ما تجاهله الحبر الأعظم!

د. محمد عابد الجابري


كرر البابا بنيدكت السادس عشر في خطابه مراراً قولة الإمبراطور الروماني: "إن عدم التصرف وفق العقل، شيء يتنافى مع طبيعة الله"، متهماً الإسلام بعدم دعوة الإنسان إلى تحكيم العقل في أفعاله وتصرفاته! ليس غرضنا هنا الرد عليه ببيان الموقف الإسلامي من العقل، كما ينص عليه القرآن في عدد كبير من الآيات، ولا بلفت نظره إلى علم الكلام في الإسلام -وهو ما يوازي اللاهوت في المسيحية- الذي رأى فيه جميع المستشرقين مجالاً للعقلانية الإسلامية التي ذهب بها المعتزلة إلى حد أن جعلوا من مبادئهم أن "العقل قبل ورود السمع"، وأن "الله لا يفعل إلا الصلاح"، و"أن الإنسان "يخلق أفعاله"... وهي مبادئ لا تنكرها المذاهب الكلامية الأخرى جملة وتفصيلاً وإنما تختلف مع المعتزلة في الصيغ التعبيرية وبعض الفروض النظرية المتصلة بها، هذا فضلاً عن اشتراط كثير من المتكلمين -ومنهم أشاعرة- في صحة إيمان البالغ الراشد اعتماده على الاستدلال العقلي لإثبات وجود الله، حتى يخرج من "التقليد" الذي احتج به مكذبو دعوات الأنبياء حينما قالوا "إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ" (الزخرف 22). كما لا نريد هنا إبراز موقف ابن رشد الذي قارن إيمان المسلمين المعتمد على العقل، بالطبيب الذي يبرهن على معرفته بالطب بقدرته على إبراء المريض ونجاحه في ذلك، بينما شبَّه إيمان غير المسلمين القائم على المعجزات "الخارقة للعادة" بمن يدعي الطب بحجة أنه يستطيع المشي على الماء.

للمتابعة .....
http://www.wajhat.com/details.php?id...01-16&active=1