الشك.. شبح يدمر الحياة الزوجية!

إيمان عزمي




الشك مرض خطير ينخر فى جسد الحياة الزوجية إلى أن يدمرها ويقضى عليها ويقتل كل الروابط الجميلة والمقدسة بين الزوجين، نعم فهو نزغ من الشيطان يجب أن نحاربه ولا نسمح له بالتسلل إلى حياتنا وتدميرها . فقد أمرنا الله أن نبنى حياتنا على الود والتراحم والصدق والوضوح والمصارحة بين الزوجين والتى هى عصب الحياة الزوجية وبها تمر الحياة بسلام بينهم دون أن يقع أي من الطرفين فى براثن الشك .

وفى ضوء ذلك كان لنا هذا الحوار مع الأزواج والزوجات لنلمس من خلال تجاربهم أثر الشك على الحياة الزوجية.

تفاخر الأزواج بماضيهم قبل الزواج.

نستهل حديثنا مع فاطمة مهندسة ومتزوجة منذ ثلاث سنوات فتقول: أنا من أسرة محافظة وتزوجت زواجا تقليديا حيث تقدم زوجى لخطبتى عن طريق أحد الأقارب ورحب به والدى بعد أن سأل عنه ووجد فيه الزوج المناسب لي وتم الزواج بسرعة ولا أخفى عليكم فرغم سعادتى مع زوجى وشعورى بحبه لىي ومحاولة إسعاده لي دائماً إلا أنه كان كلما جلسنا معاً فى جلسة رومانسية كان يحكى لي عن علاقاته النسائية قبل الزواج ويتفاخر بها وكان هذا يؤلمنى كثيراً، فقررت أن أفاتح زوجى فى هذا الموضوع واستجمعت شجاعتى ذات مرة وسألت زوجى واستحلفته بالله أن يصدقنى القول هل انتهت هذه العلاقات النسائية بعد زواجنا فأقسم لي أن هذا كان مجرد ماض فى أيام الطيش والبعد عن الله وعن تعاليم ديننا السامية ولمحت نظرة صدق فى عين زوجى واعتذاره لي عن جرح مشاعري بدون قصد وأقسم أنه لن يتحدث مرة أخرى عن هذه العلاقات ومرت حياتى بسلام مع زوجى إلى الآن ولولا أن زوجى أصبح قريباً جداً من الله ويواظب على أداء كل الشعائر الدينية وقيام الليل والصلاة فى الجامع والحج والعمرة كلما سمحت لنا الظروف لظل شبح الشك يطارد حياتنا الزوجية حتى يدمرها، ولهذا أنصح كل زوج أن يتقي الله في زوجته ولا يحكي لها أو يتفاخر أمامها بعلاقاته قبل الزواج ويحمد الله الذى منّ عليه بنعمة الزواج ويطوى صفحة الماضى حتى لا يسمح لشيطان الشك بالتسلل إلى حياتهم وتدميرها.

الصراحة سلاح ذو حدين

وتحدثنا ريم زوجة وأم لولدين فتقول: تزوجت من زميل أخى فى العمل وهو إنسان طيب وكريم ولكنه شديد العصبية والغيرة فقد كان يعلم أننى خطبت لابن عمتي قبل زواجي منه ودامت هذه الخطبة ستة أشهر ولم يحدث وفاق بينى وبين ابن عمتي وفسخنا الخطبة وتمنى كل منا التوفيق للطرف الآخر ومرت الأيام وتزوجت أنا ولم يتزوج ابن عمتي وبعد فترة قصيرة من زواجى بدأ زوجى يسألنى عن أيام خطبتى لابن عمتي وما الذي حدث بيننا وهل كنت أخرج معه وحدي وأسئلة كثيرة، واعتقدت أنني لو صارحته وحكيت له عن كل التفاصيل بدقة سيرتاح وتنتهى هذه الذكرى من حياتنا ويمضى زواجنا بسلام ولكننى للأسف بعد أن حكيت له كل شيء وأننا والحمد لله لم يحدث بيننا أي شيء يغضب الله ولم أخرج معه وحدي أبداً ولكنى كنت أشعر أننى أحبه وتخيلته زوجاً لي فى المستقبل وانتهى كل هذا بفسخ الخطبة وعدم حدوث وفاق بيننا وأصبح ابن عمتي مجرد أخ لي، فما كان من زوجى إلا أنه أصبح شديد العصبية معى لأتفه الأسباب وأصبح دائم الأسئلة ماذا كنت تفعلين وقت غيابي في العمل ومع من كنت تتحدثين فى التليفون وإذا جلست صامتة يسألني عما كنت أفكر فيه ولا أخفي عليكم لقد ندمت أشد الندم على صراحتى مع زوجى فى موضوع خطبتى السابقة وبدأت ألمح الشك فى كل تصرفات زوجي معي وشكوت لأخي حالي لأن والدي مريض ولا أريد أن أزعجه وطلب مني أخي الصبر من أجل الولدين حتى لا تتدمر حياتنا وتحدث مع زوجي وطلب منه محاولة السيطرة على عصبيته معي وعدم الشك فى وفائي له ولأسرتي والحمد لله هدأت العاصفة بزواج ابن عمتى وسفره إلى الخارج وبدأت معاملة زوجى تتغير للأحسن و لولا زواج ابن عمتى لكانت حياتى مع زوجى انتهت. فصراحتي مع زوجي عن الماضي سببت لي تصدعات في حياتي الزوجية

الخصوصية مِن حق مَن ؟؟

يبدأ أمجد ضابط شرطة حديث بابتسامة خجل من نفسه فيقول: أنا متزوج منذ عام وأحب زوجتى جداً وأغار عليها من أي شيء ومن شدة حبي لها أعطيت لنفسي الحق أن أعرف عنها كل شيء وبأدق التفاصيل نعم كل شيء عن علاقاتها بأهلها أو صديقاتها وجيراننا لدرجة أنني كنت دائم التلصص على الموبايل الخاص بها وكنت أفتش فى دفاترها وأي مذكرات تكتبها ووضعت جهاز تصنت على تليفون المنزل وهذا كله كان نابعا من اعتقادي أنه لا يوجد شيء اسمه الخصوصية في حيات الزوجات وأن من حق أى زوج أن يعرف كل شيء دون استثناء في حياة زوجته إلى أن استمعت إلى إحدى المكالمات بين زوجتى وصديقتها وكانت فى موضوعات نسائية لايصح أن أسمعها وتخيلت لو علمت زوجتى وصديقتها بسماعى لهما كم الحرج الذى سأسببه لهما وهنا فقط أدركت أن هناك شيئا من الخصوصية فى حياة الزوجة ليس من حق الزوج الاطلاع عليه ومنذ هذه اللحظة توقفت عن كل ما كنت أفعله وأخرجت جهاز التصنت من التليفون ولم أعد أتلصص على زوجتي وأدركت أن هناك فرقا كبيرا بين الغيرة والشك فالغيرة وجه من أوجه الحب ولكن ليس بشكل مرضي ورغم أنها تضفي على الحياة الزوجية طابعاً خاصا له حلاوته إلا إنها لو تحولت لشك ماتت كل الروابط الجميلة بين الزوجين

التجارب السيئة فى حياة الزوج

ونغوص فى أعماق الأخت منة الله مطلقة حديثاً لنلمس معها ماذا فعل الشك فى حياتها الزوجية فتبدأ حديثها بدموع منهمرة وقلب جريح ونفس محطمة فتقول: تزوجت من قريب لي كان يعيش فى الخارج وعاد إلى أرض الوطن باحثاً عن الاستقرار العائلي وتقدم لوالدي وأقنعني الجميع أنه هدية من السماء وحسدتنى عليه كل فتيات العائلة فهو وسيم ورجل أعمال ودائم السفر وتزوجت بفرح أسطورى وسافرت مع زوجى لقضاء شهر العسل وكم كانت لحظات السعادة قليلة فى حياتى فبعد أيام من زواجى كان زوجى عائداً من العمل ودخل الفيلا وسمعنى أضحك فى التليفون وأنهيت المكالمة وبدون سابق إنذار لطمنى زوجى على وجهى وانهال على جسدى الضئيل بالضرب حتى غبت عن الوعى نعم لقد تحول الزوج الوسيم فى لحظة إلى غول ووحش كاسر وأدركت بعد ذلك أن زوجى شكاك لدرجة الجنون وعرفت بعد فترة قصيرة من بعض الجيران وأصدقاء زوجى أنه كان زير نساء وكانت له علاقات سيئة قبل الزواج ودفعت أنا الثمن الغالى من ضرب وإهانة وحاول كل من حولىي مساندتي لتحمل زوجي والصبر عليه واعتباره نوعا من البلاء ومحاولة مساعدة زوجى للتخلص من ماضيه السيئ ومحاولة تغيير الصورة السيئة عن المرأة فى حياته ولكنى لم أستطع الصمود طويلاً فقد كنت فى حفلة عشاء مع زوجى وابتسم له أحد رجال الأعمال فاعتقد أنه يبتسم لي وأن هناك صلة بينى وبينه فجذبنى بشدة أمام الحاضرين ووضعنى فى السيارة وعدنا إلى البيت وكالعادة إنهال علي بالضرب المبرح وغبت عن الوعى وعندما أفقت وجدت نفسى فى المستشفى وعرفت أننى كنت حاملا وفقدت هذا الجنين من شدة الضرب ووجدت يدي وساقي مكسورتين، والغريب أنه كان يبكي كل مرة يضربنى فيها ويعدنى أنها آخر مرة، ولكنى صممت هذه المرة على الطلاق وعدت إلى أهلى بقلب مكسور ونفس جريحة وجسد محطم بعد زواج دام سبعة أشهر مروت كأنها الدهر كله

كيف نقضى على شبح الشك

حملنا هذه التجارب إلى الدكتورة سلوى عبد السلام أستاذ علم النفس لمعرفة رأيها فى هذه المشكلة فقالت: إن الشك مكيدة من مكائد الشيطان ويجب أن نفرق جيداً بين الشك والغيرة، فالشك سرطان يدمر الحياة الزوجية، أما الغيرة فهىي وجه جميل من أوجه الحب لما لها من تأثير وطابع خاص له حلاوته وهي مطلوبة ولكن بحدود فغيرة الزوج الشديدة بدون سبب ترجع إلى عدم ثقته بنفسه، وشخصية الزوجة أيضاً تلعب دورا كبيرا في إشعال نار الغيرة التى قد تتعدى حدود الغيرة لتصل إلى الشك وهى تنصح الزوجين بعدم التسرع فى الحكم لمجرد الظن ويجب أن يحترم كل منهما مشاعر الطرف الآخروخصوصياته، ويجب أن يكون هناك حكمة وفن فى التعامل بينهما وأن الثقة والوضوح هما مفتاح الحياة الزوجية الناجحة ويجب أن يظل ماضي الزوجة بكل ما فيه من أفراح وأحزان وتجارب ملكا للزوجة فقط، ومحاسبة الزوج لها تكون من تاريخ زواجه منها وأن نأخذ من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كما فعل فى حادثة الإفك وصبر على السيدة عائشة رضىي الله عنها إلى أن برأها الله

وفى النهاية أقول لكم

إن الحب بين الزوجين لا يعنى الامتلاك والأنانية ...والغيرة تكون محببة إذا كانت تقديراً للزوج أو الزوجة وتعبيراً عن حب كل منهما للآخر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة ) فلا تتعدوا حدود الغيرة واطلبوا العون من الله وأخلصوا النية لتعبروا بحياتكم الزوجية شاطئ الأمان ولا تسمحوا لشبح الشك بالتسلل إلى حياتكم وتدميرها.