أنيس منصور: لا موت مع الأمل



القاهرة –mbc.net

لا حدود للأمل عند بعض الناس، إنه هواء يملئون به صدورهم، وماء يرويهم، وأرض يمشون عليها، وشمس لا تغيب، وإيمان بالله وقدرته المطلقة على أن يضع سره في أضعف خلقه..

مثلا: رأيت في إحدى القنوات التلفزيونية مأساة حقيقة توجع القلب: أبا وأما لهما ابن أصيب في حادث سيارة.. كان من نتيجة ذلك ارتجاج في المخ وشلل.. نظر الأطباء إلى الجثة الملقاة على الأرض. أشاروا للأب والأم: كل من عليها فان.. وأن الأعمار بيد الله.. وأنهم قد فعلوا كل ما يقدرون عليه والباقي على الله!! وقال الأب والأم في نفس واحد: الباقي دائما على الله!

وحملا ابنهما المشلول إلى البيت.. ولم تتوقف دعوات الأم والأب. وتناوب علماء الدين على زيارة المريض. ولم يتوقفوا عن الدعوات، ويقولون: إن الله قادر على أي شيء..

وجاء طبيب ثان وثالث. وقالا: من الناحية الطبية نحن نعتبر المريض ميتا. ولكن..

واختلف الأطباء بعد ذلك. فقال بعضهم: ما دام قلبه يدق فليس ميتا. وقال آخرون: ما دام عقله يعمل ويحرك يديه وعينيه ويجوع ويشبع ويرتاد دورة المياه فهو لم يمت..

والسؤال: إذا طال العذاب بالمريض هكذا، هل يقتله الأطباء من باب الرحمة؟! أطباء قالوا: نعم.. وآخرون قالوا: لا..

وعلماء الدين اختلفوا أيضا.. ولكن الأب والأم أصرا على أن يظل الابن حيا مهما طال عذابهما وعذابه.. وتشاء إرادة الله أن يدب الشفاء في جسم المريض. وأن يتحرك. وأن يمد ذراعيه وساقيه، وأن يتكلم ولكن ببطء. وأن يعرف أنه مصاب، وأن دعاء الوالدين هو سبب هذا الشفاء..

وكما كانت حياة هذا الابن معجزة طبية.. فإن تماثله للشفاء يعتبر معجزة سماوية!

ثم جدت مشكلة، وهى أن الابن له كلية واحدة، وأن هناك خوفا من الموت عليه. وأن هذا مؤكد. فتقدم الأب والأم وكلاهما يريد أن يعطي كليته للولد.. وهنا رفض الأطباء رفضا باتا؛ لأن الأب والأم كليهما له كليه واحدة!

وتشاء إرادة الله أن تتحسن حالة الكلية الوحيدة عند الابن.. ويرفع الأطباء أيديهم إلى السماء.. أما الأبوان فيحنيان الرأس ركوعا وسجودا للقادر على كل شيء.. ويكسب الأب والأم والابن قضية: أنه لا موت مع الأمل!

نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"