صلاة الصبح وطيب النفس

خالص جلبي

ذكرنا الأحاديث الحيوية، وسوف أستعرض بين الحين والآخر بعضاً منها، قد نوصلها إلى الرقم أربعين كما في الأحاديث النووية، أو قد نرفعها إلى المائة ونطبعها في كتاب، وقد حدثت فيها البعض فتحمس، وعسى أن يصبح مشروعا متكاملاً يصلح للنشر، ومن هذه الأحاديث العجيبة الجميلة الحديث الصحيح عن سلطان النوم وأثر صلاة الصبح على الروح، وهو أمر أشعر به أنا شخصيا على نحو ملموس يكاد يقول خذوني.

جاء في الحديث الصحيح "يعقد الشيطان على رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة؛ فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلا".

وفي كتاب (الصراع من أجل الإيمان) الذي كتبه الأمريكي جيفري لانج الذي اعتنق الإسلام وكتب لاحقا أيضا كتابين هامين هما: (حتى الملائكة تسأل) و (الضياع الديني) أن أصعب شيء عليه كان بعد اعتناقه الإسلام الاستيقاظ لصلاة الصبح، فابتكر حيلة ليروض طباعه بأن وضع ثلاثة منبهات، ترن خلف بعضها البعض بفارق دقائق؛ المنبه الأول بجنب رأسه، والثاني في غرفته، والثالث في الطابق السفلي.

وكان لابد له في كل مرة أن ينهض ليقاوم سلطان الكرى، ويحاول إيقاف منبه خلف آخر. كان في المرة الأولى يرجع إلى فراشه الدافىء ويغلق المنبه، ويخدع نفسه بأنه سيعاود الاستيقاظ كما نفعل كثيرا. وفي المرة الثانية يكون قد صحا، أما في الثالثة فلم يكن بد من نزول الدرج والصحو تماما فكان يتوضأ ثم ينهض إلى صلاته فيصحو ويبدأ يومه العملي. والاستيقاظ الصباحي صعوبته الدقائق الأولى فإذا سيطرنا عليها حلت المشكلة.

وأنا أفكر جدا في نظام العمل عندنا المنقول عن الغرب ولا يتماشى مع نظام صلاة الصبح، وفي تقديري أن الحياة الإسلامية تبدأ مع الاستيقاظ لصلاة الصبح، وتقول حيا على الفلاح مع ذكر الله قبل شروق الشمس وإدبار النجوم.

وأظن أن بركة العمل الصباحية هائلة، بل لقد رأيت في ألمانيا هذا النظام حين كنت أعمل في الشتاء في بايرن؛ فكنا قبل طلوع الشمس نبدأ العمل، وفي تصوري للحياة الإسلامية أن العمل يستمر حتى صلاة الظهر ثم ينتهي كل شيء، والوقت بين شروق الشمس حتى الظهر أكثر من كاف للإنتاج، هذا الكلام بالطبع لأمة تنتج وليس لشعب ثرثار يشخر على أنغام الزمن الهارب.

وفي القرآن أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. ولكن حياتنا فسدت من عدة جهات، منها نفس نظام العمل اليومي، الذي يبدأ متأخرا وينتهي متأخرا، وتبقى المحلات في الليل إلى ساعة متأخرة، وفي ألمانيا لاحظت أن إرهاق العمل يجعل القوم ينامون مبكرين ويستيقظون مبكرين كما أمرنا الله. وبعد الساعة التاسعة ليلا لا يليق الاتصال التلفوني، وكأن البنايات والشوارع أعلن فيها حظر التجول.

فهذا هو الصحي والصحيح ... بلاغ فهل يهلك إلا القوم الخاملون الكسالى الفاسدون..
التاريخ هو عمل وإبداع لقوم يعملون فهو العبادة ولا مكان للكسالى الخاملون..





الوطن أون لاين - الخميس 15 يوليه 2010