حكم اتباع رسم القرآن الكريم

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | كاهن يعلنها بصدق من داخل الكنيسة : الإسلام أكثر منطقية من المسيحيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Moses PBUH in the river » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قـُــرّة العُــيون : حلقة 01 » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

حكم اتباع رسم القرآن الكريم

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: حكم اتباع رسم القرآن الكريم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي حكم اتباع رسم القرآن الكريم

    حكم اتباع رسم القرآن الكريم

    لقد كتب الصحابة رضوان الله عليهم المصاحف بما كان متعارفاً عليه في زمنهم من قواعد الهجاء وأصول الرسم وكان أكثر الصحابة ومن وافقهم من التابعين وتابعيهم يوافقون الرسم العثماني في كل ما يكتبون ، ولو لم يكن قرآناً ولا حديثا.ً
    واستمر الأمر على ذلك عهداً طويلاً فكانوا يرسمون الألف واواً في الصلوة والزكوة والحيوة كما يقول ابن قتيبة. (أدب الكاتب ص253).

    إذ من الواضح أن محاولات جرت منذ وقت مبكر لإدخال بعض صور الكلمات المستعملة عند الكتابة في المصحف .


    وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458ﻫ) في شعب الإيمان: "من كتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف ، ولا يخالفهم فيه ، ولا يغير مما كتبوا شيئاً ، فإنهم كانوا أكثر علماً ، وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم" . [ السيوطي : الإتقان ج4 ص146 وانظر القسطلاني ج1 ص279 والمهدوي ص75].

    وقال اللبيب في الدرة الصقيلة ص30 : " فما فعله صحابي واحد فلنا الأخذ به والاقتداء بفعله والإتباع لأمره فكيف وقد أجتمع على كتاب المصاحف حين كتبوه نحو اثني عشر ألفاً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ؟ ".


    وقال السيوطي : أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالاً وإثباتًا وحذفًا ، ووصلاً وقطعًا ، إلا أنه ورد عنهم اختلافٌ في أشياء بأعيانِها ، كالوقف بالهاء على ما كتب بالتاء ، وبإلحاق الهاء فيما تقدم وغيره ، وبإثبات الياء في مواضع لم تُرسَم بِها … ثم قال : ومن القراء من يتبع الرسم في الجميع. الإتقان في علوم القرآن (1/250-251) .

    وقال الزركشي : ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم ذلك، كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء ، والهمز والمد والقصر ، فكتبوا ذوات الياء بالياء ، وذوات الواو بالواو ، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا ، نحو: الْخَبْءَ و دِفْءٌ فصار ذلك كله حجةً . البرهان في علوم القرآن (1/378) .


    إن رسم القرآن الكريم توقيفي ، فلا تجوز مخالفته ، ولا تجوز كتابة المصحف إلا على الكتبة الأولى وهو مذهب الجمهور ، واستدلوا على ذلك بأدلة ، منها :

    1 ـ إقرار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هذه الكتبة، فقد كان للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُتَّاب يكتبون الوحي ، وقد كتبوا القرآن على هذا الرسم بين يديه صلى الله عليه وسلم وأقرهم على تلك الكتابة ومضى عهده صلى الله عليه وسلم والقرآن على هذه الكتبة ، لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل.


    2 ـ ما ورد من أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يوقف كُتَّابه على قواعد رسم القرآن ويوجههم في رسم القرآن وكتابته.


    أـ فعن معاوية أنه كان يكتب بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: أَلِق الدواةَ،[ ألاق الدواة فلاقت: لزق المداد بصوفها. لسان العرب (ليق) (5/4115)] ، وحرِّف القلمَ ، وأقِم الباء ، وفرِّق السينَ ، ولا تعوِّر الميم وحسِّن (الله) ، ومدّ (الرحمن) ، وجوِّد (الرحيم)[ ذكره القاضي عياضٌ في الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/357-358) ، والحافظ في فتح الباري (7/575)] .


    ب ـ وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا كتب أحدكم:
    [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]. فليمدَّ الرحمن. [ رواه الديلمي في مسنده، انظر فردوس الأخبار (1/364) ح 1174 ].

    3 ـ إجماع الصحابة على ما رسمه عثمان رضي الله تعالى عنه في المصاحف، وعلى منع ما سواه.

    4 ـ إجماع الأمة المعصوم من الخطأ بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين على تلقِّي ما نُقِل في المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى الأمصار بالقبول، وعلى ترك ما سوى ذلك.
    [ الكواكب الدرية ص 34.].


    وحيث أن القول بعدم جواز كتابة المصحف على غير الرسم العثماني هو قول أهل المذاهب الفقهية الأربعة، فإليك بعض من أقوالهم في هذه المسألة:


    ـ الأحناف : جاء في المحيط ألبرهاني: إنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني..[مناهل العرفان (1/379) .].

    ـ المالكية: حيث يروي الداني أن إمام المدينة مالكاً (ت179ﻫ) رحمه الله، سئل فقيل له:
    " أرأيت متى استكتب مصحفاً اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم, فقال: لا أرى ذلك, ولكن يكتب على الكتبة الأولى ". المقنع للداني ص (9-10).
    ويروى أيضاً أنه سئل عن الحروف التي تكون في القرآن مثل الواو والألف أترى أن تََُغَيَّرَ من المصحف إذا وجدت فيه كذلك ؟ فقال : لا. ( المقنع ص28، وانظر القسطلاني ج1 ص279 ).

    ويعقب الداني على ذلك بقولـه
    : يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ. [ المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص19، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشرص9 .].

    وقد أجمع العلماء على مثل ما ذهب إليه الإمام مالك ، وقد قال الجعبري في شرح العقيلة إن ذلك هو مذهب الأئمة الأربعة , فقد قال أبو عمرو الداني بعد أن روى رأي مالك السابق " ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة " ( الداني : المُقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19 ص10 وانظر السيوطي : الإتقان ج4 ص146 ).

    قال السخاوي : والذي ذهب إليه مالكٌ هو الحقُّ ، إذ فيه بقاء الحالة الأولى ، إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى ، ولا شك أن هذا هو الأَحرى بعد الأُخرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى..[(مناهل العرفان (1/379) .].

    وقال أبو عمرو الداني أيضًا: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف أترى أن تُغَيَّر من المصحف إذا وُجدت فيه كذلك؟ قال: لا..[ المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379).].
    قال أبو عمرو: يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ، نحو الـواو
    في : [ أُولَئِكَ] و[ وَأُولَتُ ] و[ الرِّبَوا ]، ونحو الألف في : [نَدْعُوْا].. و..[وَلأَاْوْضَعُوا]..
    [المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379)، وانظر دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 245.]

    ـ الشافعية : قال الشيخ سليمان الجمل : (الربا) تكتب بِهما، أي : الواو والألف معًا ، فتكتب الواو أولاً في الباء ، والألف بعدها ، وهذه طريقة المصحف العثماني وقوله: "وبالياء" .
    أي: في غير القرآن؛ لأن رسمه سنةٌ متبعة.[حاشية الجمل على شرح المنهج، للشيخ سليمان الجمل (3/44).].

    ـ الحنابلة : حتى إن الإمام أحمد بن حنبل (164ـ241ﻫ) قال : يحرم مخالفة مصحف الإمام في واوٍ أو ألفٍ أو ياء أو غير ذلك..[البرهان في علوم القرآن (1/379)، والسيوطي الإتقان (4/146).].

    وقد مرت القرون على المسلمين، وهم يكتبون المصاحف على ما رسم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولم يؤدِّ ذلك إلى خطأ في تلاوة القرآن أو وقوع تحريف.
    فهذا إجماعٌ من الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف وعلى ترك ما خالفها من زيادة ونقص ، وإبدال كلمةٍ بأخرى ، أو حرف بآخر ، ولذلك جعل الأئمة موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً شرطًا لقبول القراءة ، فقالوا : كل قراءة ساعدها خط المصحف، مع صحة النقل ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي المعتبرة.

    ومِمَّن حكى إجماع الأمة على ما كتب عثمان رضي الله تعالى عنه:
    الإمام أبو عمرو الداني، وروى بإسناده عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان رضي الله تعالى عنه المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ. [الشفا بتعريق حقوق المصطفى (2/647) .].

    وقال القاضي عياض : أجمع المسلمون على أن من نقص حرفًا قاصدًا لذلك أو بدلـه بحرفٍ مكانه ، أو زاد فيه حرفًا مِمَّا لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع ، وأُجمع على أنه ليس من القرآن ،عامدًا لكل هذا ، فهو كافر.[رواه الداني في المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس ].

    قال البيهقي : مَن كَتَب مصحفاً ، فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بِها تلك المصاحف ولا يخالفهم فيها ، ولا يغير مِمَّا كتبوه شيئاً ؛ فإنَّهم كانوا أكثرَ علماً وأصدقَ قلباً ولساناً وأعظمَ أمانةً منَّا ، فلا ينبغي لنا أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم ، ولا تسَـقُّطًا لَهم.[الجامع لشعب الإيمان (5/600) .].

    وعن زيد بن ثابت قال : القراءة سنةٌ ، قال سليمان بن داود الهاشمي: يعني ألا تخالف الناس برأيك في الإتباع ، قال البيهقي : إنما أراد ـ والله أعلم ـ أن إتباع مَن قبلنا في الحروف وفي القراءات سنةٌ متبعةٌ ، ولا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمامٌ ، ولا مخالفة القراءة التي هي مشهورةٌ ، وإن كان غيرُ ذلك سائغًا في اللغة ، أو أظهرَ منها.[السنن الكبرى للبيهقي (2/385) .وذكره البيهقي في الجامع لشعب الإيمان (5/600)، وفي السنن الكبرى (2/385)، والحاكم في المستدرك (2/224) وصححه ووافقه الذهبي .].

    وقال أيضًا: وبِمعناه بلغني عن أبي عبيد في تفسير ذلك، قال: وترى القرَّاء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءة، إذا خالف ذلك خطَّ المصحف، وزاد: واتِّباعُ حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحدٍ أن يتعدَّاها..[الجامع لشعب الإيمان (5/601)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/380).].

    قال ابن درستويه : خطان لا يُقاس عليهما : خط المصحف ، وخط تقطيع العروض … ووجدنا كتاب الله ـ جلَّ ذكره ـ لا يُقاس هجاؤه ، ولا يُخالَف خطُّه ولكنه يُتَلقَّى بالقبول على ما أُودع المصحفَ.
    [البرهان في علوم القرآن (1/376)، نقلاً عن الكتاب لابن درستويه ص 7 .].

    قال العلامة محمد بن العاقب الشنقيطي:

    رسمُ الكِتابِ سنَّـةٌ متبعة كما نحَا أهلُ المناحي الأربعة
    وقد نقل الإمام الجعبري ، وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب إتباع رسم المصحف العثماني..[بحث في المصاحف العثمانية للدكتور محمود سيبويه البدوي، مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول ص 345، نقلاً عن خميلة أرباب المقاصد شرح عقيلة أتراب القصائد للإمام الجعبري و .].
    وحيث أن الكتابة على النت تتم بالرسم الإملائي الحديث وهو ما يتنافى مع ما أجمعت عليه الأمة من تحريم كتابة القرآن الكريم بغير رسم القرآن..
    لذلك قيد الله للأمة الإسلامية من يحافظ على كتابه الكريم من عبث العابثين فوجدنا من كتب القرآن الكريم بالرسم العثماني إليكترونياً ووضع له برنامجا خاصاً بحيث يتبع في الرسم مصحف المدينة المنورة فجزاه الله خيراً وجعل عمله في خدمة القرآن الكريم في ميزان حسناته .

    هذا ولي التوفيق.
    أخوكم
    زهدي جمال الدين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    1,687
    آخر نشاط
    19-09-2008
    على الساعة
    01:15 AM

    افتراضي



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    بعد هذه المقدمة الضرورية: نأخذ على سبيل المثال كلمتين الأولى الصلاة والثانية إبراهيم، لنرى مدى الإعجاز في كتابة القرآن الكريم بالرسم العثماني.
    نبدأ بكلمة [الصَّلَواةَ]..

    أرجو من القارئ الكريم أن يفتح المصحف الشريف لمتابعة ما أقول لأنني اعتمد الآن على كتابة الآيات بالرسم الإملائي وأجد صعوبة لتحويله إلى الرسم العثماني في الكتابة حالياً.
    حيث نجد أن [الصَّلَواةَ]..غير مضافة إلى ضمير, معرفة بأل أو غير مُعَرّفة, لا تفترق عن الجمع إلا في التاء المجرورة الأخيرة ( المفتوحة )، ونظام رسم الألف الصغيرة فيها، بعد الواو وبينها وبين التاء , وليست فوق الواو كما هو الحال عند الإفراد.

    ففي سورة البقرة آية 238:[حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ].

    افتح المصحف الشريف أرجوك ولسوف تلاحظ أن الألف الصغيرة عمودية تماماً على الواو البديلة في[الصَّلَواةَ].وليست بين الواو والهاء كما في الجمع [الصَّلَوَاتِ] لأن الواو هي الأصل ومن ثم فهذه الكلمة وما هو على شاكلتها كـ [الزكواة والحيواة ]، تكتب وتستبدل الألف الطويلة واواً , وينبه لذلك برسم ألف صغيرة توضع فوق الواو مباشرة، أما في الجمع فتوضع بين الواو والتاء وليست فوق الواو.

    فكل هذه الكلمات كتبت على الأصل.. ولمعرفة ما إذا كانت الألف أصلها واواً أو ياءً عليك بجمع المفرد فجمع [حياة] مثلاً.. [حيوات].. و[صلاة].. جمعها "صلوات" ومن ثم فكل هذه الكلمات كتبت على الأصل وهو الواو .

    1ـ وقد وردت[الصَّلَواةَ] في القرآن الكريم 67 سبعاً وستين مرة.
    وقد قرنت الصلاة بالصبر في خمس آيات, وجاءت مفردة عن الزكاة أو الصبر في باقي الآيات وهي 36 ست وثلاثون آية.

    وقد أضيفت الصلاة إلى ضمير المخاطب المذكر في ثلاث آيات, والملاحظ أنَّ معناها إنْ دلّ على الجمع, في بعض القراءات، رسمت في المصحف العثماني بالواو كما في آيتي 103 من سورة التوبة وآية 87 من سورة هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    وآية التوبة 103 هكذا:[ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].

    وفي سورة هود87 : [يَا شُعَيْبُ أَصَلَوا تُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ].
    أي أنه إذا احتملت القراءتين إما بالإفراد أو الجمع كتبت على الأصل وهو الواو.. كما في المثال السابق..

    أما إذا احتملت قراءة واحدة ومضافة إلى ضمير المتكلم أو المخاطب كتبت بالألف الطويلة..

    3ـ وإذا دلت على صلاة مفردة وأضيفت إلى ضمير المخاطب كما في آية 110 من سورة الإسراء رسمت بالألف الطويلة [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا].

    واضح أن الصلاة هنا مفردة وليست جمعاً , والمعنى في كل صلاة تؤديها , والله أعلم , حيث يقول العكبري ( 538ﻫ ـ 616ﻫ) : " قوله تعالى :[ صَلَواتَكَ] من آية 103من سورة التوبة.

    وفي الإسراء 110:[ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا].

    يُقرأ بالإفراد والجمع وهما ظاهران وفي ج2 ص44 يقول: قوله تعالى[أَوْ أَنْ نَفْعَلَ] من الآيـة 87 من سورة هود في موضع نصب عطفاً على[مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا] التقدير هو:
    [قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَوا تُكَ ـ بالجمع ـ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ]
    وليس بمعطوف على[أَنْ نَتْرُكَ] إذ ليس المعنى : أصلواتك (بالجمع) تأمرك أن نفعل في أموالنا ؟.

    4ـ وقد أضيفت صلاة إلى ضمير الغائب المفرد المذكر في آية 41 من سورة النور فكتبت بلام ألف:
    [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ].

    وقد كتبت بالإلف الطويلة وقد أضيفت إلى ياء المتكلم في آية162من سورة الأنعام:
    [قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].

    وقد تكتب بالألف الطويلة كذلك إذا أضيفت إلى ضمير الغائب الجمع المذكر في الآيات 92 الأنعام, و35 الأنفال, 2 المؤمنون, 23 , 34 المعارج و5 الماعون هكذا :

    الأنعام 92: [وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ].

    الأنفال 35: [وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ].

    المؤمنون [2] :[ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ].

    المعارج [34]: [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ].

    الماعون [5]: [الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ].

    7ـ وجمع الصلاة "صلوات" وردت في الآيات157, 238 من سورة البقرة، 99من سورة التوبة, 40 من سورة الحج على النحو التالي:

    البقرة157: [أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ].

    البقرة 238: [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ].

    التوبة99: [وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ].

    الحج 40 :[ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ].

    8 ـ وأضيفت صلوات إلى ضمير الغائب الجمع المذكر في آية 9 من سورة المؤمنون:
    [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ].

    فصلوات ـ جمع صلاة ـ سواء أكانت مفردة أم مجموعة أم مضافة, رسمت بالألف الصغيرة بين الواو البديلة من الألف الطويلة والتاء المجرورة (المفتوحة).

    وصلى اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    ومع رسم إبراهيم البقرة بدون ألف ولا ياء هكذا [إبرهم].بمشيئة الله تعالى.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    مبحث في سيرة أبي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما جاء في القرآن الكريم
    وذلك من خلال اسمه الكريم

    إن هذا القرآن العظيم هو المعجزة الكبرى لنبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد أعجز العرب ببلاغته أن يأتوا بمثله بل أن يأتوا بعشر سور من مثله بل أن يأتوا بسورة من مثله بل قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء 88 :

    [ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا].

    فقطع بذلك أمل الفصحاء قاطبة عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو أن ينافسوه في بلاغته وفي نظمه , والعرب أمة الفصاحة والبلاغة والبيان لما سمعوا هذا القرآن علموا أن لا قبل لهم به فلم يحاول أحداً منهم أن يأتي بمثله أو أن ينافسه في نظمه وفي بلاغته ، وعلى الرغم من أن معجزات القرآن الكريم المتعددة والدراسات والبحوث القرآنية المختلفة في شتى المجالات أكثر من أن تحصى إلا أن هذه البحوث على كثرتها قد مرت على اسم أبي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم والموجود رسمه في سورة البقرة بدون ياء هكذا:[ إِبْرَاهِـمُ] مرور الكرام فلم تشر إلى حكمة الرسم على هذه الصورة لا من قريب أو من بعيد , حتى أنني كنت أتوقع أن يدرج اسمه تحت قاعدة الرسم في كتب علوم القرآن الكريم والتي تنص على :

    " فيما فيه قراءتان فكتب على إحداهما " وعلى الرغم من تناول العلماء الأجلاء للآيات الكثيرة والكلمات الكثيرة والمدرجة تحت القاعدة السابقة ومع ذلك جاءت تلك القاعدة خالية تماماً من الإشارة إلى علة كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم بدون ياء ، وبالبحث في المراجع المختلفة والتي تناولت ظاهرة الرسم لاختلاف المعنى , وجدنا أن العلل التي يقدمها العلماء لظواهر الرسم تتعلق أما باختلاف رسم الكلمة لاختلاف معناها وذلك حسب موقعها الذي ترد فيه , أو اختلاف الرسم لمعان باطنة تتعلق بمراتب الوجود والمقامات حتى وضع أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي الشهير "بابن البناء المراكشي" والمتوفى سنة 721 ﻫ كتابه في الكشف عن الأسرار التي يتضمنها الرسم العثماني والذي أسماه "الزركشي" و "السيوطي" (عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل).

    وإن كنا لم نطلع على نسخة من الكتاب إلا أن الزركشي والقسطلاني قد أغنيا عن ذلك ـ نوعاً ما ـ بما أورداه عنه من بيان منهجه وبعض التطبيقات على أمثلة متعددة من الرسم , والمجال هنا ليس مجال مناقشة اتجاه أبو العباس المراكشي , فلقد كان الرجل ذا ميل شديد إلى العلوم العقلية والرياضية ويتجلى ذلك في مؤلفاته الكثيرة في المنطق والفلسفة والفلك , ثم أنه ذو اتجاه صوفي وجداني , ورغم الصورة المنطقية التي يعرض فيها المراكشي مذهبه فإن هذا الاتجاه بعيد كل البعد عن طبيعة الموضوع فنحن نكاد نجزم أنه لم يدر في خلد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أي شيء من تلك المعاني التي يحاول أبو العباس المراكشي أن يعلل بها رسم الكلمات في المصحف الشريف وذلك في صورة فلسفية باطنية.

    فلقد كانوا مشغولين بمعاني القرآن الكريم الناصعة وآياته البينات المحكمة عن تلك المعاني الفلسفية الغامضة والتي يحتاج إلى فهمها لون معين من ألوان الثقافة المتخصصة.

    ولقد ردد الدكتور عبد الحي الفرماوي في كتابه "رسم المصحف ونقطه كلام المراكشي وتحمس له كثيراً جداً , إلا أنه ختم كلامه ص316 بقوله :

    (إن المعاني التي يأخذها العلماء قد تتعدد وتتنوع والرسم هو الرسم يحمل في طياته من المعاني ما لا يُكْتشف إلا لكل متأمل فيه بعقل واع , وقلب مستضيئ , يبغي الوصول إلى هذه الأسرار المعجزة في هذا الرسم, فإذا ما أصاب بعض العلماء في فهم هذه المعاني الخفية فهذا من الله تعالى توفيق لهم وإذا ما أخطأ آخرون في فهمهم للمعاني الخفية التي تستكن وراء هذه الرسوم وفي تعليلهم لمخالفتها, فليس بعيب في الرسم, وإنما هو اجتهاد وخطأ في الاجتهاد) "(رسالة دكتوراه في مكتبة أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1974 )..

    وهذا الكلام الذي ذكره الدكتور عبد الحي الفرماوي كلام طيب ومقبول من جميع الأوجـه , وعليه فلقـد تتبعت اسم أبي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم فوجـدت أن رسـم الاسـم قد ارتبط بسيرته صلى الله عليه وسلم وبتاريخه , وعلى هذا الأساس سوف يكتشف القارئ أن ظاهرة كتابة إبراهيم على النحو المذكور في سورة البقرة :[ إِبْرَاهِـمُ] ستخضع إلى معان تاريخية وليست لعلل لغوية .

    التسلسل التاريخي لسيرة الخليل صلى الله عليه وسلم

    لقد كان اسم الخليل صلى الله عليه وسلم على مدى تسع وتسعين سنة هو (أبراهام) , ولقد ظل اسمه هكذا إلي أن تجاوز إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الرابعة عشرة من عمره بقليل , عندئذ تغير اسمه من (أبراهام) إلى (إبراهيم) , فإبراهيم البقرة تكتب أبراهام وتنطق إبراهيم لأن مصحف الإمام على قراءة واحدة لأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا إذا ما قرءوا سورة البقرة قرءوا أبراهام وفي غيرها كانوا يقرءون إبراهيم وهذا من الأسباب التي جعلت الإمام يأمر بجمع القرآن على قراءة واحدة .

    وعليه فدلالة الرسم هنا دلالة تاريخية وليست دلالة معنوية أو لغوية , وهذا الأمر في يقيني لم يغب عن الصحابة الأجلاء فهم علماء الأمة الأعلام برسم المصحف ودلالته والرسم توقيفي وسورة البقرة نزلت منجمة على مدي تسع سنين , ومع ذلك كان رسم إبراهيم بدون ياء مع أن رسم الاسم لا يخضع لقاعدة الحذف كما سبق قوله الأمر الذي يجعلنا نكاد نجزم أن اسمه كان أبراهام وذلك على مدي تسع وتسعين سنة هي تاريخه وسيرته العطرة كما وردت بسورة البقرة , فإبراهيم هو أبراهام مثل ما كان حفيده يعقوب عليه السلام حيث كان اسمه يعقوب وتغير إلى إسرائيل حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة 133 :

    [ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ].

    ويقول جل علاه في سورة آل عمران 93 :
    [كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ].

    ومن المعلوم أن عيسى عليه السلام قد بشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد كما هو وارد في سورة الصف 6 :[ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ].
    وفي الفتح 29 :[ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ].

    وعليه فإن (إبراهيم) عليه الصلاة والسلام هو هو (أبراهام) والذي هو (أبرام) أو (إبرام) في العهد القديم.

    فمتى حدث التغير في اسمه الشريف ؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه الآن.

    إذا تتبعنا سيرة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام طبقاً لما هو موجود بكتاب اليهود والنصارى , نجد أن الحديث يبدأ باسم (إبرام) وينتهي باسم (إبراهيم) بعد تسع وتسعين سنة , مما جعل السير "ليونا" صاحب كتاب (أبراهام) يرجح أن أبراهام غير (أبرام) , وقال معللاً ذلك أن تسمية الحفيد باسم الجد كانت مألوفة جداً في البلاد البابلية , كما يظهر ذلك عند مقابلة أسماء الملوك من أسرة واحدة فإذا كان لإبراهيم جد باسم (أبرام) كما جاء في كثير من الروايات فالأقرب والمألوف هو أن المتأخرين بعد عصره جمعوا بين أخبار الاثنين ووصلوا عمر أحدهما بعمر الأخر فبلغوا بهما مائة وخمساً وسبعين سنة , وغير بعيد أن يكون العبريون المتأخرون قد تكلموا عن(إبراهيمين) لا عن (إبراهيم) واحد.

    ومن أصحاب هذه النظرية الدكتور "كامبيل" والعلامة "جارستانج" حيث وجد المنقبون في مدينة أريحا مقابر للهكسوس واستطاعوا أن يعينوا وقتاً لوجودهم بأرض كنعان حوالي سنة 1750 قبل الميلاد وعلموا أن أمير أريحا تواطأ مع الهكسوس على غزو مصر, وكان هجوم الهكسوس على مصر معاصراً لهجوم قبائل البدو من "عيلام" و "عمور" على "بابل" وكانت الأرض التي في طريق مصر موزعة بين "العمالقة" و "الحيثيين" و "اليبوسيين" و"العموريين" وليس بينهم ذكر "للعبرانيين".
    إلا أن المنقبين الذين عينوا زمناً للهكسوس حوالي1750 قبل الميلاد لم يعرفوا من هم الهكسوس على وجه التحديد ولكنهم استخلصوا من خط السير الذي اتبعوه بعد خروجهم من مصر منهزمين أنهم عادوا إلى موطنهم في شمال سوريا, وأنهم على الأرجح مزيج قديم من "الآراميين" و"الحيثيين" ولم يطل مقامهم بمصر أكثر من نصف قرن.

    ثم تعقبهم المصريون ودمروا المدن التي تواطأت معهم على غزو الديار المصرية ومنها أريحا.

    و"أحمس" قاهر "الهكسوس" معروف في التاريخ المصري القديم, وإلى هذا التاريخ (1750 ق. م.) لم يكن للعبرانيين ـ العبريين ـ الذين يسمون أنفسهم بأبناء إسرائيل أي أثر بين القبائل التي في طريق مصر, ولم يذكر لهم أي أسم في أي أثر من الآثار التاريخية قبل سنة 1220 قبل الميلاد ، فلو أن بني إسرائيل كانت لهم قوة مؤثرة في المجتمع المصري القديم ما أغفله المصريون القدماء ولقاموا بتدوينه على معبدهم وجدرانهم ـ فالمصريون القدماء لم يغفلوا أي حدث من الأحداث كبيراً كان أم صغيراً ـ ما كان لهم وما كان عليهم مما يدل على أنهم ـ أي بني إسرائيل ـ لم يكن لهم وجود على الإطلاق قبل تاريخ 1220 قبل الميلاد ، والأثر الوحيد الذي يروي خبر حملة الفرعون "مرنفتاح" التأديبية على "عسقلان" و"جزي" و "يوانام" و"إسرائيل" , يقول أنه محا "إسرائيل" فلم تبق لهم باقية , ويؤيد خبره هذا أن النصب الذي أقيم بعد ذلك مسجلاً لانتصار "رمسيس الثالث" على "العموريين" و "الفلسطينيين" و "الحيثيين" سنة1190 قبل الميلاد لم يرد فيه ذكر "لإسرائيل" .

    نذكر هذا التاريخ لأن عصر الخليل صلى الله عليه وسلم قبل هذه الفترة على وجه التحديد والتحقيق فمن القرن الثاني عشر إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد لم يكن لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وذريته مقام في غير الجنوب عند "جيرار" أو وراءها جنوباً, ولم يكن لإبراهيم مقام في حبرون، ولهذا يرجح الدكتور "كامبيل" أن إبراهيم لم يدفن في مغارة المكفيلة بحبرون على مقربة من أورشليم, ولكن الذين انتسبوا إليه تعلقوا بذكرى هذا المدفن لتسويغ دعواهم في مملكتهم ولابد هنا من "إبراهيمين" أحدهما جاء بعد الآخر بزمن طويل.
    ويذهب الدكتور "كامبيل" بعيداً جداً في هذا الغرض فيشير إلى ورود اسم (إبراما) في الآثار البابلية وراح يستدل على هذا الفرض من الآثار والأحافير حتى وصل على سبيل الاستدلال بسرد أسماء أخرى في الأحافير ومنها (إبرمراما) وهو على رأي الدكتور قد يكون (أمر مرابي) الذي هو(أمورابي) بعينه والمعروف في التاريخ بحمورابي, وهو ولا شك جد من أجداد العموريين الذين ملكوا بابل وكانت منهم شعبة تملك بيت المقدس وحبرون بجوارها , فلما امتزج العموريون والعبريون واشتركوا في العبادة والسيادة صعد العبريون بنسبهم إلى جد مدفون في حبرون يسمى (إبرام) وذكروا أن قبره مشترى بالمال من ملوك الأرض الأصلاء , فليس في دفنه ثمةَ عدوان أو إدعاء.

    والتحقيق العلمي التاريخي يضع عصر أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما بين سنة (2000و1700ق.م).


    ووضع عصر حمورابي في ختام الفترة السابقة من (1792 ـ 1749 ق. م) وأن مولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوافق 1996 ق.م وأن سدوم وعمورة خربتا حوالي سنة 1898 ق.م.

    ومن التحقيق التاريخي واللغوي يتبين لنا أنه لا يوجد هناك (إبراهيمين) بل هو (إبراهيم) واحد وأن(إبرام) هو هو (أبراهام) وكلا الاسمين هما اسم واحد لشخص واحد هو إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ,وقد يأتي الخلط في الاسم نتيجة للجهل بالتطور التاريخي للاسم نفسه وهذا الخلط قد حدث مع أبيه نفسه , فمثلاً جاء في القرآن الكريم أن اسم والد إبراهيم هو (آزر) فاتخذ المهاجمون للإسلام من ذلك دليلاً على الخطأ في تسمية أبي الأنبياء , وقالوا إن اسمه (تارح) كما هو وارد في العهد القديم ، وجاء بعض المفسرين من المسلمين فحاولوا طويلاً أن يجعلوا لكلمة آزر موضعاً من الإعراب أو مدلولاً يبطل ذلك الانتقاد ويردون به تخطئة المهاجمين ومن هؤلاء العلماء الأجلاء المغفور له فضيلة الشيخ " محمد متولي الشعراوي" حينما اجتهد وأثبت أن المقصود بـ (آزر) هو عمه وليس أبوه والواقع أن هذه التخطئة لا محل لها عند النظر في أصول الأسماء , حيث يقول العلامة "عباس محمود العقاد" في كتابه إبراهيم أبي الأنبياء ـ ما ملخصه ـ :
    إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد انحدر إلى أرض كنعان من أرض أشور واعتقد شُرّاح الكتب الإسرائيلية في غير موضع أن الآباء الأولين كانوا ينسبون إلى بلادهم أو أممهم كما يقال عن ابن مصر وابن أوروبا وأبناء الشرق وأبناء الغرب وأبناء النيل فإذا نسب إبراهيم إلى أشور فمن الجائز جداً أن يكون (تارح) و (آزر) لفظين مختلفين لاسم واحد , سواء كان هذا الاسم علماً على رجل أو على الجد القديم الذي تنسب إليه أمة أشور وكثيراً ما انتسب القوم إلى اسم جد قديم, كما يقال في النسبة إلى عدنان وقحطان، ونظرة واحدة في كتابة اسم أشور ونطقها إلى اليوم في العراق وسورية تقرب لنا هذا الاحتمال الذي يبدو بعيداً لأول وهلة, فقد كتبت (أشور) تارة (أزور) وتارة (أثور) وتارة (آتور) بالتاء وتارة (آسور) بالسين ولا يخفى أن اللغات السامية لم تكن تكتب لها حروف علة إلى زمن قريب وأن الإغريق أطلقوا اسم (آسوريّة) على وطن إبراهيم من نهر الفرات إلى فلسطين , فينطقون (الياء) الإغريقية بين الواو والياء ، ولهذا تكتب (لوبيا) بالواو كما تكتب بالياء , وتنطق (سيرية) بالياء في اللغات الأوربية وتنطق (سورية) بالواو في اللغات الشرقية, ولا يخفى كذلك أن كلمة (تارح) تنطق (تيرح) على لسان الكثيرين من الناطقين باللغات السامية وتنطق (تيرا) و(تيرة) عند الذين لا يستطيعون النطق بالحاء , فإذا لا حظنا ذلك كله , فليس أقرب من تحويل (آتور) و(إتير) إلى (تيرة) و(تيرح), وقد وردت في تاريخ (يوسيفوس) بغير الحاء ووردت في تاريخ (يوسيبوس) "أثور", وهو مكتوب باليونانية ، وقد ورد في التوراة اسمان بمعنى الأميرة إحداهما هو (سارح) ـ تك 46ـ بالحاء والأخرى بغير الحاء أو (سارة) أو (ساراي).

    ومؤدى هذا أن (آزر) هو النطق الصحيح الذي عُرف به (آسور) القديم وأن (تيرة) و (تيرح) هي نطق الذين يكتبونها (أتيرة) و (أتيرح) وينطقون بكلمة (آتور) بين الواو والياء.
    روي صاحب "المزهر" عن الأصمعي: (أن رجلين اختلفا في الصقر فقال أحدهما بالصاد وقال الآخر بالسين , فتراضيا بأول وارد عليهما فحكيا له ما هما فيه فقال : لا أقول كما قلتما إنما هو الزقر، وعلى هذا يتخرج جميع ما ورد من التداخل وإذا اختلفت الحروف في اللهجة العربية الواحدة هذا الاختلاف فلا محل للجزم بالتخطئة حين تختلف السين والزاي أو التاء والثاء في لغات تباعدت بينها الآماد).

    وتفيد ملاحظة العقاد في أن تاريخ الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن مستمداً من المصادر اليهودية كما زعم بعض المتسرعين من رواة الأخبار الدينية غير الإسلامية, وإلا لما كان أيسر من تسمية أبيه تارحاً أو تقرحا أو تيرة وما شابه هذه التصحيفات ولما كان هناك سبباً قط لتسميته بأزر على أي توجيه .
    فخلاصة القول أن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم تصل إلى الحجاز من مصادر يهودية.

    التتبع اللغوي لاسم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم وكتاب النصارى:

    لقد جمع الإمام الشاطبي السور التي يقرأ فيها اسم إبراهيم بـ (أبراهام) بخلاف البقرة في اثنتا عشرة سورة ـ بمعنى أنه لم يذكر البقرة في نظمه ـ وكأن الأصل في البقرة هو أن تنطق أبراهام وليس إبراهيم , والسور بترتيب القرآن الكريم هي كالآتي :
    • النساء 125, 163 • الأنعام 74 ـ 83
    • التوبة 144 • إبراهيم 35
    • النحل 120 ,123 • مريم 41 , 48 , 58
    • العنكبوت 31 • الشورى 13
    • الذاريات 24 ـ 27 • النجم 37
    • الحديد 36 • الممتحنة 2 ـ 4

    والمتتبع لسيرة الخليل عليه الصلاة والسلام كما جاءت في القرآن الكريم يجدها وقد ارتبط اسم الخليل عليه الصلاة والسلام كما هو وارد في سيرته العطرة بأبراهام ثم ختمت سيرته الكريمة بسورة الحج وفيها يُحرم على القرّاء قراءة الاسم الكريم " إبراهيم " بأبراهام , فلقد تحول اسمه عليه الصلاة والسلام إلى إبراهيم وذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى وهذا هو ما أجمع عليه فقهاء علم القراءات ولقد جمع الإمام الشاطبي المواضع التي يقرأ فيها أبراهام في الأبيات التالية , وذلك بعد ذكره سورة البقرة بقوله رضي الله تعالى عنه "وفيها" ـ أي البقرة ـ فتأمل
    يقــول :
    وفيها وفي نصِّ الـنساء ثلاثــة أواخرُ إبراهام (ل) اح و حـَمَّلا
    ومع آخر الأنـعام حرفا بــراءة أخيراً وتحت الرعد حرف تنـزلا
    وفي مـريم والنحل خمسة أحرف وأخرُ مـا في العنـكبوت مـنزلا
    وفي النجم والشورى وفي الذاريات والحديد ويروى فـي امتحانه الأوّلا

    لاحظ أن الإمام لم يذكر سورة الحج في نظمه ، لأنه يحرم قراءة إبراهيم بـ إبراهام في هذه السورة لأن اسمه كان قبلها إبراهام وبعدها إبراهيم ..فتأمل..
    وفي شرح الأبيات نجد أن معنى (ل) هي رمز هشام عن ابن عامر ، أي أبدل هشام عن ابن عامر الياء من إبراهيم ألفاً ويلزم من ذلك فتح الهاء قبلها.
    وللمزيد والإطلاع انظر كتاب "شرح الهداية في القراءات السبع لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي "وكتاب" منجد المقرئين ومرشد الطالبين" لابن الجزري .
    والآن مع سيرة الخليل عليه الصلاة والسلام كما هي في القرآن الكريم.

    ولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالأهواز, وقيل ببابل وهي العراق وكان آزر أبوه يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم ليبيعها , فكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول له كما هو في سورة الأنعام 74 :

    [ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ].

    وباقي الحوار أبرزته سورة مريم 41 ـ45 هكذا :

    [ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا].

    الآيات الكريمة السابقة توضح أن الله سبحانه وتعالى لما أمر الخليل أن يدعو قومه إلى التوحيد بدأ أول ما بدأ بأبيه فدعاه فلم يجبه .
    وقال له أبوه مهدداً ـ باقي الآيات الكريمة ـ :

    [قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)].

    ثم دعا قومه فلم يجيبوه , وهذه المرحلة وضحتها سورة الأنبياء الكريمة.
    الآيات 51 ـ 56 :


    [وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)].

    فكان القرار الإيجابي من الخليل صلى الله عليه وسلم كما توضحه تكملة السورة الكريم الأنبياء57ـ 58 :
    [ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)].

    ثم كانت المواجهة بينه وبين قومه حيث زلزل فيهم عقيدتهم ولم يخش في الله لائمة لائم كما توضحه تكملة السورة الكريمة الأنبياء 59 ـ 68:

    [ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)].

    وتستمر السـورة الكريمة لتوضح النتيجة التي اهتدى إليها قومه بعد أن عجزوا عن المواجهة العقلية التي جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم , عليك أن تدقق النظر فقط في الآية رقم 64 السابقة من سورة الأنبياء : [فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)].

    ثم انتقلت الدعوة بعد ذلك إلى حاكم البلاد نمروذ ابن كوش فكانت المواجهة العقلية بينهما مثل ما فعل مع قومه كما بينتها سورة البقرة 258 :

    [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِـمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِـمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)].

    ثم يأتي القرار الظالم والمتبوع بتحقيق نصر الله كما توضحه سورة الأنبياء
    الآيات 68 ـ 70 :[ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)].

    8 ـ فكانت النار برداً وسلاماً على " أبرام " ـ إبراهيم ـ صلى الله عليه وسلم , وخرج صلوات الله عليه من النار, ثم آمن به رجال من قومه على خوف من نمروذ , وآمنت به "ساراي" ـ سارة ـ وهي ابنة عمه حاران وأشقائها "ملكة" و "لوط" كما هو في سورة العنكبوت24ـ 27 :

    [ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)].

    ثم إن "إبرام" ـ إبراهيم ـ صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه فارقوا قومهم وهاجروا إلى حران وأقاموا بها مدة , ثم سار صلى الله عليه وسلم إلى مصر وصاحبها فرعون , فذكر جمال سارة لفرعون فأحضروها إليه وسأل عن "إبرام" ـ إبراهيم ـ فقيل له إنها أخته , فَهَمّ فرعون المذكور بها فأيبس الله يديه ورجليه , فلما تخلى عنها أطلقه الله تعالى , ثم همّ بها فجرى له كذلك , فأطلق سارة وقال لا ينبغي لهذه أن تخدم نفسها ووهبها أميرة كانت مسبية عنده اسمها "هاجر" , فأخذتها سارة وجاءت إلى الخليل صلى الله عليه وسلم الذي سار من مصر إلى الشام فأقام بين الرملة وإيلياء, وكانت "ساراي" لا تلد فوهبت له "هاجر" حيث تزوجها صلى الله عليه وسلم وأنجب منها "إسماعيل" عليه السلام .

    جاء في سفر التكوين 16 : 15 ما يلي :
    15فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ».
    And Hagar bare Abram a son: and Abram called his son's name, which Hagar bare, Ishmael. (KJV)Gn:16:16

    16كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ.
    And Abram was fourscore and six years old, when Hagar bare Ishmael to Abram. (KJV)
    Gn17

    1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَكَ كَثِيراً جِدّاً».
    And when Abram was ninety years old and nine, the Lord appeared to Abram, and said unto him, I am the Almighty God; walk before me, and be thou perfect. (KJV)

    وتم تغيير اسم الخليل من أبرام إلى إبراهيم كما يوضحه سفر التكوين 17: 5 حيث يقول:
    [5فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. 6وَأُثْمِرُكَ كَثِيراً جِدّاً وَأَجْعَلُكَ أُمَماً وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ.].

    10ـ وكانت ولادة "إسماعيل" عليه السلام لست وثمانين سنة مضت من عمر الخليل صلى الله عليه وسلم فحزنت "ساراى" لذلك فوهبها الله سبحانه وتعالى إسحاق وبشرها بأن إسحاق سوف يعيش وأنها سوف تعيش حتى تري حفيدها والذي أسماه الله سبحانه وتعالى "يعقوب" كما توضحه سورة هود الكريمة 71 ـ73 :

    [وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)].

    11ـ وولدت سارة ولها تسعون سنة وكان عمر "إسماعيل" عليه السلام أربع عشرة سنة قبل ميلاد "إسحاق" عليه السلام , وتم تغير اسمها من "ساراي" إلى "سارة" .
    كما جاء في سفر التكوين الإصحاح السابع عشر العدد 15:
    17 : 15 Gn
    15وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ.

    And God said unto Abraham, As for Sarai thy wife, thou shalt not call her name Sarai, but Sarah shall her name be. (KJV)


    Gn:16:17 :

    16وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ».
    And I will bless her, and give thee a son also of her: yea, I will bless her, and she shall be a mother of nations; kings of people shall be of her. (KJV).

    Gn:17:17 :
    17فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لِابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟».Then Abraham fell upon his face, and laughed, and said in his heart, Shall a child be born unto him that is an hundred years old? and shall Sarah, that is ninety years old, bear? (KJV)

    18:17 : Gn
    18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» And Abraham said unto God, O that Ishmael might live before thee! (KJV)
    [والمدقق في الترجمة المصحوبة وهي نسخة الملك جيمس , تجدهم يكتبون إبراهام أي إبراهيم ولم يكتب أَبْرَامُ Abram, بل كتب إِبْرَاهِيمُ في النسخة العربية..أعد قراءة النص أمامك [And Abraham said unto God, O that Ishmael might live before thee! (KJV)

    17 : 19 : Gn
    19فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ.And God said, Sarah thy wife shall bear thee a son indeed; and thou shalt call his name Isaac: and I will establish my covenant with him for an everlasting covenant, and with his seed after him. (KJV)

    12ـ وسيرة الخليل صلى الله عليه وسلم كما روتها سورة البقرة الكريمة كان اسمه أبرام أو أبراهام وكان ابن ست وثمانين سنة لما ولدت السيدة هاجر له إسماعيل عليه السلام ولما بلغ إبرام من العمر تسـع وتسعين سنة تغير اسمه إلى إبراهيم وكان عمر إسماعيل أربعة عشر سنة قبل مولد إسحاق وفي هذه السن أمر الله سبحانه وتعالى خليله أن يذبح ابنه إسماعيل. يقول سبحانه وتعالى في الصافات 102:
    [ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ].

    وفداه الله سبحانه وتعالى بذبح عظيم يقول سبحانه وتعالى تكملة سورة الصافات الكريمة :

    [فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)].

    13ـ وأسدل الستار على قصة الخليل في سورة الحج والتي يُحرم فيها قراءة اسمه الشريف بغير إبراهيم يقول سبحانه وتعالى في سورة الحج 26 ـ 29 :

    [وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)].

    وهكذا أسدل الستار علي سيرة الخليل عليه الصلاة والسلام..وهو يؤذن في الناس بالحج...
    والعجيب أن المؤذن هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليدعو الناس للحج, ومع ذلك يقول الله تبارك وتعالى [يَأْتُوكَ]...وكنا نتوقع أن يكون التعقيب [يَأْتُوني]..ولكنه التشريف المطلق لإبراهيم عليه الصلاة والسلام..فالحج لله تبارك وتعالى والشرف لخليله عليه الصلاة والسلام.
    وهكذا تبين لنا الحكمة من رسم إبراهيم البقرة بغير الياء ـ والله تعالى أعلم بمراده ـ.
    فإبراهيم على امتداد سورة البقرة كان اسمه إبراهام.. وكان الصحابة يقرؤون البقرة ويقولون إبراهام.. لأن هكذا كان اسمه، فلما وحد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه المصاحف على قراءة واحدة.. أثبت الرسم إبراهام وتنطق إبراهيم ، وهذا الفن يعلمه علماء القراءات.. وكما أوضحنا في السور التي يقرأ فيها إبراهيم إبراهام إلا سورة الحج والتي يحرم فيها قراءة إبراهام..
    [ حصة في الإملاء: 1ـ

    قاعدة في حذف الألف:في الاسم الرباعي أو الخماسي إذا اجتمعت ألفات يتم حذف ألف الوسط عند الكتابة فتذكر نطقاً وتحذف رسماً.. وبناء عليه فإنك تكتب إسحاق هكذا إسحق، وتضع إلفاً صغيرة بين الحاء والقاف من فوق كعلامة على الألف المحذوفة.. كذلك إسماعيل تكتب إسمعيل وتضع الألف الصغيرة بين الميم والعين من فوق.. كذلك السماوات يتم حذف الألفات وتكتب السموت وتوضع ألفاً صغيرة من فوق بين الميم والواو وألف أخرى بين الواو والتاء..وهكذا إبراهيم يتم حذف ألف الوسط فتكتب إبراهيم ويوضع ألف صغيرة بين الراء والهاء.

    قاعدة في حذف الياء: وهناك كلمات تخضع لقاعدة حذف الياء.. فعلى سبيل المثال فأنت لا تكتب كلمة دَعَانِ قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) بالياء إذ أن أصلها دَعَانِي ولكن لأنها تخضع لقاعدة حذف الياء فكتبت على الأصل. ولما كان اسم الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم يخضع لقاعدة حذف الألف ولا يخضع لقاعدة حذف الياء رسم في البقرة بدون ياء وبدون ألف لأنه باختصار شديد كان هذا هو اسمه في خلال هذه الفترة إبراهام. ونظراً لأن اسمه إبراهام فإنه يخضع لقاعدة الرسم بحذف الألفات فيكتب إبرهم..].

    ألا يدل ذلك على أن الخط توقيفي من عند الله تعالى.

    يقول الأستاذ الشيخ محمد طاهر الكردي المكي الخطاط صاحب كتاب "تاريخ الخط العربي" و"تاريخ القرآن" : (ذكر العلماء تعليلات متنوعة لبعض كلمات الرسم العثماني غير أن هذه التعليلات ما هي إلا من قبيل الاستئناس والتلميح , لأنها لم توضع إلا بعد انقراض الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وهم قد كتبوا المصحف بهذا الرسم لحكمة لم نفهمها وإشارة لم ندركها ، من غير أن ينظروا إلى العلل النحوية أو الصرفية التي استنبطت بعدهم) (تاريخ القرآن للأستاذ الشيخ محمد طاهر الكردي ص 114)..

    ثم يقول : (فالخلاصة أن كل هذه التعليلات التي ذكرها العلماء من الزيادة والحذف في بعض كلمات القرآن لا تغني شيئاً والحقيقة أنها هكذا وصلت إلينا عن الصحابة الذين كتبوا القرآن الكريم,ولم ينكشف سر ذلك لأحد , والله سبحانه علام الغيوب)..
    ثم يقول: (فمن يرشدنا إلى سبب هذه التغايير في رسم المصحف العثماني إلا الصحابة الذين كتبوه بأمر عثمان ؟ وهذا إذا قاموا من قبورهم).

    والسؤال الآن: بعد هذا التحقيق العلمي حول كتابة الصلاة مرة بالواو وأخرى بالألف.. وإبراهيم مرة بالياء وأخرى بدون ياء.. فهل كان فضيلة الأستاذ الشيخ محقاً في كلامه ؟ .
    اقرءوا دراستي حول إعجاز الرحمن في رسم القرآن..
    والله ولي التوفيق..

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    الرسم العثماني
    أُصوله وخصائصه

    تعني كلمة ( الرسم العثماني ) طريقة كتابة كلمات القرآن في المصاحف التي كتبها الصحابة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأُرسلت إلى الأمصار الإسلامية واتخذها المسلمون أساساً لكتابة المصاحف وقراءة القرآن ، وجاءت تسميته بالرسم العثماني نسبة إلى سيدنا عثمان بن عفان الذي أمر بنسخ المصاحف في خلافته وقام بتوزيعها على الأمصار الإسلامية .
    وترجع أصول المصاحف العثمانية إلى الصحف التي جُمِعَ فيها القرآن في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الرقاع التي كُتِبَ فيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فالمصاحف العثمانية هي عَيْنُ ما كُتِبَ في زمنه صلى الله عليه وسلم مُفرّقاً في الرقاع ، وجُمِعَ في الصحف في خلافة الصديق.

    وإنما نُسِبَتِ المصاحف إلى سيدنا عثمان بن عفان لأن ذلك تم في خلافته وبأمر منه، على نحو ما هو مشهور ومعروف من كتب الحديث والتاريخ.

    وقد حافظ المسلمون على رسم الكلمات في المصاحف على نحو ما رُسِمَت في المصاحف العثمانية ، وشَكّلَ ذلك الرسم ظاهرة اعتنى بها علماء القرآن ، وكُتّاب المصاحف ، وعلماء اللغة ، واختص بدراستها ( علم رسم المصحف ) الذي كُتِبَت فيه عشرات المؤلفات منذ بدء تدوين العلوم الإسلامية إلى عصرنا الحاضر وأخرها بفضل الله تعالى ـ على ما أعلم ـ دراستي المعنونة بـ ( فتح الرحمن في رسم القرآن) .

    ولم يحظ الرسم العثماني بتلك العناية والاهتمام لأنه أثر تاريخي يرجع إلى عصر النبوة والخلافة الراشدة فحسب ، ولكنْ لأنه صار أحد أركان القراءة الصحيحة ، بل " هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن " [أنظر الشوكاني ( محمد بن علي ) : إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول ، تحقيق محمد سعيد البدري ، دار الفكر ، بيروت 1412 ﻫ = 1992 م .ص 1/64].
    حتى قال الأصوليون في تعريف القرآن بأنه " كلام الله تعالى المُعْجِزُ، المُنَزَّلُ على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته".
    [أنظر :الزرقاني ( محمد عبد العظيم ) : مناهل العرفان في علوم القرآن ، ط3، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة 1943م. 1/64].

    وكان رسم المصحف موضع عناية العلماء منذ أن كُتِبَت المصاحف وأُرسلت إلى الأمصار ، وأخذت تلك العناية الشكل العلمي المنظم منذ بدء عصر تدوين العلوم الإسلامية ، فظهرت عشرات المؤلفات في وصف رسم المصاحف ، وبيان علله ، وأُلّفَت كُتُب أخُرى في موضوع النَّقْطِ والشَّكْلِ الذي استأثر باسم علم الضبط.
    وهناك موضوعات تتعلق برسم المصحف هي موضع عناية مستمرة ونظر دائم من الدارسين وموضوعات أُخرى تحتاج إلى توضيح وتبيين ، وسبق لي أن تتبعت المصادر ، ودرست الظواهر، في كتابي( فتح الرحمن في رسم القرآن ) ولا يتسع المقام لعرض ملخص لتلك المباحث .

    وأول ما يلفت نظر الباحث في رسم المصاحف أن كثيراً من الخط المثبت فيها يخالف النطق ويخرج عن المعهود عند الناس في الكتابة. فمن الكلمات ما زيد في رسمه، ومنها ما نقص منه، ومنهـا ما جاء مرسوماً بغير رمز، وصار مدار مباحث الرسم على خمسة فصول :
    الأول: ما وقع فيه من الحذف.
    الثاني: ما وقع فيه من الزيادة.
    الثالث: ما وقع فيه من قلب حرف إلى حرف.
    الرابع : أحكام الهمزات .
    الخامس: ما وقع فيه من القطع والوصل.

    [المهدوي ( أحمد بن عمار ) : هجاء مصاحف الأمصار ، تحقيق محيي الدين عبد الرحمن رمضان ، مجلة معهد المخطوطات العربية ، مج 19 ج1 ، القاهرة 1973 م ، ص 75] ابن وثيق ( إبراهيم بن محمد ) : الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف ، تحقيق غانم قدوري الحمد ، مطبعة العاني ، بغداد 1408 ﻫ = 1988م. ص 29]:

    وينبغي التنبيه على خطأ منهجي وقع فيه كثير من الدارسين للرسم المصحفي ، وهو النظر إلى ظواهره من خلال ما استقر من قواعد الإملاء العربي في عصور لاحقة لزمن كتابة المصاحف.
    ومن ثم جعلوا نُظُم الكتابة العربية ثلاثة هي:

    1ـ رسم المصحف الذي قالوا فيه: لا يُقاس هجاؤه ولا يخالف خطه.
    2ـ خط العروض الذي جرى على ما أثبته اللفظ، وإسقاط ما حذفه.
    3ـ وخطٌّ جرى على العادة المعروفة، وهو ما اصطلح عليه الكُتَّاب في غير رسم المصحف والعروض. [ينظر : ابن درستويه ( عبد الله بن جعفر ) : كتاب الكتَّاب ، تحقيق د. إبراهيم السامرائي ، ود. عبد الحسين الفتلي ، الكويت 1397 ﻫ = 1977م. ص 16 ، و الزركشي ( محمد بن عبد الله ) : البرهان في علوم القرآن ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة 1957 . 1/376 ، و السيوطي ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) : همع الهوامع ، صححه محمد بدر الدين النعساني ، مكتبة الخانجي بمصر 1327 ﻫ . 2/243].

    إن دراسة تاريخ الكتابة العربية يُبَيِّنُ بوضوح أن الرسم العثماني يمثل مرحلة في تاريخ تلك الكتابة ، وأن الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – كانوا قد كتبوا المصاحف بالإملاء الذي كان مستخدماً في زمانهم ، ومع ذلك كان هناك فرق بين ما كتبوه في المصاحف ، وما كانوا يكتبونه في غيرها. [ينظر : رسم المصحف ص 734- 735 ، وموازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة ( بحث) ص 42 ، وعلم الكتابة العربية ص 106- 107].

    وتثبيت هذه الحقيقة، يجعل من مناقشة موضوع كون الرسم توقيفياً أمراً حتمياً. [ينظر : الزرقاني ( محمد عبد العظيم ) : مناهل العرفان في علوم القرآن ، ط3، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة 1943م. 1/370].
    والرأي الذي تطمئن إليه النفس هو رأي الجمهور الذين ذهبوا إلى أن خط المصاحف توقيف، ولا تجوز مخالفته.
    ويترجح هذا الرأي بإجماع الصحابة ومن بعدهم على كتابة المصاحف على هذه الهيئة المعلومة، وعلى رفض ما سواها، فلا يُعتبَر بعد إجماع أهل القرون الأولى خلاف من خالف بعد ذلك، ولا يجوز خرق إجماعهم؛ لأن الإجماع لا يُنْسَخُ.
    ويؤيد ذلك أن الرسم الإملائي اصطلاح، والاصطلاح قد يتغير مع تغير الزمان، كما أن قواعد الإملاء تختلف فيها وجهات النظر، فيؤدي ذلك إلى التحريف والتبديل في كلام الله عز وجل.
    فلو أن أهل كل زمانٍ اصطلحوا في كتابة المصاحف على اصطلاح يناسب ما يألفونه من قواعد الإملاء، ثم أتى جيلٌ بعدهم فاصطلح على اصطلاح آخر يناسب ما استجدَّ من القواعد، وانقطعت صلة الأجيال المتتابعة بالمصاحف التي كتبها الصحابة، لو حدث ذلك لوصلنا خلال عقود قليلة إلى نصٍّ مشوَّهٍ من القرآن، وحينئذ لن يستطيع الناس تَمييز القراءة الصحيحة من غيرها، ويؤدي ذلك إلى تحريف كتاب الله، ويحصل الشكُّ في جميعه.
    فهذا الرسم العثماني هو أقوى ضمان لصيانة القرآن من التغيير والتبديل. ـ انظر مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 149ـ.

    ومِمَّا يؤيد كون خط المصاحف توقيف:
    أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كتبوا الكلمة الواحدة في بعض المواضع بِهيئة، وفي مواضع أخرى بهيئة أخرى، ولا يظن بعاقلٍ -فضلاً عن الصحابة العلماء النبلاء- أن يسمع الكلمة الواحدة فيكتبها مرة بهيئة ومرة بأخرى إلا أن يكون لذلك علة، ولا علةَ هنا إلا التوقيف.
    فقد رسم الصحابة (سعوا) في سورة الحج بزيادة الألف، ولم يزيدوا الألف من نفس اللفظ في سورة سبأ، فرسموها هكذا: (سعو).

    وكذلك فعلوا في (عتَوْا) حيث كان فقد رسموه بزيادة الألف، ما عدا موضع الفرقان، فرسموه (عتو) هكذا دون ألف.

    وزادوا الألف بعد الواو في قوله عز وجل: (يعفوا الذي) في سورة البقرة، ولم يزيدوها في قوله تعالى: (يعفو عنهم) في سورة النساء.

    وكذلك حذفوا بعض أحرف من كلمات متشابِهة دون بعضٍ، كحذف الألف من (قرء نا) بيوسف والزخرف، وإثباتِها في سائر المواضع.

    وحذفوا الألف من (سموت) و(السموت) حيث وقع في القرآن، وأثبتوا الألف التي بعد واو (سموات) في فصلت فقط.

    وأثبتوا الألف من (الميعاد) مطلقًا، وحذفوها من الموضع الذي في الأنفال.

    وأثبتوا الألف في (سراجًا) حيثما وقع، وحذفوه من موضع الفرقان.

    وزادوا الألف بعد واو الجماعة في الأفعال حيث وقع في القرآن كقوله: (آمنوا)، واستثنوا من ذلك: (باءو)، (جاءو)، (تبوءو)، (فاءو).
    وزادوا الألف في (مائة) دون (فئة)، وزادوا الواو في (سأوريكم) في سورتي الأعراف والأنبياء، وزادوا الياء في (بأييدٍ)، و(بأييكم)، ولا فرق بين هذه الكلمات وغيرها مِمَّا لم يزيدوا فيه الألف أو الواو أو الياء.
    فادعاء أن الصحابة اصطلحوا على هذا الرسم اتِّهامٌ لَهم بِمخالفة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ووصمٌ بالجهل والتفريق بين المتماثلات، وهذا مِمَّا لا يظن بآحاد العقلاء تفضلاً عن صحابة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
    قال الدباغ:
    وأما قول من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور، فلا يخفى ما فيه من البطلان؛ لأن القرآن كُتِب في زمان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وبين يديه، وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة، إما أن يكون هو عين الهيئة التي كُتِبَت بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أو غيرها، فإن كانت عينها بطل الاصطلاح؛ لأن أسبقية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم،تنافي ذلك، وتوجب الإتباع.

    وإن كان غير ذلك، فكيف يكون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كتب على هيئة، كهيئة الرسم القياسي مثلاً، والصحابة خالفوا وكتبوا على هيئة أخرى؟
    فلا يصحُّ ذلك لوجهين:

    أحدهما: نسبة الصحابة إلى المخالفة، وذلك مُحالٌ.

    ثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن، ولا نقصان حرفٍ منه، وما بين الدفتين كلام الله عز وجل ، فإذا كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم،أثبت ألف (الرحمن) و(العالمين) مثلاً، ولم يزد الألف في (مائة)، ولا في (لأاوضعوا)، ولا الياء في (بأييدٍ) ونحو ذلك، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه، لزم أنهم -وحاشاهم من ذلك- تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحلُّ لأحدٍ فعلهُ، ولزم تطرُّق الشكِّ إلى جميع ما بين الدفتين؛ لأنا مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما في علم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى ما عنده، وأنها ليست بوحيٍ، ولا من عند الله، ولا نعلمها بعينها -شككنا في الجميع.
    ولئن جوزنا لصحابيٍ أن يزيد في كتابته حرفًا ليس بوحيٍ، لزمنا أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي؛ إذ لا فرق بينهما، وحينئذٍ تنحل عروة الإسلام بالكلية. الإبريز لأحمد بن المبارك السلجماسي ص 101-103.

    وعليه فالقول بوجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف مما اجتمع عليه العلماء في القديم وفي الحديث. [ينظر : الداني ( أبو عمرو عثمان بن سعيد الأندلسي ) المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ، تحقيق محمد أحمد دهمان ، دمشق 1940 م . ص 9-10 ، و الزركشي ( محمد بن عبد الله ) : البرهان في علوم القرآن ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة 1957 . 1/379 ، و السيوطي ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) : الإتقان في علوم القرآن 4/146 ، ورسم المصحف ص 199].

    وللعلماء مذاهب في تعليل اختلاف الرسوم.
    1ـ فبعض تلك المذاهب لا يستند إلى أسس متينة ، ويحسن بالدارس تجاوزه ، ومنها حمل الظواهر على خطأ الكاتب، أو تعليل اختلاف الرسوم بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها ، تلك النظرية التي اشتهر بوضعها أبو العباس أحمد بن محمد الشهير بابن البناء المراكشي ( ت 721ﻫ) وضمَّنها في كتابه ( عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل ) [صدرت طبعته الأولى سنة 1990 بتحقيق هند شلبي ، دار الغرب الإسلامي ، وكنت قد اعتمدت حين درست مذهبه في كتابي ( فتح الرحمن في رسم القرآن ) على ما نقله الزركشي منه في البرهان ( 1/380- 429)].

    2 ـ ومن تلك المذاهب القول بأن الرسم بُنَيَ على حكمة ذهبت بذهاب كتبته [ينظر غانم قدوري الحمد: رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية، مؤسسة المطبوعات العربية، بيروت 1402 ﻫ = 1982م . ص 203- 233].

    3ـ ويظل الاستناد إلى العلل اللغوية أكثر ملائمة لتعليل اختلاف الرسوم من المذاهب الأخرى ، وهو ما قامت عليه دراستي السابقة للرسم

    وقد انعكس عدم الالتزام بقاعدة موحدة في هذه القضية على رسم الكلمات في المصاحف ، فتعددت صور رسم الكلمات بسبب ذلك ، وكان علماء الرسم قد أدركوا ذلك وعللوا به بعض الظواهر، فقال أبو عمرو الداني مُعَلِّلاً رسم قوله تعالى:( فَلَمّا ترءَا الجمعان ) [الشعراء 61] بألف واحدة في كلمة (تراءى) بعدة وجوه.
    منها : سقوطها من اللفظ في حال الوصل لسكونها وسكون أول ما توصل به ، وهو اللام من ( الجمعان) ، فكما لزمها السقوط من اللفظ في حال الوصل ، كذلك أسقطت من الرسم ، وذلك من حيث عاملوا في كثير من الكتابة اللفظ والوصل دون الأصل والقطع ، ألا ترى أنهم حذفوا الألف والياء والواو في نحو قوله : ( أيُّهَ المؤمنون ) [النور 31 ] و ( سوف يُؤتِ الله ) [النساء 146] و ( يَدْعُ الإنسان ) [الإسراء 11] وشبهه ، لمّا سَقَطْنَ من اللفظ لسكونهن وسكون ما بعدهن، و بنوا الخط على ذلك فأسقطوهن ، فكما عُومِلَ اللفظ في هذه الحروف وبُنيَ الخط عليه فيهن ، كذلك عُومِلَ أيضاً فيما تقّدم وبُنِيَ عليه " [الداني ( أبو عمرو عثمان بن سعيد الأندلسي ) : المحكم في نقط المصاحف، تحقيق د. عزة حسن، دمشق 1960م.ص 158].
    وكذلك علّل الداني رسم النون الخفيفة ألفاً ورسم التنوين نوناً ، وذلك في قوله : " واجتمع أيضاً كُتّاب المصاحف على رسم النون الخفيفة ألفاً ، وجملة ذلك موضعان : في يوسف : ( وليَكوناً من الصاغرين ) [ 32 ] ، وفي العلق : ( لنسفعاً بالناصية ) [15] وذلك على مراد الوقف ... وكذلك رسموا التنوين نوناً في قوله : ( وكَأيّنْ) حيث وقع ، وذلك على مراد الوصل ، والمذهبان قد يستعملان في الرسم دلالة على جوازهما فيه" [الداني ( أبو عمرو عثمان بن سعيد الأندلسي ) المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ، تحقيق محمد أحمد دهمان ، دمشق 1940 م . ص 43- 44 ].
    ويمكن من خلال هذا الأصل تفسير كثير من ظواهر الرسم ، خاصة باب رسم تاء التأنيث تاء حيناً ، وهاء حيناً آخر ، في مثل : " نعمت الله ، ورحمت الله ، وسُنّت الله " .
    وباب الهمز في مثل : " العلمؤا ، والبلؤا ، أو من وَرَائِ حجاب ، ونَبَؤُا الخصم ، ومِن نَبَأي المرسلين " .
    وباب الوصل والقطع في مثل : " أنْ لا و ألا " و " عن ما و عَمّا " و " فإن لم و فإلّم " ، ونحو ذلك .
    ومن الأمثلة الواضحة على ذلك رسم ( يا ابن أُمَّ ) في المصحف ، ففي سورة الأعراف جاءت مفصولة : ( قال ابنَ أُمَّ) [ 150] بناء على قاعدة رسم الكلمة مبدوءاً بها وموقوفاً عليها ، وفي سورة طه جاءت موصولة ( يَبْنَؤُمَّ) [ 94] بناء على اللفظ والوصل [المقنع ص 76]، فحُذِفَت ألف (يا) وهمزة الوصل ، ورسمت الهمزة واواً ، على اللفظ بها موصولة .

    إن رسم المصحف ظاهرة حضارية وثروة لغوية يجب التعامل معها بكثير من الجدية والصبر والأناة، فهي متحف لغوي رائع للغة العربية.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    4
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-02-2013
    على الساعة
    09:10 PM

    افتراضي

    ما شاء الله لا قوة الا بالله بارك الله بك

حكم اتباع رسم القرآن الكريم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اين قال القرآن الكريم؟
    بواسطة ديكارت في المنتدى منتدى المناظرات
    مشاركات: 59
    آخر مشاركة: 15-05-2009, 03:28 PM
  2. الأرض في القرآن الكريم
    بواسطة abcdef_475 في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-08-2007, 12:13 PM
  3. القرآن الكريم
    بواسطة الشرقاوى في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-10-2006, 05:26 AM
  4. القرآن الكريم والأرقام
    بواسطة ali9 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 14-04-2005, 06:41 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

حكم اتباع رسم القرآن الكريم

حكم اتباع رسم القرآن الكريم