﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ (القمر : 33)

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل النصف الثاني من سورة "القمر"، وهي بسورة مكية، وآياتها خمس وخمسون (55) بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في مطلعها إلي معجزة انشقاق القمر التي أجراها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ على يدي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ شهادة له بالنبوة وبالرسالة في وجه عناد كفار ومشركي قريش الذين طالبوه بشق القمر إثباتاً لنبوته ، فأكرمه الله ـ تعالي ـ بتحقيق ذلك، فآمن منهم من أمن، وكفر من كفر.

ويدور المحور الرئيسي للسورة حول وصف جانب من أهوال البعث‏,‏ وعرض صور من عقاب المكذبين من قوم نبي الله نوح‏,‏ ومن قبيلتي عاد وثمود‏,‏ ومن قوم نبي الله لوط‏,‏ ومن آل فرعون‏,‏ مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للذكر‏(‏ أي‏:‏ للتدبر والاعتبار‏),‏ كما يسره للحفظ والفهم‏,‏ ولكن أكثر الناس لا يعتبرون بما جاء فيه من الأخبار والقصص‏,‏ والأحداث والعبر والمواعظ‏,‏ ومؤكدة كذلك أن الله ـ تعالي ـ قد خلق كل شيء بإحكام بالغ‏,‏ وتقدير دقيق‏,‏ وأن أمره ـ سبحانه وتعالي ـ لا يرد‏,‏ وهو فائق السرعة في النفاذ‏,‏ وأن جميع أعمال الخلق مدونة عنده‏,‏ وأنه سوف يحاسبهم عليها‏,‏ وسوف يجازي المجرمين من الكفار والمشركين بالخلود في نار جهنم‏,‏ كما يجازي المؤمنين المتقين بالخلود في جنات النعيم‏.‏
وتبدأ السورة الكريمة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ .وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ. وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ. حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ (القمر : 1 -5).
واقتربت الساعة أي‏:‏ دنت‏,‏ ونحن نعيش في كون يقدر عمره بحوالي أربعة عشر مليارا من السنين‏,‏ وعلي أرض يقدر عمر أقدم صخورها بحوالي خمسة مليارات من السنين‏,‏ وأقدم أثر للحياة علي سطحها بحوالي‏3.8‏ مليار من السنين‏,‏ وأقدم أثر للإنسان علي سطحها بحوالي مائة ألف سنة‏,‏ وقد بعث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ منذ حوالي ألف وأربعمائة وخمسين سنة‏,‏ ولذلك قال في خطبة خطب بها أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس تغرب فلم يبق فيها إلا سف يسير فقال ـ صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ "والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضي منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضي منه وما نري من الشمس إلا يسيرا" ‏(‏ أخرجه البزار من رواية لأنس بن مالك رضي الله عنه‏).‏
كذلك أخرج الإمام أحمد عن مسهل بن سعد أنه قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ "بعثت أنا والساعة هكذا‏,‏ وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي"‏.‏
وهذان الحديثان الشريفان وأمثالهما من أقوال هذا النبي الخاتم كثير‏,‏ وما فيهما من حق هو صورة من صور الإعجاز العلمي العديدة في أقواله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأقواله كلها حق لأنه موصوف في القرآن الكريم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عنه‏:‏ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (النجم : 3-5).

وجاء في كتب التفسير أن كفار مكة قالوا لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ـ وكان ذلك من قبيل التعجيز والتحدي بما تصوروه أمرا مستحيلا ـ ووعدوه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بالإيمان إن هو فعل ذلك‏,‏ وكانت ليلة بدر‏,‏ فسأل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ربه أن يحقق له ما طلبوا‏,‏ فانشق القمر نصفين‏:‏ نصف علي جبل الصفا‏,‏ ونصف علي جبل قيقعان المقابل له‏,‏ حتى رأوا جبل حراء بينهما‏,‏ فقال الكفار‏:‏ سحرنا محمد‏,‏ ثم قالوا‏:‏ إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم‏!!‏ فقال أبو جهل‏:‏ اصبروا حتى يأتينا أهل البوادي فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح‏,‏ وإلا فقد سحر محمد أعيننا‏,‏ فجاء أهل البوادي فشهدوا علي انشقاق القمر‏,‏ فقال أبو جهل ونفر من المشركين‏:‏ هذا سحر مستمر أي دائم‏,‏ وكذبوا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولم يكذبوا واقعة انشقاق القمر‏,‏ وإن أولوها بالسحر بدلا من التسليم بالحقيقة القائمة‏,‏ علي الرغم مما جاءهم من الأخبار عن مصائر المكذبين لرسل الله ـ تعالي ـ من الأمم السابقة عليهم‏,‏ وعلي الرغم مما سمعوا من القرآن من الحكم البالغة مبلغ النهاية من كمال الهداية وروعة البيان‏,‏ ولكن النذر ـ مهما بلغت ـ لا تحرك مشاعر الأشقياء من الكفار والمشركين الذين أصموا آذانهم عن الاستماع إلي الهداية الربانية‏.‏
وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي أمر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالإعراض عن هؤلاء المجرمين‏(‏ والأمر إليه هو أمر لجميع المؤمنين ببعثته الشريفة إلي يوم الدين‏)‏ وبإنذارهم بأهوال يوم البعث فتقول:﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ.خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ.مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾(القمر: 6-8).
و ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ أي‏:‏ ذليلة منكسرة أبصارهم لا يستطيعون رفعها من شدة الهول والرهبة والهلع‏,‏ وهم يخرجون من القبور‏:‏ حفاة‏,‏ عراة‏,‏ غرلا‏,‏ كالجراد حيث يخرج من شرانقه عاريا حائرا فزعا دون جهة محددة يقصدها‏,‏ ويخرجون من القبور وأعناقهم ممدودة إلي الداعي وهو الملك إسرافيل في غير تباطؤ أو تلكؤ‏.‏
ثم تنتقل الآيات إلي ذكر بعض صور العذاب الدنيوي الذي أصاب عددا من مكذبي الأمم السابقة‏,‏ الذين كذبوا رسل ربهم‏,‏ وقاوموهم‏,‏ وحاربوهم‏,‏ وسخروا منهم فأنزل الله ـ تعالي ـ بهم عقابه ـ علي تباين صور ذلك العقاب ـ ولعقاب الآخرة أشد وأنكي‏,‏ وبعد كل صورة من صور عقاب هؤلاء الكفار والمشركين يأتي التقرير الإلهي بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر﴾(القمر:40،32،22،17)
أي‏:‏ أن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للقراءة والحفظ‏,‏ كما يسره للتدبر والفهم‏,‏ وجعل الهداية الربانية فيه للخلق‏,‏ والدروس والعبر المساقة فيه لهم سهلة التناول والتدبر والاستيعاب‏.‏ وجاءت هذه الإشارة بعد استعراض عقاب كل من قوم نبي الله نوح‏,‏ وقبيلتي عاد وثمود‏,‏ وقوم نبي الله لوط‏.‏ أما في استعراض عذاب الكافرين من آل فرعون فقال ـ تعالي ـ‏:‏ ﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ. كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر 41، 42).
وبعد ذلك تتوجه الآيات بالخطاب إلي كفار ومشركي العرب مهددة ومتوعده بعذابي الدنيا والآخرة فتقول لهم ﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَائِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ. أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ (القمر : 43- 48).
وفي ذلك يقول الله ـ تعالي ـ هل كفاركم ومشركوكم ـ يا معشر العرب ـ وقد بعث فيكم خاتم الأنبياء ـ صلي الله عليه وسلم ـ فكذبته غالبية منكم‏,‏ وحاربت دعوته إلي الحق‏,‏ فهل هؤلاء المكذبون منكم خير ممن كذب رسلي من قبل فأحللت عليهم نقمتي‏,‏ وأنزلت بهم عذابي من أمثال الذين كفروا من أقوام أنبياء الله‏:‏ نوح وهود وصالح ولوط‏,‏ ومن آل فرعون؟ والسؤال هو من قبيل الاستفهام الإنكاري للتقريع والتوبيخ لكفار العرب‏!!‏ ومعناه النفي‏,‏ أي‏:‏ ليس كفاركم بأفضل ممن تقدمكم من كفار الأمم السابقة عليكم والذين رفضوا دعوة أنبياء الله‏,‏ وسخروا منهم واستهزؤوا بهم‏,‏ وقاوموهم ـ وقاتلوهم في عناد وتكبر بالغبن فأهلكهم الله ـ تعالي ـ بذنوبهم‏,‏ وكفار قريش لم تكن لهم براءة من العذاب في الكتب السماوية‏.‏
ولم ينفعهم جمعهم الكبير‏,‏ ولذلك توعدهم الله ـ تعالي ـ بالهزائم التي تحققت بعد ذلك في الغزوات من بدر إلي فتح مكة‏,‏ وليس ذلك تمام عقابهم‏,‏ بل الآخرة موعد عذابهم الحقيقي وهو أخطر وأشد‏,‏ وهؤلاء المجرمون من كفار قريش ـ وأمثالهم من الكفار والمشركين في كل عصر ـ سيعيشون حياتهم الدنيوية في تخبط وحيرة وارتباك‏,‏ وسوف يصلون في الآخرة نيران الجحيم المسعرة التي يسحبون فيها علي وجوههم إذلالا لهم‏,‏ وزيادة في عقابهم‏,‏ حيث يقول لهم خزنة جهنم‏,‏ ذوقوا عذابها جزاء كفركم في الدنيا‏,‏ وجزاء تكذيب أنبياء الله ورسله‏,‏ والصد عن دعوته‏.‏
وتختم سورة القمر بتأكيد دقة وإحكام الخلق الذي يعكس جانبا من صفات الخالق العظيم‏,‏ وتأكيد هلاك الكفار والمشركين من الأمم السابقة‏,‏ وجعل ذلك عبرة للمعتبرين‏,‏ والتأكيد علي أن أعمال الخلق مدونة عليهم‏,‏ وعلي أنهم مجزيون بها‏,‏ إن خيرا فخير‏,‏ وإن شرا فشر‏,‏ والتأكيد كذلك علي الخلود في جنات النعيم لعباد الله المؤمنين به وبملائكته وكتبه ورسله‏,‏ والمتقين لحدوده‏,‏ وذلك في مقام كريم‏,‏ عند رب جليل عظيم‏,‏ قادر علي كل شيء‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات في ختام سورة القمر‏:‏ ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ . إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر : 49 – 55).

من ركائز العقيدة في سورة القمر :
1‏ ـ الإيمان بدنو الآخرة وبحتميتها‏,‏ وأول أحداثها آخر ساعة من عمر الدنيا التي يبدأ النظام الكوني عندها في التهدم وما سوف يصاحب ذلك من أهوال الساعة‏,‏ ويلي ذلك انسحاق الكون في نقطة واحدة‏,‏ ثم تحركها إلي دخان تخلق منه أرض غير أرضنا‏(‏ التي سوف تحتوي بالكامل فيها‏)‏ وسماوات غير السماوات المحيطة بنا‏,‏ ثم يبعث الخلق‏,‏ ويحشرون للحساب والجزاء‏,‏ وأوله الخلود إما في الجنة أو في النار‏.‏
‏2‏ ـ التصديق بجميع المعجزات الحسية التي أيد الله ـ تعالي ـ بها أنبياءه‏,‏ ومنها انشقاق القمر كرامة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد حدث ذلك في مرتين منفصلتين كانت إحداهما وهو في مكة المكرمة والثانية في مني كما تروي لنا كتب السيرة‏.‏
‏3‏ ـ التسليم بضرورة دعوة الناس جميعا إلي دين الله الحق‏,‏ فإن أعرضوا وصدوا‏,‏ واستكبروا ورفضوا‏,‏ فإن المفاصلة بين أهل الإيمان من جهة‏,‏ وأهل الكفر والشرك والضلال من جهة أخري‏,‏ تصبح واجبة‏.‏
‏4‏ ـ اليقين بأن البشر جميعا سوف يبعثون من قبورهم عراة‏,‏ حفاة‏,‏ غرلا‏,‏ فزعين مرتبكين كالجراد المنتشر من شرانقه لا يدري له وجهة‏,‏ ولا يعرف له طريقا‏,‏ وهذا تعبير عن جانب من أهوال يوم البعث التي سوف يتعرض لها جميع المبعوثين إلا عباد الله الصالحين‏.‏
‏5‏ ـ التصديق بتفاصيل القصص القرآني عن الأمم السابقة‏,‏ وعن طرائق عقاب الله ـ تعالي ـ للمكذبين منهم‏,‏ والتصديق كذلك بأن عقاب الله ليس بعيدا عن الكفار والمشركين‏,‏ ولا عن المتطاولين المكذبين في كل عصر إلي يوم الدين‏.‏
‏6‏ ـ التسليم بأن أنبياء الله ورسله قوبلوا بالمعارضة والتكذيب‏,‏ وبالطعن والزجر‏,‏ وبالاستهزاء والرفض‏,‏ وبالمقاومة والقتل‏,‏ وبمختلف صور الاتهام من الجنون إلي السحر‏,‏ إلي الشعوذة والشعر‏,‏ والاختلاق والكذب‏,‏ وإلي غير ذلك مما نزههم الله ـ تعالي ـ عنه من الصفات التي لا تليق بأمثالهم‏.‏
‏7‏ ـ الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للقراءة والفهم‏,‏ وللتدبر والحفظ‏,‏ وللاتعاظ والاعتبار‏,‏ وتلقي الهداية والدرس‏.‏
‏8‏ ـ التصديق بأن أمر الله ـ تعالي ـ نافذ لا محالة‏,‏ لا يحتاج إلي تأكيد ولا إلي زمن‏:‏ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون‏,‏ ولذلك قال تعالي‏:‏ في سورة القمر‏:‏ ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾(‏ القمر‏:50).‏
‏9‏ ـ اليقين بأن أعمال الخلق ـ صغيرها وكبيرها ـ مدونة عند رب العالمين‏,‏ وعليها يكون الحساب والجزاء‏.‏
‏10‏ ـ التسليم بأن مصير المتقين من عباد الله ـ تعالي ـ هو الخلود في جنات النعيم‏,‏ والخلود فيها من أعظم مقامات التكريم‏,‏ بينما الكفار والمشركون والعصاة المجرمون المتنطعون من الخلق المكلفين سوف يسحبون علي وجوههم في النار‏,‏ وهو من أشد صور العقاب والإذلال لهم‏,‏ ويقول لهم خزنتها‏:‏ ذوقوا مس سقر‏.‏
‏11‏ ـ الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ هو‏(‏ المليك المقتدر‏)‏ الذي لا ينازعه أحد في ملكه‏,‏ ولا يشاركه أحد في سلطانه‏,‏ ولا يشبهه أحد من خلقه‏,‏ ولا يتوقف شيء عن أمره‏.‏

من الإشارات التاريخية والعلمية في سورة "القمر" :
1- الإشارة إلي قرب الآخرة باقتراب الساعة.
2- إثبات انشقاق القمر.
3- تدوين إدعاء الكفار والمشركين من قريش بأن انشقاق القمر كان سحرا مستمرا سحر أعينهم أو سحر القمر، وفي ذلك إثبات للواقعة التاريخية التى لم ينكروها ولكن أولوا تفسيرها حسب أهوائهم إنكارا لوقوع المعجزة.
4- تشبيه خروج الموتى من قبورهم عريا ساعة البعث بخروج حشرات الجراد كاملة من شرانقها التى تنشر فيها يرقاتها فيما يشبه القبر استعدادا للمرور بمرحلة العذراء (الحورية) أو الخادرة، وفي هذه المرحلة يعاد خلق الحشرة بأكملها التى تخرج عارية تماما وكانت عملية البعث لبني آدم حيث تذاب اليرقة ذوبانا كاملا ثم يكون بعثها بعد أسبوعين إلي ثلاثة أسابيع على هيئة الحشرة الكاملة التى تختلف اختلافا تاما عن اليرقة التى جاءت منها ـ وكذلك بعث الأموات من قبورهم في أواسط أعمارهم، كل من عجب ذنبه.
5- الإعجاز التاريخي في وصف عقاب خمسة من كفار ومشركي الأمم السابقة هم قوم نوح، قبيلتا عاد وثمود، قوم لوط، وآل فرعون، وذلك بدقة بالغة، بدأت الكشوف الآثارية في إثباتها.
6- التأكيد على إغراق قوم نوج بماء عذب هو ماء كل من المطر وعيون الأرض، والتأكيد على حتمية اكتشاف سفينة نوح وقد تم ذلك منذ سنوات قليلة، وهو من الإعجاز التاريخي والعلمي، والإنبائي :" وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 15).
7- الإشارة إلي تيسير القرآن للذكر، وهو ما أثبتته الدراسات القرآنية واللغوية.
8- الإعجاز الإنبائي بالأخبار عن هزيمة كفار ومشركي العرب ـ على الرغم من كثرتهم ـ أمام جيوش المسلمين، وقد تحقق ذلك بعد نزول هذه الآيات بعدد من السنين.
9- التأكيد على خلق كل شئ بقدر أي بتقدير محكم دقيق.
وكل قضية من هذه القضايا يحتاج إلي معالجة خاصة بها، ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم أن شاء الله ـ تعالي ـ إلي جزء من النقطة الخامسة بعرض لعقاب قوم بني الله لوط ـ عليه السلام ـ وما جاء في قصتهم من إعجاز تاريخي وعلمي.


هذا وقد سبق لنا استعراض سورة القمر وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات العلمية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي جوانب الإعجاز العلمي والتاريخي في قصة نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ مع قومه كما جاءت في القرآن الكريم‏.‏
جاء ذكر نبي الله لوط ـ عليه السلام وقومه في القرآن الكريم‏(28)‏ مرة في سور الأنعام‏,‏ الأعراف‏,‏ هود الحجر‏,‏ الأنبياء‏,‏ الحج‏,‏ الشعراء‏,‏ النمل‏,‏ العنكبوت‏,‏ الصافات‏,‏ ق‏,‏ الذاريات‏,‏ القمر‏,‏ والتحريم‏.‏
ويروي لنا القرآن الكريم أن نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ آمن مع عمه أبو الأنبياء إبراهيم ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ وهاجر معه إلي أرض فلسطين‏,‏ لأن الله ـ تعالي ـ كان قد بعثه إلي أهل سدوم وعامورة وما حولهما من القرى التي عرفت فيما بعد باسم قري قوم لوط وتقع في واد يكون الحدود الجنوبية للبحر الميت‏,‏ وكان أهل تلك القرى قد ساءت أخلاقهم وسلوكياتهم إلي مستوي من التدني غير المسبوق في تاريخ الإنسانية فقد كانوا من أفجر الناس‏,‏ وأكفرهم بالله‏,‏ وأسوئهم طوية‏,‏ وأردأهم سريرة‏,‏ وسلوكا‏,‏ وسيرة‏.‏ كانوا يقطعون الطريق ويأتون في ناديهم المنكر‏,‏ ولا يتناهون عن منكر فعلوه‏,‏ وكانوا قد ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من الخلق‏,‏ وهي المماثلة في العلاقات الجنسية التي لم يقترفها إنسان من قبل‏,‏ ولم يتدن إليها أي من الحيوانات حتى اليوم‏,‏ وإلي قيام الساعة‏,‏ وجاءهم نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ يدعوهم إلي الإيمان بالله ـ تعالي ـ وحده‏,‏ وبالتطهر من أرجاس سلوكياتهم المنحطة‏,‏ وينهاهم عن الفواحش‏,‏ والمنكرات‏,‏ والقبائح التي كانوا قد ابتدعوها‏,‏ و المآثم التي كانوا قد وقعوا فيها‏,‏ والجرائم التي كانوا قد اقترفوها‏,‏ والمحارم التي كانوا قد تعدوا عليها‏..,‏ فلم يستمعوا لنصحه‏,‏ ولم يستجيبوا لدعوته‏,‏ بل هموا بإخراجه من قراهم ونفيه بعيدا عنها‏,‏ فأخرجه الله ـ تعالي ـ من بين أظهرهم سالما هو وبعض أهله‏,‏ وأهلك قومه الكفرة الفجرة‏,‏ والسفهاء الأغبياء والمفسدين في الأرض‏,‏ وأذلهم إذلال الصاغرين المهانين وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه‏:‏

(1) ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ. وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأعراف: 80 – 84).

(2) ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ. وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ. قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ. قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ (هود : 77 – 83).

(3) ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ. فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ. قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ. وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ. وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ. وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ. قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ. قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ. قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الحجر: 57 – 77).

(4) ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (الأنبياء : 74- 75).

(5) ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَمَا أَسَأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ. قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ. قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ. رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ. فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ. ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الشعراء: 160 – 175).

(6) ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ (النمل: 54 – 58).

(7) ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ. وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ. قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (العنكبوت: 28 – 35).

(8) ﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ. ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الصافآت: 133 – 138).

(9) ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ. فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ (الذاريات: 31 – 37).

(10) ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ. وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ. فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 33 – 40).

وجاء في الأثر أن جبريل ـ عليه السلام ـ خرج علي قوم لوط‏,‏ فضرب وجوههم بطرف جناحه فطمست أعينهم فرجعوا يتحسسون الطريق مع حيطان المباني‏,‏ ويتوعدون نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ بالويل والثبور وبعظائم الأمور‏.‏
من جوانب الإعجاز التاريخي والعلمي في رواية القرآن الكريم لقصة نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ مع قومه:
أولا: من الإعجاز التاريخي للرواية القرآنية:

(1) جاء القرآن الكريم بقدر هائل من الدقة الفائقة التي عرض بها الجانب التاريخي للقصة‏,‏ وكان قد انقضي علي وقوعها أكثر من ألفي سنة قبل ميلاد رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وورودها في القرآن الكريم بهذه التفاصيل الدقيقة هو من المعجزات التاريخية في كتاب الله‏,‏ وإن قال قائل بأن القصة لها ذكر في كتب الأولين فهذا تأكيد علي وحدة رسالة السماء‏.‏
ثانيا‏:‏ من الإعجاز العلمي في الرواية القرآنية‏:
أـ استنكار المماثلة في العلاقات الجنسية وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عنها وانحطاط بالإنسان إلي مادون الحيوانية‏,‏ وقد أثبت التاريخ أن قوم لوط كانوا أول من ابتدع هذا الانحراف عن الفطرة السوية وأثبتت دراسات الطب والطب النفسي خطورته الصحية والنفسية علي كل من الفرد‏,‏ والأسرة‏,‏ والمجتمع‏,‏ ولذلك روي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏(‏ الترمذي‏;‏ وأبو داود‏).‏
ب ـ أثبتت دراسات علوم الأرض أن طبقات الصخور في منطقة جنوب البحر الميت مقلوبة رأسا علي عقب حسب ماجاء في النص القرآني الذي يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ (هود : 82، 83).

جـ ـ جاء في سورة العنكبوت النص التالي‏:(‏ ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون‏)(‏ العنكبوت‏:35)‏ وجاء في سورة الذاريات قول ربنا ـ تبارك وتعالي‏:‏ وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم‏(‏ الذاريات‏:37‏ ومنطقة قري قوم لوط مليئة بالآثار الدالة علي ما وقع بهؤلاء الكافرين من العذاب الذي أنزله عليهم رب العالمين‏.‏
من هنا جاء التأكيد القرآني بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ كذبت قوم لوط بالنذر‏(‏ القمر‏:33)‏ وفيه من الحق مايلي‏:‏
‏1‏ـ التأكيد التاريخي للواقعة‏,‏ وكان قد انقضي علي وقوعها أكثر من ألفي عام قبل ميلاد المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم‏.‏
‏2‏ ـ إثبات تدمير قري قوم لوط بجعل عاليها سافلها‏.‏
‏3‏ـ تحريم عملية المماثلة في العلاقات الجنسية تحريما قاطعا لأضرارها الصحية والنفسية علي الناس أفرادا ومجتمعات مما حدا بعدد من أئمة المسلمين من أمثال الشافعي وأحمد بن حنبل إلي الحكم بقتل الشاذ جنسيا استنادا إلي مارواه ابن عباس ـ عليهما رضوان الله ـ ان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏.(‏ أخرجه كل من الإمامين أبو داود‏/4462‏ والترمذي‏/1416).‏
ولايمكن الحد من فوضي الشذوذ الجنسي الذي يجتاح عالم اليوم إلا بتطبيق هذا الحد‏,‏ بعد أن استمرأ كثير من الشواذ هذا السلوك المهدر لإنسانية وكرامة الإنسان‏,‏ وبدأت أعداد من الحكومات في التشريع له‏,‏ والدفاع عنه‏,‏ والتشجيع عليه بدعوي باطلة بأنه أمر وراثي‏,‏ وينفي ذلك نفيا قاطعا أن قوم لوط كانوا هم أول من ابتدعوه‏,‏ وأن البشرية عاشت من قبلهم آلافا من السنين دون الوقوع في هذه الفاحشة الشنعاء‏.‏
فالحمد لله علي نعمة القرآن الكريم‏,‏ والحمد لله علي نعمة الإسلام العظيم‏,‏ والحمد لله علي بعثة إمام الأنبياء والمرسلين‏,‏ وخاتمهم أجمعين‏,‏ سيدنا محمد بن عبدالله‏,‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن اتبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏