بسم الله الرحمن الرحيم


قوله تعالى: (( قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ 43 فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّالَنَحْنُ الْغَالِبُونَ 44 فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَايَأْفِكُونَ 45 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ 46 قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 47 رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ 48)). سورة الشعراء.


يروي القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى عليه السلام أنه رضي الله عنه حين قال للسحرة ( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) - سورة طه - جاءه سيدناجبريل، وقال له ( يا موسى ترفق بأولياء الله )، فرد سيدنا موسى قائلًا: ( هؤلاء أعداء الله! )، فقال: ( يا موسى ترفق بأولياء الله )، فأعادها عليه السلام: ( هؤلاء أعداء الله. )، فكرر سيدنا جبريل: (يا موسى ترفق بأولياء الله، هم عندكم الآن من الضحى إلى العصر، ثم بعد ذلك في الجنة ). سبحان الله.


أهؤلاء من جاءوا ليحاربوا الدعوة مقابل ( أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين - 41 - ) سورة الشعراء. بعد قليل سيصبحون من الأولياء؟! سبحانك من خالق.


و قوله تعالى: ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ 46 قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 47 رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ 48 )


تخيل معي، أخي القارئ، حال فرعون:


في مرحلة التحدي:


قال تعالى على لسان فرعون: ( فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) سورة طه.


و يقبل سيدنا موسى عليه السلام التحدي:


( قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ) سورة طه.


يوم الزينة: يوم الاحتفال ( مهرجان و نحوه ).


أن يحشر الناس ضحى: أن يتم اجتماع الناس وقت الضحى لمشاهدة التحدي.


يا لها من فرصة !


الاستعداد ليوم التحدي:


قال تعالى: ( قالُوا أرْجِهِ وَ أخَاهُ وَ ابْعَث في المَدَائنٍ حَاشِرينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيم ) سورة الشعراء آية 37 .


عَنِ ابن عباس رضي الله عنه قال: قوله تعالى: " يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ "، قَالَ: فَحُشِرَ لَهُ كُلُّ سَحَّارٍ مُتَعَالِمٍ " . حديث موقوف، تفسير ابن أبي حاتم.


و جاء الرد الإلهي على خوف سيدنا موسى ( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى).


النتيجة:


قوله تعالى: ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ )


جاء في تفسير ابن كثير: فَكَانَ هَذَا أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا وَبُرْهَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ وَحُجَّة دَامِغَة وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَنْصَرَ بِهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوا، غُلِبُوا وَخَضَعُوا وَآمَنُوا بِمُوسَى فِي السَّاعَة الرَّاهِنَة وَسَجَدُوا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُون بِالْحَقِّ وَبِالْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَة. فَغُلِبَ فِرْعَوْن غَلَبًا لَمْ يُشَاهِد الْعَالَم مِثْله.


فالسحرة اختاروا الحق وسجدوا، تمامًا كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب الذي أسلم بعدما سمع سورة طه من أخته، فبكى، وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم معلنًا إسلامه، ناطقًا بالشهادة لأنه يعشق الحق. ففي القلب ما يكفي ليشعل شرارة الإيمان، فسيدنا عمر والسحرة نفسيةٌ واحدةٌ محبة للحق، فنفس السورة التي تروي أحداث إسلام السحرة يسلم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما يسمعها.


فانظر إلى أثر رحمة الله حين تصادف قلوبا مومنة.


لقد جاء السحرة بادئ الرأي ليحاربوا دعوة الله، ويجتهدوا في ذلك ما استطاعوا، لكن شاءت الإرادة الربانية أن تجعل منهم أولياء لله بلغوا في ثوان مبلغا عظيما حين قالوا: ( لن نوثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا. فاقض ما أنت قاض. إنما تقضي هذه الحياة الدنيا... ) الآية من سورة طه. فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان » . رواه أبو داود .


وعن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا ً. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله » . رواه الطبراني.


و انظر حفظك الله لقولهم: (فاقض ما أنت قاض ) و قارنه مع قولهم الأول: ( أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين - 41 - ) سورة الشعراء. فسبحان مبدل أحوال العباد من أعداء لله إلى أولياء لله.


اللهم استخلصنا إليك أولياء. و احشرنا إليك غيرمبدلين و لامغيرين. آمين.


و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين