    الأصل الثالث ‏

    عذر المبتدع لا يقتضي إقراره على ما أظهره من بدعة، ولا إباحة اتِّباعه، بل يجب الإنكار عليه فيما يسوغ إنكاره، مع مراعاة الأدب في ذلك ‏

    الأصل الرابع ‏

    ‏ عدم الحكم على من وقع في بدعة أنه من أهل الأهواء والبـدع، ولا معاداته بسببها، إلا إذا كانت البدعة مشتهرة مغلظة عند أهل العلم بالسنة ‏

    الأصل الخامس

    لا يحكم بالهلاك جزمًا على أحد خالف في الاعتقاد أو غيره، ولا على طائفة معينة بأنها من الفرق الضالة الثنتين والسبعين، إلا إذا كانت المخالفة غليظة ‏

    الأصل السادس ‏

    التحري في حال الشخص المعين، المرتكب لموجب الكفر أو الفسق، قبل تكفيره أو تفسيقه، بحيث لا يكفر ولا يفسق أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه ‏

    الأصل السابع ‏

    ‏ الحرص على تأليف القلوب واجتماع الكلمة، وإصلاح ذات البين، والحذر من أن يكون الخلاف في المسائل الفرعية العقدية والعملية، سببًا في نقض عُرى الأخوة والولاء والبراء بين المسلمين ‏

    الأصل الثامن ‏

    ‏ الإنصاف في ذكر ما للمبتدعة من محامـد ومـذام، وقبـول ما عندهم من حق، وردّ ما عندهم من باطل، وأن ذلك سبيل الأمة الوسط ‏

    الأصل التاسع ‏

    ‏ رعاية شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأمر بالسنة والنهي عن البدعة، وتقديم الأهم فالأهم في ذلك

    الأصل العاشر

    ‏ مشروعية عقوبة الداعي إلى البدعة بما يحقق الزجر والتأديب والمصلحة، لأن ضرره متعد إلى غيره، بخلاف المسر فإنه تُقبل علانيته، ويُوكل سره إلى الله تعالى ‏

    الأصل الحادي عشر

    ‏ صحة الصلاة خلف المبتدع إذا لم يمكن الصلاة خلف المتبع، وإذا أمكن ذلك فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم .‏

    الأصل الثاني عشر

    ‏ قبول توبة الداعي إلى البدعة .‏
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2010, 02:00 AM
  2. شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية - عربي
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-04-2010, 02:00 AM
  3. موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الرافضة
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-03-2010, 01:00 AM
  4. منسك شيخ الإسلام ابن تيمية - عربي
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2010, 01:00 AM
  5. القصيدة التائية لشيخ الإسلام ابن تيمية
    بواسطة الفلاسي في المنتدى الأدب والشعر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-11-2005, 09:52 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية

أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية