اقتباس
الإتقان في تحريف القران


خلافات واختلافات المسلمين في القران
اختلاف المسلمين في أخر ما انزل من القران

كما اختلف المسلمين في أول ما انزل من القران . هكذا أيضا اختلفوا في أخر ما انزل منه .

روى الشيخان عن البراء بن عازب قال : آخر آية نزلت :

(يستفتونك قل الله يُفتيكم في الكلالة ..) الآية. وآخر سورة نزلت ببراءة .

وعن ابن عباس قال : آخر آية نزلت آية الربا ، والمراد بها قوله : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ... ) ( البقرة : 278- 280 )

وعن ابن عباس قال : آخر شيء نزل من القرآن ( واتقوا يومًا

ترجعون فيه ..) البقرة 281.

وفي المستدرك عن آبي بن كعب قال: آخر آية أنزلت (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخر السورة. وروى عبد الله بن احمد وابن مردوية عن أبي انهم جمعوا القران في خلافة آبي بكر وكان رجال يكتبون فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) ظنوا ان هذا آخر ما انزل من القران .فقال لهم أبي بن كعب: ان رسول الله أقراني بعدها آيتين( لقد جاءكم رسول من أنفسكم - إلى قوله- وهو رب العرش العظيم) وقال: هذا آخر ما انزل من القران قال: فختم بما فتح به بالله الذي لا اله آلا هو، وهو قوله ( وما أترسلنا من قبلك من رسول آلا نوحي أليه انه لا اله آلا انا فاعبدون .

واخرج ابن جرير عن معاوية بن آبى سفيان انه تلا هذه الآية (فمن كان يرجو لقاء ) إلى آخر الآية، أنها آخر ما انزل من القران.

قال ابن كثير: من المشاكل على ما تقدم قوله : اليوم أكملت لكم دينكم) فأنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع ، وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها ، وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال: لم ينزل بعدها حلال ولا حرام؟. راجع الإتقان في علوم القران للسيوطي 1/32 - 33.
الرد على هذا الكلام :

آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن على الإطلاق فهو قوله تعالى: [{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } (سورة البقرة: الآية 281)]

فقد أخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: آخر ما نزل من القرآن كله، قوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .. الآية". وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال. وهذا الرأي هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأن الآية الكريمة تحمل في طياتها الإشارة إلى ختام الوحي والدين، بسبب ما تحث عليه من الاستعداد ليوم القيامة، وما تنوه به من الرجوع إلى الله تعالى، ولأن ابن عباس رضي لله عنهما قد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاش بعد نزولها عليه تسع ليالي فقط. وقد يقال: أن بعض الناس يظن أن آخر ما نزل من قرآن على الإطلاق، هو قوله تعالى: [{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ..} (سورة المائدة: الآية 3)] والجواب :

أن هذه الآية الكريمة قد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من السنة العاشرة بعد الهجرة. أي: قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهري، أما آية: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .." فكان نزولها قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال فقط، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما. فإن قيل: فما المراد بإكمال الدين، وإتمام النعمة في قوله سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي .."؟ فالجواب:

أن المراد بذلك: إنجاح الدين وإقراره وإظهاره وإتمام تشريعاته وأحكامه وآدابه، وبسط سلطانه على الجزيرة العربية كلها، وتمكن المسلمين من أداء مناسك الحج والطواف بالمسجد الحرام، دون أن يشاركهم في ذلك غيرهم من المشركين. قال الإمام القرطبي: وقد روي الأئمة عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال له: يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا نزلت معشر اليهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .. فقال عمر: أية آية تعني؟ فقال: قوله تعالى: [{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..} (سورة المائدة: الآية 3)] فقال عمر: أني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم الجمعة، يوم الحج الأكبر من السنة العاشرة بعد الهجرة (تفسير القرطبي جـ6 ص61) والخلاصة: أن الرأي الصحيح الذي تطمئن إليه النفس، هو أن أول ما نزل على الإطلاق من قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، هو قوله تعالى: [{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ "1" خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ "2" اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "3" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ "4" عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }] وأن آخر ما نزل من قرآن على الإطلاق على النبي صلى الله عليه وسلم، هو قوله تعالى: [{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }] أما أول ما نزل وآخر ما نزل في موضوعات معينة، فقد تكلم العلماء عنها بشيء من التفصيل، ومن ذلك أنهم قالوا: أول ما نزل في النهي عن التعامل بالربا قوله تعالى: [{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } (سورة الروم: الآية 39)] وآخر ما نزل في تحريم الربا الآيات التي في أواخر سورة البقرة، وهي قوله تعالى: [{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (سورة البقرة: الآية 275)] وأول ما نزل في الخمر قوله تعالى: [{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ..} (سورة البقرة: الآية 219)] وآخر ما نزل في شأن تحريم الخمر قوله تعالى: [{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "90" إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } (سورة المائدة: الآيتان 90، 91)] إلى غير ذلك مما ذكروه في شأن أول ما نزل وآخر ما نزل في أمور معينة.

ولمعرفة ذلك فوائد من أهمها :

أ- بيان العناية التي حظي بها القرآن الكريم من الصحابة، فهم لم يكتفوا بحفظ القرآن بل وعوا وعرفوا زمان ومكان نزول آياته.

ب - إدراك أسرار التشريع الإسلامي، وتدرجه في الأحكام التي شرعها للمسلمين، وكيف أن آيات القرآن الكريم قد سلكت في ذلك أقوم السبل، وأحكم الطرق، وأبلغ الأساليب، مما يشهد بأن هذا القرآن من عند الله، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

والله أعلم .

.
http://www.nourallah.com/books.asp?c...&articleid=142
.