خطبة جمعة بعنوان :داء الوساطة وعلاجها
الحمد لله الذي بين السبل وا رشدنا بالرسل ودعا ن إلى خير الأخلاق والمثل نحمده

تعالى ونشهد أن لا اله إلا هو وحده لا شريك له إليه المآ ل والأجل ونشهد أن محمدا عبده ورسوله دعا إلى ما فيه صلاح النفوس بالحكمة والعدل فاللّهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين.

اما بعد:أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله في السر والعلن والقول والعمل فإنها نعم الزاد الذي يجب ان يدّخر ونعم الوصية التي يجب
ان لا تنسى قال تعالى:وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون ياُولي الالباب]01. وقال تعالى:[ ولقد وصينا الذين اُوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله].02
معاشر المسلمين:داء عظيم وشطر مستطيل قد استحكم في مجتمعا تنا هذه وسكن قلوب الناس وعقولهم حتى أصبح من الصعب العسير تركه والتخلي عنه أتدرون ماهو هذا الداء العضال الذي افتك بالافراد والجمعات؟. انه داء الوساطة والمحسوبية او ما يعرف بعاميتنا هنا بالمعريفة.او لكتاف.هذا المرض عباد الله الذي اصبح معلوم لدى الجميع صغارا وكبارا رجالا ونساءا اميّّين ومثقفين بانه السمة البارزة في جميع المؤسسات الخاصة كانت او العامة بل انه يحظى باهتمام فائق على حساب ذوي الشهادات والكفاءة.
فالوساطة اذا لمن لا يعلم مفهومها هي اختصار السبل بطرق ملتوية من غير ان يدخل صاحبها من الباب بل يكفيه رنة هاتف.وهذا ما ادى الى كثير من المظاهر السلبية على مجتمعاتنا وعلى شبابنا خاصة حيث رمى بهم هذا الداء في مستنقع الضياع واليأس والتشاؤم وجعلهم ينصرفون الى ممارسات اكبر ضرر كا لمخدرات والسرقة والقتل وغيرها من الجرائم.بل غرس فيهم اعتقاداقويا بان الشهادة او الكفاءة لاتوفر لهم فرس العمل.ولاتحقق لهم الامال الا لمن لديه وساطة قوية في مختلف الجهات وعندهم ايضا انه لا عيش في مجتمع الا لمن ملك وساطة او مال.
وانظروا الى واقعنا المؤلم الأن السنا نرىللاسف شباب بدلوا جهدا عظيما في دراستهم ووفقهم الله بالنجاح والتخرج ليبحثوا خلالها عن وضيفة اوعمل.فيجدوا الابواب مغلق امامهم لماذا؟ لانهم لا يملكون وساطة تؤهلهم للعمل ثم ياتى شاب اخر ليست له ادنى كفاءة ولا مؤهلات فيحصل على مراده بسهولة او يسر لان هذا الاخير قد ملك وساطة قوية تجعله كفردا موجودا في مجتمعه اما غيره فهو في قائمة المنسين او محكوم عليه بالتهميش للاسف .هذا هو واقع الامة الذى انقلبت فيه الموازين ثم ان هذه الصورة ليست على سبيل الحصر انما هى على سبيل المثال.اي كل المجالات والجوانب التى يتجه اليها المسلم فلابد ان يدخل من باب الوساطة والمحسوبية.فهل يرضينا هذا الحال الذي نحن فيه؟.ولا سيما ان الوساطة سبب الى ظلم الناس والتعدي عليهم بل هي اغتصاب فعلي لحقوق الا خرين.
لاجل هذا حرم الاسلام التعامل بها لما فيها من ظلم الناس وعدم اقامة العدل بينهم ولما فيها من تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ايضا عدم الوفاء بالامانة وهى اسناد الامر الى غير اهله.وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ابي بكر رضي الله عنه وارضاه:[من ولى من امر المسلمين شيئا فامر عليهم احدا محاباه فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم]03.فا تقوا الله عباد الله واقيموا العدل بين الناس دون محاباة لاحد اوتحيز.والله عز وجل يقول :[ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل]04 ].وقال تعالى:[ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون].05
اذا فكل هذه المحرمات جمعتها ظاهرة الوساطة والمحسوبية .الا تتقي الله في نفسك ايها المسلم يوم تقف بين يدى خالقك وانت ظالم للناس غاش لهم مفرط في امانتك.فمن سيكون وسيطك وحسيبك يوم القيامة. لا حسيب لك الا الله وكفى بالله حسيبا.قال تعالى:[واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون].06

لمثل هذا عباد الله فاعدوا ولمثل هذا فاكثروا الزاد ونعم الزاد تقوى الله عز وجل فانه النجاة يومئذ من النار ومن خزى جهنم قال تعالى:[وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا.]07
فهذا نذير لمن غفل عن امر الله ولمن استهوته الدنيا حتى انبسطت عليه فانسته امر ربه فما الدنيا من الاخرة الا كما يضع احدكم اصبعه في اليم فلينظر بما يرجع.فهي لا تساوى عند الله جناح بعوضة.فاذا كان هذا حال الدنيا فما الداعي الى الانشغال بها والركوض وراءها كالجائع المسعور .والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح:[ماا لفقر اخشى عليكم ولكن اخشى ان تنبسط عليكم الدنيا كما انبسطت على من كان قبلكم فتنا فسوها كما تنا فسوه فتهلككم كما اهلكتهم]08
فالبدار البدار الى التوبة والانابة قبل ان تقول نفس يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين او تقول لو ان الله هدانى لكنت من المتقين او تقول حين ترى العذاب لو ان لى كرة فاكون من المحسنين فاقبل الى ربك اخى المسلم تائبا منيبا مستغفرا مؤديا الحقوق الى اهلها واعلم بان الله يبسط يده باليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
بارك الله لى ولكم في القران العظيم ونفعنى واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات نحمده تعلى على نعمائه السابغات ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له رب الا رض والسموات ونشهد ان محمدا عبده ورسوله افضل الانبياء واكرم المخلوقات فاللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى اله واصحابه الائمة الثقاة وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين.
اما بعد:عباد الله ان ظاهرة الوساطة التى تفشت في مجتمعاتنا والقت بثقلها على افراده تستوجب منا جميعا ان نكثف بجهودنا لنجد لها العلاج الامثل والحلول المناسبة لاستئصالها من جذورها قبل فوات الاوان ويكمن هذا العلاج في محاسبة النفس وتربيتها على القيم والاخلاق والمبادئ لانه من فقد القيم والاخلاق فقد كل شئء وهذا هو الميزان الذى ينبنى عليه الاسلام وكما قيل:[الدين المعاملة]09 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[اتقي الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخا لق النا س بخلق حسن]10 ولذا ينبغي ان نربي ابناءنا مند نعومة اظفارهم على حسن المعاملة مع الناس واعطاء كل ذي حق حقه فهذا سبيل سعادة الفرد والمجتمع والامرالثاني يجب ان يعود الانسان نفسه على مراقبة الله أي بان الله يراه ويسمعه ومطلع على سرائره ولا يخفى عليه شىء من امره وانه موقوف بين يديه سائله عن ماله وعن منصبه من اين اكتسبه.فاعد للسؤال جوابا قال تعالى [لا يسال عما يفعل وهم يسالون]11
والامر الثالت تكثيف التوعية للافراد والجمعات بخطر الوساطة والمحسوبية عبر وسائل الاعلام المرئية كانت او المسموعة او المقرؤة وايضا توعية الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات عبر الدروس والمحضرات بخطر هذه الافة التى يزيد ضررها يوما بعد يوم واخيرا عباد الله العقاب يعتبر كوسيلة هامة لمكافحة الفساد وردع المفسدين فاذا سن قانون بالسجن مثلا او العزل من الوضيفة لمن يمارسها ويشجع الناس عليهاسيقل ضررها باذن الله هذا ونسال الله باسمائه الحسنى وصفاته العلى ان يهدى كل ضال مسلم وان يرينا واياكم الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا
الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

01سورة البقرة الاية197
02_سورة النساء الاية131
03_رواه الحاكم وصححه
04_سورة النساء الاية58
05_سورة النحل الاية90
06سورة البقرة الاية281
07_سورة مريم الاية72
08_رواه مسلم
09كلام وليس حديث كما قال اهل العلم

10رواه الترمذي وقال حديث حسن عن جندب بن جنادة وابي عبد الرحمن بن عوف
11_سورة الانبياء الاية23