12 تدريبا دراميا للأطفال تحت القصف

( برامج للمختصين )

وفاء أبو موسى
( مستشارة و أخصائية نفسية فلسطينية لأطفال الحرب )




تعتبر الحروب بنيرانها من أشد الأشياء قسوة على نفسية الصغار والكبار معًا، والأطفال هم الأكثر تضررًا بأحداثها، والأكثر حاجة للمساعدة النفسية للتخلص من الخوف والقلق إزاء ما يشاهدون، وما يواجهون من عدوان على أرضهم وشعبهم. ومقدمو المساندة النفسية للطفل في ظل الحرب هم سلاح مضاد لآليات الحرب الفتاكة، و حماية للطفل من نيران العدوان.
ولأن ظروف الحرب تجعل من الطفل أكبر سنًّا، وأكثر قوة عن باقي أطفال العالم، فجدير بنا كمختصين نفسيين أن نستثمر هذا الجانب الإيجابي، ونساعد أطفال الحروب على التخلص من طاقاتهم المسمومة بكبت مشاعر الخوف والقلق، من خلال عملية التطهير الانفعالي. ومن ثَم مساعدتهم على رؤية أحداث العدوان بانتماء للوطن والهوية الإسلامية لنعزز بأنفسهم الكرامة، و المشاركة الإيجابية، والوعي بقضايا الوطن، والشجاعة والإرادة الحرة.


سلاح مضاد لآليات الحرب


بأيدينا كمختصين نفسيين أن نقدم دورًا بارزًا ومهمًّا لأطفال الحروب، وأن نساعدهم على أن يصبحوا شخصيات إيجابية منتصرة، ونشتت أهداف المحتل التي ترنو إلى طمس الهوية، وإنتاج شخصيات انهزامية، وفاشلة ومحبطة، فعملنا النفسي صواريخ مضادة لآليات وقنابل وصواريخ المحتل الصهيوني الذكية، ويعتبر العمل النفسي والمساندة النفسية التي تقدمها مراكز الصحة النفسية، ومؤسسات المساندة النفسية في قطاع غزة والضفة الغربية أحد الأركان المساندة في استمرار صمود الشعب الفلسطيني، على ويلات حرب الإبادة التي يشنّها العدو الصهيوني المحتل على فلسطين أرضًا وشعبًا.


وقد كان لي شرف التجربة العملية مع أطفال مخيم خان يونس جنوب غرب قطاع غزة بفلسطين، حيث كبل هذا المخيم بهدم البيوت وتدمير الأراضي والعيش على الشموع إن وجدت، وذاق أهله وأطفاله مرارة الاحتلال، ونشئوا تحت ضرب النيران وأصوات المدافع، واستغاثاتهم كانت باستمرار لله عز وجل قبل أي شيء كان، وكوني وليدة هذا المخيم وأخت لشهيد قضى نحبه، رأيت واجبي الديني والوطني يحتم عليّ أن أواصل درب أخي الشهيد في مقاومة المحتل ومساندة أهل المخيم، فكان ذلك شرفًا لي أعتز وأفخر بتنفيذه، فكان لي تجربة تطبيق برنامج نفسي بالسيكودراما والدراما العلاجية لدعم صمود أطفال المخيم والذي حقق نتائج ذات أهمية علمية وعملية، ونجح في الوصول إلى مخاوف الطفل وأحزانه، وتقديم المساعدة النفسية له بطريقة إرشادية غير اعتيادية.


السيكودراما و الدراما العلاجية


السيكودراما هي إحدى طرق العلاج الجمعي، تعتمد على أبطال يطرحون قضاياهم من خلال الدراما، وفريق مساند يجعلهم أكثر مواجهة لمخاوفهم وقلقهم، ومختص نفسي يدير الجلسة الإرشادية كمهارة فلاحات "قرية بيسان" في فلسطين المحتلة في حياكة تطريز الثوب الفلسطيني.. هذه هي السيكودراما ببساطة.


أما الدراما العلاجية، فهي تمرينات نفسية أو تدريبات سيكولوجية تعتمد على نظريات اللعب وفنّيات الإرشاد بالسيكودراما، مع وسائل مساندة كالرسم والموسيقى، وفيها الطفل يجد نفسه أكثر إبداعًا وانطلاقًا، وهذا عكس واقعه المليء بالحصار وتقييد الحريات، ويطلق عليها أيضًا الدراما العلاجية.


ولاستخدام هذه الطرق بنجاح، كان هناك بعض الإرشادات التي يجب على المختصين النفسيين اتباعها:

على المرشد أن يطوع استخدام التمرينات؛ لتحاكي وتعالج تأثر الأطفال بأحداث الحرب الدامية.

نتاج هذه التمرينات سيخرجه الطفل ليعبّر عن أزماته، وكلما أخرجت منه جددت طاقته بتفريغ الشحنات السلبية المؤلمة بذاته، ثم اعمل على التطهير الانفعالي، ومن ثَم إلى الاستبصار بالذات وما تريد، ثم خذ من الأطفال سلوكيات إيجابية وعززها بالحوار والممارسة.

أتِح الوقت الكافي للأطفال لممارسة فعاليات التمرين، وكرّر التمرين إذا احتاج الأمر ذلك.

شارك الأطفال في ممارسة التمرين؛ لأن من شأن ذلك أن يشعرهم بالسعادة ويشجعهم على المضي قدمًا نحو تحقيق التلقائية والتعلم.

تدرج في الانتقال من تمرين لآخر بشكل منطقي ومرن حسب احتياج الأطفال، ولا تنتقل في التعبير عن المشاعر من التعبير عن الحزن إلى السعادة مباشرة، بل يجب تهيئة الأطفال لكل جانب بشكل مستقل أو بالتدريج.

ساعد الأطفال على التعبير بحرية، ولا توجههم إلى التعبير عما يدور بداخلهم، بل اتركهم يعبرون على سجيتهم.

من الضروري أن يشعر الأطفال بتقبل المرشد لهم وبمودته واحترامه لشخصياتهم.

هيئ قاعة الدراما العلاجية قبل بدء الجلسة؛ ليبدأ العمل مع الأطفال دون معوّقات.

كل جلسة من جلسات العلاج والتوجيه تؤدي إلى تحديد هدف الجلسة التي تليها، ونتاج الأطفال هو مؤشر نمو العلاج.

وضّح هدف البرنامج العلاجي أو الجلسات الإرشادية منذ الجلسة الافتتاحية للمجموعة، وتحدث بوضوح عن ضوابط العمل معك كالالتزام بالوقت، وعدم التأخر عن بدء الجلسة، واحترام مشاعر الآخرين، والسرية لما يدور في الجلسة.

احرص على ألا يزيد زمن الجلسة الإرشادية الواحدة عن 80 دقيقة، ولا يقل عن 45 دقيقة.

في بداية كل جلسة رحّب بالأطفال من جديد، وفي نهاية كل جلسة أجلسهم على شكل دائرة، وأعطِ كلاًّ منهم فرصة ليعبر عن رأيه في الجلسة الإرشادية وشعوره خلالها.

تدريبات الدراما العلاجية
هذه بعض تمرينات برامج الدراما العلاجية المجربة على أطفال المخيمات الحدودية في قطاع غزة:
الأهداف:
مساعدة الطفل على التطهير الانفعالي.

إحداث توازن نفسي في ذات الطفل من خلال الحركة والفعل الدرامي.

مساعدة الطفل بالاستبصار الذاتي وتعلم استجابات إيجابية تقوّي صموده في الحرب.

منح الطفل طاقة جديدة مساعدة على التحمل في ظل ظروف الحرب.

الأنشطة:
تمرين نفذ تعليماتي:
يقوم المرشد بجمع مجموعة الأطفال على شكل دائرة، ويتحدث للمجموعة عن تفاصيل التمرين، حيث يطلب منهم تنفيذ حركات عشوائية تحاكي حواس اللمس، وعلى المجموعة تنفيذ التعليمات التي يطلبها منهم وعندما يعطي إشارة للتوقف، يتوقف أفراد المجموعة عن العمل ويبقى كل منهم في مكانه الذي توقف فيه حتى يعود صوت المرشد؛ ليبدءوا العمل مرة أخرى من جديد، وينفذ أفراد المجموعة ما يقوله لهم كيفما شاءوا لإحداث التلقائية في ردود فعلهم واستجاباتهم.
* الحركات التي سيؤديها الأطفال في التمرين:

امشوا في القاعة بشكل عشوائي.

المسوا السماء، المسوا الأرض. المسوا الجدران، المسوا أصدقاءكم، المسوا الباب، المسوا الشباك... مع ملاحظة أهمية إعطاء الوقت الكافي لكل آلية من آليات اللمس.

امشوا في القاعة بشكل عشوائي.

حاول شدّ أشياء ثقيلة من الأرض.

اقفز كالأرنب من بداية القاعة إلى آخرها.

امشوا بشكل عشوائي في القاعة.

أمسك الأرض، أمسك السماء، احضن الشمس، وتُكرر العبارة ويسأل الأطفال ماذا تمنحكم الشمس؟.

تمرين الصفات:
يكتب كل فرد من المجموعة صفة يحبها في ورقة صغيرة ويطويها وتوضع في سلّة من القش أو طبق من الزجاج وتخلط الأوراق بعضها مع بعض، ثم يختار كل فرد من أفراد المجموعة ورقة ويعبر عن اختلافها أو تشابهها مع الصفة التي كتبتها، ويعبر ماذا تعني له كلا الصفتين؟.

تمرين بالوني:
توضع مجموعة من البالونات في سلّة صغيرة ويطلب من كل فرد من أفراد المجموعة أن يأخذ بالونًا وينفخه بالهواء، ثم يربطه بقدمه، ثم تَعُدّ الباحثة 1، 2، 3 عند انتهاء العدّ على كل طفل المحافظة على بالونه، ومحاولة فرقعة بالون زميله/ زميلته. ومن يبقى محافظًا على بالونه حتى انتهاء الوقت سيمنح جائزة.

تمرين التعبيرات العاطفية:
يطلب من الأطفال الانتشار في القاعة، ويعبرون عن عواطف يحددها المرشد
(الغضب، الكراهية، الانتقام) (الخوف، القلق، الحزن، العزلة والانطواء) (المحبة، التضامن التفاؤل، الفرح).
وهنا يجب التدرج بالتعبير بشكل تدريجي وليس مفاجئًا، فالغضب يؤدي إلى الكراهية والانتقام، وعاطفة الخوف والقلق تؤدي لعاطفة الحزن، وعاطفة الحزن تؤدي للانطواء والعزلة، وللخروج من العزلة نحتاج للمحبة والتفاؤل والتضامن كي نصل للفرح، وهذا التدرج نحتاجه للتسلسل السيكولوجي الإيجابي للتعبير عن المشاعر.

تمرين حزين وسعيد:
يشكل أفراد المجموعة دائرة، ثم يتحدث كل طفل عما يجعله حزينًا وما يجعله سعيدًا، من الممكن أن يتحدث الطفل عن أشياء معينة ويكتفي المرشد بذلك، أو يطبق التمرين بطريقة أخرى، حيث يقوم كل الطفل برواية حادثة سعيدة وأخرى تعيسة، ثم تقوم المجموعة باختيار حادثة من تلك الأحداث لتمثيلها على المسرح.

تمرين الرسم عبر مجموعة واحدة:
يعطي المرشد لوحًا من الكرتون لمجموعة من الأطفال، ويضع مجموعة من الأقلام والألوان وأدوات القرطاسية، ويطلب من المجموعة أن يشتركوا في فكرة قصة ما، ويرسمونها ويعبرون عنها بالرسم بشكل جماعي.

تمرين تكوين قصة:
بعد تمرين الرسم يجمع المرشد أطفال المجموعة وتعلّق اللوحة أمام أنظارهم، ويطلب منهم تكوين قصة عن رسوم اللوحة بالكلمات والجمل، أي كل طفل يحكي جملة والطفل الذي يليه يكملها إلى أن نصل إلى نهاية القصة.

تمرين أصوات في الخارج:
يطلب من المجموعة أن يجلسوا على الأرض ويفضل الجلوس والأرجل متقاطعة "متربعين"، ثم يطلب منهم التركيز على الأصوات القادمة من خارج القاعة، ثم التحدث عما سمعوه، والجدير بالذكر أن هذا التمرين من تمرينات الاسترخاء.

تمرين فوتوجراف التأمل:
يطلب المرشد من الأطفال التجول في القاعة، والبحث عن أكثر الأشياء تجذب انتباههم، ثم الوقوف عندها وتأملها جيدًا، وبأي الأحداث تذكرنا في حياتنا الشخصية، ثم تصويرها على ورقة بيضاء باستخدام أدوات الرسم مبينين تلك الأشياء وارتباطها بأحداث حياتنا الشخصية.

تمرين تخيل:
يطلب المرشد من الأطفال المشي في القاعة بشكل عشوائي وأن يتخيل كل منهم ما يأتي:

تخيل أنك عاصفة تدمر ما حولها.

تخيل أنك نسمة رقيقة تتحول تدريجيًّا إلى ريح قوية.

تخيل أنك طائر تطير في السماء.

تخيل أنك حجر يتدحرج من أعلى تلّه.

تخيل أنك طائر يطير في السماء، يطير بأجنحته بحرية لا أحد يقيده.

تمرين صناعة الأقنعة والدمى:
يقوم المرشد بإحضار مجموعة من ألواح الكارتون والمقصات والألوان ويطلب من الأطفال صناعة قناع أو دمية تعبر عن عاطفة في داخله، ثم يقوم كل طفل ويتحدث عن دميته على خشبة المسرح، ويحاوره المرشد بما تحمل الدمية من مشاعر إذا لزم الأمر.

تمرين الموسيقى والذات:
يقوم المرشد بتشغيل قطعة موسيقية، ويطلب من الأطفال التركيز في نغماتها، على أن تتغلغل الموسيقى في أعماق أجسادهم من بداية الرأس حتى أصابع القدمين، ويلاحظوا أثر الموسيقى على شخصياتهم، ويتحدثوا للمرشد عما دار معهم في أثناء التمرين


م.ن





منقول