بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

هذا هو الإسلام في الشريعة



أما من جهة الشريعة فالإسلام شريعته من الله جل وعلا وحيا بكتابه أو بسنة رسوله

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى»،

كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:48]،

وقال لنبيه ولعباده المؤمنين ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ

الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ [لَا يَعْلَمُونَ]﴾
[الجاثية:18]

هذه الشريعة هي من الله جل وعلا أوحاها إلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها ما هو

منصوص عليه وهو المراد بالوحي، ومنها ما دل الوحي على الاجتهاد والاستنباط إليه.

من صفات هذه الشريعة أنها كاملة تشمل جميع ما يحتاجه الناس في حاضرهم أو في

مستقبلهم مع اختلاف الزمان والمكان، وهذه الشمولية إما بالنص وإما بالاجتهاد وبذلك

اجتهاد العلماء و اجتهاد الأئمة من الصحابة والتابعين من أئمة الإسلام، وظهور

المذاهب الفقهية المعروفة التي تابع فيها أصحابها الأئمة الأربعة هذه كلها راجعة إلى

اتباع النص أو الاجتهاد إذا لم يرد النص في ذلك، أو إذا عرض للنص ما يحتمل الفهم؛

وذلك أن النصوص كاملة والوقائع تضيق، والنصوص واسعة

والوقائع تختلف، ولهذا الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فلزم أن تكون نصوصها

وقواعدها وأصولها فيها من السّعة والشمول ما يشمل الأزمنة والأمكنة مهما تعدد

الزمان، وهذا يظهر في أثر العلماء فيما اختلفوا فيه، فإن علماء الملة اختلفوا في

مسائل كثيرة، ومن أسباب اختلافهم أنهم راعوا الزمان والمكان واختلاف ذلك.


لهذا قال أهل العلم بالأصول والقواعد الفقهية: الأحكام ثابتة لا تتغير والفتوى تتغير

بتغير الزمان والمكان.

فالحكم واحد ولكن قد تتغير الفتوى لرعاية قاعدة أو رعاية مصلحة شرعية راجحة

ونحو ذلك ولهذا أدلته المعروفة المبسوطة عند أهل الاختصاص.

النصوص الشرعية منها ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة يقبل الاجتهاد،

وهذه النصوص الشرعية في فهمها من جهة تطبيق الشريعة يجب أن تفهم في روح

مقاصد الشريعة ومقاصد الإسلام وروح الإسلام الذي الهدف منه إصلاح الناس بما

ينفعهم في دينهم ولما ينفعهم في آخرتهم، فصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ظاهر

في بقاء الإسلام إلى قيام الساعة، وظاهر في سعة النصوص وعدم ضيقها.

وهذا يظهر لك فيما ما نعاني منه اليوم في كثير من الأنحاء في ضيق بعض النظر في

المستجدات الفقهية، وسبب الضيق أن من نظر في كثير من المسائل المعاصرة ينظر

بنظر عالم أو فقيه مضى عليه قرون من الزمان ولم يعش الوقت الحاضر، وذلك يظهر

في التعريفات الفقهية وفي الشروط، والتعريفات الفقهية والشروط الفقهية للمسائل إنما

ظهرت بعد ظهور الفروع لكل إمام ولكل عالم، فإذا ارتبط الناس بتعريفات أو بشروط

اشترطها الأئمة في وقت ما تُصلح وهي تَصلح لزمانهم وبلداهم في ذلك الوقت وقد لا

تصلح بوقت آخر، والنصوص واسعة والتعريفات والشروط يجب أن يرجع فيها سعة

النص لا إلى تعريفات العلماء في وقت ما، وذلك في التعريفات والشروط الاصطلاحية

وهذا هو الأكثر؛ لأننا نجد أن تعريف مسألة ما تختلف بين المذاهب، فتعريف البيع عند

الحنابلة يختلف عن البيع عند الحنفية وعند الشافعية وعند المالكية، وذلك لأن تعريهم

اصطلاحي، وكذلك الحوالة تختلف تعريفاتهم بحسب ذلك، وهذا يجعلنا في ما نريد في

هذا الزمن أننا نخرج من التعريفات إلى سعة النص والنص يسع الزمان والمكان فيما

يُصلح الناس، ولهذا تفاصيل يضيق الوقت عن بسطها.


من سمات هذه الشريعة أن الشارع راع المقاصد المتوخّاة لإصلاح الناس بهذه

الشريعة، الشريعة ليست وضعا واحد لا يراد فيه مراعاة المصالح ومراعاة المقاصد

التي هدف منها الشارع إذْ شرع الشريعة، فالأحكام أحكام المعاملات لها مقصد فيما

شرعه وفيما حرمه من المعاملات، والعبادات للشارع مقصد من ذلك، وأحكام الأسرة

مقصد من ذلك، والأمور الاجتماعية للشارع مقصد من ذلك والتبرعات كالوقف

والوصايا ونحو ذلك للشارع مقصد من ذلك، فالشريعة لها مقاصد جعلت هذه الشريعة

تتسع، و... الشريعة لإصلاح الناس فإنه يغيب هدف للشارع مهم في النظر إلى الأحكام

الفقهية وسعة الإسلام في شريعته.

ومن ذلك ما قاله الشاطبي في الموافقات حيث قال فيها -وهو مخصص لبحث المقاصد-

قال إنه ليس في الدنيا مصلحة محضة ولا مفسدة محضة، فمقصود الشريعة ما غلب

منهما، فإذا غلبت المصالح شُرعت وإذا غلبت المفاسد منعت. وهذا وفق القاعدة

المقررة عند أئمة الإسلام أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد

وتقليلها.

والمصالح هذه المقصود منها المصالح في الدنيا بتيسير أمر الناس في حياتهم وما فيه

قوتهم، وما يحقق لهم الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وفي مصلحتهم في

آخرتهم بغفران الله لهم وتحصيل الجنة لعباده.

ومن أصول هذه الشريعة التي يصح أن نقول إنها سمة لهذا الإسلام أنّ الشريعة يسر

كما قال الله جل وعلا في وصفها ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ

مِنْ حَرَجٍ﴾
[الحج:78]، وقال جل وعلا في وصف تشريعاته[

COLOR="blue"][/COLOR] ﴿مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ

لِيُطَهَّرَكُمْ﴾
[المائدة:6] والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أصحابه عنه

بأنه ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وثبت عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ

والسَّلاَمُ أنه قال «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة»، وقال أيضا «إنّه لن يشاد الدين

أحد إلا غلبه».

وقاعدة التيسير في الشريعة قاعدة مهمة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يروم

التيسير؛ بل وجدنا التيسير في كل أمور العبادات وكل أمور المعاملات وكل شأن

الشريعة هو التيسير، فيجب على المجتهد والناظر في الإسلام والذي ينسب قولا أو

فتوى أو حكما للإسلام أن يجعل هذا قاعدة عنده في أن الشريعة مبناها على التيسير،

فكلما كان الحكم ميسّرا على الناس فيما لم يرد فيه النص، فهو الأولى بالقبول.


النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف هذا الدين وهذه الشريعة في أن أحبها إلى الله هو

الحنيفية السمحة؛ بل السماحة واليسر من سمات هذه الشريعة ورفع الحرج من سمات

هذه الشريعة.


منقول للاستفادة