بسم الله الرحمن الرحيم
نال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين شرف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته والتتلمذ على يديه، فكان لهم النصيب الأوفر والأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم ولم يدركهم مَن بعدهم. بتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح قرنهم خير القرون وصار عصرهم عصر سعادة للبشرية حقاً. لأنه صلى الله عليه وسلم قد حوّل في زمن يسير بالنور الذي أتى به قوماً غارقين في أشد أمية، وأعرق بداوة حوّلهم إلى أساتذة العالم وسادته.

عن جانب من جوانب ذلك التعظيم يصف لنا الأستاذ عبد السلام ياسين موقفا رقيقا لطود الأمة الإسلامية سيدنا أبو بكر رضي الله عنه حين اختارته الجموع ليكون "أجيرها" على حد تعبير أبي مسلم الخَوْلاني رحمه الله فيقول الأستاذ عبد السلام ياسين : "عندما بايع الصحابة رضوان الله عليهم سيدنا أبا بكر الصديق بعدَ عهدهم بالنبوة ومكانتها الشامخة تضاءل رجل الإسلام العظيم عند نفسه تعظيما لمقام النبوة والرسالة فلَم يرق المنبر النبويَّ إلا درجة تحت مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخطب فكان مما قال: "يأيها الناس، ولودِدْتُ أنّ هذا كفانِيهِ غيري. ولئِن أخذتُموني بسُنَّة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما أُطيقُها: إنْ كانَ لَمعصوماً من الشيطان، وإن كان لَينزل عليه الوحيُ من السماء". رواه الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه." [1]

كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن يستدل عليه، وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فلما رجع إلى قريش قال: "أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيت ملِكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحابُ محمدٍ محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون النظر إليه تعظيما له" [2].

وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه." [3]

ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة رضي الله عنها في المدينة، ودخل عليها بيتها، ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فطوته، فقال: يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني؟ فقالت: "هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه." [4]

ومن شدة حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه، قال أنس بن مالك: "إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافر" [5].

ولما نزل قول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ ، قال ابن الزبير: "فما كان عمر يُسمِع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه" ، وكان ثابت بن قيس جهوري الصوت يرفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فجلس في بيته منكسا رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك، حتى بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة





[1] العدل الإسلاميون والحكم، الفصل الثاني، ص.81-82، مطبوعات الأفق، ط.1، 1420هـ/2000م.

[2] رواه البخاري، كتاب الشروط 3/178.

[3] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، ح/121.

[4] رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي والسامع، 2/67.

[5] رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/1217-1219.