بسم الله الرحمن الرحيم

ماهي النصائح لمعاملة المسلم الجديد لأهله وأصحابه بعد إسلامه، حيث أننا نعاني أحيانا من سوء تعامل من يدخل الإسلام مع أهله بدل أن يحسن إليهم ويدعوهم للإسلام؟

ان الواقع المعيشي للمسلمين الجدد غالبا ما يكون إحدى ثلاث:

1- إما بقاء المسلم الجديد على حياته العادية والطبيعية مع أهله، بحيث يشاركهم حياتهم بما فيها من محرمات كالاختلاط الماجن في الحفلات والأعياد، والتبرج الفاضح والانغماس في الشهوات دون ضوابط الإسلام التي نادى بها ودعا إليها.

2- وإما الرفض الكامل لكل ما يجمعه بهؤلاء، ضاربا بعرض الحائط حسن معاملتهم ومعاشرتهم ووجوب دعوتهم لدينه التي دعانا إليها الإسلام. ناهيك عن الجلافة والقسوة معهم، وقد يصل الأمر لمفارقتهم ومعاداتهم أحيانا.

3- وإما تراه يحسن معاملتهم، ولكن لا يفكر بدعوتهم ولا بتعريفهم بالإسلام، إما لظنه أنهم سيرفضون، وإما لوسوسة الشيطان له بأنه أدّى ما عليه خير الأداء بدخوله الإسلام، وهذا يكفي ولا يعنيه غيره.

4- وإما يحسن التعامل معهم، ويحاول جاهدا تصيد الفرص لدعوتهم، بل ويحمل هم كيفية توصيل معاني الإسلام لهم، ويستشعر مسئوليته في ذلك. وهذا ما نريد.

ومن الواجب هنا أن أذكر بضرورة توعية المسلمين الجدد بالتدرج المنهجي بما يتوجب عليهم فعله بعد الإسلام، خاصة في الأمور التي اعتادوها، أو يصعب مواجهة المجتمع بها.

مع التأكيد أن الصعوبات التي يلاقيها واجهها قبله الأنبياء بما فيهم محمد عليه الصلاة والسلام، وما عليه إلا أن يصبر ويحتسب. ويمكننا كذلك سرد بعض قصص الصحابة وما لاقوه بعد إسلامهم كمصعب بن عمير وعمار بن ياسر وخباب بن الأرتّ وغيرهم الكثير.

ومن هنا ننطلق لوضع منهجية واضحة المعالم في التعامل مع الأهل والمعارف بعد الإسلام، والتي أرى أن أهمها هو:

1- اللجوء إلى الله بالدعاء والتضرع أن يشرح صدر أهلي وأحبابي ومعارفي للإسلام، والمداومة على ذلك ما داموا ودمت على قيد الحياة.

2- الثبات على ديني واعتزازي به دون أن أقع في استفزازهم أو السخرية بهم؛ لأن هذا أدب رباني علمنا إياه خالقنا، وحتى أتجنب كذلك إساءتهم للإسلام (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

3- السعي الحثيث للتعرف على الإسلام وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكيف بدأ يدعو الناس، وما لاقاه وصحابته من أذى مادي ومعنوي تجاه ذلك، وكيف صبر وثبت حتى بلّغ الدين للناس، وحتى دخل في الإسلام الكثير ممّن حفظوا الإسلام وذادوا عنه وأوصلوه بأمانة لمن بعدهم إلى يومنا هذا.

4- ضرورة دراسة النظام الأخلاقي في الإسلام للتعرف على السلوكيات اللازمة في التعامل مع الناس عامه، ومع غير المسلمين خاصة.

وهذا الأمر أعتبره من أهم مفاتيح القلوب التي تشرح صدر الناس والأهل والأصحاب والزملاء للإسلام. (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

5- ضرورة دراسة الأمور الفقهية اللازمة لأداء العبادات على الشكل الصحيح، مع التركيز كذلك على الأحكام الخاصة بالتعامل مع غير المسلمين. وهذا لحدوث الكثير من الأخطاء عندما نقسو على أهلينا، ظنا منا بوجود حرمة في التعامل معهم في بعض الأمور بينما يكون الإسلام أجازها لنا.

6- الرفق واللين في التعامل من أوسع أبواب تقريب المدعوين للإسلام، خاصة من تعتاد ملاقاتهم أو تعيش معهم، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه، وقيل في الحكمة: " ما كان الرفق في شــيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه".

ومن المعلوم أننا ندرك قيمة الرفق حتى في دعوة الجاحدين والقساة، ولنا في موسى وهارون عليهما السلام خير مثال عندما أمرهما الله تعالى أن يذهبا لفرعون الطاغية المتجبر فيدعواه للتوبة وللإيمان بالله وعبادته، وأمرهما الخالق الكريم باللين في طريقة الحديث فقال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).

7- تجنّب استفزازهم وإثارتهم، خاصة في الأمور التي يقدسونها أو يعتقدونها، والاكتفاء بلفت نظرهم بشكل ذكي للإسلام وموقفه من هذا الشيء أو ذاك، أو عن طريق طرح أسئلة عليهم حول معنى ما يعتقدون والحكمة منه، وإبداء الاستغراب من فهمهم أو تفسيرهم لهذا الأمر.

8- البدء بالأقرب منهم ثم الأقرب، وهذا يعين المسلم الجديد إذا أقنع غيره بالإسلام، حيث سيكونا اثنين بدل واحد أو ثلاثة بدل اثنين، وهذا الأمر يسهل دعوته لهم وتعريفهم بالإسلام، كون البقية سيتبادر إلى ذهنها الكثير من الأسئلة عن سبب اعتناق أكثر من شخص لدين جديد.

9- عدم الإحباط من رفضهم الإسلام أو الاستهزاء به، فهذا ديدن غير المسلمين لجهلهم به وتعوّدهم على مفاهيم وتعاملات تخالفه.

وهنا نشير إلى أن مسئولية المسلم تقوم على دعوة الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

وأما الهداية، فهي بيد الله تعالى وليس لنا أن نشق على أنفسنا ونلومها لعدم دخول بعضهم الإسلام، ونتذكر هنا عم النبي عليه الصلاة والسلام الذي رفض اعتناق الإسلام رغم احترامه له ومدافعته عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومما عرضه عليه : "يا عم قل لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله".

ورغم حزن النبي عليه الصلاة والسلام على موت عمه دون أن ينطق بها، إلا أن ذلك لم يعني له أنه قصّر بدعوة عمه، وأنه سيحاسب عنه لعدم قبوله الإسلام.

10- كما يمكن تقسيم مرحلة تعريفم بالإسلام ودعوتهم إليه لمراحل كالتالي:

- إزالة ما علق بأذهانهم من معلومات خاطئة عن الإسلام، ومحاولة كسب احترامهم له وتجنب الوقوف في صف معاداته.

- تقريبهم من الإسلام من خلال تعريفهم ببعض خصائصه وأحكامه.

- اعتناق بعضهم للإسلام والدخول في دين الله، وهذه هي الثمرة التي نريد.

ختاما آمل أن أكون قد وضعت أمامك - أختي الكريمة - معالم الطريق الأولى.

والله أسأل أن يكتبنا من الدعاة لدينه، وأن يفتح لنا قلوب عباده، وأن يسخرنا لإرشاد الناس لطريق الهداية والنور، طريق الإسلام الحنيف.. إنه سميع مجيب الدعاء.

الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب