بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


من ذكاء الأنبياء


قال ابن عباس: لمّا شبّ إسماعيل تزوّج امرأة من جرهم, فجاء إبراهيم فلم يجد

إسماعيل, فسأل عنه امرأته فقالت:

خرج يبتغي لنا.

ثم سألها عن عيشهم فقالت:

نحن بشر في ضيق وشدّة, وشكت إليه, فقال:

فاذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له:

يغيّر عتبة بابه.

فلما جاء أخبرته فقال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك, الحقي بأهلك.


ومن المنقول عن سليمان عليه السلام:

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

خرجت امرأتان ومعهما صبيّان,

فعدا الذئب على أحدهما, فأخذتا تختصمان في الصبي الباقي,

فاختصمتا إلى داود عليه السلام, فقضى به للكبرى منهما,

فمرّتا على سليمان عليه السلام, فقال ما أمركما؟

فقصّتا القصّة.

فقال: ائتوني بالسكين أشق الغلام بينكما.

فقالت الصغرى: أتشقه؟

قال: نعم.

قالت: لا تفعل, حظي منه لها.

فقال: هو ابنك. فقضى به لها.



وعن محمد بن كعب القرظي قال:

جاء رجل إلى سليمان النبي عليه السلام فقال:

يا نبيّ الله! إن لي جيران يسرقون إوزي.

فنادي الصلاة جامعة.

ثم خطبهم, فقال في خطبته: وأحدكم يسرق إوز جاره,

ثم يدخل المسجد والريش على رأسه!

فمسح رجل برأسه, فقال سليمان: خذوه فانه صاحبكم.


ومن المنقول عن عيسى عليه السلام: أن إبليس جاء إليه, فقال له:

ألست تزعم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك؟

قال: بلى.

قال: فارم بنفسك من هذه الجبل, فانه أن قدر لك السلامة تسلم.

فقال له: يا ملعون, إن لله عز وجلّ أن يختبر عباده,

وليس للعبد أن يختبر ربّه عز وجلّ.


وعن علي رضي الله عنه قال:

لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وجدنا عندها رجلين:

رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشي فأفلت,

وأما مولى عقبة فأخذناه, فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول:

هو والله كثير عددهم, شديد بأسهم.

فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه,

حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم,

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلّم سأله: كم ينحرون من الجزر؟

فقال: عشرا لكل يوم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: القوم ألف, كل جذور لمائة وتبعها.


وعن أبي هريرة قال:

قال رجل: يا رسول الله, إن لي جارا يؤذيني.

فقال: انطلق وأخرج متاعك إلى الطريق.

فانطلق وأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه, فقالوا ما شأنك؟

قال: لي جار يؤذيني, فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال:"

انطلق وأخرج متاعك إلى الطريق".

فجعلوا يقولون: اللهم العنه, اللهم أخزه.

فبلغه فأتاه, فقال: ارجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك.


وعن الحسن أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم

برجل قد قتل حميما له, فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم:" أتأخذ الدية؟"

قال: لا

قال: أفتعفوا؟

قال: لا.

قال: اذهب فاقتله!

فلما جاوزه الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن قتله فهو مثله.

فلحق الرجل رجلا فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم

قال كذا, فتركه وهو يجر نسعه في عنقه.

قال ابن قتيبة: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم

أنه مثله في المأثم واستيجاب النار إن قتله. وكيف يريد هذه

وقد أباح الله عز زجلّ قتله بالقصاص, ولكن كره رسول الله أن يقتص

وأحب له العفو, فعرّض تعريضا أوهمه به أنه إن

هو قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه,

وكان مراده أن يقتل نفسا كما قتل الأوّل نفسا, فهذا قاتل وهذ قاتل,

فقد استويا في قاتل وقاتل, إلا أن، الأوّل ظالم والآخر مقتصّ.

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم

من هذا كثير خصوصا في المعاريض,

فمن ذلك روي عن سعيد بن المسيّب أن، عائشة رضي الله عنها سئلت:

هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمزح؟

قالت نعم. كان عندي عجوز, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم

فقالت:" ادع الله أن يجعلني من أهل الجنّة".

فقال:" إن الجنّة لا تدخلها العجائز."

وسمع النداء, فخرج ودخل وهي تبكي, فقال: ما لها؟

قالوا: انك حدّثتها أن الجنة لا يدخلها العجائز.

قال:" إن الله يحوّلهن أبكارا عربا أترابا".


وحدّثنا القرشيّ قال: دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم

فقال:" من زوّجك"؟

فسمّته له, فقال:" الذي في عينيه بياض"؟

فرجعت فجعلت تنظر إلى زوجها, فقال: ما لك؟

قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" زوجك فلان"؟

قلت: نعم. قال:" الذي في عينيه بياض"؟

قال: أوليس البياض في عيني أكثر من السواد؟


حدّثنا أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم

ليستحمله فقال: "أنا حاملك على ولد ناقة".

قال: يا رسول الله, وما أصنع بولد ناقة؟

قال:" وهل تلد الإبل إلا النوق؟".



منقول من كتاب الاذكياء " ابن الجوزى"




إلى اللقاء مع ذكاء الصحابة