هل أنتشرت دعوة الإسلام بالسيف
أولع خصوم الإسلام في كل عصر وبخاصة في هذا العصر بتوجيه هذه التهمة إلى الإسلام، والإسلام منه
ا براء . فهو لم يكره الناس على الإيمان بالسيف ولم يضعه على رقابهم ليشهدوا بشهادته أويدينوا بعقيدته فهذه التهمة باطلة من وجوه عدة .




1- باطلة بشهادة التاريخ الذي يحدثنا بأن النبي محمداً r مكث بمكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى دينه كان فيها مضطهداً أشد الاضطهاد حتى من أهله وعشيرته وأقرب الناس إليه ومع ذلك فقد احتمل وصبر وصابر وكان يمر على النفر من أصحابه والأسرة من المؤمنين به يعذبون أشد العذاب فلا يزيد على أن يقول له صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة ومع هذا فقد آمن بالإسلام السابقون الأولون الثابتون من أبنائه وأبرهم به في عهد النبي r وبعد وفاته أعمق الإيمان وآنم الأنصار وهم أهل المدينة بالنبي r بمجرد أن تحدث معهم في الموسم وتوافدوا إليه يبايعونه في كل عام حتى كانت بيعة العقبة وعلى أثرها كانت الهجرة وكل ذلك ورسول الله rلا يقابل أهل العدوان بسيف ولا عصا ولكن يصبر ويحتسب ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وما جاء الإذن بالقتال إلا في السنة الثانية من الهجرة بعد أن كثر خصوم الإسلام من المشركين واليهود وتألبوا عليه وأخذوا يتحرشون به ويكيدون له فأنزل الله هذه الآيات المحكمة وفيها أروع صور الإذن بالقتال لأنبل المقاصد والأغراض (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)
والتاريخ يحدثنا عن أصحاب رسول الله r أنهم فتحوا البلاد بأخلاقهم وحسن معاملتهم قبل أن يفتحوها بسيوفهم وعدتهم وعددهم، فلا يتصور أن عدداً قليلاً من هؤلاء العرب يثل عرش كسرى ويدك ملك قيصر ويرث هذه الإمبراطوريات الضخمة في هذا العدد من السنين بمجرد القوة، ولا يعقل أن ثمانية آلاف جندي يفتحون إقليماً شاسعاً كمصر وينشرون فيها دينهم ولغتهم وآدابهم وثقافتهم وعقيدتهم بالإكراه والجبروت، ولكن بحسن الأحدوثة وجميل العمل، وها نحن قد رأينا فيما تقدم كيف أن كثيراً من أهل هذا البلاد كانوا يتمنون عودة العرب إليهم بعد جلائهم فكيف يقال بعد هذا إن الإسلام قام على السيف وانتشر بالسيف .
2- وباطلة بآيات القرآن الكريم التى تقرر حرية العقيدة وتقول في وضوح وصراحة (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي)(البقرة: من الآية256) كما تقول (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29)
كما تقول :
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة:6) ، فهو يلزم المؤمنين إن استجار بهم أحد المشركين أن يبلغوه الدعوة ويوضحوا له مقاصد الإسلام ثم يحرسوه حتى يصل إلى مأمنه ويتركوه ليسلم عن رغبة واقتناع لا عن خوف ورهبة وإكراه.
3- وباطلة لأن قواعد الإسلام وما جرى عليه العمل به منها تأباها كل الإباء فأساس الإيمان في الإسلام الفكر والنظر والاطمئنان القلبي (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(الحجرات: من الآية14 )، وأساس المؤاخذة في الإسلام بلوغ الدعوة على وجه يدعو إلى النظر، والتقليد في الإيمان ليس أساسا صحيحا له فضلاً عن الإكراه عليه حتى قال بعض العلماء المتأخرين في منظومة فنية :
إذ كل من قلد في التوحيد
إيمانه لم يخل من ترديد
وقول المكره في الإسلام مردود عليه ولا يؤاخذ عليه ولا يؤاخذ على عمله، فالدين الذي يعتبر العقل والحرية أساساً للاعتقاد والمسئولية لا يمكن أن يقال فيه إنه يقوم على السيف وينتشر به، وإن كان قد شرع الحرب والقتال لما تقدم من الأغراض التى لا يتقرض عليها إلا واهم أو مكابر .
وعلامة الإيمان الحق الاطمئنان إليه، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)
(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد:29)

هل الإسلام وحده هو الذي أوصى بالسيف لحماية الحق ؟
وليس الإسلام وحده هو الذي أشار إلى القتال والحرب والجهاد كوسيلة لحماية الحق، بل إن الشرائع السابقة واللاحقة كلها جاءت بذلك .
فأسفار التوراة التى يتداولها اليهود طافحة بأبنباء القتال والجهاد و الحرب والتخريب والتدمير والهلاك والسبي، وهي تقرر شريعة القتال والحرب ولكن في أبشع صورها فقد جاء في سفر التثنية في الإصحاح العشرين منه عدد 10 وما بعده ما يأتي بنصه : ( حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك، هكذا تفع بجميع المدن البعيدة منك جداً والتى ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تبقى منها نسمة ما بل تحرمها تحريماً – الحيثين والأموريين والكنعانيين والفيروزيين والحويين واليوسيين كما أمرك الرب إلهك ) .
وفى إنجيل متى المتداول بأيدي المسيحيين في الإصحاح العاشر عدد 25 وما بعده يقول ( لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض بل سيفاً فإنني جئت لأفرق الإنسان ضد ابنه والابن ضد أبيه والكنة ضد حماتها .. وأعداء الإنسان أهل بيته، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر منى فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حايته من أجلي يجدها ) والقانون الدولي العصري قد اعترف بالظروف والأحوال التى تشرع فيها الحرب ووضع لها قواعدها ونظمها .
وما جاء به الإسلام في هذا الباب أفضل وأدق وأرحم وأبر بالسلام من كل هذا، فلماذا تتوجه إليه الشبهات وليس غيره سبيلاً إلى السلام، (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:16)