بين الحلاج والنصارى

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

بين الحلاج والنصارى

النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: بين الحلاج والنصارى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    145
    آخر نشاط
    20-05-2012
    على الساعة
    02:41 PM

    افتراضي بين الحلاج والنصارى

    سئل شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى ما تقول ائمة الاسلام في الحلاج‏؟‏ وفيمن قال‏:‏ انا اعتقد ما يعتقده الحلاج‏:‏ ماذا يجب عليه‏؟‏ ويقول‏:‏ انه قتل ظلمًا كما قتل بعض الانبياء، ويقول‏:‏ الحلاج من اولياء الله‏.‏ فماذا يجب عليه بهذا الكلام، وهل قتل بسيف الشريعة‏؟‏

    فاجـــاب‏:‏

    الحمد للّه، من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فان المسلمين انما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات اهل الزندقة والالحاد، كقوله‏:‏ انا الله، وقوله‏:‏ اله في السماء واله في الارض‏.‏

    وقد علم بالاضطرار من دين الاسلام انه لا اله الا الله، وان الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق و‏{‏اِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْاَرْضِ اِلَّا اتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏‏[‏مريم‏:‏93‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ اِلاَّ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏171‏]‏ الايات، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ اِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ‏}‏ الايتين ‏[‏المائدة‏:‏72‏]‏‏.‏ فالنصارى الذين كفرهم الله/ ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله ورسوله، كان من اعظم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح ابن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير المسيح ـ كما تقوله الغالية في على، وكما تقوله الحلاجية في الحلاج، والحاكمية في الحاكم، وامثال هؤلاء ـ فقولهم شر من قول النصارى؛ لان المسيح ابن مريم افضل من هؤلاء كلهم‏.‏ وهؤلاء من جنس اتباع الدجال، الذي يدعى الالهية ليتبع، مع ان الدجال يقول للسماء‏:‏ امطري فتمطر، وللارض‏:‏ انبتي فتنبت، وللخربة‏:‏ اخرجي كنوزك، فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا مؤمنا ثم يامر به فيقوم، ومع هذا فهو الاعور الكذاب الدجال، فمن ادعى الالهية بدون هذه الخوارق، كان دون هذا الدجال‏.‏ والحلاج كانت له مخاريق وانواع من السحر، وله كتب منسوبة اليه في السحر‏.‏ وبالجملة، فلا خلاف بين الامة ان من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به، وان البشر يكون الها، وهذا من الالهة، فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قتل الحلاج‏.‏

    ومن قال‏:‏ ان الله نطق على لسان الحلاج، وان الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه‏:‏ انا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين، فان الله لا يَحِل في البشر، ولا تكلم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما امرهم ببلاغه، فيقول على السنة الرسل ما امرهم / بقوله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اما ان الله قال على لسان نبيه‏:‏سمع الله لمن حمده‏)‏‏.‏

    فان كل واحد من المرسل والرسول قد يقال‏:‏ انه يقول على لسان الاخر كما قال الامام احمد بن حنبل للمروذي‏:‏ قل على لساني ما شئت، وكما يقال‏:‏ هذا يقول على لسان السلطان كيت وكيت، فمثل هذا معناه مفهوم‏.‏

    واما ان الله هو المتكلم على لسان البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع، فهذا كفر صريح، واما اذا ظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه مصطلما في حال من احوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وان كان باطلا لكن القائل غير مؤاخذ‏.‏

    ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال‏:‏ ان محبوبًا القى نفسه في اليم فالقى المحب نفسه خلفه، فقال‏:‏ انا وقعت فلم وقعت خلفي‏؟‏ قال‏:‏ غبت بك عني فظننت انك اني‏.‏

    وقد ينتهي بعض الناس الى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته‏.‏

    فاذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل ـ بحيث يرفع عنه القلم ـ لم يكن معاقبا على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بانه خطا وضلال، وانه حال ناقص لا يكون لاولياء الله‏.‏

    / وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الارض‏:‏ الله، الله، واظهار الفرح بالقتل او نحو ذلك، فكله كذب‏.‏ فقد جمع المسلمون اخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في اخبار الخلفاء ـ وقد شهد مقتله ـ وكما ذكر اسماعيل بن على الخطبي في تاريخ بغداد ـ وقد شهد قتله ـ وكما ذكر الحافظ ابو بكر الخطيب في تاريخه، وكما ذكر القاضي ابو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي ابوبكر بن الطيب، وابو محمد بن حزم وغيرهم، وكما ذكر ابو يوسف القزوينــي وابوالفرج بن الجوزي، فيما جمعا من اخباره‏.‏

    وقد ذكر الشيخ ابو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، ان اكثر المشايخ اخرجوه عن الطريق، ولم يذكره ابو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق‏.‏ وما نعلم احدًا من ائمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لانه لم يعرف امره، وابلغ من يحسن به الظن يقول‏:‏ انه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا ايضا خطا‏.‏

    وقول القائل‏:‏ انه قتل ظلمًا، قول باطل، فان وجوب قتله على ما اظهره من الالحاد امر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الاسلام ويبطن الالحاد الى اصحابه، صار زنديقًا، فلما اخذ وحبس اظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فاكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك واهل / المدينة، ومذهب احمد في اشهر الروايتين عنه، وهو احد القولين في مذهب ابي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي، والقول الاخر تقبل توبته‏.‏

    وقد اتفقوا على انه اذا قتل مثل هذا لا يقال‏:‏ قتل ظلمًا‏.‏

    واما قول القائل‏:‏ ان الحلاج من اولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج اقوال اهل الالحاد، فان ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء او اكثرهم‏.‏

    وذهبت طائفة من السلف ـ كابن الحنفية، وعلى بن المديني ـ‏:‏ الى انه لا يشهد بذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بجنازة فاثنوا خيرًا، فقال‏:‏ ‏(‏وجبت وجبت‏)‏، ومر عليه بجنازة فاثنوا عليها شرًا فقال‏:‏ ‏(‏وجبت وجبت‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏هذه الجنازة اثنيتم عليها خيرًا فقلت‏:‏ وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة اثنيتم عليها شرًا فقلت‏:‏ وجبت لها النار، انتم شهداء الله في الارض‏)‏‏.‏

    فاذا جوز ان يشهد لبعض الناس انه ولي الله في الباطن، اما بنص واما بشهادة الامة ـ فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الامة يطعن عليه ويجعله من / اهل الالحاد ـ ان قدر على انه يطلع على بعض الناس انه ولي الله، ونحو ذلك مما يختص به بعض اهل الصلاح‏.‏

    فهذا الذي اثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه‏:‏

    احدها‏:‏ انه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة انه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الاعمى، والسهروردي، وامثال هؤلاء كثير، ولم يقل اهل العلم والدين في هؤلاء انهم قتلوا ظلمًا، وانهم كانوا من اولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء‏.‏

    واما الانبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء ائمة الدين، كمالك والشافعي وابي حنيفة واحمد وغيرهم‏.‏ فان الائمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وامثاله‏.‏

    الوجه الثاني‏:‏ ان الاطلاع على اولياء الله لا يكون الا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الايمان والتقوى‏.‏

    ومن اعظم الايمان والتقوى ان يجتنب مقالة اهل الالحاد ـ كاهل الحلول والاتحاد ـ فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالايمان / والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق اولياء الله، فلا يجوز ان يميز بين اولياء الله وغيرهم‏.‏

    الثالث‏:‏ ان هذا القائل قد اخبر انه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لانفسهم على انهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والاجماع انهم اهل ضلال‏؟‏

    الرابع‏:‏ ان يقال‏:‏ اما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله او لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، واما كونه انما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان‏.‏

    وقد تقدم ان غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر‏.‏

    فهذا لو فرض، لم يجز ان يقال‏:‏قتل ظلما، ولا يقال‏:‏ انه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف اذا كان الامر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن اذا عذر الحلاج ان يدعى فيه الاصطلام والشبهة‏.‏ واما ان يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال اهل الزندقة والالحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الاسلام‏.‏

    / ونحن انما علىنا ان نعرف التوحيد الذي امرنا به، ونعرف طريق الله الذي امرنا به، وقد علمنا بكليهما ان ما قاله الحلاج باطل، وانه يجب قتل مثله، واما نفس الشخص المعين، هل كان في الباطن له امر يغفر الله له به من توبة او غيرها‏؟‏ فهذا امر الى الله، ولا حاجة لاحد الى العلم بحقيقة ذلك، والله اعلم‏.‏


    / سئل شيخ الاسلام وحجة الانام ابو العباس بن تيمية ـ رضي الله عنه ـ عمن يقول‏:‏ ان ما ثم الا الله‏.‏ فقال شخص‏:‏ كل من قال هذا الكلام فقد كفر‏.‏

    فاجاب ـ رضي الله عنه‏:‏

    الحمد لله، قول القائل‏:‏ما ثم الا الله‏:‏ لفظ مجمل، يحتمل معنى صحيحًا ومعنى باطلا، فان اراد ما ثم خالق الا الله، ولا رب الا الله، ولا يجيب المضطرين ويرزق العباد الا الله ـ فهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل وهو الذي يستحق ان يستعان به ويتوكل عليه، ويستعاذ به ويلتجئ العباد اليه، فانه لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، كما قال تعالى في فاتحة الكتاب‏:‏ ‏{‏اِيَّاكَ نَعْبُدُ واِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏5‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عليه‏}‏ ‏[‏هود‏:‏123‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ رَبِّي لا اِلَـهَ اِلاَّ هُوَ عليه تَوَكَّلْتُ وَاِلَيْهِ مَتَابِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏30‏]‏‏.‏ فهذه المعاني كلها صحيحة، وهي من صريح التوحيد، وبها جاء القران، / فالعباد لا ينبغي لهم ان يخافوا الا الله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏44‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏الذ ِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ اِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ‏}‏ الى قَوله‏:‏‏{‏اِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اولياءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ اِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏ال عمران‏:‏173‏:‏ 175‏]‏‏.‏ وكذلك لا ينبغي ان يرجى الا الله، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏2‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ اَفَرَاَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ اِنْ اَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ اَوْ اَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عليه يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 38‏]‏‏.‏ ولا ينبغي لهم ان يتوكلوا الا على الله كما قال تعالى‏:‏‏{‏وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ‏}‏ ‏[‏ابراهيم‏:‏12‏]‏، ولا ينبغي لهم ان يعبدوا الا اللّه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا اُمِرُوا اِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏5‏]‏‏.‏ ولا يدعوا الا الله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ اَحَدًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏18‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ اِلَهًا اخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏213‏]‏ سواء كان دعاء عبادة او دعاء مسالة‏.‏ ‏:‏

    /واما ان اراد القائل‏:‏ ما ثم الا الله، ما يقوله اهل الاتحاد، من انه ما ثم موجود الا الله، ويقولون‏:‏ ليس الا الله، اي ليس موجود الا الله، ويقولون‏:‏ ان وجود المخلوقات هو وجود الخالق، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، والعبد هو الرب، والرب هو العبد، ونحو ذلك من معاني الاتحادية، الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ولا يثبتون المباينة بين الرب والعبد، ونحو ذلك من المعاني، التي توجد في كلام ابن عربي الطائي، وابن سبعين، وابن الفارض، والتلمساني، ونحوهم من الاتحادية‏.‏

    وكذلك من يقول بالحلول كما يقوله الجهمية، الذين يقولون‏:‏ ان الله بذاته في كل مكان، ويجعلونه مختلطا بالمخلوقات، حتى ان هؤلاء يجعلونه في الكلاب والخنازير والنجاسات، او يجعلون وجود ذلك وجوده، فمن اراد هذه المعاني فهو مُلْحِد ضال، يجب ان يستتاب، فان تاب والا قتل، والله ـ سبحانه وتعالى ـ اعلم‏.‏ / سئل شيخ الاسلام ـ رحمه الله ـ عن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر‏)‏ فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية‏؟‏ بينوا لنا ذلك‏؟‏

    فاجــاب‏:‏

    الحمد لله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الدهر، فان الله هو الدهر‏)‏‏:‏ مروي بالفاظ اخر، كقوله‏:‏ ‏(‏يقول الله‏:‏ يؤذيني ابن ادم؛ يسب الدهر، وانا الدهر بيدي الامر، اقلب الليل والنهار‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الدهر، فان الله هو الدهر، يقلب الليل والنهار‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏يقول ابن ادم‏:‏ يا خيبة الدهر، وانا الدهر‏)‏‏.‏

    فقوله في الحديث‏:‏ ‏(‏بيدي الامر، اقلب الليل والنهار‏)‏ يبين انه ليس المراد به انه الزمان، فانه قد اخبر انه يقلب الليل والنهار، والزمان هو الليل والنهار، فدل نفس الحديث على انه هو يقلب الزمان ويصرفه‏.‏ كما دل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْاَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّاولى الْاَبْصَارِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏43، 44‏]‏‏.‏ وازجاء السحاب‏:‏سوقه‏.‏ والودق‏:‏المطر‏.‏

    / فقد بين ـ سبحانه ـ خلقه للمطر، وانزاله على الارض، فانه سبب الحياة في الارض، فانه ـ سبحانه ـ جعل من الماء كل شيء حي، ثم قال‏:‏ ‏(‏يقلب الله الليل والنهار‏)‏ اذ تقليبه الليل والنهار‏:‏ تحويل احوال العالم بانزال المطر، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن، وذلك سبب تحويل الناس من حال الى حال، المتضمن رفع قوم وخفض اخرىن‏.‏ وقد اخبر ـ سبحانه ـ بخلقه الزمان في غير موضع، كقوله‏:‏‏{‏وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ‏}‏ ‏[‏الانعام‏:‏1‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏[‏الانبياء‏:‏33‏]‏، وَقوله‏:‏‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ اَرَادَ اَن يَذَّكَّرَ اَوْ اَرَادَ شُكُورًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏62‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏اِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَاتٍ لِّاولى الالْبَابِ‏}‏ ‏[‏ال عمران‏:‏190‏]‏، وغير ذلك من النصوص التي تبين انه خالق الزمان‏.‏ ولا يتوهم عاقل‏:‏ ان الله هو الزمان، فان الزمان مقدار الحركة، والحركة مقدارها من باب الاعراض والصفات القائمة بغيرها، كالحركة والسكون والسواد والبياض‏.‏

    ولا يقول عاقل‏:‏ ان خالق العالم هو من باب الاعراض والصفات، المفتقرة الى الجواهر والاعيان، فان الاعراض لا تقوم بنفسها، بل هي مفتقرة الى محل تقوم به، والمفتقر الى ما يغايره لا يوجد بنفسه، بل بذلك الغير فهو محتاج الى ما به في نفسه من غيره، فكيف يكون هو الخالق‏؟‏

    ثم ان يستغني بنفسه، وان يحتاج اليه ما سواه، وهذه صفة الخالق سبحانه، فكيف يتوهم انه من النوع الاول‏؟‏

    /واهل الالحاد ـ القائلون بالوحدة او الحلول او الاتحاد ـ لا يقولون‏:‏ انه هو الزمان، ولا انه من جنس الاعراض والصفات، بل يقولون‏:‏ هو مجموع العالم، او حال في مجموع العالم‏.‏

    فليس في الحديث شبهة لهم، لو لم يكن قد بين فيه انه ـ سبحانه ـ مقلب الليل والنهار ـ فكيف وفي نفس الحديث انه بيده الامر يقلب الليل والنهار‏.‏

    اذا تبين هذا، فللناس في الحديث قولان معروفان لاصحاب احمد وغيرهم‏.‏

    احدهما‏:‏ وهو قول ابي عبيد واكثر العلماء‏:‏ ان هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله اهل الجاهلية، ومن اشبههم، فانهم اذا اصابتهم مصيبة او منعوا اغراضهم اخذوا يسبون الدهر والزمان، يقول احدهم‏:‏ قبح الله الدهر الذي شتت شملنا، ولعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا‏.‏

    وكثيرًا ما جرى من كلام الشعراء وامثالهم نحو هذا، كقولهم‏:‏ يا دهر، فعلت كذا‏.‏ وهم يقصدون سب من فعل تلك الامور، ويضيفونها الى الدهر، فيقع السب على الله تعالى، لانه هو الذي فعل تلك الامور واحدثها، والدهر مخلوق له، هو الذي يقلبه ويصرفه‏.‏

    والتقدير‏:‏ان ابن ادم يسب من فعل هذه الامور وانا فعلتها، فاذا سب الدهر فمقصوده سب الفاعل، وان اضاف الفعل الى الدهر، فالدهر لا فعل له، وانما الفاعل هو الله وحده‏.‏

    /وهذا كرجل قضي عليه قاض بحق او افتاه مُفْتٍ بحق، فجعل يقول‏:‏ لعن الله من قضى بهذا او افتى بهذا، ويكون ذلك من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وفتياه فيقع السب عليه، وان كان الساب ـ لجهله ـ اضاف الامر الى المبلغ في الحقيقة، والمبلغ له فعل من التبليغ، لخلاف الزمان فان الله يقلبه ويصرفه‏.‏

    والقول الثاني‏:‏ قول نُعَيْم بن حماد، وطائفة معه من اهل الحديث والصوفية‏:‏ ان الدهر من اسماء الله تعالى، ومعناه‏:‏ القديم الازلي‏.‏

    ورووا في بعض الادعية‏:‏ يا دهر يا ديهور، يا ديهار، وهذا المعنى صحيح؛ لان الله ـ سبحانه ـ هو الاول ليس قبله شيء، وهو الاخر ليس بعده شيء، فهذا المعنى صحيح انما النزاع في كونه يسمى دهرًا بكل حال‏.‏

    فقد اجمع المسلمون ـ وهو مما علم بالعقل الصريح ـ ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس هو الدهر الذي هو الزمان، او ما يجري مجرى الزمان، فان الناس متفقون على ان الزمان الذي هو الليل والنهار‏.‏

    وكذلك ما يجري مجرى ذلك في الجنة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏26‏]‏‏.‏ قالوا‏:‏على مقدار البكرة والعشي في الدنيا، وفي الاخرة يوم الجمعة يوم المزيد، والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولكن تعرف الاوقات بانوار اخر، قد روى انها تظهر من تحت العرش، فالزمان هنالك مقدار الحركة التي بها تظهر تلك الانوار‏.‏

    / وهل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر‏؟‏ هذا مما تنازع فيه الناس، فاثبته طائفة من المتفلسفة من اصحاب افلاطون، كما اثبتوا الكليات المجردة في الخارج، التي تسمى المثل الافلاطونية والمثل المطلقة، واثبتوا الهيولي التي هي مادة مجردة عن الصور، واثبتوا الخلاء جوهرًا قائما بنفسه‏.‏

    واما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم، فيعلمون ان هذا كله لا حقيقة له في الخارج، وانما هي امور يقدرها الذهن ويفرضها، فيظن الغالطون ان هذا الثابت في الاذهان هو بعينه ثابت في الخارج عن الاذهان، كما ظنوا مثل ذلك في الوجود المطلق، مع علمهم ان المطلق بشرط الاطلاق وجوده في الذهن، وليس في الخارج الا شيء معين وهي الاعيان، وما يقوم بها من الصفات، فلا مكان الا الجسم او ما يقوم به، ولا زمان الا مقدار الحركة، ولا مادة مجردة عن الصور، بل ولا مادة مقترنة بها غير الجسم الذي يقوم به الاعراض، ولا صورة الا ما هو عرض قائم بالجسم، او ما هو جسم يقوم به العرض، وهذا وامثاله مبسوط في غير هذا الموضع‏.‏

    وانما المقصود التنبيه على ما يتعلق بذلك على وجه الاختصار، والله اعلم‏.‏
    التعديل الأخير تم بواسطة جمال البليدي ; 10-04-2007 الساعة 05:54 PM

بين الحلاج والنصارى

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ما الفرق بين الحلاج و اليسوع??
    بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-11-2007, 02:02 PM
  2. نذارة اليهود والنصارى
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-08-2007, 01:29 AM
  3. خوف اليهود والنصارى من الإسلام
    بواسطة النصر العزيز في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-03-2007, 12:59 PM
  4. كفر اليهود والنصارى
    بواسطة الليزر في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-08-2006, 01:07 AM
  5. هل يجوز تكفير اليهود والنصارى؟
    بواسطة محمد مصطفى في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-12-2005, 08:55 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

بين الحلاج والنصارى

بين الحلاج والنصارى