نقلت هذا الموضوع لأهميته وكثرة الكلام حوله..موضوع شامل ومختصر..ومفيدُ في بابه..




توضيح الرؤية في الفروق بين الشعوذة والرقية


الكاتب :أبو بكر يوسف لعويسي


تعريف الرقية الشرعية:


قال الحافظ رحمه الله في الفتح (ج10/ 205 – 207 ): الرقى بضم القاف ، مقصور جمع رقية ، وسكون القاف ، يقال : رقى بالفتح في الماضي ..


وقال الشيخ العلامة مبارك الميلي رحمه الله في كتابه الشرك ومظاهره (ص153 ): الرقية في اللغة :الرقية المرة من الرقى ، والاسم للألفاظ التي يرقى بها وجمعها رقى ، كمدية ومدى . والفعل رقى كرمى ، ومعناها التعويذة بقراءة كلمات على المصاب رجاء البرء ، تقول استرقيته فرقاني ، فهو راق وهي راقية وهن رواق .


قال الراجز: لقد علمت- والأجل الباقي- أن لا ترد القدر الرواقي .


أنواع الرقى:


إن الرقى على أربعة أنواع: أحدها: أن تكون بألفاظ شركية أو ينسب إليها النفع والضر فذلك كفر وشرك.


ثانيها: أن تكون بألفاظ منقولة غير معقولة المعنى فهي ذريعة إلى الشرك، محرمة أفتى بحرمتها ابن رشد المالكي وابن عبد السلام الشافعي، وجماعة من الأحناف، بل جمهور العلماء على تحريمها.


ثالثها: أن تكون بأسماء غير الله من ملك أو نبي أو جن، وكل معظم شرعا فهي غير مشروعة، وحكمها حكم الحلف بغير الله، كما فقله في الفتح عن القرطبي .(ج10 / 161 ).


رابعها: ما كان بأسماء الله أو كلامه أو ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مأثور عن أصحابه أو عن العرب مما ليس فيه محظور شرعي ، كرقية الشفاء التي عرضتها على النبي وأمرها بأن تعلمها حفصة . أنظر كتاب الشرك ومظاهره(ص157 ).ونقلها الحافظ في الفتح عن القرطبي الذي جعلها ثلاثة أنواع .(ج 10/205-207 ).


صفة الرقية الشرعية: وصفة الرقية أن يقرأ القارئ بصوت مسموع وبكلام مفهوم على محل الألم أو على يديه للمسح بهما، أو في ماء ونحوه وينفث إثر القراءة نفثا خاليا من البزاق ، وإنما هو نفس معه بلل من الريق .روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات ، فلما ثقل ، كنت أنفث عنه بهن وأمسح بيده نفثه لبركتها.


شروط الرقية الشرعية : قال الحافظ في الفتح : (ج10/206)والرقى التي يجوز أن يرقى بها هي ما استكملت ثلاثة شروط : 1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته .2 – أن تكون بالسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره 3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى .


وقد أجمع أهل العلم على هذه الشروط ، فإذا فقد شرط منها فلا تعتبر شرعية ،ومع هذا فهناك شروط أخرى في الراقي ، والمرقي نذكرها في الفروق .


تعريف الشعوذة والشعبذة: يقال شعبذ وشعوذ، والمشعبذ والمشعوذ كلاهما واحد والشعوذة هي : خفة في اليد ، وأخذٌ كالسحر ، يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين وهو مشعبوذ ومشعوذ .وتقوم على الخداع.


صفة الشعوذة: فإن المشعوذين يخدعون الناس بما يظهرون من حركات خفيفة وأخبار غيبية لطيفة، يصرفون بها الأنظار إليهم، فيحتالون على الناس بطرق سحرية وعزائم عرافية يستعينون في ذلك بالجن مستعملين ألفاظ وكلمات تعظمها ملائكة متصرفة في قبائل الجن متى أقسم المعزم عليها بها أجابت إلى ما طلب منها ،ثم يخلطونها بشيء من الذكر والدعاء في أولها أو آخرها ، حتى يظهروا للعيان أنهم من الصالحين ، ويخافون رب العالمين ،ضف إلى ذلك فهم لا يراعون شروط وضوابط الرقية كما سنعرفها في الفروق بين الرقية الشرعية ، والباطلة .


قال ابن التين كما في الفتح (10/205 –207 ):وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المشعوذ وغيرهما ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم .


قلت : وجمعه إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين حتى يثق الناس فيه ويقبلوا عليه .


الفرق بين الرقية الشرعية والشعوذة:


1 – الرقية الشرعية تكون بكلام الله وأسمائه والذكر المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوراد .


2– الشعوذة تكون بألفاظ شركية، وكلمات سحرية تعظمها الجن فمتى أقسم المعزم بها أجابت إلى ما طلب منها .


3 –الرقية الشرعية تقرأ بصوت مسموع واضح الألفاظ ،معلوم المعنى .


4 – الشعوذة تكون بتمتمة ، وغالبا ما تكون بألفاظ مبهمة غير معقولة المعنى، وربما تخلل ذلك كلمات مسموعة من الذكر ، أو القرآن حتى يموه بها على الحضور من زبائنه .


5 – الرقية الشرعية تكون باللسان العربي المبين، بمعنى حتى لو لم تكن بالقرآن والذكر، فإنها تكون بالكلام المأثور عن العرب، المعقول المعنى كما في رقية الشفاء التي عرضتها على النبي وأقرها، وأمرها أن تعلمها حفصة، وكما كان لآل حزم رقية في الجاهلية، ولغيرهم رقى يرقون بها فعرضوها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا باس بالرقية ما لم يكن فيها شركا ثم قال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل >>، ولا تكون فيها كلمات تحمل معنى محظورا شرعا.


6 – والشعوذة أو العزيمة، تكون بالطلاسم والعزائم السحرية، والحروف، والأرقام، وأسماء كبار الجن والسحرة، والمطالع والنجوم، والتخييل، واستحضار الأرواح، والاستكشاف .. إلخ مما هو محظور شرعا .


7 – الراقي لا يكتب التمائم، ولا الحصون، مما يسمى ب(( الحروز )) أو{ الحصن والحصين }ولا اليد التي فيها خمس أصابع والعين داخلها ، والثعبان ملتوي على الأصابع ولا غير ذلك...


8 – والمشعوذ يعتمد على التمائم، والحصون مما يسميه { الحصن الحصين} وحروز الأمان التي فيها الطلاسم ، وتحمل اسم المريض واسم أمه وإلى جانبها أسماء الجن .


9 – الراقي الشرعي يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها ، وإنما بإذن الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يملك الشفاء بمعنى البرء ،ولا أحد يدفع العين ، ويطرد الجن ، ويبطل السحر ويأتي بالشفاء إلا الله ، فالضر والنفع بيد الله ، وما الرقية الشرعية إلا سبب من العلاج .


10 – والمشعوذون يعتقدون أن ما يقومون به يؤثر بذاته، وأنهم يملكون الضر والنفع ويدعون أن بيدهم الشفاء والقوة الخفية لأبطال السحر، والحكمة البالغة لدفع العين ، فيعتمدون على الأسباب الكونية دون المسبب ، وهذا شرك في التوكل .


11- الراقي الشرعي يقوم بتهيئة المكان، والحال، فيطهر المكان الذي يرقي فيه من المحرمات الموجودة فيه، كالصور، والتماثيل، والغناء والموسيقى، والنجاسات .أما تهيئ الحال ، فيهيأ نفسه بالطهارة وتصحيح النية ، ثم يهيأ نفسية المريض ، بإلقاء كلمة توجيهية يرشده فيها إلى التعلق بالله تعالى وحده ، وعدم التعلق بغير ،وتجريد التوحيد الصحيح لله تعالى والإيمان الصادق ، والاستعانة به، والتوكل عليه والتعرف على ربه أكثر ، والتقرب منه بالمحافظة على أداء الواجبات ، والابتعاد عن المحرمات. والتحصن بذكره تعالى فهو الحصن الحصين ،مع تبرأه من الحول والقوة إلا بالله تعالى ...


12- المشعوذ لا يضره أن يعزم حتى في النجاسة، بل بعضهم لو لم يكن نجسا لا يستطيع أن يقوم بالعزيمة، وإذا لم يكفر بالله، لم تستجب له مردة الجن وشياطينهم ليخدموه، ولا ينزل الصور المعلقة، ولا التماثيل، ولا غيرها من المحرمات .


وأما الحال، فلا يهيأ نفسه بالطهارة، والتسمية، والتعوذ بالله من الشياطين، ولا يهيأ نفس المريض، ولا يرشده إلى شيء من طاعة الله ، ولو كان المريض متلبسا بشرك أو بمعصية كبيرة مجاهرا بها، كتبرج النساء وغيره، بل يظهر أمامه أنه قادر على أن يشفيه، وأن الأمر إليه.


13 – الراقي يقوم بتشخيص الداء عن طريق السؤال والجواب ، حتى يتبين له أعراض المرض عند المريض،وربما كان مرضه مرضا عضويا يحتاج إلى الطب المادي، أو مرض نفسي يحتاج إلى أن يعرض نفسه على طبيب نفساني،ومن خلال ذلك يقوم بالعلاج بالرقية على ما وصفنا.


14 – المشعوذ لا يقوم بتشخيص الداء بل يخبر المريض بما به من مرض، دون معرفة الأعراض التي تثبت وتبين المرض، بل بعضهم بمجرد ما يدخل المريض من الباب، يخبره باسمه واسم أمه، والجهة التي قدم منها، والأمر الذي جاء من أجله، بل منهم من ينتفض عند رؤية المريض، ويتأوه لذلك، ويقول هذا المريض به كذا وكذا..


15 – الراقي الشرعي، لا يسأل المريض عن اسم أمه، ولا عن اسم أحد أقاربه، وإنما يسأله عن اسمه فقط، حتى إذا ظهر عليه جني يعرف كيف يتعامل معه، فإذا ظهر الجني ونطق على لسان المريض ، فإنه يأمره وينهاه ، ولا يسترسل معه في الحار ، ولا يطلب منه أن يكشف عن حالة المريض ، وعمن سحره ، فيكذب عليه الجني ليوقع العداوة بين الأقارب والأرحام ، والجيران والأصحاب ..


16 – المشعوذ يسأل المريض عن اسمه واسم أمه أو أحد أقاربه ، وهذا ليس من أجل أن يفرق بين المريض والجني عند اللزوم ، وإنما من أجل اتفاقيات بينه وبين سحرة الجن ومردتهم .ويسترسل مع الجني في الحديث ، ويسأله عن حالة المريض ، وعمن سحره إلى عير ذلك مما يحصل به العداوة بين من ذكرنا من المؤمنين ..


17 – الراقي لا يحدد مكانا ولا زمانا للرقية الشرعية، فهو يرقي في كل وقت ما عدا أوقات الصلاة، وفي كل مكان ما عدا أماكن النجاسة، أو التي فيها قبور وشركيات، ومعاص ولا يستطيع تطهيرها، ويرقي بحضور بعض أقارب المريض ، وينبغي أن يكون المكان فيه ضوء وإنارة ، وليس في الظلام .


18 – المشعوذ يحدد المكان والزمان، فيشترط أن يكون في وقت معين، أو مكان معين، ولا يستطيع أن يتجاوز ذلك المكان، أو يكون في وقت انتشار الشياطين، وأن تكون العزيمة في غرفة لا يدخلها أحد غيره، فيدخل فيها المريض وحده ، وربما تكون هذه الغرفة مظلمة.


19 - الراقي يشترط على المريض شروطا شرعية، كأن يكون على طهارة، وأن يكون يصلي، وهل صلى الفجر ذلك اليوم في وقته، وهل ويصوم، وإن كان من الأغنياء هل يزكي ؟ فإن لم يكن كذلك أمره ونهاه عن ترك الصلاة ، والواجبات الأخرى ، من العقوق ، وقطيعة الرحم وغيرها.. والمرأة يجب أن تكون متحجبة متجلببة جلبابا شرعيا ، محتشمة بعيدة عن استعمال العطور، ومساحيق التجميل ، وكلما بالغت في الستر كان أفضل ، ولا يرقيهن إلا بحضور محرم.


20 – أما المشعوذ لا يراعي هذه الأمور بتاتا، أن يكون المريض طاهر أو على نجاسة ، أن يكون يصلي ، أو لا يصلي ، أن يكرن يسكر أو يتعاطى المخدرات ، أو يشرب الدخان أو غير ذلك فلا يهمه ، بل يحب أن تأتيه النساء متبرجات ، عاريات ،ويرقيهن كذلك ، ويدخلهن في تلك الغرفة المظلمة دون محارم معهن .


21- الراقي يحقق في نفسه ما يدعوا الناس إليه من تقوى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، من امتثال الأوامر واجتناب النواهي كلية، وأن يكون على قدر لا بأس به من العلم الشرعي يؤهله للرقية حتى لا تخف عليه مداخل الشيطان – وما أكثرها - ولا يراوغه بمكائده فيوقعه ، فأكثر الذين وقعوا في مخالفات أوتوا من هذا الباب .


22 – أما المشعوذين فأكثرهم جهال لا يعرفون حتى القراءة السليمة للقرآن، ولا أبسط الأحكام الشرعية، فضلا عن تحقيق التوحيد الصحيح والإيمان الصادق، ولذلك يقعون في حبال عدوهم إبليس .


23 - الراقي الشرعي ، لا يشترط شيئا إلا الجعل ،فمن حقه ، وإذا اشترطه لا يبالغ فيه ، وإذا أعطي شيئا من غير تشرف نفس فحلال عليه ، ولا يلام على أخذه ذلك ، فبأس صنيع القوم ، لوم الرجل على فعله المباح .


24 – المشعوذ يشترط أشياء كثيرة، كالوعدة، والزردة، والتيس أو الدجاج أو البقر بأوصاف معينة وفي أوقات معينة، أو الذهب من المرأة، أو البالغ الخيالية، وربما لا يطلب من المريض في أول زيارة، فإذا استطاع أن يمسك به، وان يحلق عليه، هنا يفرغ جيوبه ، بل يجعله متعلقا به ، لا يفعل شيئا ، ولا يقض حاجة إلا بأمره .وبأس صنيع القوم عدم لوم الرجل على فعله القبيح.


25 – الراقي الشرعي، لا يقري الرقية الجماعية، إلا إذا كانوا من المحارم ، ولا يأمر المريض بتغميض عينيه ، ولا يقول له : إن كان به السحر فليرفع يده اليمنى ، وإن كان به مس من الجن فليرفع يده اليسرى، ولا يقرأ القرآن منكوسا معكوسا ، فذلك أمر محرم ، وإنما يقرأه بصوت مسموع ، كما يقرأ الأذكار والأدعية كذلك ..


26- أما المشعوذين، فيرقي الرقية الجماعية ولو كانوا نساء ورجالا ولا قرابة بينهم، والرقية عن بعد ، والرقية عن طريق الهاتف ، والرقية عن طريق التلفاز ، والرقي ، ويأمر المريض ، أو المرضى بتغميض أعينهم ، وأن ينظروا ماذا يرون في مخيلتهم وأعينهم مغمضة ، فكل ما يرونه فهو المرض أو أسباب مرضهم ،ويقول للمرضى ، من كان به سحر فليرفع يده اليمنى ، ومن كان به مس من الجن فليرفع يده اليسرى ، ولا يقرأ القرآن بصوت مرتفع ، ولا الأذكار وربما ذكر آية ، أو آيتين ، أو ذكرا معينا ليوهم السامعين وربما قرأه القرآن منكوسا ومعكوسا ، إلى غير ذلك من المخالفات ولا حول ولا قوة إلا بالله ..


وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسول محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


منقول من ملتقى أهل الحديث..