بقلم: سليم عزوز
لا يزال البحث جاريا عن دعاة الدولة المدنية في مصر، والذين اختفوا في ظروف غامضة، بعد ثورة الكنيسة الأرثوذكسية ضد حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام البابا شنودة بالزواج الثاني للمطلقين، وبعد أن هتف المتظاهرون في المقر البابوي بأن الحكم للإنجيل!.
تذكرت الضجة التي أثيرت عندما ذكر الإخوان المسلمون صيغة أهل الحل والعقد في برنامجهم، و ان رئاسة الدولة لا تكون لمسيحي أو لامرأة.، يومها قال دعاة الدولة المدنية، بأنها الحرب إذن، وخرجوا يدافعون عن حياض هذه الدولة، التي ينتقص منها مثل هذا الكلام الذي ورد في برنامج الجماعة المحظورة. مع ان ما قالوه لن يكون صالحا للتطبيق إلا إذا تولوا الحكم.. أي في المشمش!.
رد فعل البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية وأتباعه، مثل تعريضا بالدولة المدنية، عندما جري التطاول علي حكم المحكمة الإدارية العليا، التي يرأسها قاضيا وليس شيخا أزهريا، والذي حكم بالقانون وليس بالشريعة الإسلامية، فقالوا انه كان ينبغي ان يحكم بالإنجيل، والذي تم رفعه في ساحة المقر البابوي، فلا حكم إلا به.. انظر ماذا سيكون رد فعل هذه الطائفة من المثقفين لو كانوا إزاء حكم قضائي مخالف للشريعة الإسلامية، وكانت المصاحف هي المرفوعة في مظاهرة!.
ما قام به البابا وأتباعه خلال الأيام الماضية يمثل جريمة ازدراء لحكم قضائي واجب النفاذ، وهو حكم لا يجوز الطعن عليه، أو الاستشكال فيه، لأنه صادر من اعلي محكمة قضائية، دعك من التخاريف القانونية، التي ساقها بعض المحامين في حضرة البابا من تقديم إشكال لوقف التنفيذ، أو الطعن في الحكم أمام المحكمة الدستورية العليا، التي حدد القانون طرق الطعن أمامها، وليس من بينها الطعن المباشر من قبل الأفراد، مع احترامنا لقداسة البابا الذي هو امة وحده.
اللافت أن أحدا لم يتهم المحكمة بأنها خالفت القانون، فالحكم جاء استنادا الي لائحة سنة 1938، ولم يكن من وضع نصوصها أعضاء مجمع البحوث الإسلامية مثلا، ولكنها وضعت من قبل ما يسمي بالمجلس الملي، وهو تشكيل داخل الكنيسة يرأسه البطريرك، لكن البابا شنودة يختلف مع اللائحة، ويطالب بقانون جديد للأحوال الشخصية، لا يقر الطلاق إلا لعلة الزني، وهو القانون الذي تعطل إقراره منذ ثلاثين عاما، بسبب خلاف في الآراء بين الكنائس المختلفة.
البابا وجد انه في ظل " الدولة الرخوة"، التي نعيش في كنفها يمكن تمرير هذا القانون وان غضبت الكنائس أخري، لأنها تمثل أقلية الأقلية، وجاء حكم المحكمة الإدارية العليا ليمثل مبررا للنضال وحمل السلطة علي الخضوع ، وقد سبق للمحكمة ان أصدرت أحكاما مشابهة، ولم تواجه برد فعل من قبل الكنيسة أو البابا، لأنه يعلم أن بإمكانه ان يتجاهلها، وهو في مأمن من الحكم ضده بالحبس والعزل، بحكم كونه موظفا عاما، يجوز في حقه ما يجوز في حق الموظفين العموميين من حبس وعزل إذا لم ينقذوا أحكام القضاء الصادرة في مواجهتهم، فقداسته معين بقرار جمهوري في بداية سنة 1985، بعد ان عزله الرئيس السادات ونحاه من منصبه!.
عندما صدر القرار الجمهوري بتعيينه في سنة 1971 كان هذا القرار كاشفا عن إرادة الناخبين وفق طقوس معينة، لكن القرار الأخير جاء منشئا، وقد تعرض هذا القرار مؤخرا للإلغاء من محكمة الأسرة، وهو حكم يجوز الطعن عليه، وان كان الاتجاه الغالب يميل إلي تجاهله، فالبابا اكبر من أي احكام.
لا حيلة للذين حصلوا علي أحكام قضائية بإلزام البابا شنودة بتزويجهم، فمثل هذه الأحكام تصدر للاسترشاد، لاسيما إذا كانت في مواجهة النفوذ الجبار للبابا، لكنه قال اننا لن نسكت هذه المرة. فهو يري أن الوقت أصبح مواتيا لإقرار القانون الموحد، رغم انف الكنائس الاخري.
وإزاء هذا الازدراء البين لأحكام القضاء التي هي عنوان الدولة المدنية، لم يقل احد ولو: أف، من الذين يذوبون وجدا وصاية في الدولة المدنية، وفي الواقع أنهم لم يختفوا هنا وحسب، ولكنهم مختفون من فترة، فقد شاهدنا كيف تمدد الحزب الحاكم في الفراغ، وقام عدد من أئمة المساجد بالدعوة لانتخاب مرشحيه لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة، وجلب هذا الحزب في دائرة بالقاهرة عددا من أصحاب العمائم ليؤكدوا ان انتخاب الحزب الوطني واجب ديني، بدون ان يحرض هذا ساكنا لدي دعاة الدولة المدنية، والليبراليون الجدد، الذين جعلوا من " الليبرالية" بسبب انتسابهم لها، كلمة نابية تسقط الثقة والاعتبار، و" وعملا بطالا"، يشبه الفعل الفاضح في الطريق العام.
اعلم ان هؤلاء ليسوا جادين فيما يدعون إليه، فهم يستدعون المبادئ العظيمة، لاستغلالها في نضالهم المجاني، عندما يواجهون تيارا دينيا مسلما، يري فيه أهل الحكم خطرا علي استمرارهم في السلطة، لذا فان من يقفون معهم في معركة الوجود ولو تحت عناوين جذابة ، فإنهم يبادلونهم حبا بحب.. لا حظ ان رفعت السعيد رئيس حزب التجمع التقدمي الوحدوي كان يرفع في السابق شعار: نحن الطريق الثالث، مع انه ينتمي الي الطريق الأول، وقد أصبح لدي النظام " فرخة بكشك"، وأصبح عضوا في مجلس الشوري بالتعيين الرئاسي!.
الذين يستغلون شعارات الدولة المدنية، مثلهم كمثل جماعات الإسلام السياسي التي تستدعي الدين لتستغله لأهداف سياسية، يبتغون عرض الحياة الدنيا.
التطاول علي أحكام القضاء، ورفع الإنجيل في مواجهتها، ليس هو فقط اللافت للانتباه، في معركة البابا الأخيرة، فيلاحظ انه إزاء هذه الضجة تم تجاوز اصل المشكلة والتي تتمثل في ان هناك عددا من المسيحيين قل أو كثر ( عددهم بالآلاف) يعانون من مشكلة حقيقية، تتمثل في اعتراف الكنيسة الأرثوذكسية بسبب واحد هو الموجب للطلاق.. فلا طلاق إلا لعلة الزني.
ومع صعوبة استحالة أثبات الزني، فليس أمام المطلق مدنيا إلا ان يغني ظلموه، ويتم القفز علي حقه الإنساني في الزواج وتكوين أسرة.. وإزاء انتهاك هذا الحق، لم يفتح الله علي منظمات حقوق الإنسان بكلمة، يبدو ان هذه القضية ليست مطروحة علي جدول أعمال الجهات المانحة!.
لقد تحولت مسألة الزواج الثاني بالنسبة للمسيحيين، الي قضية مؤرقة للوجدان الإنساني، فهم حصلوا علي أحكام بالتطليق من المحاكم ، استنادا للائحة سنة 1938، وليس استنادا الي قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، كما يوحي البعض!.
لكن الكنيسة التي لا تعترف بالطلاق، لم تبح لهم الزواج الثاني، فانتقل بعضهم الي مذهب اخر لهذا السبب، وهم قلة، لكن الغالبية لم تجرؤ علي ان تفعل لان هذا من شأنه ان يكدر العلاقة الاجتماعية للتارك لمذهبه، والبابا شنودة ينظر مثلا إلي الطوائف الاخري نظرة الرفض العقائدي، فالمسلمون أفضل منهم.. هناك تصريح حديث له يحمل هذا المعني.
إنها قضية إنسانية بامتياز، كانت تستدعي تدخل المنظمات الحقوقية دفاعا عن الحق الإنساني في الزواج وتكوين أسرة، لكن لا احد يهتم، في حين أنهم غدوا خماصا وبطانا عندما رفضت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تعيين الإناث في سلك القضاء، وهتفوا: يا غاية من ظلم!.
تعد قضية الفنانة هالة صدقي واحدة من القضايا الكاشفة عن حجم المعاناة التي تواجه المطلقين، وحجم التعسف الذي يمارس ضدهم أحيانا.
لقد تزوجت المذكورة من رجل أعمال، ويبدو ان البابا لم يكن مرحبا بهذا الزواج انحيازا منه للفنانة، وحدث خلاف بين الزوجين منذ الليلة الأولي، تم طرحه علي المشاع وعبر الصحف السيارة، بما يمثل خروجا علي الدستور المصري الذي يؤكد علي حرمة الحياة الخاصة، وبما يتعارض مع قانون الصحافة وميثاق الشرف الصحفي.
يعف قلمي عن التطرق لما نشر.. وقد حصلت هالة صدقي علي حكم قضائي بتطليقها من زوجها رجل الأعمال المسيحي.. مثل آلاف الأحكام التي حصل عليها غيرها.. لكن صاحبتنا لأنها محظوظة فقد وافقت الكنيسة علي تزويجها للمرة الثانية، بينما يكلم طليقها نفسه، لفشله في الحصول علي الموافقة الكنسية، وفي مواجهة هذا التعسف لم تقل المنظمات الحقوقية: بم!.
ما علينا، فقد فات الجميع في حملة تسفيه المحكمة والحكم، ان من لجأ إلي القضاء طلبا للطلاق والزواج الثاني، هم مسيحيون من رعايا البابا.. تماما كما ان الذي دفع أمام محكمة الأسرة ببطلان قرار تعيين شنودة بطريركا للكرازة المرقسية مسيحي أيضا.
لقد قال البابا انه لن نسكت هذه المرة، فهو يريد ان يمرر قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين، بما يمثل انتصارا لمذهبه علي المذاهب الاخري، وقام وزير العدل بتشكيل لجنة لوضع مشروع القانون، وروعي تمثيل الكنائس الاخري، فمثل البابا يوحنا قلتة الأقباط الكاثوليك، ومثل القس إكرام لمعي الكنيسة الإنجيلية ( البروتستانت) وهناك ظهر نفوذ البابا، عندما أوعز باستبعاد لمعي، الذي لم يدع الي الاجتماع الأول، وعندما حضر الاجتماع الثاني قيل له ان عليه ان يحضر خطابا من كنيسته بما يعني موافقتها علي تمثيله، مع انه عضو في اللجنة بمقتضي القرار الوزاري، وليس بصفته.
إكرام لمعي عُرف بالجرأة في الرد علي هجوم البابا علي الكنيسة الإنجيلية، وهو رجل معروف بالشجاعة العلمية اقرأ كتابه " الاختراق الصهيوني للمسيحية".. الصادر عن دار الشروق.
لقد بدأ الخلاف مبكرا، فالكنيسة الإنجيلية غير الممثلة تشترط لموافقتها اعتراف كل الكنائس الاخري بمراسم الزواج فيها، والإبقاء علي الفصل الخاص بالتبني. والبابا شنودة الذي يريد ان يهيمن، ألغي فصل التبني، تارة يقول حتي لا يثير حفيظة المسلمين، وأخري يبرر ذلك بسعيه الي صدور القانون بدون مشاكل، ولا أظن ان هناك مشكلة مع المسلمين في الموضوع برمته، فقد أمرنا ان نترك غير المسلمين لدينهم، وإذا كان الأمر متوقفا علي كسب رضا المسلمين، فمنع الطلاق إلا لعلة الزني يخالف عقيدتهم.. لكنه السعي للهيمنة.
وما يحدث هو مؤشر علي أننا سنكون أمام اضطهاد من نوع مختلف، هو اضطهاد الأقلية، لأقلية الأقلية، وإذا كان أنصار الدولة المدنية قد اختفوا في ظروف غامضة، فان المنظمات الحقوقية: تعيش أنت

لا يزال البحث جاريا عن دعاة الدولة المدنية في مصر، والذين اختفوا في ظروف غامضة، بعد ثورة الكنيسة الأرثوذكسية ضد حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام البابا شنودة بالزواج الثاني للمطلقين، وبعد أن هتف المتظاهرون في المقر البابوي بأن الحكم للإنجيل!.
تذكرت الضجة التي أثيرت عندما ذكر الإخوان المسلمون صيغة أهل الحل والعقد في برنامجهم، و ان رئاسة الدولة لا تكون لمسيحي أو لامرأة.، يومها قال دعاة الدولة المدنية، بأنها الحرب إذن، وخرجوا يدافعون عن حياض هذه الدولة، التي ينتقص منها مثل هذا الكلام الذي ورد في برنامج الجماعة المحظورة. مع ان ما قالوه لن يكون صالحا للتطبيق إلا إذا تولوا الحكم.. أي في المشمش!.
رد فعل البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية وأتباعه، مثل تعريضا بالدولة المدنية، عندما جري التطاول علي حكم المحكمة الإدارية العليا، التي يرأسها قاضيا وليس شيخا أزهريا، والذي حكم بالقانون وليس بالشريعة الإسلامية، فقالوا انه كان ينبغي ان يحكم بالإنجيل، والذي تم رفعه في ساحة المقر البابوي، فلا حكم إلا به.. انظر ماذا سيكون رد فعل هذه الطائفة من المثقفين لو كانوا إزاء حكم قضائي مخالف للشريعة الإسلامية، وكانت المصاحف هي المرفوعة في مظاهرة!.
ما قام به البابا وأتباعه خلال الأيام الماضية يمثل جريمة ازدراء لحكم قضائي واجب النفاذ، وهو حكم لا يجوز الطعن عليه، أو الاستشكال فيه، لأنه صادر من اعلي محكمة قضائية، دعك من التخاريف القانونية، التي ساقها بعض المحامين في حضرة البابا من تقديم إشكال لوقف التنفيذ، أو الطعن في الحكم أمام المحكمة الدستورية العليا، التي حدد القانون طرق الطعن أمامها، وليس من بينها الطعن المباشر من قبل الأفراد، مع احترامنا لقداسة البابا الذي هو امة وحده.
اللافت أن أحدا لم يتهم المحكمة بأنها خالفت القانون، فالحكم جاء استنادا الي لائحة سنة 1938، ولم يكن من وضع نصوصها أعضاء مجمع البحوث الإسلامية مثلا، ولكنها وضعت من قبل ما يسمي بالمجلس الملي، وهو تشكيل داخل الكنيسة يرأسه البطريرك، لكن البابا شنودة يختلف مع اللائحة، ويطالب بقانون جديد للأحوال الشخصية، لا يقر الطلاق إلا لعلة الزني، وهو القانون الذي تعطل إقراره منذ ثلاثين عاما، بسبب خلاف في الآراء بين الكنائس المختلفة.
البابا وجد انه في ظل " الدولة الرخوة"، التي نعيش في كنفها يمكن تمرير هذا القانون وان غضبت الكنائس أخري، لأنها تمثل أقلية الأقلية، وجاء حكم المحكمة الإدارية العليا ليمثل مبررا للنضال وحمل السلطة علي الخضوع ، وقد سبق للمحكمة ان أصدرت أحكاما مشابهة، ولم تواجه برد فعل من قبل الكنيسة أو البابا، لأنه يعلم أن بإمكانه ان يتجاهلها، وهو في مأمن من الحكم ضده بالحبس والعزل، بحكم كونه موظفا عاما، يجوز في حقه ما يجوز في حق الموظفين العموميين من حبس وعزل إذا لم ينقذوا أحكام القضاء الصادرة في مواجهتهم، فقداسته معين بقرار جمهوري في بداية سنة 1985، بعد ان عزله الرئيس السادات ونحاه من منصبه!.
عندما صدر القرار الجمهوري بتعيينه في سنة 1971 كان هذا القرار كاشفا عن إرادة الناخبين وفق طقوس معينة، لكن القرار الأخير جاء منشئا، وقد تعرض هذا القرار مؤخرا للإلغاء من محكمة الأسرة، وهو حكم يجوز الطعن عليه، وان كان الاتجاه الغالب يميل إلي تجاهله، فالبابا اكبر من أي احكام.
لا حيلة للذين حصلوا علي أحكام قضائية بإلزام البابا شنودة بتزويجهم، فمثل هذه الأحكام تصدر للاسترشاد، لاسيما إذا كانت في مواجهة النفوذ الجبار للبابا، لكنه قال اننا لن نسكت هذه المرة. فهو يري أن الوقت أصبح مواتيا لإقرار القانون الموحد، رغم انف الكنائس الاخري.
وإزاء هذا الازدراء البين لأحكام القضاء التي هي عنوان الدولة المدنية، لم يقل احد ولو: أف، من الذين يذوبون وجدا وصاية في الدولة المدنية، وفي الواقع أنهم لم يختفوا هنا وحسب، ولكنهم مختفون من فترة، فقد شاهدنا كيف تمدد الحزب الحاكم في الفراغ، وقام عدد من أئمة المساجد بالدعوة لانتخاب مرشحيه لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة، وجلب هذا الحزب في دائرة بالقاهرة عددا من أصحاب العمائم ليؤكدوا ان انتخاب الحزب الوطني واجب ديني، بدون ان يحرض هذا ساكنا لدي دعاة الدولة المدنية، والليبراليون الجدد، الذين جعلوا من " الليبرالية" بسبب انتسابهم لها، كلمة نابية تسقط الثقة والاعتبار، و" وعملا بطالا"، يشبه الفعل الفاضح في الطريق العام.
اعلم ان هؤلاء ليسوا جادين فيما يدعون إليه، فهم يستدعون المبادئ العظيمة، لاستغلالها في نضالهم المجاني، عندما يواجهون تيارا دينيا مسلما، يري فيه أهل الحكم خطرا علي استمرارهم في السلطة، لذا فان من يقفون معهم في معركة الوجود ولو تحت عناوين جذابة ، فإنهم يبادلونهم حبا بحب.. لا حظ ان رفعت السعيد رئيس حزب التجمع التقدمي الوحدوي كان يرفع في السابق شعار: نحن الطريق الثالث، مع انه ينتمي الي الطريق الأول، وقد أصبح لدي النظام " فرخة بكشك"، وأصبح عضوا في مجلس الشوري بالتعيين الرئاسي!.
الذين يستغلون شعارات الدولة المدنية، مثلهم كمثل جماعات الإسلام السياسي التي تستدعي الدين لتستغله لأهداف سياسية، يبتغون عرض الحياة الدنيا.
التطاول علي أحكام القضاء، ورفع الإنجيل في مواجهتها، ليس هو فقط اللافت للانتباه، في معركة البابا الأخيرة، فيلاحظ انه إزاء هذه الضجة تم تجاوز اصل المشكلة والتي تتمثل في ان هناك عددا من المسيحيين قل أو كثر ( عددهم بالآلاف) يعانون من مشكلة حقيقية، تتمثل في اعتراف الكنيسة الأرثوذكسية بسبب واحد هو الموجب للطلاق.. فلا طلاق إلا لعلة الزني.
ومع صعوبة استحالة أثبات الزني، فليس أمام المطلق مدنيا إلا ان يغني ظلموه، ويتم القفز علي حقه الإنساني في الزواج وتكوين أسرة.. وإزاء انتهاك هذا الحق، لم يفتح الله علي منظمات حقوق الإنسان بكلمة، يبدو ان هذه القضية ليست مطروحة علي جدول أعمال الجهات المانحة!.
لقد تحولت مسألة الزواج الثاني بالنسبة للمسيحيين، الي قضية مؤرقة للوجدان الإنساني، فهم حصلوا علي أحكام بالتطليق من المحاكم ، استنادا للائحة سنة 1938، وليس استنادا الي قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، كما يوحي البعض!.
لكن الكنيسة التي لا تعترف بالطلاق، لم تبح لهم الزواج الثاني، فانتقل بعضهم الي مذهب اخر لهذا السبب، وهم قلة، لكن الغالبية لم تجرؤ علي ان تفعل لان هذا من شأنه ان يكدر العلاقة الاجتماعية للتارك لمذهبه، والبابا شنودة ينظر مثلا إلي الطوائف الاخري نظرة الرفض العقائدي، فالمسلمون أفضل منهم.. هناك تصريح حديث له يحمل هذا المعني.
إنها قضية إنسانية بامتياز، كانت تستدعي تدخل المنظمات الحقوقية دفاعا عن الحق الإنساني في الزواج وتكوين أسرة، لكن لا احد يهتم، في حين أنهم غدوا خماصا وبطانا عندما رفضت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تعيين الإناث في سلك القضاء، وهتفوا: يا غاية من ظلم!.
تعد قضية الفنانة هالة صدقي واحدة من القضايا الكاشفة عن حجم المعاناة التي تواجه المطلقين، وحجم التعسف الذي يمارس ضدهم أحيانا.
لقد تزوجت المذكورة من رجل أعمال، ويبدو ان البابا لم يكن مرحبا بهذا الزواج انحيازا منه للفنانة، وحدث خلاف بين الزوجين منذ الليلة الأولي، تم طرحه علي المشاع وعبر الصحف السيارة، بما يمثل خروجا علي الدستور المصري الذي يؤكد علي حرمة الحياة الخاصة، وبما يتعارض مع قانون الصحافة وميثاق الشرف الصحفي.
يعف قلمي عن التطرق لما نشر.. وقد حصلت هالة صدقي علي حكم قضائي بتطليقها من زوجها رجل الأعمال المسيحي.. مثل آلاف الأحكام التي حصل عليها غيرها.. لكن صاحبتنا لأنها محظوظة فقد وافقت الكنيسة علي تزويجها للمرة الثانية، بينما يكلم طليقها نفسه، لفشله في الحصول علي الموافقة الكنسية، وفي مواجهة هذا التعسف لم تقل المنظمات الحقوقية: بم!.
ما علينا، فقد فات الجميع في حملة تسفيه المحكمة والحكم، ان من لجأ إلي القضاء طلبا للطلاق والزواج الثاني، هم مسيحيون من رعايا البابا.. تماما كما ان الذي دفع أمام محكمة الأسرة ببطلان قرار تعيين شنودة بطريركا للكرازة المرقسية مسيحي أيضا.
لقد قال البابا انه لن نسكت هذه المرة، فهو يريد ان يمرر قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين، بما يمثل انتصارا لمذهبه علي المذاهب الاخري، وقام وزير العدل بتشكيل لجنة لوضع مشروع القانون، وروعي تمثيل الكنائس الاخري، فمثل البابا يوحنا قلتة الأقباط الكاثوليك، ومثل القس إكرام لمعي الكنيسة الإنجيلية ( البروتستانت) وهناك ظهر نفوذ البابا، عندما أوعز باستبعاد لمعي، الذي لم يدع الي الاجتماع الأول، وعندما حضر الاجتماع الثاني قيل له ان عليه ان يحضر خطابا من كنيسته بما يعني موافقتها علي تمثيله، مع انه عضو في اللجنة بمقتضي القرار الوزاري، وليس بصفته.
إكرام لمعي عُرف بالجرأة في الرد علي هجوم البابا علي الكنيسة الإنجيلية، وهو رجل معروف بالشجاعة العلمية اقرأ كتابه " الاختراق الصهيوني للمسيحية".. الصادر عن دار الشروق.
لقد بدأ الخلاف مبكرا، فالكنيسة الإنجيلية غير الممثلة تشترط لموافقتها اعتراف كل الكنائس الاخري بمراسم الزواج فيها، والإبقاء علي الفصل الخاص بالتبني. والبابا شنودة الذي يريد ان يهيمن، ألغي فصل التبني، تارة يقول حتي لا يثير حفيظة المسلمين، وأخري يبرر ذلك بسعيه الي صدور القانون بدون مشاكل، ولا أظن ان هناك مشكلة مع المسلمين في الموضوع برمته، فقد أمرنا ان نترك غير المسلمين لدينهم، وإذا كان الأمر متوقفا علي كسب رضا المسلمين، فمنع الطلاق إلا لعلة الزني يخالف عقيدتهم.. لكنه السعي للهيمنة.
وما يحدث هو مؤشر علي أننا سنكون أمام اضطهاد من نوع مختلف، هو اضطهاد الأقلية، لأقلية الأقلية، وإذا كان أنصار الدولة المدنية قد اختفوا في ظروف غامضة، فان المنظمات الحقوقية: تعيش أنت

المصدر
http://www.almokhtsar.com/news.php?a...show&id=132191