* هل تنبأ دانيال النبي بصلب المسيح ؟!

(( حسبة مفبركة للقس عوض سمعان ! ))



يقول القس عوض سمعان : ( وقال الملاك جبرائيل لدانيال النبي الذي عاش قبل المسيح بخمسمئة وخمسين سنة : " فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها (الذي حدث في عهد أرتحشتا الملك كما في نحميا 2 : 1-8 ) إلى المسيح الرئيس ( في مجيئه الأول ) سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا ( الأسبوع هنا هو أسبوع سنين كما في حزقيال 4 : 5 أي 49 + 434 = 483 سنة ) يُقطع المسيح المسيح (أي يُرفض ويُقتل) وليس له " , ( أي ليس له الملك الذي يحق له ) ( دانيال 9: 25-26 ) . ) .

ثم يستطرد القس موضحًا ذلك الخلط التاريخي قائلاً : ( أثبت عظماء المؤرخين صدق التاريخ الذي حددته نبوة دانيال لموت المسيح فقد أجمعوا على أن صدور أمر أرتحشتا لتجديد أورشليم كان سنة 455 ق.م وبذلك يكون الباقي بعد خصم هذا التاريخ من 69 أسبوعًا ( أي 483 سنة ) , هو ما يعادل 28 سنة بعد الميلاد بالنسبة لتاريخ روما , وبعد إضافة سنة الفرق بين التاريخين القديم والحديث ( الذي رأى العلماء وجوب إضافته لضبط التواريخ ) يكون الناتج 29 سنة ميلادية . وهذه هى السنة التي صلب المسيح فيها. لأن المؤرخين القدامى قدَّروا تاريخ ميلاد المسيح بما اكتُشف فيما بعد أنه يوافق سنة 4 ق.م , وذلك عندما قورن بتاريخ روما الذي كان يسود العالم وقتئذ . وبإضافة 29 إلى أربعة يكون الناتج 33 , وهى السن التي صُلب المسيح فيها ) ( قضية صلب المسيح ص53 , 56 ) .

لقد احتكم القس إلى التاريخ , الذي لا يصح الإحتكام إليه لإثبات أي عقيدة نصرانية , وذلك لتخبط النصرانية مع التاريخ جملة وتفصيلاً , وسوف نبين ذلك من خلال ما زعمه القس عوض سمعان :

1- يعد سفر دانيال من أهم أسفار العهد القديم لاحتوائه على العديد من التنبوءات والإشارات المستقبلية كما يزعم النصارى , وكاتب هذا السفر مجهول , عبر عنه علماء الكتاب المقدس بإسم " الكاتب " , وتاريخ تدوينه يحدده العلماء فيما بين أوائل سنة 163 ق.م وسنة 164 ق.م .( الترجمة الكاثوليكية- مدخل إلى سفر دانيال ص 1853, 1854 ) .
وقد وضع علماء آخرون تاريخ تدوينه في عام 535 ق.م تقريبًا . ( التفسير التطبيقي ص 1674 ) .
أي أن الفارق حوالي 370 سنة فقط , فهذا هو التاريخ الذي يستدل به القس !

2- زعم القس أن الأمر لتجديد أورشليم وبنائها صدر في عهد أرتحشتا الملك , وهذا كذب صريح , لأن أول أمر صدر بتجديد أورشليم وبنائها بعد شتات بني إسرائيل على يد بختنصر , كان على يد كورش ملك فارس كما جاء في الكتاب المقدس : " وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضًا قائلاً : هكذا قال كورش ملك فارس جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا . من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل هو الإله الذي في أورشليم . وكل من بقي في أحد الأماكن حيث هو متغرب فلينجده أهل مكانه بفضة وبذهب وبأمتعة وببهائم مع التبرع لبيت الرب الذي في أورشليم " ( عزرا 1 : 1-4 ) .

وقد أكد هذا أحد أهم المصادر التاريخية عند اليهود والنصارى , وهو يوسيفوس المؤرخ اليهودي الكبير , إذ يقول : " فلما كان في السنة الأولى لملك كورش أمر بإحضار شيوخ الجالية ومقدميهم فأخبرهم بما كان قد نذر من بناء أورشليم وإطلاق جالية بني إسرائيل , وقال لهم : من أختار من جميع جالية اليهود أن يمضي إلى مدينة أورشليم لبناء الهيكل الذي خربه بختنصر فليمض ويستعن بالله فإنه يعينه , وأنا كورش عبد الإله العظيم أقدم جميع ما يحتاج إليه لعمارة بيت الله الذي ظفرني بالكلدانيين وأعطاني ملكهم " ( تاريخ اليهود ليوسيفوس ص 14 ) .

فهذه هى أول كذبة للقس عوض سمعان , وذلك حين ادعى أن أرتحشتا هو صاحب القرار ببناء أورشليم , فارتحشتا الأول ملك فارس ( 465-424 ق.م ) كان أحد الملوك الذين أخذوا في تكملة البناء لكنه لم يكن أبدًا صاحب القرار ببناء أورشليم . فلقد جاء في الكتاب المقدس (نحميا 2 : 1- 18 ) أن نحميا النبي طلب من أرتحشتا الأول أن يرسله إلى يهوذا لكي يُعيد بناء مقابر آبائه , ويبني الأسوار الخارجية والأبواب لمدينة أورشليم .

وبناء الأسوار لم يكن أرتحشتا أول البادئين به أو حتى صاحب القرار , بل : " ظهر الإهتمام بإعادة بناء أسوار أورشليم في أثناء الجلاء ( إشعيا 54/11-12) وبعده ( إشعيا 60/ 10-17) وزكريا 2/5 ت ) . من الراجح أن البادرة يرقى عهدها إلى أيام أحشورش ( عزرا 4/6 ) وهى أمر ثابت في عهد أرتحشتا ( عزرا 4/12-13و16 ) " (الترجمة الكاثوليكية ص 854 ) .

3- تذكر المصادر النصرانية أن مدة حكم كورش كانت ما بين (559-530 ق.م) وقد استولى الفرس على بابل بقيادة كورش في عام 539 ق.م فتكون السنة الأولى التي صدر فيها الأمر ببناء أورشليم وتجديدها إبتداءً بالهيكل كان في عام 538 ق.م وليس في عام 455 ق.م كما زعم القس , ففي عام 536 ق.م قاد زربابل – أحد قادة اليهود - الشعب لبناء أورشليم إبتداءً ببناء المذبح ووضع أساس الهيكل ( انظر التفسير التطبيقي ص 990-991 , والترجمة الكاثوليكية ص 838, وهامش الترجمة العربية المشتركة ص 571).

وقد أكد ذلك المعلقون على الترجمة الكاثوليكية : " وأما الأجل المذكور فهو إعادة بناء أورشليم وعودة الأسرى , ويتم كل ذلك بحسب 2 أخ 36/22-23 . بالمرسوم الذي أصدره قورش في 538 ق.م " ( الترجمة الكاثوليكية ص 1880 ) .
والقس قد زعم أن صدور أمر أرتحشتا لتجديد أورشليم كان سنة 455 ق.م , وهذا كذب صريح أيضًا , لأن نحميا لما ذهب إلى أورشليم لبناء الأسوار والأبواب وجد المدينة بالفعل مكتملة وينقصها الأسوار والأبواب فقط للحماية . وقد كان ذلك في نفس العام الذي يزعم القس أنه كان عام صدور القرار ببناء أورشليم وتجديدها ( 455 ق.م ) !
يقول علماء الكتاب المقدس : " ... وها هو نحميا على استعداد لقيادة المجموعة الثالثة الكبرى في العودة إلى أورشليم ( 445ق.م ) . وعند وصوله بعد رحلة إستغرقت ثلاثة أشهر , رأى الهيكل وقد تم بناءه , وتعرف بالآخرين الذي كانوا قد عادوا إلى موطنهم . ولكن نحميا وجد جماعة غير منظمة من الشعب ومدينة بلا دفاعات ولا أسوار لحمايتها .... وحالما وصل نحميا , شرع في برنامج " العودة إلى الأساسيات " , فاهتم بحاجات الشعب المادية بإقامة نظام عادل للحكومة , وإعادة بناء أسوار أورشليم " ( التفسير التطبيقي ص 1019 ) .

4- نستعرض الأن أقوال علماء الكتاب المقدس في تفسيرهم لنبوءة دانيال التي يستدل بها القس عوض سمعان وهى : " فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون اسبوعًا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين اسبوعا يُقطَع المسيح وليس له , وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قُضي بها " ( دانيال 9 : 25-26 ) .

يقول صفوة مختارة من علماء الكتاب المقدس : " ثار كثير من الجدل حول الأعداد والأزمنة والأحداث في هذين العددين , وهناك ثلاث وجهات نظر أساسية :
(1) تحققت النبوة في الماضي عندما انتهك أنتيوخس أبيفانيوس الرابع حرمة الهيكل سنة 168-167ق.م ( انظر دانيال 11 : 31 ) . (2) تحققت في الماضي عندما دمر القائد الروماني تيطوس الهيكل سنة 70 ميلادية وقُتل مليون يهودي . (3) سوف تتحقق في المستقبل عندما يأتي ضد المسيح ( انظر مت 24 : 15 ) " ( التفسير التطبيقي ص 1706 ).
وبعد هذا الطرح الأمين لتفسير النبوءة , فلم يزعموا ما زعمه القس عوض سمعان , رجح المحققون من علماء الكتاب المقدس الرأي الأول :
يقول المفسرون في تعليقهم على قول الكاتب " المسيح الرئيس " ما نصه : " لم يتفق أقدم آباء الكنيسة على هوية هذا الرئيس المسيح , ولا على إثبات أن الآية 26 تقصد موت يسوع ... يمكن القول بأن هذا المسيح هو عظيم الكهنة أونيَّا الثالث ( راجع 2ملوك 4/30-38 ) الذي عزله وقتله رجال أنطيوخس أبيفانيوس في حوالي السنة 175ق.م , وقد يكون أيضًا رئيس العهد الوارد ذكره في 11/22 – وهو أونيَّا الثالث أيضًا - " (الترجمة الكاثوليكية ص1880 , 1884 ) .

ويقول صفوة مختارة من علماء كتابيـين ولاهوتيـين ينتمون إلى مختلف الكنائس المسيحية من كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية في تعليقهم على قول الكاتب " المسيح الرئيس " أو " المختار الذي مسحته " كما جاء في ترجمة أخرى :
( المختار الذي مسحته هو الكاهن الأعظم أونيَّا الثالث الذي قُتل سنة 117 ق.م ) , وفي تعليقهم على الرئيس الذي سيقتل " المسيح الرئيس " وسيخرب المدينة والقدس , يقولون عنه أنه : ( أنطيوخس أبيفانيوس راجع 7 : 25ح . وجاء تفسير متأخر فاعتبر ذلك القائد تيطس الروماني الذي دمر أورشليم سنة 70 ب م ) .

إلا أنهم ينفون ذلك فيقولون عن هذا الرئيس أنه : ( يخرب المدينة والمقدس : إشارة إلى احتلال أورشليم ونهاية العبادة في الهيكل سنة 167 ق.م – وهو أنطيوخس كما نقلنا سلفًا - ) ( الترجمة العربية المشتركة ص 1118 ) .

فانظر أخي الحبيب , لقد وضعوا تاريخين مختلفين لحادثة واحدة , فزعموا مرة أن أونيَّا الثالث " المسيح الرئيس " قُتل في عام 175ق.م على يد أنطيوخس أبيفانيوس , ومرة في عام 117ق.م ولم يذكروا اسم القاتل !
لكنهم اتفقوا على أن " المسيح الرئيس " هو أونيَّا الثالث وليس يسوع , واتفقوا على أن الرئيس المخرب للمدينة والقدس هو أنيطوخس أبيفانيوس في عام 167 ق.م على الراجح عندهم !

فإذا كانوا قد اتفقوا على ذلك يكون ما ذهب إليه القس عوض سمعان ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة , وأن – الحسبة المفبركة – التي عرضها علينا لا يُقام عليها دليل , خاصة بعد أن بَيَّـنا أن الأمر بصدور قرار إعادة بناء أورشليم وتجديدها كان في عام 538ق.م وليس كما زعم القس عام 455ق.م .

5- أما ما زعمه القس عوض سمعان من أن تأويل الأسابيع ( سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا ) وأنها تعادل 483 سنة لأن اليوم يكافيء سنة كما في حزقيال 4 : 5 , فهو أمر فيه جدل كبير بين علماء الكتاب المقدس , ولذلك قال المحققون منهم :
" عبثًا حاول بعضهم أن يفسر هذه الأرقام تفسيرًا دقيقًا " (الترجمة الكاثوليكية ص 1781 ) .

وإذا عدنا إلى الفقرة التي هى أصل القياس وهى حزقيال 4 : 5 , نجد الآتي : ( وأنا قد جعلت - لك - سني إثمهم حسب عدد الأيام ثلاث مئة يوم وتسعين يومًا فتحمل إثم بيت إسرائيل ) ( الفانديك ) , ( أما عدد الأيام فقد جعلتها - لك - بعدد السنين التي ارتكبوا الإثم فيها وهو ثلاث مئة وتسعون يومًا , فتحمل فيها إثم بيت إسرائيل ) ( الترجمة العربية المشتركة ) , وكما يظهر من الفقرة نجد أن الأمر خاص بحزقيال فقط , فلا يمكن القياس عليه .

6- زعم القس عوض سمعان أن المسيح عليه السلام ولد فيما يوافق السنة الرابعة قبل الميلاد , وذلك لإثبات حسبته – المفبركة – ليس إلا , إذ أن تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام به تضارب واسع الجدل بين علماء التاريخ عند النصارى , ويلخص لنا هذا التضارب القمص مرقس داود في تعليقه على تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري , إذ يقول : " يفترض يوسابيوس هنا أن حكم أوغسطس بدأ بموت يوليوس قيصر كما يقرر يوسيفوس في فصل 9 : 1 من هذا الكتاب , لذا فهو يحدد ( أي يوسابيوس ) تاريخ ميلاد المسيح في سنة 752 لبناء رومة ( أي سنة 2 ق.م ) وهذا يتفق مع ما أقره أكلمنضس الإسكندري الذي قال بأن المسيح ولد بعد غزو مصر بثمانية وعشرين سنة , ومع أبيفانيوس أيضًا , أما إيريناوس وترتليانوس فيقرر بأن المسيح ولد في سنة 751 لبناء رومة ( أي سنة 3 ق.م ) . وعلى كل حال , فقد كثر النزاع حول تحديد تاريخ ميلاد المسيح , ولكنه لا بد أن يكون قبل موت هيرودس الذي حدث في ربيع سنة 750 لبناء رومة (أي سنة 4 ق.م ) ويرجح البعض أنه ولد سنة 7 ق.م ويحدد بعض مؤرخي الكنيسة القبطية يوم الميلاد بأنه تم في يوم 25 كانون الأول ( ديسمبر ) الموافق 28 كيهك ( الخريدة النفيسة ص 16 ) " ( تاريخ الكنيسة ليوسابيوس ص 24 ) .




نقلاً عن كتاب : " وما قتلوه وما صلبوه ! " للمهندس / محمود سعد مهران ص 30-36 .