جيمس زغبي


التعدي على الإسلام... جهل ونفايات

تاريخ النشر: الإثنين 05 يوليو 2010


شهد الأسبوع الماضي حادثتين منفصلتين تتعلقان بمحاولات التعدي اللفظي على المسلمين، أثارتا كثيراً من الاهتمام بسبب تورط شخصيتين بارزتين فيهما. ولما لم تسفر أي منهما إلا عن شعور صامت بالحرج لمن صدرتا عنهما، فمن المفيد الكتابة عنهما باعتبارهما سهمين ارتدا إلى نحور من أطلقا تلك الإساءات للإسلام والمسلمين.

صدرت الإساءة الأولى عن السيناتور الجمهوري جيف سيشن من ولاية ميسيسبي. ففي إطار الجهود التي يبذلها الجمهوريون لإحباط ترشيح الرئيس أوباما لإلين كاجان لعضوية المحكمة الدستورية، أقاموا حجتهم ضد ذلك الترشيح على أساس رفض كاجان –بصفتها عميداً لكلية القانون بجامعة هارفارد- السماح للجيش الأميركي بالاستقطاب العلني للمستجدين الجنود داخل الحرم الجامعي. كما أثار الجمهوريون ضدها رفضها سياسة التكتم وعدم إثارة الأسئلة عن المجندين التي يتبناها الجيش، خاصة إزاء الجنود والبحارة المثليين.

وفي معرض إثارة حجته ضد ترشيح كاجان، اتهمها السيناتور سيشن بأنها "ليست بذلك الانضباط الأخلاقي الذي يوحي به مظهرها"، ولاحظ السيناتور أن جامعة هارفارد قبلت مبلغاً مالياً قدره 20 مليون دولار من أحد أفراد العائلة المالكة السعودية بهدف إنشاء مركز للدراسات والشريعة الإسلامية. وقد تصادف قبول الجامعة للمبلغ المذكور مع رفض كاجان استقطاب الجيش العلني لمجنديه الجدد داخل الحرم الجامعي. واستطرد السيناتور في القول: "فبحكم نصوص قوانين الشريعة الإسلامية، فإن عقوبة المواقعة الجنسية بين شخصين مثليين هي القتل أو الجلد". وعليه استنتج السيناتور أن كاجان "كانت عنصراً نشطاً للغاية في إعاقة عمل جيش بلادها الذي حرر أعداداً لا تحصى من المسلمين من استبداد نظام صدام وحركة "طالبان"، بينما كانت كاجان تقف متفرجة إزاء إنشاء الجامعة التي تعمل فيها مركزاًَ مخصصاً لدراسات الإسلام والشريعة بتمويل أشخاص أجانب!

ورداً على هذه الاتهامات، بوسع المرء القول إنه لا صلة لكاجان بإنشاء المركز الذي تحدث عنه السيناتور، أو بلفت الانتباه إلى حقيقة أن المركز المعني متخصص في الدراسات الإسلامية -حسب تسميته- وليس لدراسة الشريعة الإسلامية. غير أن مثل هذه الردود التوضيحية النافية، تخطئ هدفها الرئيسي الذي يتلخص في تعدي السيناتور "سيشن" الصريح على الإسلام والمسلمين دون أي لف أو دوران.

وفيما عدا قلة من المدونين الإلكترونيين المهووسين بالإسلاموفوبيا، يكاد يكون الجميع قد تجاهل خط الهجوم الذي شنه السيناتو على نحو أرغمه على التخلي عن ذلك الخط تماماً.

أما حادثة الاعتداء الثانية فمصدرها الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي جيف جرين عن ولاية فلوريدا. فقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن جرين قوله: "يتضمن القرآن كل الخبل الذي يمكن للمرء أن يتصوره. وللأسف فإن في مستطاع ذلك الخبل تحريك قلوب وعقول الكثير من المتطرفين"! وعندما انبرت له إحدى الصحف المحلية الصادرة في الولاية، ردت حملة جرين الانتخابية بالقول إنه ليس خبيراً في القرآن، بينما أصرت على ادعاء أن الحديث المنسوب إلى المرشح جرين قد انتزع من سياقه. وعلى أية حال فإن إعادة النظر في مجمل ما صدر عن جرين لا يكشف سوى جهله المريع بالإسلام وكتابه الكريم. دعنا نفعل ذلك باقتطاف ما جاء في السؤال الذي وجهه إليه صحفي "واشنطن بوست" ورده عليه.

السؤال: "لا أدري ماذا يجري بالضبط في العالم الإسلامي. إنهم يخيفونني كثيراً. ففي أوروبا تسعى الجاليات المسلمة لاختطاف مجتمعات تلك الدول، بينما يتحدث المسلمون هنا في أميركا عن خطط تهدف إلى بناء مسجد في مكان برجي مركز التجارة العالمية. فما هو رأيك فيما يحدث، وما الذي يمكننا فعله إزاء ما يجري؟".

الإجابة: "لست خبيراً في القرآن. وأعلم أن هناك نحو 1.2 مليار مسلم وأن حوالي 200 ألف منهم شديدي الالتزام ببعض نصوص القرآن القائلة بأن الإيمان بالله متاح لأي إنسان على وجه الأرض واتباع تعاليم نبيه محمد. ومن لم يؤمن فإنه من واجب المسلمين قتل الكفار. فهناك كل الخبل الذي يمكن تصوره. وللأسف فهو خبل قادر على تحريك عقول وقلوب الكثير من المتطرفين. ويمكن القول إن معظم المسلمين لا فرق بينهم وأي شخص آخر في العالم، فهم يحبون السلام. لكن هناك منهم من يتبع تلك الأشياء المخبولة مثل المتطرفين الانتحاريين كما نعلم. ولما كنت أصدق ما تبثه وسائل الإعلام فإني جد خائف على بلادي والعالم. وهذا ما دفعني إلى الترشح وخوض هذه المعركة الانتخابية. وكنت قد قلت من قبل ما معناه إن علينا أن نجعل أعداءنا يرتجفون خوفاً منا".

بالطبع، فإن الجزء الوحيد من إجابة جرين الذي يحمل معنى هو اعترافه بأنه "ليس خبيراً في القرآن". أما ما تبقى من تلك الإجابة فهو مجرد نفاية وتصوير كاريكاتري للقرآن الكريم ولعقيدة سماوية يعتنقها ما يزيد على المليار نسمة من مختلف أنحاء العالم. كما تمثل تلك الإجابة فرصة مضاعة كان يمكن للمرشح جرين استثمارها في الرد المفحم لصحفي "الواشنطن بوست" المتعصب الذي يجهل هو الآخر كل شيء عن الإسلام والمسلمين. والحق أنه قد أتيحت لهذا المرشح الديمقراطي ذات اللحظة المحرجة التي مر بها المرشح الرئاسي الجمهوري السابق جون ماكين. فقد اتهم حينها أحد الناخبين أوباما بأنه من أصل عربي. فرد عليه ماكين قائلاً: "كلا أنت مخطئ فهو ينتمي إلى عائلة محترمة"!

عن الكاتب
أرشيف الكاتب



الأتحاد - الاثنين 23 رجب 1431 - 05 يوليو 2010م