إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما‏(‏ النساء‏:56)‏
هــذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في الثلث الأول من سورة النساء‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائة وستة وسبعون‏(176)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سور البقرة‏,‏ والأعراف‏,‏ وآل عمران‏,‏ وقد سميت بهذا الإسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء‏,‏ وقد جاء ذلك بكثافة لم ترد في غيرها من سور القرآن الكريم ولذلك يطلق عليها أحيانا اسم سورة النساء الكبري في مقابلة مع سورة الطلاق التي تعرف أحيانا باسم سورة النساء الصغري‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضايا التشريع لكل من المرأة‏,‏ والأسرة‏,‏ والبيت‏,‏ والمجتمع‏,‏ والدولة وعلاقتها الداخلية والخارجية‏.‏ ومن أبرز هذه القضايا أحكام الميراث التي فصلتها السورة الكريمة تفصيلا لا يقبل الزيادة‏.‏

ويأمر ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سورة النساء بالإحسان في كل شيء‏,‏ وبالتراحم‏,‏ والتكافل‏,‏ والتسامح‏,‏ والتناصح‏,‏ وبالأمانة والعدل‏,‏ وبر الوالدين والإحسان إلي ذوي القربي واليتامي والمساكين‏,‏ وبالجهاد في سبيل الله بالنفس والمال‏,‏ وبالتواصي علي حماية المجتمعات الإنسانية من المظالم‏,‏ والفواحش والفتن‏,‏ وحماية كل ضعيف في المجتمع من مثل الإناث واليتامي وغيرهم‏.‏
ودعت السورة الكريمة إلي تربية الفرد المسلم‏,‏ وإلي المجاهدة من أجل إقامة المجتمع الإسلامي الصحيح‏,‏ وإلي تطهير هذا المجتمع من رواسب الجاهلية القديمة والجديدة وإنشائه علي أساس من حقائق الدين الخاتم‏,‏ وضوابطه الأخلاقية والسلوكية‏,‏ وقيمه الربانية‏,‏ وموازينه المقيدة بالعدل‏,‏ وتكاليفه الشرعية اللازمة للنهوض بهذه الأمانة في الأرض حتي يلقي العبد منا ربه‏(‏ تعالي‏)‏ وهو راض عنه فيدخله جنات النعيم‏..‏

وتقرر سورة النساء وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏)‏ كما تؤكد وحدة رسالة السماء‏,‏ والأخوة بين الأنبياء‏,‏ ووحدة الجنس البشري الذي ينتهي نسبه إلي أبوينا آدم وحواء‏(‏ عليهما من الله السلام‏),‏ ولذلك يرتبط كل الناس بوشيجة الرحم وهي وشيجة مقدسة عند رب العالمين لا يتجاوزها إلا معتد‏,‏ وعقابه علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الدنيا شديد‏,‏ وفي الآخرة أشد‏,‏ ومن هنا تدعو سورة النساء إلي احترام هذه الوشيجة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في مطلع هذه السورة المباركة
ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا‏*‏
‏(‏النساء‏:1).‏

وانطلاقا من هذا الأمر الإلهي تؤكد السورة الكريمة ضرورة قيام المجتمع الإنساني علي قاعدة الأسرة التي يحاول الغرب اليوم تدميرها‏,‏ وعلي إحياء الضمير الإنساني الذي قتلته السلوكيات الغربية الجائرة‏,‏ والهابطة إلي مادون الحيوانية العجماء‏..,‏ وعلي ربط المخلوقين بخالقهم عن طريق الدين الصحيح الذي أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي فترة من الرسل‏,‏ وأتمه‏,‏ وأكمله‏,‏ وحفظه في رسالته الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم حياة الناس‏:‏ أفرادا‏,‏ وأسرا‏,‏ ومجتمعات بهذا الدين الخاتم الذي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏ ويأمر ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سورة النساء عباده المؤمنين أن يخلصوا ولاءهم لقيادتهم المؤمنة‏,‏ الخاضعة بالطاعة التامة لله ولرسوله‏,‏ ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله من أجل مقاومة الظلم والقهر والطغيان‏,‏ ومن أجل اقامة عدل الله في الأرض‏,‏ ووعد بأعظم الأجر علي ذلك‏.‏ كما أمر بالهجرة في سبيل الله وعدم الرضوخ لذل الجبابرة من الحكام الجائرين‏,‏ ووعد بالفتح في ذلك فتحا مبينا للمجاهدين الصادقين الصابرين‏.‏
وتتحدث سورة النساء عن بعض مشاهد الآخرة تحذيرا للغافلين من أهوالها‏,‏ وتنادي البشر أن يؤمنوا بما أنزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي خاتم أنبيائه ورسله مصدقا لما معهم‏,‏ من قبل أن ينزل بهم سخطه وعذابه‏,‏ أو أن يطردهم من رحمته‏,‏ وتحذرهم من الشرك بالله فتقول‏:‏

*‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افتري إثما عظيما‏(‏ النساء‏:48)‏
ويكرر ذلك في نفس السورة بقوله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا
‏(‏النساء‏:116)‏

وعرضت سورة النساء لجانب من طغيان اليهود وكفرهم بالله‏(‏ تعالي‏)‏ وتحديهم لخاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم فتقول موجهة الخطاب إليه‏:‏ يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسي سلطانا مبينا‏*‏ ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعتدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا‏*‏ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا‏*‏ وبكفرهم وقولهم علي مريم بهتانا عظيما‏*‏ وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا‏*‏ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما‏*‏ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا‏*‏ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا‏*‏ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما‏*(‏ النساء‏:153‏ ـ‏161).‏

وتخاطب السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ممتدحة القرآن الكريم بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا‏(‏ النساء‏:166)‏
وتؤكد ذلك بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا‏*)(‏ النساء‏:174)‏
كما تمتدح خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقول ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏ ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما‏*)‏
‏(‏النساء‏:170)‏

وتدعو سورة النساء إلي عدم المغالاة في الدين فتقول‏:‏ ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه‏*.(‏ النساء‏:171)‏
وتختتم سورة النساء باستكمال الضوابط الشرعية لقضية الميراث والتي بدأت بالآيتين‏11,12‏ وختمت بالآية رقم‏(176).‏

من التشريعات الاسلامية في سورة النساء
‏1‏ـ الأمر بتقوي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وعبادته بما أمر‏,‏ ومداومة استغفاره والتوبة إليه‏,‏ وطاعة أولي الأمر من المسلمين الصالحين‏,‏ والرجوع إلي حكم الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحكم النبي والرسول الخاتم‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ عند الاختلاف في الرأي‏,‏ وتأمر بمعاداة الشيطان وبعدم اتخاذه وليا لأن في ذلك الخسران المبين‏.‏
‏2‏ ـ الأمر بالمحافظة علي المال العام والخاص‏,‏ وعدم تسليمه للسفهاء‏,‏ وبالحرص علي مال اليتيم‏,‏ وعلي حقوق الضعفاء في المجتمع‏,‏ وعلي أموال الآخرين وحقوقهم والتحذير من مغبة الاعتداء عليها‏.‏

‏3‏ ـ تأكيد حقوق الزوجات‏,‏ والأمر بمعاشرتهن بالمعروف‏,‏ وبإعطائهن كافة حقوقهن‏,‏ ومن حقوقهن المهر الذي هو عطية خالصة لهن‏,‏ وليس لأحد الحق في شيء منه إلا أن تطيب نفس الزوجة بالتنازل عنه أو عن شيء منه‏.‏ ومن حقوقهن أن لهن علي الرجال حق الصون‏,‏ والرعاية‏,‏ والقيام بشئونهن بما أعطي الله‏(‏ تعالي‏)‏ الرجال من صفات وقدرات تهيؤهم لذلك‏.‏
‏4‏ ـ تحديد المحرمات من النساء‏,‏ ووضع الضوابط الصحيحة لاستقامة حياة الأسرة‏,‏ والقوانين المنظمة لها‏,‏ والنهي عن تمني أي من المسلم أو المسلمة أن يكون في غير جنسه‏,‏ لأن لكل جنس دورا ملائما لفطرته التي فطره الله‏(‏ تعالي‏),‏ ولاستعداداته التي زوده الله‏(‏ سبحانه‏)‏ بها‏,‏ وبالجنسين معا يكتمل المجتمع‏,‏ وتستقيم أموره‏,‏ وتكون استمرارية الجنس البشري إلي ما يشاء الله‏(‏ تعالي‏),‏ ولكل فرد نصيب مما اكتسب‏,‏ وعليه أن يسأل الله العلي القدير من فضله‏(‏ إن الله كان بكل شيء عليما‏).‏

‏5‏ ـ الأمر بالإحسان إلي الوالدين‏,‏ وإلي ذوي القربي واليتامي‏,‏ وإلي الجار ذي القربي‏,‏ والجار الجنب‏,‏ وإلي الصاحب بالجنب‏,‏ وابن السبيل‏,‏ والأمر باحترام العهود والمواثيق‏,‏ وبأداء الأمانات إلي أهلها‏,‏ وبرد التحية‏,‏ والحكم بين الناس بالعدل‏,‏ وبالهجرة في سبيل الله إذا لزم الأمر‏.‏
‏6‏ ـ النهي عن الاختيال والفخر‏,‏ وعن التباهي والكبر‏,‏ وعن تزكية النفس‏,‏ وعن افتراء الكذب علي الله‏,‏ وعن الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم‏,‏ وعن البخل والدعوة إليه أو الأمر به‏,‏ وعن بذل المال رئاء الناس‏,‏ وعن النفاق أو موالاة المنافقين‏,‏ أو المشركين أو الكافرين‏,‏ وعن قبول الاستذلال أو الرضوخ له‏,‏ وعن تعاطي المسكرات‏,‏ وعن الاقتراب من الفاحشة أو أشاعتها بين الناس‏.‏

‏7‏ ـ التقيد بأوامر الله‏(‏ تعالي‏)‏ في توزيع الميراث‏.‏
‏8‏ ـ تفصيل شروط الطهارة‏.‏
‏9‏ ـ الأمر بتدبر آيات القرآن الكريم‏.‏

‏10‏ ـ التأكيد علي مواقيت الصلاة وعلي إقامتها في وقتها‏,‏ وتشريع صلاة المسافر‏,‏ وصلاة المقاتل‏(‏ صلاة الحرب أو صلاة الخوف‏).‏
‏11‏ ـ النهي عن قتل المؤمن إلا خطأ‏,‏ وتفصيل أحكام القتل الخطأ‏,‏ والنهي كذلك عن الوجود في مجالس يستهزأ فيها بآيات الله‏.‏

‏12‏ ـ الأمر بالقتال في سبيل الله دون خشية من أولياء الشيطان لأن ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ يقول وقوله الحق‏...‏ فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا‏(‏ النساء‏:76)‏
وتؤكد الآيات في سورة النساء فضل المجاهدين علي القاعدين

من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة النساء
‏1‏ ـ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏),‏ والإيمان بملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الآخر‏,‏ واليقين بأنه‏(‏ تعالي شأنه‏)‏ رقيب علي عباده‏,‏ حسيب عليهم‏,‏ عادل بينهم‏,‏ لا يظلم مثقال ذرة وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ محيط بكل شيء‏,‏ تواب رحيم‏,‏ عليم حكيم‏,‏ غفور ودود‏,‏ غني حميد‏,‏ قدير وكيل‏,‏ سميع بصير‏,‏ شاكر كريم إلي غير ذلك مما وصف به ذاته العلية‏.‏
‏2‏ ـ اليقين بأن الجنة حق وأن النار حق‏,‏ وانها إما جنة أبدا‏,‏ أو نار ابدا‏.‏

‏3‏ ـ التسليم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يغفر أن يشرك به‏,‏ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏.‏
‏4‏ ـ وجوب طاعة الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وطاعة جميع أنبيائه ورسله‏,‏ وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

‏5‏ ـ اليقين بأن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل بالحق علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ والمحفوظ بحفظ الله‏(‏ تعالي‏)‏ في نفس لغته إلي قيام الساعة‏.‏
‏6‏ ـ الإيمان بوحدة رسالة السماء‏,‏ لوحدانية مرسلها‏,‏ وبالأخوة بين الأنبياء لوحدانية المصدر الذي تلقوا الوحي عنه‏,‏ واليقين بصدق بعثة الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي تكاملت في رسالته كل الرسالات السابقة ولذلك تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظها فحفظت في نفس لغة الوحي‏(‏ العربية‏),‏ لأنه ليس من بعده‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ من نبي ولا رسول‏,‏ وقد أوكل حفظ الرسالات السابقة لأصحابها فضيعوها‏.‏

‏7‏ ـ التسليم بأن الموت حق علي جميع العباد‏,‏ وبأن متاع الدنيا قليل‏,‏ وأن الآخرة خير لمن اتقي‏,‏ وأن الشيطان للإنسان عدو مبين‏,‏ وأن مخالفته ومعاداته طوق النجاة للصالحين من عباد الله‏,‏ وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين‏,‏ والإيمان الجازم بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):....‏ ولن يجعل الله للكافرين علي المومنين سبيلا‏(‏ النساء‏:141).‏
‏8‏ ـ التصديق بأن الكافرين والمنافقين في الدرك الأسفل من النار‏,‏ وأن حكم الله في الكافرين أوضحته سورة النساء بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا‏*‏ أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا‏*‏
‏(‏النساء‏:150‏ ـ‏151).‏

‏9‏ ـ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق الناس جميعا‏...‏ من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء‏...‏ ومحاولة إنكار ذلك أو التطاول عليه إنكار لطلاقة القدرة الإلهية التي لاتحدها حدود‏,‏ وإنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وحكم ذلك معروف عن أهل العلم ومغبته الكفر بالله‏,‏ والعياذ به سبحانه‏).‏

من الإشارات الكونية في سورة النساء
‏1‏ ـ الإشارة إلي خلق الناس جميعا من نفس واحدة‏,‏ خلقها الله‏(‏ تعالي‏)‏ من طين‏,‏ وخلق منها زوجها‏,‏ وبث منهما رجالا كثيرا ونساء‏,‏ والمكتشفات الحديثة في علوم الوراثة تدعم ذلك وتؤيده‏.‏
‏2‏ ـ الأمر بتقوي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في الأرحام لأنها مصانع الخلق‏,‏ وبصونها‏,‏ وحمايتها‏,‏ وتكريمها صونا للانسانية جمعاء ضد العبث المستهتر الذي تحاول الفلسفات الغربية المتهالكة فرضه علي العالم بالقوة اليوم‏,‏ وكل من علم الأجنة‏,‏ وعلم الأمراض تؤكد حكمة أمر الله في ذلك‏.‏

‏3‏ ـ العلوم المكتسبة في قمة من قممها اليوم تؤكد الحكمة من تشريع المحرمات من النساء‏.‏
‏4‏ ـ التلميح الي ضآلة حجم الذرة بضرب المثل بها في الصغر‏.‏

‏5‏ ـ الإشارة إلي الحساسية المفرطة لجلد الإنسان بحيث إذا أزيل فإنه لا يشعر بالألم‏,‏ والعلوم المكتسبة تثبت ذلك وتؤكده‏.‏
‏6‏ ـ التنبؤ بأن الشيطان سوف يسول للانسان محاولة تغيير خلق الله بما يعرف اليوم باسم عملية الاستنساخ‏.‏

‏7‏ ـ الإشارة إلي عدد من أمم الأنبياء السابقين‏,‏ والكشوف الأثرية تؤكد صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به في هذا الصدد‏,.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الخامسة من القائمة السابقة‏,‏ والتي جاءت في الآية السادسة والخمسين من سورة النساء‏,‏ التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما‏*(‏ النساء‏:56)‏
وقبل الوصول الي الدلالة العلمية للآية الكريمة لابد من شرح الدلالة اللغوية لعدد من ألفاظها‏.‏
من الدلالات اللغوية لعدد من ألفاظ الآية الكريمة
أولا‏:(‏ نصليهم‏):‏ أصل‏(‏ الصلي‏)‏ لإيقاد النار‏;‏ ويقال‏:(‏ صلي‏)‏ بالنار واصطلي بها أي بلي بها‏;‏ ويقال‏:(‏ صليت‏)‏ الشاة‏;‏ أي‏:‏ شويتها‏,‏ وهي‏(‏ مصلية‏)‏ أي مشوية‏.‏
وجاء الفعل‏(‏ يصلي‏)‏ بتصريفاته المختلفة خمسا وعشرين مرة في القرآن الكريم علي النحو التالي‏:‏

*.....‏ وسيصلون‏)‏ سعيرا‏...‏
‏(‏النساء‏:10).‏
‏*.....‏ فسوف‏(‏ نصليه‏)...(‏ النساء‏:30)‏
‏*.....‏ سوف‏(‏ نصليهم‏)‏ نارا‏...‏
‏(‏النساء‏:56)‏
‏*.....‏ و‏(‏ نصله‏)‏ جهنم وساءت مصيرا‏*(‏ النساء‏:115)‏
‏*‏ جهنم‏(‏ يصلونها‏)‏ وبئس القرار‏*‏
‏(‏ ابراهيم‏:29)‏

*.....‏ ثم جعلنا له جهنم‏(‏ يصلاها‏)‏ مذموما مدحورا‏*(‏ الاسراء‏:18)‏
‏*‏ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولي بها‏(‏ صليا‏)*(‏ مريم‏:90)‏
‏*.....‏ أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم‏(‏ تصطلون‏)*(‏ النمل‏:7)‏
‏*.....‏ لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم‏(‏ تصطلون‏)*(‏ القصص‏:29)‏
‏*(‏ اصلوها‏)‏ اليوم بما كنتم تكفرون‏*‏
‏(‏ يس‏:64)‏

*‏ إلا من هو‏(‏ صال‏)‏ الجحيم‏*‏
‏(‏الصافات‏:163)‏
‏*‏ جهنم‏(‏ يصلونها‏)‏ فبئس المهاد‏*‏
‏(‏ ص‏:56)‏
‏*.....‏ إنهم‏(‏ صالوا‏)‏ النار‏*(‏ الطور‏:16)‏
‏*(‏ وتصلية‏)‏ جحيم‏*(‏ الواقعة‏:64)‏
‏*.....‏ جهنم‏(‏ يصلونها‏)‏ فبئس المصير‏*(‏ المجادلة‏:8)‏

*‏ ثم الجحيم‏(‏ صلوه‏)(‏ الحاقة‏:31)‏
‏*(‏ سأصليه‏)‏ سقر‏*(‏ المدثر‏:26)‏
‏*(‏ يصلونها‏)‏ يوم الدين‏*(‏ الانفطار‏:15)‏
‏*‏ ثم إنهم‏(‏ لصالوا‏)‏ الجحيم‏*‏
‏(‏ المطففين‏:16)‏

*‏ ويصلي‏)‏ سعيرا‏*(‏ الانشقاق‏:12)‏
‏*‏ الذي‏(‏ يصلي‏)‏ النار الكبري‏*‏
‏(‏ الأعلي‏:12)‏
‏*(‏ تصلي‏)‏ نارا حامية‏*(‏ الغاشية‏:4)‏
‏*‏ لا‏(‏ يصلاها‏)‏ إلا الأشقي‏*(‏ الليل‏:15)‏
‏*(‏ سيصلي‏)‏ نار ذات لهب‏*(‏ المسد‏:3)‏

وفي اللغة‏(‏ صلي‏)‏ الكافر النار‏,‏ أي‏:‏ قاسي حرها‏,‏ وقيل‏:(‏ صلي‏),‏ النار أي دخل فيها‏,‏ و‏(‏أصلاها‏)‏غيره‏,‏ أي‏:‏ أدخله فيها‏,‏ وقيل‏:(‏ صليا‏)‏ جمع‏(‏ صال‏),‏ و‏(‏الصلاء‏)‏ يقال للوقود وللشواء‏.‏
وقال بعض علماء اللغة إن أصل‏(‏ الصلاة‏)‏ من الصلاء وأن معني‏(‏صلي‏)‏ أي أزال عن نفسه‏(‏ الصلاء‏)‏ الذي هو نار الله الموقدة وذلك بأداء هذه العبادة العظيمة‏.‏
ثانيا‏:(‏ نضجت‏):‏ يقال‏:‏ نضج اللحم‏(‏ نضجا‏)‏ و‏(‏نضجا‏)‏ إذا أدرك شيه‏,‏ فهو‏(‏ ناضج‏)‏ و‏(‏ نضيج‏),‏ وكذلك يقال للثمر إذا أدرك أوان أكله‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
يعتبر جلد الانسان إهابا يلف جسمه‏,‏ ويحمي خلاياه وأنسجته وأعضاءه الداخلية‏,‏ ويعطي لكل فرد منا شكله ولونه‏.‏ وبالاضافة الي ذلك يقوم جلد الانسان بالعديد من الوظائف الحيوية المهمة من الحس واللمس‏,‏ وتكوين فيتامين د من أشعة الشمس‏,‏ وتنظيم درجة حرارة ونسبة رطوبة الجسم‏,‏ وحمايته من الضغوط والمخاطر الخارجية من مثل الصدمات والكدمات‏,‏ والملوثات‏,‏ ومسببات الأمراض‏,‏ وتقلبات الجو‏,‏ والأشعات الضارة القادمة من الشمس أو من غيرها من المصادر خاصة الأشعة فوق البنفسجية وهي أشعة غير مرئية وضارة بالجسم‏,‏ من أجل هذه الوظائف المهمة أعطي الله ـ سبحانه وتعالي ـ لجسم الانسان قدرات هائلة علي سرعة الالتئام ذاتيا‏,‏ ومن أجل ذلك أيضا يعتبره كثير من الأطباء جهازا قائما بذاته يعرف باسم الجهاز الجلدي
‏(TheIntegumentarySystem)‏
لذلك إذا دمر جلد الانسان عن طريق الحرق الكامل أو الجروح العامة الواسعة الانتشار في الجسم فإن ذلك قد يؤدي الي الوفاة‏.‏
وجلد الانسان لا يتعدي سمكه ملليمترا واحدا إلي خمسة ملليمترات‏(1‏ ـ‏5‏ مم‏)‏ ويتكون من طبقتين أساسيتين كما يلي‏:‏

‏1‏ ـ البشرة‏(TheEpidermsis):‏ وهي طبقة الجلد العليا‏(‏ الخارجية‏),‏وهي طبقة رقيقة جدا‏,‏ عازلة للماء‏,‏ ومكونة أساسا من الخلايا القرنية التي تشكل‏(90%)‏ منها‏,‏ وهي خلايا كاروتينية تنتج أليافا بروتينية من مادة الكيراتين الحامية للجلد‏,‏ وتحتوي البشرة أيضا علي الخلايا الصبغية التي تنتج صبغة الميلانين‏(Melanin)‏ فتعطي للجلد لونه‏,‏ وتحميه من الأشعة فوق البنفسجية الضارة وذلك بتدميرها وامتصاص ما بقي منها‏.‏ وتتجدد البشرة تلقائيا مرة كل شهر تقريبا وذلك بتورق خلاياها من أجزائها السفلي‏,‏ وتساقطها بطريقة مستمرة‏.‏ ويفقد كل فرد منا ما بين ثلاثين ألفا الي أربعين ألف خلية من خلايا البشرة في كل دقيقة‏,‏ وحوالي تسعة ارطال من خلايا الجلد في كل سنة‏.‏ وتتغذي البشرة عن طريق الراقات العليا من طبقة الأدمة التي توجد أسفل منها والمعروفة باسم الأدمة المحببة‏(ThePapillaryDermis)‏ وذلك لأن البشرة لا يوجد بها أية أوعية دموية علي الاطلاق وإن وجدت بها بعض النهايات العصبية وجسيمات الحس‏,‏ ومستقبلات اللمس والتي تعين علي التمييز بين الأجسام والأنسجة المختلفة‏.‏ ويمكن لمستقبلات اللمس في البشرة من إدراك منخفضات لا يزيد عمقها علي‏0.01‏ من الملليمتر‏,‏ وإدراك أوزان لا تزيد كتلتها عن أربعة ملليجرامات‏(0.004‏ جم‏),‏ وهذا مما يعين مكفوفي البصر علي القراءة بواسطة طريقة برايل‏TheBrailleMethod,‏ وعلي الرؤية بواسطة أطراف أناملهم‏.‏

‏2‏ ـ الأدمة‏(TheDermis):‏ وهي طبقة تحت البشرة مباشرة‏,‏ سميكة نسبيا وتتكون من حزم من الأنسجة الضامة والألياف المكونة من مادة الكولاجين‏(CollagenFibrilis)‏ وأعداد من الخيوط المرنة وتنتشر في الأدمة الأوعية الدموية‏,‏ والليمفاوية‏,‏ والنهايات العصبية‏,‏ وجسيمات الحس‏,‏ بالاضافة الي الغدد العرقية‏(SweatGlands),‏ والدهنية‏(SepaceousGlands),‏ والزيتية‏(OilGlands)‏ وبصيلات الشعر وعضلاته‏,‏ وغيرها من ملحقات الجلد‏.‏
وتنقسم الأدمة إلي قسم رقيق علوي محبب يعرف باسم الأدمة الحبيبية‏(ThePapillaryDermis),‏ وقسم سميك سفلي شبكي يعرف باسم الأدمة الشبكية‏(ThereticularDermis),‏ وتتكون من حزم ألياف الكولاجين المتقاطعة مع بعضها البعض بزوايا مختلفة تعين الجلد علي التمدد دون تعرضه للتمزق‏.‏ وفي فتحات هذه الطبقة الشبكية يختزن قدر من الماء المذاب فيه نسب مختلفة من أيونات العناصر الاليكتروليتات‏.‏ وأغلب هذا الماء مستمد من الدم‏,‏ ويوجد علي هيئة غير حرة‏.‏ ويتحرك كل من الدم والليمف بالأدمة في نظام مغلق من الأوعية الدموية والليمفاوية المرنة والدقيقة جدا وشبه المنفذة‏,‏ التي تتبادل مع خلاياها الأكسجين في مقابل ثاني أكسيد الكربون‏.‏ والمواد الغذائية في مقابل نفايات الخلايا‏,‏ وذلك في شبكتين أفقيتين من تلك الأوعية ترتبطان بعدد من الأوعية الرأسية‏.‏ ويبلغ طول شبكة الأوعية الدموية في جلد فرد واحد من الأفراد البالغين حوالي‏(240‏ كم‏)‏ بينما يصل طولها في كامل جسمه إلي حوالي‏(1440‏ كم‏).‏ وتتماسك الأدمة مع البشرة بواسطة نسيج رابط يعرف باسم الغشاء الأساسي الرابط‏.(TheConnectingBasementMembrane)‏ ليكونا معا ذلك الاهاب الواقي المعروف باسم الجلد‏,‏ والذي يعلو طبقة من الألياف البروتينية والدهون الحاوية لأعداد من الغدد والمستقبلات الحسية تعرف باسم طبقة ما تحت الجلد‏(The.SubcutaneousLayer)‏ والأوعية الدموية في الأدمة الخارجية تلعب دورا مهما في تنظيم درجة حرارة الجسم‏,‏ وتنظيم ضغط دمه‏,‏ وذلك بالانكماش في الأجواء الباردة‏,‏ وبالتمدد في الأجواء الحارة‏,‏ كما يتم تنظيم درجة حرارة جسم الانسان كذلك عن طريق بخر العرق‏.‏

كيف يحس جلد الإنسان ويشعر بالألم
يعتمد إحساس الانسان بالوسط الخارجي علي عدد من الوسائط أهمها وأولها الجلد وما ينتشر به من نهايات عصبية تتصل بمراكز خاصة في المخ‏.‏ فالجلد تنتشر به شبكة مكثفة من الأعصاب‏,‏ والخيوط والنهايات العصبية المتشعبة بدقة بالغة في مختلف أجزاء الأدمة‏,‏ وتستمر الي حد ما في البشرة‏.‏ وهذه الأعصاب والخيوط‏,‏ ونهاياتها تنقل الي كل من الحبل الشوكي‏,‏ وجذع المخ وقشرته كل مسببات الألم من الضغوط‏,‏ والاهتزازات‏,‏ والالتهابات‏,‏ والاحتكاكات والتباين في درجات الحرارة‏,‏ وغيرها من المستقبلات الحسية التي تولد إشارة عصبية تصل فورا الي المخ‏.‏ ومراكز الاستقبال الحسية تنتشر بكثافة علي الجلد وتتركز في أجزاء خاصة منه‏.‏ وقد ثبت بالدراسة أن السنتيمتر المربع الواحد من الجلد يحوي مستقبلين للحرارة‏,‏ واثني عشر مستقبلا للبرودة‏,‏ وخمسين مستقبلا للضغط‏,‏ ومائتي مستقبل للألم‏.‏ فإذا زادت درجة الحرارة علي‏45‏ درجة مئوية فإن مستقبلات الحرارة تتحول إلي مستقبلات للألم بدلا من الشعور بالدفء‏,‏ وبذلك يتضاعف الألم مع الاحتراق أضعافا كثيرة‏.‏
ومضة الإعجاز في الآية الكريمة
يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏

إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما‏*‏
‏(‏النساء‏:56).‏

وهذه الآية الكريمة تؤكد أن إحساس الانسان بالألم يتركز في الجلد‏,‏ وأنه اذا انتزع الجلد فقد الانسان الاحساس بالألم‏,‏ ولذلك قال ربنا ـ عز من قائل ـ‏....‏ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب‏....‏ وهذه الحقيقة العلمية لم يدركها الأطباء الا في أثناء الحرب العالمية الثانية‏(1939‏ م ـ‏1945‏ م‏)‏ حين لاحظوا أن الجنود الذين قد أصيبوا بإصابات بالغة اثناء القتال أدت الي تهتك الجلد لم يشعروا بالآلام الا لحظة الاصابة‏,‏ ولكن بعد تهتك أنسجة الجلد زال الألم فعلا واستنتجوا أن ذلك لابد وأنه قد تم بموت الأعصاب المتركزة في الجلد حيث تتركز جسيمات الاحساس بالألم فيه‏,‏ ولا توجد في غيره من أجزاء الجسم‏.‏ وقد سبق القرآن الكريم بالاشارة الي ذلك فقال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:...‏ بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب‏....‏
ثم يأتي العلم في أواخر القرن العشرين ليؤكد وجود ملايين المستقبلات الحسية الموزعة في جلد الانسان وإن تميزت بتركيز خاص في بعض أجزائه من مثل الشفاه والأنامل‏,‏ وأن عددا من هذه المستقبلات مخصص للمس‏,‏ أو للشعور بالضغوط الخفيفة والثقيلة‏,‏ وأن عددا آخر مخصص للشعور بالألم‏,‏ ومجموعة ثالثة مخصصة للشعور بالاختلاف في درجات الحرارة هبوطا أو صعودا عن درجة حرارة الجسم‏(37‏ درجة مئوية‏),‏ وأن مستقبلات الحرارة تتحول الي مستقبلات للألم إذا تجاوزت درجة الحرارة مقدار‏45‏ درجة مئوية‏.‏

والآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها تعتبر سبقا لجميع هذه المعارف المكتسبة بأكثر من ثلاثة عشر قرنا‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتخيل مصدرا لهذا الحق الذي جاء فيها غير الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ فالحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة الاسلام‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام الذي بعثه الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة‏,‏ وأنزل عليه القرآن الكريم شاهدا له بالنبوة وبالرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏