بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الثلاثاء 20 يوليو 2010


بقلم / محمد الباز

لم يكن غريبا أن أجد «إيهاب شفيق يوسف وشهرته إيهاب شنودة» مهتما إلي حد الهوس برصد ومتابعة ما ينشر من إعلانات تهاني أو تعازي في الصحف القبطية، وخاصة أنه محاسب.. الأرقام هي لغته ومهنته الأساسية، لكن الغريب وربما يكون المستفز في آن واحد أن إيهاب شنودة أرسل إلي البابا شنودة علي عنوان مكتبه في كاتدرائية العباسية (عنوانه 222 شارع رمسيس - الدمرداش - القاهرة )، 32 رسالة بالبريد المسجل، ولم يتلق أي رد عليها، كأنه مثل من يؤذن في مالطة، أو علي الأدق كأنه يدق الأجراس في مكه.
عكف إيهاب شنودة علي إعلانات التهاني والتعازي التي تنشرها جريدة وطني تحديدا، ومن بين ما وجده علي سبيل المثال لا الحصر، تهنئة الأنبا هدرا مطران أسوان في عدد وطني 2 نوفمبر 2008 .. بسلامة العودة من رحلة علاجية بالخارج علي أربع صفحات تكلفت مائة ألف جنيه.

وفي عدد 7 ديسمبر 2008 من وطني وعلي صفحة كاملة يهنئ أبناء وأحفاد وكيل دير مارجرجس بميت دمسيس بالعيد الأربعين لسيامته بتكلفة خمسين ألف جنيه، وفي عدد 28 يونيو 2009 إعلانات علي عدة صفحات لتهنئة النائب البابوي المعين منذ أسبوع قبل صدور الجريدة، كنائب بابوي للإسكندرية، والتكلفة تصل إلي ثمانين ألف جنيه، أما النائب السابق الذي رحل فلا توجد ولو كلمة شكر واحدة أو وداع، وفي عدد 22 نوفمبر 2009 .. تنشر جريدة وطني ملحقا بمناسبة تذكار القديس مارمينا، وعلي عدة صفحات نشرت صورا للدير ورهبانه ورئيسه، والتكلفة الكلية تصل إلي ربع مليون جنيه.

قد تسأل من أين عرف إيهاب شنودة أسعار الإعلانات في جريدة وطني؟والإجابة المباشرة أنه ذهب إلي الجريدة وسأل عن أسعار الإعلانات كلها، ولم يكن هذا صعبا بالنسبة له، فهو ليس من آحاد الناس، ولكنه أحد المساهمين في الجريدة، التي تعتبر الجريدة الأولي بل والوحيدة التي يعترف بها الأقباط، فهم يتعاملون معها بقداسة، تصل إلي أنهم يشترونها مع القربان في الكنيسة، ولا يمزقونها أو يلقونها علي الأرض، بل يقومون بحرق أعدادها حتي لا تتعرض لما يمكن اعتباره إهانة.

امتلك المحاسب القبطي منطقا في تحريره لرسائله، للدرجة التي يمكن أن نعتبره فيها القبطي الفصيح، وهو ما يبدو من نصوص بعض رسائله.

يقول في رسالته رقم 11: "قداسة البابا شنودة الثالث، الموضوع:هل إنفاق 20 ألف جنيه لنفاق أسقف المنيا في وفاة والدته أهم من الشعب المحتاج، أبي ومعلمي.. سبق أن أرسلت لقداستكم خطابا واحد - علي الأقل بخصوص هذا الموضوع. ولم أتلق أي رد من مكتب قداستكم، وفي وطني عدد أول مارس 2009 صفحة 14 .. قام العديد من الكنائس والأفراد بشراء صفحة كاملة لتعزية أسقف المنيا في وفاة والدته، وقد تكلفت هذه الصفحة أكثر من 20 ألف جنيه، وهنا تثار عدة أسئلة: ألا توجد أسرة محتاجة أو كنيسة تحتاج هذا المبلغ لمشروع أو خلافه؟ وماذا استفادت الكنيسة أو الشعب القبطي من إنفاق مثل هذا المبلغ؟

من المعروف والمؤسف أن هذا يندرج تحت بند المجاملات وهنا نسأل: ما هو المقابل، هل هذا يعني أن الأسقف سيأتي ليبارك أفراح من جامله وينسي الآخرين؟

إن الكهنة يا قداسة البابا يقولون لنا لا تحبوا العالم، وفي الوقت نفسه يقلدون النفاق الحكومي الموجود ببلدنا علي وزن تعازينا للوزير المحافظ في وفاة بواب سيادته، بينما يتغافلون عن احتياجات الشعب الأساسية".

أما الرسالة التي تحمل رقم (21) فيقول فيها إيهاب شنودة:"أبي ومعلمي قداسة البابا شنودة، سبق وأرسلت لسيادتكم 20 خطابا في مسائل كهذه ولم أتلق أي رد من مكتب قداستكم ، ومرفق لقداستكم صفحة كاملة من صفحات وطني عدد 15 يوليو 2007 صفحة 9، التي يهنئ فيها الأنبا أثناسيوس أسقف بني مزار والبهنسا قداستكم بمناسبة العيد الثالث والخمسين لرهبنة قداستكم.

لقد تكلفت هذه الصفحة خمسة وعشرين ألف جنيه دفعت بالطبع من أموال الكنيسة أي الشعب، ولكن الاسم المذكور هو اسم الأسقف ولا ذكر للشعب".

ويكمل إيهاب:"أنا واحد من عامة الشعب.. مجرد فرد ليس كاهنا ولا قريب كاهن ولا حتي يسكن بعمارتي كاهن للأسف الشديد، أي أني من طبقة القبطوليتاريا (علي وزن البروليتاريا)، وإذا جاز لشخص بسيط مثلي أن يعترض علي تصرف نيافة الأسقف فسأفعل هذا للأسباب التالية: إذا أراد كاهن أو أسقف أن ينشد قصيدة مدح في قداستكم فلتكن من أمواله الخاصة، وإذا أنفق كاهن أو أسقف مبلغا كبيرا لنشر قصيدة مدح فهذا يجعلني أشك في دخله وثروته".

ويهمس إيهاب شنودة في أذن البابا شنودة:"أعتقد أنه آن الأوان لقداستكم لبيان رفضكم لمثل هذه الأعمال، وأنا أعلم أن قداستكم لا توافق علي هذه الأفعال، ولكن الأمر يحتاج إلي وقفة صريحة من قداستكم ، وأنا هنا أتحدث عن لسان فقراء بني مزار والبهنسا الذين هم خرس قد لا يقرءون وطني ولا يلاحظون الإسراف".

وينهي المحاسب القبطي رسالته بقوله:"ودعني أذكر لقداستكم قصة واقعية، كان زوار الملك فهد الملك الراحل للمملكة العربية السعودية يقبلون أنفه عند استقباله، وهو تقليد عربي معروف لهم، وبدأ بعض من في أنفسهم ضعف في المزايدة، وبالتالي بدأ البعض في تقبيل كتفه ثم بالمزايدة علي النفاق أيضا أخذوا يقبلون يده، وعندما تولي الملك الحالي عبد الله بما عرف عنه من عدالة وبغض للنفاق ، أصدر بيانا ملكيا يرفض فيه أن ينحني له أحد، أو أن يقبل يده، وقال إن النفس الأبية ترفض ذلك، والنتيجة أن احترمه الشعب أكثر وتوقف المنافقون عن مثل هذه التصرفات، ولو لم يقم الملك عبد الله بمثل هذا التصرف الواضح الرافض الواضح، فلا نعرف إلي أي مدي كانت ستصل تصرفات المنافقين الآن، لعلهم كانوا سيقبلون طرف السجادة في مجلس الملك ...ولا تعليق لدي أكثر من هذا".

تواصلت الرسائل لكن مكتب البابا شنودة التزم الصمت التام، إن هذه الرسائل الـ32 يمكن أن نتعامل معها علي أنها دراسة مجمعة ومكثفة لكيفية إهدار أموال فقراء الأقباط التي يتبرعون بها للكنيسة في إعلانات تهنئة وعزاءات مبالغ فيها، ويصل المبلغ التقريبي الذي يدفع في إعلانات التهنئة والعزاءات سنويا نحو 3 ملايين جنيه في جريدة وطني وحدها، والمهم أيضا أن هذه الإعلانات تسجل واقعا مريرا تعيشه أسر الأقباط الفقيرة التي تهدر أموال الكنيسة فيما لا يفيد، بينما هم لا يجدون ما ينفقونه.

إن هناك ملاحظات محددة وواضحة يمكن أن نخرج بها من رسائل إيهاب شنودة ودراسته التي أعدها عن إهدار أموال الكنيسة في الإعلانات منها مثلا:

أولا:تتكلف صفحة التهنئة نحو خمسين ألف جنيه، بينما تتكلف صفحة العزاء عشرين ألفا فقط.

ثانيا:في الإعلانات التي تنشر لتهنئة الأساقفة والكهنة وحتي البابا بسلامة العودة من الخارج بعد رحلة علاج أو تهنئة أسقف أو كاهن ما باليوبيل الفضي لسيامته وما شابه، وفي التعازي أيضاً، فإن الصور التي تنشر هي الصور الجميلة والشابة للكهنة والأساقفة، وهي صورهم في الغالب من عقد مضي، وأغلب الظن أن نشر هذه الصور تحديدا مقصود لذاته من أجل تأكيد الشياكة والأناقة والجمال، رغم أن هذا كله مما يتنافي مع أصول وقواعد الرهبنة.

ثالثا: هناك أخبار كثيرة تؤكد مدي الماسأة التي يعيشها الكثير من الأسر المسيحية، فبين مئات الإعلانات هذه نجد خبرا عن قبطي يطلب مرتبتين قديمتين لينام عليهما هو وبناته، فمعاشه خمسمائة جنيه ويعول أربعة أفراد، وهنا يبدو التناقض واضحا، فهذا قبطي يطلب مرتبة ينام عليها، وهناك قبطي آخر تتم تهنئته بعشرات الآلآف فقط لأنه عاد من الخارج سالما.

رابعا:هناك علي ما يبدو إهدار متعمد لأموال الكنيسة، وهو ما يبدو مثلا في الإعلان الذي نشر في 24 مايو 2005، وكان هذا نصه:"العيد الأول لتدشين مطرانية مارمرقس ببني مزار، 20 مايو 2008، بيد قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث، أطال الله عمره إلي المجيء الثاني وفي حبرية نيافة الحبر الجليل الأنبا أثناسيوس أدام الله رعايته لنا"، المفزع في هذا الإعلان أنه يمكن التهنئة بوضع حجر الأساس، لكن أن تتم التهنئة بالعيد الأول أو الذكري الأولي لوضع حجر الأساس، فهذا هدر فيما يبدو متعمد، أو علي الأقل نفاق متزايد.

خامسا: تكشف الإعلانات عن أزمة واضحة، وهي أن أموال التبرعات التي تصل إلي الكنائس توضع باسم أشخاص بعينهم، ومنها هذا الإعلان مثلا:"كنيسة القديسة العذراء مريم بمصلحة الخواجات دار السلام سوهاج، والكنيسة تدعوكم لنوال بركة استكمال وتشطيب وتجهيز مباني، كنيسة السيدة العذراء مريم والكنيسة تخدم شعب خمس قري محرومين من القداسات والخدمات الروحية وللتبرع لحساب البنك بالجنيه المصر رقم (....)، بنك الإسكندرية دار السلام سوهاج، باسم كاهن الكنيسة القمص فيلبس ذكري يسي، والحوالات البريدية مكتب بريد دار السلام بسوهاج.

أصل المشكلة هنا أن وضع أموال الكنيسة في حساب شخص بعينه مهما كانت سمعته أو أمانته أمر يدعو إلي الخوف والريبة، وقد ضاعت أموال كثيرة وتبددت أخري، لأنها كانت موضوعة باسم أشخاص في البنوك وليس باسم الكنيسة نفسها.

سادسا:هنا تظهر قضية أعتقد أنها مهمة للغاية وهي أن هذه الملايين التي يتم إنفاقها علي الإعلانات كان يمكن استخدامها لصالح الفقراء وهم كثيرون بين الأقباط، وبذلك - كما يقول إيهاب شنودة - تحدث السيد المسيح عن عقابه الأبدي لمن رأوه رجائعا فلم يطعموه وعريانا فلم يكسوه، وعندما يسألونه متي رأيناك جائعا فلم نطعمك وعريانا فلم نكسوك، فيقول: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا".

إن هناك قضايا كثيرة تشغل الكنيسة المصرية الآن، وأعتقد أن البابا شنودة يجعل من قضية قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين قضية حياته التي لن يتنازل عنها أبدا، وهو ما يجعله لا يلتفت إلي أي قضية أخري حتي لو كانت مهمة.

لكن هذه القضية وهي توجيه أموال إعلانات النفاق التي تنشر في الصحف إلي فقراء الأقباط ورعايتهم، أعتقد أنها أولي بالاهتمام، ولو أنجزها البابا شنودة، فإنها ستكون أرقي وأعظم عند الله من تشدده وتعنته في قضية الطلاق والزواج الثاني، فقد نزلت الكتب السماوية من أجل الإنسان، ولم يخلق الإنسان من أجل الكتب، وهو ما يعرفه البابا شنودة جيدا لكنه لا يركن إليه كثيرا.

إن خطابات إيهاب شنودة الـ32 التي لم يرد البابا شنودة ولا علي خطاب واحد منها، لا تحمل اتهامات لأحد، لكنها تكشف عن حالة العوار الكاملة التي يقع فيها رجال الدين المسيحي، وهنا لابد من الاستشهاد بموقف واضح وصريح وهو ما حدث في الإعلان الشهير الذي نشره دير مارجرجس الخطاطبة لشكر البابا شنودة علي سيامته رهبان بالدير، وفي الإعلان ظهر الرهبان فرحين وهم في صورة مع البابا، وهنا لابد أن يلح علي الجميع سؤال هو: ألم تتركوا العالم ومتم عنه، إذن لماذا تتسابقون علي الصور ونشرها في الصحف، وإذا كان الهدف هو شكر البابا، فكان يمكن الاكتفاء برسالة رقيقة بدلا من إنفاق عشرات الآلاف من أجل أن تقولوا كلمة واحدة للبابا.


المصــــــــــــــــــــــــــدر
http://www.tanseerel.com/main/articl...8637&menu_id=4