بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الصحوة الإسلامية في البوسنة

الاثنين 02 رجب 1431 الموافق 14 يونيو 2010م





هارون كارسيس

الإسلام اليوم/ خاص


رجالٌ ملتحون, ونساءٌ محجبات، ومساجد، ووفرة من الأدب الإسلاميّ.. هذه ليست سوى غَيْض من فيض.. مظاهر عدة حملت العديد من المراقبين إلى استنتاج أن البوسنة تشهد صحوة إسلامية، لكنها أيضًا لفتت انتباه وسائل الإعلام العلمانية في البوسنة إلى ضرورة تدمير هذه الصحوة الإسلامية المجتمعية، وتشويه كلِّ ما يتعلق بها، ووصمه بالتشدُّد والعدوانية، قبل أن يشتد عُودها.

وقد اندفع العديد من المراقبين الغربيين وراء هذه الأخبار التي ينسجها هذا النوع من الإعلام، دون أي تحليل متعمِّق أو نظرة دقيقة للأحداث التي شكلت إسلام البوسنة في العقدين الماضيين, منساقين وراء دعوى أنَّ الإسلام يُمثِّل تهديدًا على علمانية البلاد ومؤسساتها متعددة الأعراق.

ولمعرفة ما آلَ إليه وضع الإسلام في البوسنة, ينبغي إلقاء نظرة عميقة على ثلاثة عوامل رئيسية شكَّلت تاريخ البوسنة الحديث:

انهيار الشيوعية

العامل الأول هو انهيار الشيوعية في عام 1991 بعد بقائها في السلطة زهاء 50 عامًا, ومن ثَمّ انتقال البلاد إلى مرحلة الاستقلال والديمقراطية وبالتالي حرية الدين, فقد كانت البوسنة، كما هو الحال في معظم الدول الشيوعية, تقمع الممارسات الدينية, وكان الشيوعيون يُغلقون المساجد والمدارس الثانوية الإسلامية في البوسنة خلال سنوات طويلة، ويُرهِبون من يحاول الذهاب إلى المسجد وأداء شعائر الإسلام.

لقد كان عملاء (جهاز الأمن الداخلي) اليوغسلافي يثيرهم أي شخص يحضر بانتظام للمسجد, مما يجعله يُواجِه مستقبلًا قاتِمًا في التقدُّم الوظيفي, أما بعد انهيار تلك الأنظمة القمعية فقد أفسح ذلك الطريق لانهيار هذا النموذج من الإلحاد الرسمي, ومهَّد السبيل للتحول نحو الديمقراطية وتعبير الشعوب بحرية عن دينها, دون خوف من فقدان وظائفهم أو حتى اعتقالهم.

إبادة جماعية

أما العامل الثاني فكانت الحرب والإبادة الجماعية, التي كان جيش الجمهورية الصربية والجيش اليوغوسلافي يقومون بها ضد جمهورية مستقلة وذات سيادة (البوسنة والهرسك) والإفراط في الإبادات الجماعية بحق شعبها بين عامي 1992-1995, وهو ما كان لها الأثر البالغ على الشعوب البوسنية, التي دفعتهم نتائج الحروب للتفكير في القضايا المتعلقة بالحياة والموت ووجود الله. وعلى الرغم من محدودية تأثير الحرب على زيادة التديُّن بين البوسنيين فإنَّه ما زال لها تأثير على البعض, لا سيما على أولئك الذين فقدوا أحِبَّاءهم في الحرب.

وبغضّ النظر عن الإبادة الجماعية للبوسنيين (التي اعترفت بها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة), فقد شهدت الحرب أيضًا تدميرًا منهجيًا لنحو 600 مسجد, وترحيل مئات الآلاف قَسْرًا من البوسنة. وبعد نهاية الحرب, بدأت عملية إعادة إعمار البلاد, وإعادة بناء المساجد المدمرة والمتضررة وتَشْيد مساجد جديدة في المدن التي استقرَّ فيها البوسنيون لتلبية احتياجاتهم الدينية, كما شاركت بعض الدول العربية, نظرًا لقِلَّة الموارد المالية في بلد دمرته الحرب, في بناء العديد من المساجد وتجديدها.

العولمة

ولا يمكننا نسيان عامل هام للغاية, وهو العولمة, العامل الثالث, التي عملت ووسائل إعلامها في نشر محنة مسلمي البوسنة عبر أنحاء العالم لا سيما في الدول الإسلامية. ونظرًا لعدم وجود استجابة كافية من الدول الغربية أو القيام بالتدخل العسكري لإنهاء الحرب, جاء دور بعض الأفراد من الدول العربية والإسلامية لتقديم المساعدة في المجال الإنساني, بالإضافة إلى الدعاة والمجاهدين الذين قاتلوا من أجل تحقيق الحرية لهذا الشعب.

وكان من الطبيعي أن يجلب هؤلاء المجاهدون والدعاة معهم الإسلام وروحه التي تأثَّر بها البوسنيون خلال الحرب وبعدها, وبعد اندماج البوسنة, واستخدام الإنترنت على نطاق واسع بعد الحرب, صار بإمكان أي شخص في البوسنة الحصول على أجوبة تتعلق بالإسلام.

وحاليًا تشهد البوسنة عهدًا جديدًا بانهيار الشيوعية واندثار العلمانية وغيرها من الأنظمة القمعية التي كانت تُحارِب كل ما هو إسلامي, وأصبحت الدولة المقهورة في العهد القريب في طريقها نحو صحوة إسلامية قوية.



المصدر بالإنجليزية

موقع الإسلام اليوم - الاثنين 02 رجب 1431 الموافق 14 يونيو 2010م