بسم الله الرحمن الرحبم

النهي عن الاختلاف
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: دعوني ما تركتكم ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم متفق عليه.


--------------------------------------------------------------------------------


هذا الحديث أيضا من جوامع الكلم التي هي من مما خص به نبينا صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أنه أوتي جوامع الكلم، قال - عليه الصلاة والسلام - : وأوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا هذا الحديث له سبب وهو أنه - عليه الصلاة والسلام - خطب الناس وقال : إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: يا رسول الله أكل عام؟ - لم يتكلم - فسكت النبي، رددها، أكل عام ؟ قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ذروني هو معنى دعوني، اتركوني لا تسألوا عما ما لم تؤمروا به ولم تنهوا عنه، دعوا السؤال - يعني - امتثلوا ما أمرتم به واجتنبوا ما نهيتم عنه ولا تبحثوا، الله فرض كذا أوجب علينا كذا ؟ هل نهى عن كذا ؟ لا تسأل، وهذا بالنسبة للرسول - عليه الصلاة والسلام - أما الآن فيحتاج الإنسان ليسأل يقول - يعني - يسأل عما عما جاء عن الرسول عما أمر الله به ورسوله وما نهى الله عنه ورسوله، التشريع - يعني - الوحي انقطع.

أما في وقت التشريع لا تسأل، استجب اسمع ما تؤمر وما تنهى عنه دعوني ما تركتكم ما تركتكم ولا أمرتكم فدعه ولا تسأل عنه قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ وجاء في الحديث الصحيح : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم من أجل مسألته قد يكون السؤال سببا للتشريع دعوني ما تركتكم .

إذا ما الواجب ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - فما نهيتكم عنه فاجتنبوه هذا الواجب كليا ما نهيتكم عنه اتركوه تجنبوه احذروه بدون استثناء ولا تقييد ، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه أعظم ما يجب اجتنابه الشرك ثم ما دونه من الذنوب الكبائر الصغائر إلى آخره إلى الصغائر، يجب اجتناب الذنوب كبيرها وصغيرها يجب اجتنابها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه اتركوه ، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم يمكن إن إني قدمت وأخرت في الحديث قال: دعوني ما تركتكم ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم كثرة سؤالهم يعني: كثرة سؤالهم عن ما لا يحتاجون إليه، أسئلة تعنت أسئلة تكلف كما قص الله علينا من تساؤلات بني إسرائيل عن العجل التي أمرهم موسى بذبحها، ادع لنا ربك، ما لونها، ما هي، ما لونها، تساؤلات، فكلما سألوا - يعني - زيد في في تقييدها وتحديدها، القصة إلى آخرها، شددوا فشدد عليهم، الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما سأله ذلك الرجل عن فرض الحج - يعني - كره منه ذلك، أكل عام ؛ لأن الأمر بالحج الأمر لا يحتاج لا يقتضي التكرار إذا أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بشيء فإنه يحصل الامتثال بفعله مرة إلا أن يدل دليل على التكرار هذه مسألة أصولية، هل الأمر يقتضي التكرار ؟

الأمر المطلق الصحيح أنه لا يقتضي التكرار بل يحصل الامتثال بفعله مرة، قال - عليه الصلاة والسلام - إنما أهلك في بعض الروايات : إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم بكثرة الأسئلة التي فيها تنطع وتكلف ومعارضات، الصحابة - رضي الله عنهم - إذا أخبرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخبر تلقوه بالقبول ولا يوريدون عليه أسئلة ما يوريدون عليه إشكالات، خلاص، الله، يؤمنون به على مراد الله ورسوله - يعني - ما هو بمعنى إنه كلام مجهول وغير مفهوم، المعنى يتقبلونه لفظا بلا معنى كما يذهب إليه أهل التفويض من المعطلة وأشباههم، لا، لا يوردون عليه اعتراضات، والاختلاف كذلك على الرسول هو من أسباب الهلاك، إذا أمرهم بأمر صار منهم اختلاف، هل هذا - يعني - معقول ؟ ! ما هو معقول، ولماذا ؟ لماذا ؟

جاء في الأثر: يا بني إسرائيل لا تقولوا لما أمر ربنا ؟ لما ؟ ليه ؟ - يعني - ليش أمر الله بكذا ؟ لماذا أمرنا الله ؟ كذلك لا تقل لماذا ؟ يعني فيه حتى في الأمور الكونية ليش خلق الله هذا الشيء ؟ يعني كأنك تقول هذا ما فيه فائدة، ولكن قولوا: بما أمر ؟ بس، اسألوا عن الأمر، بما أمر الله ؟ فالذي يهم العبد أن يعرف ما أمر الله به ليمتثله وليس عليه أن يفهم الحكمة، إن فتح الله عليك بحكمة أو بين الله له حكمته في تشريعه أو في خلقه فذاك آمن بها والحمد لله، يقول عليه الصلاة والسلام : ذروني أو دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه هذا تجتنبه، أصل - يعني - كلمة جامعة وهذا يدل على إن النهي على الأصل في النهي - إيش - الأصل في النهي التحريم، فكل ما نهى الله ورسوله عنه يجب اجتنابه، وأما قوله: وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم الحمد لله، المأمورات هذه مقيدة بالاستطاعة كقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وفي الحديث : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب هكذا فإن لم تستطع فعلى جنب.

فالمأمورات شرطها الاستطاعة، فلا واجب مع العجز، هذه قاعدة أصولية مستمدة من هذا الحديث والآيات ( لا واجب مع العجز ) والاستطاعة - يعني - بحيث إن العبد يقدر على أداء هذا المأمور بدون حرج ومشقة غير عادية، ولا المأمورات فيها مشاق، فالإنسان إذا قام - إذا قام - يصلي أصيب بدوار صار يدور راسه أو صار - يعني - يحصل عنده - يعني - ألم في بعض بدنه، نقول: صل قاعدا، إذا جلس ركد - يعني - حاله استقرت وهدأ الألم صل قاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، الحج منوط بالاستطاعة والاستطاعة إنما هي بالزاد والراحلة هذا من ناحية القدرة المالية، والقدرة البدنية لا بد من قدرة بدنية بحيث الإنسان يستطيع يركب الراحلة يستطيع يقوم بنفسه أو برفيقه فإذا كان لا يملك مالا فلا يجب عليه الحج - يعني - لا يملك زاد وراحلة لا يجب عليه الحج، أما إذا كان مثل الكبير الذي لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أو المريض الذي لا يرجى برؤه فهذا ما يجب عليه أداء الحج بنفسه لكن بنائبه، وهكذا سائر الواجبات كلها منوطة ومعلقة ومرتبة على الاستطاعة.

أما المنهيات فلا، ليس لأحد أن يقول: أنا والله ما أستطيع أترك الخمر، أعوذ بالله، ما يمكن ما فيه هذا ما هو عذر، ما يستطيع أن يقول: ما أستطيع أترك الدخان، لا، المنهيات ليس لأحد أن يعتذر بعدم الاستطاعة، لا أبدا، كف نفسك غاية الأمر أن يحصل عندك تطلع ورغبة شديدة إنما يؤتى الإنسان من قلة صبره، ما يصير عنده صبر في المنهيات، من يقول أنا لا أستطيع هذا بسبب قلة صبره، فيصبر عن الأمر الذي تمرن عليه وتعوده، فليس لأحد أن يعتذر عن ترك المنهيات بعدم الاستطاعة، هذا ملاحظ في هذا الحديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ولم يعلق على الاستطاعة، يقول إن استطعتم أو ما استطعتم، لا، فاجتنبوه حتما بإطلاق، نعم خص من هذا الضرورة - يعني - الضرورة في حدود أيضا، ضرورة والضرورة مفصلة ومبينة، الضرورة يعني: إنسان اضطر إلى ما يسد رمقه أذن الله له بأن يأكل من الميتة أو الدم أو الخنزير أو ما ذبح لغير الله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ .

الحمد لله، هذه رخصة، هذه لرفع ضرورة، وليس من الضرورة التداوي بالحرام، التداوي ما هو ضرورة التداوي ليس بضرورة ؛ ولهذا جاءت الشريعة بتحريم التداوي بالحرام كما قال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وقال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ فيه ما يكره عليه الإنسان، لو تقدم إكراه هذا شيء آخر، المكره، الإكراه درجات، المكره رخص له بأن يتكلم بكلمة الكفر مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ المرأة إذا أكرهت على الزنا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهكذا لو واحد يقف على رأس جلاد يقول اشرب هذا الكأس من الخمر وإلا قتلناك أو يجلد ويعذب ليشرب الخمر أصبح هذا من نوع المكره، والمكره كأن فعله ليس بفعل له، ملجأ إليه، أما أنه يقول ما أستطيع هذا لا، ما يمكن ؛ لأنه غاية الأمر يمكن كأنه يقول أنا ما أصبر ما أصبر عن شرب الخمر أو الدخان أو ما يصبر عن الزنا، أعوذ بالله.

فهذا الحديث من الأصول - من أصول الدين - من الأصول التي ترجع إليها - يعني - سائر الأحكام - أحكام الشريعة - وفيها أدب - يعني - سؤال - السؤال السؤال - عن العلم مشروع فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ولكن لا بد أن يكون - إن - المقصود من السؤال أن يكون السؤال عن أمر يحسن السؤال عنه، وأيضا أن يكون القصد من السؤال هو الفائدة والإفادة، أما أسئلة فيها التكلف عما لا سبيل إلى معرفته كسؤال ذلك الرجل يقول: كيف استوى، لما سئل مالك عن هذا - يعني - أعلاه الرحباء وتغير ثم أجاب: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ولا أراك إلا رجل سوء، فأمر به فأخرج، ما هذا تنطع أو أسئلة ؟ - يعني - من الأسئلة المذمومة أسئلة التعجيز - يعني - يقصد السائل - يعني - يعجز المسؤول أو يظهر فضله عليه، صارت النية مشبوهة معلولة فهذا الحديث فيه آداب وأصول وأحكام، أصول : ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم لعلنا نكتفي بهذه الأحاديث الثلاثة، والحمد لله رب العالمين.


شرح الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك
جامع شيخ الاسلام ابن تيمية