ملخص الشبهة: لما علم الطاعنون في ألوهية مصدر القرآن الكريم، استحالة كونه من تعليم بشر، لو اجتمع كل البشر من شتى الشعوب والحضارات العالمية. توسلوا مصدراً غير بشري، لعلهم يجدون فيه ضالتهم... فتفتقت عبقريتهم عن مصدر مغاير تماماً.. لجأوا إلى الجن لعلهم يجدون فيهم المصدر المنشود للوحي.

شكلت خرافة الغرانيق [1] العمود الفقري لهذه الشبهة، وهي تستند أساساً على خرافة أن سيدنا محمداً rكان يصلي عند الكعبة جهراً !! ويقرأ سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه آيات يمدح بها آلهة المشركين فوصفها بأنها ذات شفاعة مرجوة: فقال: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ". فسجد الرسول وسجد المشركون.

نقد تلك الخرافة المزعومة:[2]

أكثر المحققين من علماء المسلمين، قالوا: إن هذه الرواية باطلة موضوعة. واحتجوا على ذلك بالقرآن والسنة والمعقول والتاريخ.

أولاً: القرآن الكريم:

1. قال تعالى في سورة الحاقة: " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ 45 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنْهُ الوَتِينَ 46 ".

2. وفي سورة يونس: " قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 15 ".

3. وفي سورة الإسراء: " وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا 73 ". وكلمة كاد تفيد إن الأمر لم يحصل.

4. وفيها قوله: " وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا 74 ".

كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون، لم يحصل.

5. وفي سورة الفرقان: " كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا 32 ".

6.وفي سورة الشعراء نص قاطع ينفي ذلك بتاتاً: " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ 210 وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ 211 ".

7. وفي سورة الحج: " فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 52 ". وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد اللّه إحكام لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.

8. وأختم بسورة النجم ـ موضع الشبهة ـ حيث قال تعالى: " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 ".

فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية: تلك الغرانيق العلى، لكان قد ظهر كذب اللّه تعالى في الحال.

وجاء بعدها: " وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى 26 ".

هل الغرانيق شفاعتها ترتجى أكثر من شفاعة الملائكة المقربين ؟!

فسبحان من جعل في السورة موضع الشبهة، ردين عليها: الأول قبلها والثاني بعدها.

لقد أخطأ واضعوا تلك الفرية السورة، وعُمِيَت بصيرتهم عن نسفها لشبهتهم.. فلو فكروا ملياً، لاختاروا وضعها في سورة أخرى !

ثانياً: السنة النبوية:

1. لم يثبت ذلك بأي حديث صحيح مرفوع، كما أن روايات الغرانيق متضاربة لا يسلم أي منها من مطعن، في السند والمتن. [3]

2. طعنُ المحدثين بصحة هذه القصة:

سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتابا.

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.

وبين القاضي عياض في الشفا أنه لم يوجد في شيء من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وإن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.

3. رُوي الحديث الصحيح حول سجود المشركين عند تلاوة سيدنا محمد rأوائل سورة النجم من طرق كثيرة، وليس فيها ألبتة أي ذكر للغرانيق. [4]

4. لا عبرة بما نقل في كتب القصاص، أو المفسرين المولعين بذكر غريب القصص والأخبار دون تثبت. بخاصة أنهم لم يلتزموا ذكر الصحيح وليسوا من المحدثين.

5. الأحاديث الكثيرة في عدم تمثل الشيطان بسيدنا محمد rلمن يراه أثناء النوم، [5] فيكون عدم قدرته التمثل بنبرة صوته من باب أولى.

6. تناقضات روايات تلك الفرية وهي ستة كما يلي:

الأولى: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ".

الثاني: " الغرانقة العلا إن شفاعتهم ترتجى ".

الثالثة: " إن شفعتهن ترتجى ". دون ذكر الغرانيق.

الرابعة: " وإنها لهي الغرانيق العلا ".

الخامسة: " وأنهن لهن الغرانيق العلا، إن شفاعتهم لهي التي ترتجى ".

السادسة: " تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى ".

ثالثاً: المعقول:

1. من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعي الرسول rكان في نفي عبادة الأوثان وشفاعتها.

2. معاداتهم للرسول rكانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم ؟

3. لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل الشرائع أن تكون كذلك.

4. ليس من المعقول أن يعترف النبي rبشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة اللّه تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه rبدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر، لكان ألعوبة له، ليس في هذه القصة فقط، بل في غيرها أيضا. والنبي معصوم من الشياطين بداهةً.

بل الاعتراف بشفاعة الأصنام كفر مخرج من الملة، ومن اعتقد بكفر رسول الله rفقد كفر..

رابعاً: التاريخ:

1. لم يرد في تاريخ العرب أبداً هذا التشبيه لآلهتهم بالغرنوق، ولم يعهدوه في جاهليتهم، ولم تأت أشعارهم على ذكر ذلك الوصف لآلهتهم. وهذا يؤكد أنها لفقت فيما بعد.

2. لو كانت صحيحة، لأحدثت أثراً سلبياً في نفوس من آمن حديثاً، وما نُسب إلى سيدنا محمد rلا يمكن أن يمر مرور الكرام.. فإن كان لحادثة الإسراء أثر سلبي في عقيدة بعض ضعاف الإيمان، [6] فتلك القصة ـ على فرض صحتها ـ من باب أولى.

وختاماً لقصة الغرانيق: إن قصة الغرانيق لهي من أدل الأدلة على إعجاز ثبوت القرآن الكريم القطعي، واستحالة أن يكون بشرياً من عند غير الله تعالى. فلو كان كذلك، لكان من اليسير على مختلقي قصة الغرانيق وضعها في موضع آخر غير سورة النجم التي تدور على معنى التوحيد والتهكم على من يعبدوا مجرد أسماء سموها لآلهة ليست موجودة إلا في خيال عابديها، وسبحان الله العظيم !

ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

وهناك شبهات متفرقة تدل على الأصل الشيطاني المزعوم للقرآن الكريم، أشهرها المزاعم التالية:

1. كثرة عدد مرات ذكر الشيطان في القرآن الكريم تكرر المشتق عن الجذر " شطن " 88 مرة .

2. أحرف فواتح السور مثل الم، كهيعص.. رموز شيطانية.

3. الله عاتب النبي لأنه لم يستمع إلى الشياطين أكثر في خرافة الغرانيق السابق نقدها .

4. إنزال الجن لآيات مثل آية الكرسي وسور مثل سورة الجن وسورة الأحقاف..

5. اتهام مشركي قريش بأنه ممسوس.

6. جعلوا من طريقة الوحي التي كان يتنزل بها القرآن الكريم على سيدنا محمد r، وحال النبي rعند استقبال الوحي دليلاً على صرعٍ كان يصيبه. ثم يتلو آيات من القرآن الكريم بعد أن يفيق منه.

وللإجابة على تلك الشبهات :

1. كثرة ذكر الشيطان في القرآن الكريم تأتي للتحذير من خطره الشديد، وهذا من بلاغة القرآن الكريم. فلا خطر على الإنسان أشد من وساوس الشيطان، والتكرار هنا في موضعه. كقولك لرجل يكاد يحترق: النار، النار !! ولا يقول لك عاقل عندها: لِمَ هذا التكرار المعيب ؟

والمسلم يتعبد الله Yبكثرة الاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فذلك عليهم لا لهم. هل من المعقول أن يُنزل الشيطان ذمه في القرآن الكريم، وتحذير الناس من اتباعه، وطلب الاستعاذة بالله Yمنه ؟

ومن غير المعقول أن تأمر الشياطين بما جاء في القرآن الكريم من بر وتقوى وترك المحرمات..

كما أن استعاذة المسلم بالله من الشيطان الرجيم إن تلا آية بل جزءاً من آية، تؤكد ذلك. [7] فلو كان الشيطان مصدرها، لاستعاذ المسلم به، كما كان أهل الجاهلية يفعلون إن قطعوا وادياً. [8]

2. حروف فواتح السور ليس لها علاقة بما يدعونه طلاسم، فلم يجعل منها أي مشرك جاهلي ذريعة لعدم إيمانه. بل حروف فواتح السور مما اختص به القرآن الكريم وانفرد بها، فكان دليلاً من أدلة ألوهية مصدره. وقد كتبت في ذلك مئات الكتب وعشرات الأبحاث المحكمة، ولا تكاد تجد كتاباً في التفسير أوعلوم القرآن الكريم إلا وتناولها بالبحث والدراسة..

3. تعبيره عما ورد في سورة الجن بعدِّه علاقة بين القرآن والجن، تعبير مغلوط. فالجن في الآيات المذكورة هو الذي يستمع إلى القرآن الكريم لا العكس !! وليس لذلك أي علاقة بالنسخ، لكل ذي لب.

4. أما زعم كون الجن قد أنزل آيات من القرآن الكريم، فلنا أن نسأل: بأي لغة يتكلمون ؟ وما هي أداة إصدارهم ذلك الصوت؟ ولماذا لا يستجيبون للتحدي الأزلي بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم ؟

وأين الدليل على تلك الدعوى ؟

هل نصوص الإنجيل التي تتحدث عن الشيطان تدل على أن الشيطان هو الذي أنزلها؟ هل التحدث في قضية من القضايا، يقتضي بالضرورة أن يكون المُتحدَّث عنه هو مصدر ذلك الحديث؟ فكيف سيتناول العلماء الحديث عن الحيوانات والحشرات المختلفة إذاً ؟

5. أما اتهام العرب المعاصرين له بذلك، فهو مخالف لأسس المنهج العلمي. كيف يقبل النصارى أن نحاججهم برأي اليهود بربهم ؟ [9]

بحسب منطقهم: يجب أن نعرف دقائق الاقتصاد الرأسمالي من شيوعي جاهل! ومن ثم نصدقه ونبني عليه أسساً وقواعد.. وهذا لا يرتضيه عاقل في الدنيا.

كيف يجوز لشخص يؤمن برسالة سماوية، تصديق كاذب، عابد للأوثان، يئد ابنته، في قضايا غيبية كهذه؟ كيف إن كان ذلك في خصم عجز عن مواجهته والقبول بتحديه المتكرر؟! كيف إن كان ذلك فيمن وصفوه بالصادق الأمين، وكانوا يأمنونه على حوائجهم ؟ [10]

وأختم الرد على هذه الشبهة، بما ختم به الطوفي [11] كتابه: " الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ": يقال لهم: بمنطقكم هذا، تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس صادق.

فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله.

قلنا: كذلك نحن نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد r.

فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة عليهم بالمعجزات.

قلنا: بل جاءتكم معجزات أوضح وأجلّ، ولكنكم عاندتم أو جهلتم.. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم. [12]

6. زعم أنه rبأنه كان يصاب بنوبة من الصرع ثم يخرج إلى أصحابه بالقرآن الكريم، فهي أولاً تنسف كل ما يقولونه في الشبهات السابقة، حول مصادر القرآن الكريم البشرية، وما ذلك إلا مزيداً من تخبطهم وتناقضهم.

فلا يعقل أن يكلف ورقة بن نوفل أو بحيرا.. أو غيرهما شخصاً يُصاب بالصرع عادة، بمهمة النبي العظيمة، التي لم يستطع هو ذاته القيام بها؛ وإلا افتضح أمره.

ثانياً: معروف لدى الأطباء أن المصروع لا يمكن أن يتذكر ما يحدث له أثناء صرعه، فكيف بحفظ القرآن الكريم ؟ فالمصروع قد يدمر ما حوله، وعندما يفوق من صرعه ويهدأ ينكر ذلك كله بحجة أنه لا يتذكر ذلك. وهذا العرض معروف للصرع. [13]

فكيف إن كان ما تذكره كلاماً أعجز كل من حوله ؟

ثالثا: ما عرف عنه سيدنا محمد rمن رجاحة في عقله وهدوء ومنطق وإقناع في حديثه.. يناقض ذلك.

رابعاً: لم يأت أي عربي مصروع بمثل ما جاء به سيدنا محمد r،بل ولم يتلفظ بحكمة أو بيت شعر ألهمه به عقله أثناء صرعه.

خامساً: الحالة المذكورة للنبي rحين ينزل الوحي عليه بالقرآن، حالة من حالتين. [14] فكيف يتسق ويتآلف ما سمعه في كل حالة مع الأخرى، فيتألف قرآن عظيم معجز في نظمه ؟

سادساً: لا يُعقل أن تسمح خديجة لزوجها أن يعتكف في غار حراء وحيداً، شهراً كاملاً كل عام وهو يُصرع عادة.

سابعاً: من المعلوم أن المشركين كانوا يضعون حوائجهم عند سيدنا محمد r،وبقيت عنده قبيل الهجرة النبوية، حين أبقى علياً tليردها إلى أصحابها.. فهل كانوا يضعونها عند مصروع ؟

وكذا كان تعاملهم معه قبل الجهر بالنبوة. [15]

ثامناً: المصروع لا يستطيع إدارة شؤون بيته، بل شؤونه الشخصية، فكيف بإدارة دولة مترامية الأطراف، يحيط بها الأعداء من الخارج، ويتغلغل فيها المنافقون أعداء الداخل. فكان واضع أول دولة جمعت شتات العرب، بأبرع تخطيط إداري، وحضاري، وعسكري، وزراعي.. مع قدرة لم يُسبَق إليها في الخطابة والإقناع.

لقد تعرض سيدنا محمد rإلى ظروف ومرت به أحداث ينوء عن حملها أشد الرجال.. لا يعقل أن يصبر رجل مصروع على فراق الوطن.. وفقد الولد.. وألم الأذى.. وشماتة العدو، وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحاسد، وتشفي الحاقد، وتألب الخصوم، وتكالب الأحزاب، وتكاثر المناوئين، وصولة الباطل، وقلة الناصر، وشظف العيش.. وغلبة الخصم، وقتل القريب، وأسر الحبيب، وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع، والجراح في البدن، وفزع التهديد.. وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة..

ويصبر على خيانات اليهود، ومراوغة المنافقين، ومجابهة المشركين، وبُطئ استجابة المدعوين. ثم يصبر على فرح الفتح، وسرور الانتصار، وجلبة إقبال الدنيا...

لا يصدر كل ذلك إلا عن أحلم الناس وأعقلهم.

وصدق الله العظيم في رد شبهتهم في سورة الصافات: " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ 37 ".

تاسعاً: الآراء في صرع بولس ـ الذي حرَّف النصرانية ـ أدلتها أقوى من مزاعم صرع سيدنا محمد r، وجميع كتب الأمراض النفسية الغربية عندما تؤرخ لمرض الصرع والمشاهير المصابون به تذكر مرض بولس بالصرع بأدلة تاريخية ونصوص من العهد الجديد. [16] فالأصل بهم أن يحذروا من نسبة الصرع إلى سيدنا محمد r، لأنهم بذلك يؤكدون صرع بولس، وأن ما جاء به من تغييرات وثنية في الديانة النصرانية ما هو إلا نتيجة مرضه النفسي، وبهذا ينهار أساس ديانتهم !

واختم هذا المبحث بشهادة مستشرق [17] منصف يرد فيها على تلك الشبهة: " لو كان محمد يعاني منذ طفولته من مرض عضال حقاً، لما تخلى عن تلك الذريعة أبداً. بل من غير المعقول أن ينجز رجل مريض ما أنجز محمد، فقد كان تاجراً موهوباً هادئ الطبع، وقراراته عادة ما تصدر عن غريزة سياسية ذكية متبصرة.. وكان قائداً بعيد النظر للدولة ولمجتمع ديني نام على حد سواء، وهذه كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان سليماً معافى.. والذين يقولون بهذا الكلام [أي شبهة الصرع] لم يحلوا المشكلة بقدر ما زادوها تعقيداً، ويجب أن يساورنا الشك مستقبلاً في إمكانية أي ظاهرة خلل في سلوك محمد ".

شكرا لكم .