بسم الله الرحمن الرحيم
كسوف الشمس ومعاناة أهل الأرض
بقلم : عاهد ناصرالدين
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164
أخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن عائشة – رضي الله عنها- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لما قرأ هذه الآية قال (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) .
ولما كان كل شيء في هذا الكون يسير وفق نسق معين ونظام دقيق لا يحيد عنه أبدا{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40, كان لا بد لهذا المخلوق وهو الإنسان الذي هو في حقيقته جزء من هذا الكون والوجود أن يسير وفق ما خُلق لأجله فلا يكون له مطلق الحرية في هذه الكون وفق رغباته وشهواته.
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191.
هذه السموات والأرض بما فيها من نجوم وكواكب كل في فلك يسبحون بنظام دقيق عجيب لا يخرج واحد منها عن مساره ولا يصطدم بغيره ،وهذا الليل والنهار واختلاف أطواله وضوئه وتعاقبه وأحواله، هو من تدبير الله سبحانه وتعالى لاستمرار الحياة {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ }،{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }القصص71-72 .
وكل ما في الكون الفسيح ميسر لما خُلِق له {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }الملك3 .
إن النظام العجيب الدقيق في مخلوقات الله – عزوجل- في السموات وعلى الأرض وما بينهما لآيات لقوم يعقلون،من أدركها وتفكر فيها وبعلاقتها مع بعضها وانتظامها وانضباطها وفق نظام محكم متين ، تبين له وحدانية خالقها وبارئها ،وأن الخالق واحد هو الله رب العالمين{وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }البقرة163.
إن المتأمل والمتدبر لآيات الله يدرك تماما الغاية المنشودة من خلق الإنسان ألا وهي تحقيق العبودية المطلقة لله عز وجل وإحقاق التوحيد الحق فلا معبود في هذا الكون سوى الله ولا حاكميةَ لأحد سواه .
فالمتدبر في كتاب الله عز وجل والفاهم لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدرك حقيقة الرسالة التي أتى بها خير الأنام محمد – صلى الله عليه وسلم- والتي تؤكد وتحقق معنى العبودية لله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56.
ولتحقيق هذه العبودية لله أرسل الله الرسل عليهم السلام مبشرين ومنذرين {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
واقتضت حكمة الله – عزوجل – أن يكون محمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40.
فالحمد لله الذي أكمل لنا الإيمان وأتم علينا نعمه الظاهرة والباطنة ورضي لنا الإسلام دينا وأنزل إلينا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، وميز الأمة الإسلامية عن سائر الأمم بانضباطها وامتثالها لأمر الله سبحانه في كل الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد، ومنها ما يتعلق بعبادة الصلاة ؛ الركن الثاني من أركان الإسلام بعد ركن الشهادتين ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- (بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، والحج ، وصوم رمضان)رواه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي.
وهي أول ما يحاسَب به الناسُ يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول (أول شئ مما يحاسَب به العبدُ يوم القيامة صلاتُه المكتوبة، فإن أتمَّها وإلا زِيد فيها من تطوُّعه ، ثم يُفعَلُ بسائر الأعمال المفروضة كذلك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي والنَّسائي.
والصلاةُ تمحو الخطايا وتُذهب السيئات، فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمساً ما تقول ذلك يُبقي من دَرَنِه؟ قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا) رواه البخاري ومسلم.
وصلاة التطوع تَجْبُر النقص الحاصل في صلاة الفريضة يوم القيامة، وهذا فضل لا شك فيه لصلاة التطوع، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله– صلى الله عليه وسلم- يقول (إن أول ما يُحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمَّها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع، فإن كان له تطوع أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك) رواه ابن ماجة وأبو داود والترمذي وأحمد والنَّسائي.
ومن صلاة التطوع صلاة الكسوف أو الخسوف عند حصول كسوفٍ للشمس أو للقمر، ومن أبرز أحكامها ما يلي :-
1- يبدأ وقت صلاة الكسوف عند بدء كسوف الشمس ويستمر إلى أن ينجلي الكسوف ويذهب، ويعود ضوء الشمس كاملاً، كما أنه يبدأ عند بدء خسوف القمر، ويستمر إلى أن ينجلي الخسوف ويذهب، ويعود نور القمر كاملاً. وصلاة الكسوف كصلاة الخسوف تماماً تُؤدَّى عند ذهاب ضوء الشمس أو ذهاب نور القمر كلياً أو جزئياً دون اعتبارٍ لأوقات النهي، فلو حصل كسوف الشمس عقب صلاة العصر فإن صلاة الكسوف تُؤدَّى عندئذ دون كراهة على الرأي الصحيح، لأن هذا الوقت هو وقتها.
2- الأصل في صلاة الكسوف أن تستغرق كامل وقتها، فيبدأ المسلم بالصلاة مع بدء الكسوف وينتهي منها مع انتهائه، فعن المغيرة بن شعبة قال :كَسَفَت الشمسُ على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلُّوا وادعوا الله) رواه البخاري وأحمد والبيهقي وابن خُزَيمة والبزَّار. ورواه مسلم وجاء فيه (… فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف) . وعن أبي بَكْرة قال (خَسَفَت الشمسُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فخرج يجرُّ رداءه حتى انتهى إلى المسجد وثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم، وذلك أن ابناً للنبي - صلى الله عليه وسلم- مات يقال له إبراهيم، فقال الناس في ذلك ) رواه البخاري وابن حِبَّان وأحمد والنَّسائي.
3- يُسن أداء هذه الصلاة جماعةً في المساجد، ولا يُؤذَّن لها ولا يُقام، وإنما يُكتفى بدعوة المصلين بالقول [الصلاةُ جامعة]؛ فعن أبي بَكرة قال «كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فانكسفت الشمس، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجر رداءه حتى دخل المسجد، فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» رواه البخاري وغيره. فهذا دليل على مشروعية صلاة الكسوف جماعةً في المساجد .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال «لما كَسَفَت الشمسُ على عهد رسول الله r نودي: إن الصلاة جامعة، فركع النبي- صلى الله عليه وسلم- ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلس، ثم جُلِّي عن الشمس، قال، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما سجدت سجوداً قطُّ كان أطول منها )رواه البخاري ومسلم وابن خُزَيمة والنَّسائي.
وعن عائشة رضي الله عنها«أن الشمس خَسَفَت على عهد رسول الله r، فبعث منادياً: الصلاةُ جامعةٌ، فاجتمعوا وتقدَّم فكبَّر، وصلَّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات» رواه مسلم. فهذان دليلان على أن النداء لصلاة الكسوف إنما يكون بالقول [الصلاةُ جامعة].
4- من المندوب في حالة حصول الكسوف أو الخسوف عدا الصلاة الإكثارُ من الدعاء والتصدُّق، خاصة إن فرغ المصلُّون من صلاتهم والكسوفُ أو الخسوفُ لا زالت منهما بقية، فيمكن إشغال بقية الوقت بذكر الله ودعائه. وبمعنى آخر أقول إذا حصل الكسوف صلى المسلمون صلاة طويلة محاولين أن يقضوا كامل وقت الكسوف بالصلاة، فإن هم أتموا صلاتهم قبل انقضاء الكسوف أمضَوا ما تبقى من وقت الكسوف بالدعاء والذكر. أما إن انتهى الكسوف وهم في الصلاة أتمُّوها خفيفة، فقد ورد في حديث المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه – (فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله). وعن أبي موسى رضي الله عنه قال (خَسَفت الشمس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم- فَزِعاً يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلَّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوِّف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) رواه البخاري وابن حِبَّان. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «خَسَفَت الشمسُ في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فذكرت الحديث إلى أن قالت - فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّروا، وصلُّوا وتصدقوا …) رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك والنَّسائي. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت :خَسَفَت الشمسُ على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فذكرت الحديث إلى أن قالت - ثم رَقِيَ المنبر فقال: أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يَخْسَفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وإلى الصدقة وإلى ذِكر الله …)رواه أحمد.

5- صفة صلاة الكسوف فهي ركعتان اثنتان، كل ركعة منها بركوعين اثنين، وتُؤدَّى كالتالي: يُحْرِم الإمام بالتكبير، ويقرأ الفاتحة جهراً وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً قريباً من القيام ، ثم يقوم قائلاً: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ولكن دون قراءة القيام الأول، ثم يركع ركوعاً طويلاً دون الركوع الأول، ثم يرفع قائلاً: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يسجد سجوداً طويلاً، ثم يجلس جلسة طويلة، ثم يسجد سجوداً طويلاً دون السجود الأول، ثم يقوم ، ويفعل في الركعة الثانية ما فعله في الركعة الأولى، ولكن بإطالةٍ أقلَّ مما في الركعة الأولى، وينصرف من الصلاة بالتسليم، محاولاً أن لا يفرغ من الصلاة حتى ينجلي الكسوف، فعن عائشة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها : أعاذكِ الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رضي الله عنهارسول الله –صلى الله عليه وسلم- أيعذَّب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عائذاً بالله من ذلك، ثم ركب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذات غداة مركباً، فخَسَفَت الشمسُ فرجع ضحى، فمرَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني الحُجَر، ثم قام يصلي وقام الناس وراءه، فقام قياماً طويلاً ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، ثم قام فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) رواه البخاري ومسلم ومالك والنَّسائي وأحمد.
6- إذا فرغ من الصلاة استُحِبَّ للإمام أن يخطب المُصلِّين بما يناسب المقام،لما روته عائشة رضي الله عنها قالت «خَسَفَت الشمسُ في عهد رسول الله–صلى الله عليه وسلم- ، فصلى رسول الله–صلى الله عليه وسلم- بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، ما من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك والنَّسائي. وكذلك الحديث المروي عن أسماء رضي الله عنها قالت :فانصرف رسول الله–صلى الله عليه وسلم- وقد تجلَّت الشمس، فخطب فحمد الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد» رواه البخاري. وغير هذه الأحاديث كثير، وكلها تذكر أنه عليه الصلاة والسلام بعد أن يفرغ من صلاته يقف فيخطب الناس.
وهنا لا بد أن نقف على حال الأمة الإسلامية .
فبلاد المسلمين كفلسطين والعراق والسودان تعاني من أعداء الله .
والمسلمون ينحدر شأنهم من سيئ إلى أسوأ يعانون من الفرقة والضعف والذل والهوان بسبب غياب الإسلام في عقيدته ونظامه عن الحكم ،فكانت المصيبة، بل الطامة التي حلت بالمسلمين عندما سقطت الخلافة , فضاعت معها السيادة المطلقة للشرع وتاه السلطان من يد المسلمين فأضحوا لقمة سائغة في أفواه أعدائهم .
الأمة الإسلامية اليوم أكثر من أي وقت مضى تطلب الإسلام ليكون حياة لها في خلافة على منهاج النبوة وذلك بعد أن خبرت وعلمت وأدركت حقيقة هؤلاء الرويبضات المتسلطون على رقابهم بأنهم عبيد أمرهم في يد أعداء الله ورسوله فأسلموا البلاد والعباد لقمة سائغة في يد الكافر المستعمر.
ولما كان الأمر كذلك كان لا بد أن تسير الأمة على منهج الله وحده، وأن تكون الرسالة التي تحملها الأمة للناس مبنية على أسس متينة واضحة متأصلة راسخة في نفوس حملتها والدعاة إليها، فكانت ولا زالت سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام شمسا بددت أوهام الظلام وأنارت طريق الأنام نحو الاستقرار والاطمئنان , فالسير في طريق الدعوة واضح جلي لكل ذي لب عاقل .
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108.
روى ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال{قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد} قال الشيخ الألباني : صحيح .
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم – سن لنا صلاة الكسوف ، وإذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة تقربا إلى الله –عز وجل- .
فهلا تقربنا إلى الله – عزوجل- ،
وهلا عبدنا الله كما أراد سبحانه ،
وهلا أقمنا حدود الله كما أمر العزيز الحكيم ،
وهلا عملنا لعزتنا وكرامتنا بإعادة الخلافة على منهاج النبوة ،
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الأنعام162
فيا أمة الإسلام استجيوا لله ورسوله لما فيه خيركم وفلاحكم في الدنيا والآخرة …
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ }الشورى47.

منقول من مدونة الشيخ عاهد ناصرالدين