الــــــــــــــرد



لقد خلق الله سبحانه وتعالى بني البشر كلهم من أصل واحد، وهم لا يتفاضلون من حيث الخلقة، لأن الأصل واحد، ولأن الخالق هو الله، ولا فضل لأحد في لون ولا بلد ولا لغة ولا طول ولا قصر، لأن ذلك كله لم يوجد للإنسان باختيار منه، وإنما أوجده الخالق سبحانه وتعالى.
قال عز وجل: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)). [النساء:1].

فالخالق واحد، وهو الله، والأصل واحد، وهو آدم، والذي يجب عمله هو ما أمر الله به، وهو تقوى الله، وهذه التقوى هي التي جعلها الله تعالى معيارا للتفاضل بين الناس.

كما قال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلنكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقكم إن الله عليم خبير)). [الحجرات:13].

فكلما كان الإنسان أتقى لله، كان أكرم عنده، ويجب أن يكون أكرم عند خلقه، ولا تفاضل بغير ذلك.

والواجب أن يلتزم المسلمون بهذا الأدب الرباني، فيكرمون من أكرمه الله، ولا يجوز أن يحتقر أحدٌ منهم أحداً، ولا يسخر أحدٌ من أحد، لما في ذلك الأدب من جمع الشمل وغرس المحبة والود بينهم.

أما الاحتقار والسخرية بسبب لون أو خلقة، كالدمامة، أو بلد، أو نسب، أو فقر، أو وظيفة، فإن ذلك يخالف هذا الأدب الرباني، ويفرق شمل المسلمين ويحدث بينهم التباغض والخلاف.

وقد يكون المحتقَر [اسم مفعول] أكرم عند الله وأفضل ممن احتقره وسخر منه عند الله، ولهذا اشتد إنكار الله تعالى على الساخرين المحتقِرين.
قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون)) [الحجرات:11].

والسخرية والاحتقار من أعمال الجاهلية التي أنكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو ذر رضي الله عنه، قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلتُ منها، فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أساببت فلانا)؟ قلت: نعم. قال: (أفنلت من أمه)؟ قلت: نعم. قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: (نعم هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فان كلفه ما يغلبه فليعنه عليه) [البخاري (7/85) ومسلم (3/1282ـ1283)].

وعظَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمرَ على عائشة رضي الله عنها، عندما أشارت بيدها إلى صفية بأنها قصيرة، قالت عائشة: حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال: (ما يسرني أني حكيت رجلاً وأن لي كذا وكذا) قالت: فقلت يا رسول الله إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا – أي – أنها قصيرة، قال: (لقد مزحت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج). [الترمذي (4/660ـ661) وقال: هذا حديث حسن صحيح].

وإن الآثار المترتبة على الاحتقار والسخرية، لأمر يهدد بدمار المجتمع الذي يسكت عليهما ولم ينكرهما، لأن الفئة التي يصدر منها الاحتقار والسخرية، ترتب على احتقارها للفئة الأخرى، حرمانها من المساواة في الحقوق والواجبات بدون سبب.

بل قد تكون الفئة المحتَقَرة أهلاً لكثير من الأعمال والولايات وتكون الفئة المحتَقِرة ليست أهلاً لها، وإنما تستبد بها لقوتها أو كثرتها، فيترتب على ذلك سوء المعاملة وفشل الإدارة، كما يترتب عليه حقد الفئة المحتَقَرة التي حيل بينها وبين حقوقها، وقد تسعى لسلب الفئة التي حرمتها من حقوقها وما بيدها من مقاليد الأمور التي جعلتها وسيلة لتتعالى.

فإذا نجحت في ذلك أذاقت الفئة الساخرة المحتقِرة، أشدَّ أنواع الإيذاء والسخرية والاحتقار، جزاءً وفاقاً، وهذا ما يجري في كثير من البلدان الآن - ومنها البلدان الإسلامية - ونجم عنه التناحر والثورات والانقلابات، وهو ما ينذر بالدمار في بلدان الغرب في أمريكا وأوروبا، التي لا تزال تعامل بعض الفئات كالسود، معاملة تخالف ما تعامل به الفئات الأخرى.

فالمجتمع الذي يحتقر بعضُ أفراده بعضا، ويسخر بعضهم من بعض، مجتمع معرض للفوضى والفتن والتطاحن وعدم الأمن والاطمئنان.

http://www.saaid.net/Doat/ahdal/0024.htm
.