ناصـــية كاذبــة خاطــــئة‏(‏ العلق‏:16)‏
هــذه الآية الكريمة جاءت في خواتيم سورة العلق وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها تسع عشرة‏19‏ بعد البسملة‏,‏ والآيات الخمس الأولي منها هي أول مانزل من القرآن الكريم‏.‏ وقد سميت السورة بهذا الاسم للإشارة في مطلعها إلي خلق الإنسان من علق وهي مرحلة من مراحل جنين الإنسان تشبه دودة العلق شكلا ووظيفة‏,‏ ووصف القرآن الكريم لتلك المرحلة بهذه الدقة التي اثبتتها دراسات الجنين الانساني مؤخرا‏,‏ في طور علي قدر من الضآلة لايمكن إدراكه بالعين المجردة في زمن لم يتوفر للإنسان أية وسيلة من وسائل التكبير أو الكشف أو التصوير لمما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ ويجزم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية ـ ولم يقطعه لرسالة سابقة ابدا ـ وحفظه في نفس لغة وحيه اللغة العربية‏,‏ وحفظه حفظا كاملا‏:‏ كلمة كلمة وحرفا حرفا ليبقي شاهدا علي الناس جميعا بأنه كلام الله الخالق‏,‏ وشاهدا للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏
وتسمي سورة العلق أيضا باسم مطلعها اقرأ لاستهلالها بالأمر بالقراءة والكتابة وبالتعظيم لأدواتهما كوسيلة من وسائل اكتساب المعرفة في هذه الحياة‏.‏

ولسورة العلق ثلاثة محاور‏,‏ يدور الأول منها حول بدء تنزيل الوحي السماوي علي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم‏,‏ ويدور الثاني حول التنبيه إلي خطر المال علي بعض الأفراد حين يغريهم بشيء من الطغيان علي الآخرين والبطش بهم‏,‏ ويغويهم بالخروج علي منهج الله ومخالفة أوامره‏,‏ ويدور المحور الثالث حول واقعة لرأس الكفر أبي جهل‏,‏ حين تعرض لمنع رسول الله صلي الله عليه وسلم من الصلاة عند الكعبة المشرفة‏.‏
وتبدأ سورة العلق بأمر من الله ـ تعالي ـ إلي خاتم أنبيائه ورسله صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏,‏ بأن يقرأ باسم الله الخالق‏,‏ وهو الأمر الذي نزل به جبريل إليه بالوحي الالهي لأول مرة‏,‏ وهو في غار حراء يتعبد الله ـ تعالي ـ علي الحنيفية السمحة‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات في مطلع سورة العلق‏:‏

اقرأ باسم ربك الذي خلق‏*‏ خلق الانسان من علق‏*‏ إقرأ وربك الأكرم‏*‏ الذي علم بالقلم‏*‏ علم الإنسان مالم يعلم‏.‏
‏(‏العلق‏:1‏ ـ‏5).‏

وتقدير ذلك‏:‏ إقرأ يا محمد ـ وليقرأ جميع المؤمنين ببعثتك الشريفة ـ ما يوحي إليك من كلام رب العالمين مبتدئا باسمه العظيم‏,‏ مفتتحا قراءتك‏,‏ وجميع أعمالك بذلك‏,‏ ومستعينا بالذي خلقك ـ وخلق جميع المخلوقات من حولك‏,‏ وخلق الانسان من مرحلة جنينية تشبه دودة العلق شكلا ووظيفة‏.‏
ثم جاء الأمر بالقراءة مرة أخري للتأكيد علي هذه الدعوة المباركة وتقريرها فقال تعالي‏:‏ اقرأ وربك الأكرم وهذه الآية الكريمة جاءت في صياغة مستأنفة بعد انقطاع الآيات السابقة بما اعتذر به صلي الله عليه وسلم من قوله‏:‏ ما أنا بقاريء يريد أن القراءة شأن من يستطيع الكتابة‏,‏ وهو أمي صلي الله عليه وسلم فقال له جبريل‏(‏ عليه السلام‏):‏ إقرأ وربك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم أي الغامر لعباده بفضله وكرمه‏,‏ الحليم عن جهالاتهم‏,‏ ومعاصيهم‏.‏ ومن صور التفضيل الإلهي علي عباده خلق الإنسان‏,‏ وتعليمه البيان‏,‏ وتعليمه بالقلم‏,‏ مالم يكن يعلم وبعثة خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم‏,‏ وانزال القرآن الكريم‏,‏ وحفظه في نفس لغة وحيه ـ اللغة العربية ـ وحفظه حفظا كاملا‏:‏ حرفا حرفا‏,‏ وكلمة كلمة‏,‏ وآية أية‏,‏ وسورة سورة علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏,‏ والتعهد بذلك إلي قيام الساعة‏,‏ وإلي ما يشاء الله تعالي بعد ان تعرضت كل صور الوحي السابقة للضياع‏,‏ وتعرض مابقي منها من ذكريات إلي قدر من التحريف الذي اخرجها عن إطارها الرباني‏,‏ وجعلها عاجزة عن هداية اتباعها‏.‏

(‏الذي علم بالقلم‏*‏ علم الانسان مالم يعلم‏):‏ أي‏:‏ أن الله ـ تعالي ـ علم الإنسان بالقلم مالم يعلم به من قبل‏,‏ والقلم نعمة عظيمة من نعم الله ـ سبحانه وتعالي ـ علي عباده‏,‏ فلولا القلم ما انتقل الناس من ظلمة الجهل إلي نور العلم‏,‏ وسمي القلم قلما لانه يقلم أي يقطع ظلمة الجهالة بنور العلم‏,‏ ومن ثم بنور اليقين المنزل في الهداية الربانية للعباد‏.‏ فلولا القلم مادون وحي السماء ما دونت المعارف والعلوم بمختلف أنواعها ومنها‏:‏ العلوم الوهبية المستقاة من وحي السماء‏,‏ والعلوم المكتسبة المستوحاة من اجتهاد العلماء في مختلف الأماكن والأزمان ولولا القلم ما سجلت أقوال الأولين ومقالاتهم‏,‏ ولا ضبطت أحكامهم وحكمهم‏,‏ ولا علمنا عن تاريخهم شيئا‏.‏
وبعد ذلك تستعرض الآيات في سورة العلق جانبا من طبائع النفس الإنسانية التي كثيرا ما يطغيها المال والجاه والسلطان‏,‏ ويغريها بالخروج علي منهج الله‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
كلا إن الإنسان ليطغي‏*‏ ان رآه استغني
‏(‏العلق‏:6‏ و‏7).‏

و‏(‏كلا‏)‏ كلمة ردع وزجر بمعني‏:‏ حقا‏,‏ وهي هنا تردع وتزجر كل من كفر بنعم الله عليه‏,‏ فقابلها بالتجبر والطغيان علي الخلق بدلا من الاحسان إليهم من قبيل العرفان بفضل الله ـ سبحانه وتعالي ـ عليه‏.‏
وترد سورة العلق علي هذا الموقف الجاحد بتذكير الإنسان بحتمية موته‏,‏ ثم بعثه بعد موته‏,‏ وحشره‏,‏ ورجوعه إلي ربه لمحاسبته‏(‏ عن عمره فيم أفناه‏,‏ وعن شبابه فيم أبلاه‏,‏ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‏,‏ وعن علمه فيم أفاد به‏),‏ وفي ذلك تقول الآية الثامنة من هذه السورة المباركة‏:‏
إن إلي ربك الرجعي‏(‏ العلق‏:8)‏

وفي ذلك تذكير لكل غني أطغاه ماله‏,‏ أو جاهه وسلطانه وتهديد ووعيد بأنه راجع حتما إلي ربه‏,‏ فما له بعد هذه الحياة الدنيا إلا الموت ـ مهما طال أجله ـ ثم حياة البرزخ وسط تراب الأرض ـ مهما كان منصبه ـ ثم له حساب القبر وجزاؤه‏,‏ ثم البعث والنشور‏,‏ والحشر والحساب والميزان والصراط‏,‏ ثم الخلود في الآخرة‏,‏ إما في الجنة ابدا أو في النار ابدا‏.‏
وتنتقل الآيات بعد ذلك إلي واقعة محددة تخص رأس الكفر أبا جهل حين حاول منع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من الصلاة عند مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ‏,‏ وتتوعد الآيات هذا الجاحد للحق بأن الله ـ تعالي ـ مطلع علي مايفعل‏,‏ وتتهدده إن لم يرجع عن ذلك الغي فإن الله ـ سبحانه وتعالي ـ سوف يجره من ناصيته جرا في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وهي ناصية كاذبة خاطئة‏,‏ ولن يستطيع دفع هذا الأخذ الإلهي مهما يكن له من أنصار‏,‏ وفي يوم القيامة سوف يسلط الله ـ تعالي ـ عليه زبانية جهنم ـ وهم من الملائكة الشداد الغلاظ ـ ليذيقوه أشد ألوان العذاب‏.‏ وفي ذلك يروي عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ قوله إن أبا جهل ـ قاتله الله ـ قال‏:‏ لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه‏,‏ فبلغ ذلك النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ لو فعل لأخذته الملائكة عيانا‏(‏ البخاري وابن جرير‏).‏

وعن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ قال أبوجهل‏:‏ هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟‏(‏ أي هل يصلي ويركع ويسجد أمامكم‏)‏ قالوا‏:‏ نعم‏,‏ قال‏:‏ واللات والعزي‏,‏ لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن علي رقبته‏,‏ ولأعفرن وجهه في التراب‏.‏ فأتي‏(‏ أبوجهل‏)‏ رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو يصلي ليطأ علي رقبته‏.‏ فما فجأهم منه إلا وهو ينكص علي عقبيه‏,‏ ويتقي بيديه‏.‏ فقيل له‏:‏ مالك قال‏:‏ إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة‏.‏ فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا‏(‏ الإمام أحمد‏,‏ ومسلم‏,‏ والنسائي‏,‏ والبيهقي‏..‏ وغيرهم‏).‏
وفي وصف هذه الواقعة تقول الآيات في سورة العلق‏:‏

أرأيت الذي ينهي‏*‏ عبدا إذا صلي‏*‏ أرأيت إن كان علي الهدي‏*‏ أو أمر بالتقوي‏*‏ أرأيت إن كذب وتولي‏*‏ ألم يعلم بأن الله يري‏*‏ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية‏*‏ ناصية كاذبة خاطئة‏*‏ فليدع ناديه‏*‏ سندع الزبانية
العلق‏:9‏ ـ‏18.‏

والذي كان علي الهدي‏,‏ وأمر بالتقوي هو رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ والذي كذب وتولي هو أبوجهل الذي كان غافلا عن الإيمان بالله ـ تعالي ـ‏,‏ وعن إدراك حقيقة أن الله يراه‏,‏ والله يعلم خائنة عينه ومايخفي صدره‏,‏ وهو ـ تعالي ـ مطلع علي جميع أحوال عباده ظاهرها وباطنها‏,‏ وأنه سوف يجازي كلا بما يعمل‏.‏
والاستفهام هنا بتعبير‏(‏ أرأيت‏)‏ هو للتقريع والتوبيخ‏,‏ وهو بمعني أخبرني‏.‏

و‏(‏كلا‏)‏ هي كلمة ردع وزجر للناهي عن عبادة الله ـ تعالي ـ‏,‏ والتعبير بقول الله العزيز‏:(‏ لئن لم ينته‏)‏ توطئة للعقاب الذي فسره قوله ـ عز من قائل ـ‏:(‏ لنسفعا بالناصية‏),‏ و‏(‏السفع‏)‏ هو الجذب بشدة‏,‏ و‏(‏الناصية‏)‏ هي الجبهة أي مقدم الرأس أو الشعر الذي يغطي مقدمة الرأس‏,‏ وجمع‏(‏ الناصية‏)(‏ نواصي‏).‏
وتصف الآية السادسة عشرة من سورة العلق ناصية أبي جهل بأنها‏(‏ ناصية كاذبة خاطئة‏)‏ أي أن صاحبها كاذب‏,‏ خاطيء‏,‏ فاجر‏,‏ يستحق الجذب بشدة من ناصيته إلي ساحة الحساب ثم إلي نار جهنم‏.‏ و‏(‏الخاطيء‏)‏ هو الذي يعمل الذنب متعمدا‏,‏ والمخطيء هو الذي يفعله عن غير قصد‏.‏

وفي قوله ـ تعالي ـ‏:(‏ فليدع ناديه‏)‏ أي‏:‏ فليدع أهله وذويه لنصرته إن استطاعوا‏,‏ وذلك لأن أبا جهل قال لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أتهددني وأنا أكثر الوادي ناديا؟ وترد عليه الآيات بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:[‏ سندع الزبانية‏]‏ أي‏:‏ خزنة جهنم وهم ملائكة غلاظ شداد‏,‏ أولو بطش وقوة‏,‏ لأن أصل‏(‏ الزبن‏)‏ الدفع‏,‏ وأحدهم‏(‏ زابن‏)‏ أو‏(‏ زبنية‏)‏ أو‏(‏ زباني‏),‏ وقيل هو اسم للجمع لا واحد له من لفظه‏.‏
وتختتم سورة العلق بأمر من الله ـ تعالي ـ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ألا يخضع لضغوط كافر مشرك مثل أبي جهل‏,‏ وأن يسجد لله ـ سبحانه وتعالي ـ ويتقرب إليه بالطاعات‏,‏ وفي ذلك الحماية له كل الحماية من أعداء الله‏,‏ وفي ذلك تقول‏:‏
كلا لا تطعه واسجد واقترب
‏(‏ العلق‏:19).‏

من ركائز العقيدة في سورة العلق

(1)‏ الإيمان بالله ـ تعالي ـ ربا واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏,‏ لا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ ولا شبيه له من خلقه‏,‏ ولا حاجة له إلي الصاحبة أو الولد‏,‏ وهما من حاجات المخلوقين والله ـ سبحانه وتعالي ـ منزه عن جميع صفات خلقه‏.‏
‏(2)‏ اليقين بأن كل عمل لايبدأ باسم الله ـ تعالي ـ فهو ناقص انطلاقا من قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ كل عمل لايبدأ باسم الله فهو أبتر‏.‏

(3)‏ التسليم بأن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو خالق كل شيء‏,‏ وأن من بديع صنعه خلق الإنسان في مرحلة من مراحله الجنينية من طور يشبه دودة العلق شكلا ووظيفة‏,‏ فكما تحيا دودة العلق علي امتصاص الدم من العائل الذي تتطفل عليه فإن الجنين في طور العلقة يعيش علي امتصاص الدم من جدار الرحم وهو في بطن أمه‏.‏
‏(4)‏ التصديق بأن الله ـ تعالي ـ هو أكرم الأكرمين‏,‏ وقد تكرم علي الإنسان بخلقه من العدم‏,‏ وجعل خلقته في أحسن تقويم‏,‏ وبرزقه علي غير حول منه ولا قوة‏,‏ وبتسخير بقية المخلوقات له‏,‏ وبإحكام كل شيء في الوجود في انضباط واتساق مذهلين‏,‏ وبحمايته من المخاطر المحيطة بالأرض من كل جانب‏.‏

(5)‏ الإيمان الراسخ بأن الله ـ تعالي ـ علم أبانا آدم ـ عليه السلام ـ الأسماء كلها لحظة خلقه‏,‏ وأنه ـ سبحانه وتعالي ـ هو الذي‏(‏ خلق الإنسان‏*‏ علمه البيان‏),‏ وأنه ـ تعالي ـ هو‏(‏ الذي علم بالقلم‏*‏ علم الإنسان ما لم يعلم‏)‏ وهذا يناقض كل دراسات علم الإنسان‏(‏ الأنثروبولوجيا‏)‏ الذي يدعي واضعوه إن الإنسان بدأ جاهلا كافرا‏,‏ والقرآن الكريم يؤكد أنه بدأ عالما مؤمنا‏.‏ وهذا كلام الله الخالق الذي هو أدري بخلقه من كل من هم سواه‏.‏
‏[6]‏ التسليم بأن المال والجاه والسلطان من مغريات الإنسان بالطغيان إلا من رحم الله ـ تعالي‏.‏

[7]‏ اليقين بحتمية الرجوع إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالموت والبعث والحشر والحساب والخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏.‏
‏[8]‏ التصديق بأن النهي عن عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ من الجرائم التي يعاقب عليها رب العالمين‏.‏

[9]‏ الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ لاتخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏,‏ وأنه يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور‏.‏
‏[10]‏ اليقين بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وأن عبادة الله تعالي بما أمر‏,‏ والحرص علي التقرب إليه من واجبات الإنسان في هذه الحياة‏.‏

من الإشارات العلمية في سورة العلق
‏1‏ ـ تأكيد حقيقة الخلق‏,‏ وعلي أن الله ـ تعالي ـ هو خالق كل شيء‏.‏
‏2‏ ـ الإشارة إلي أن من مراحل الجنين في الإنسان طورا يشبه دودة العلق شكلا ووظيفة‏.‏
‏3‏ ـ تقرير أن الله ـ تعالي ـ هو‏(‏ الذي علم بالقلم‏*‏ علم الإنسان مالم يعلم‏).‏

‏4‏ ـ الإشارة إلي حقيقة في علم النفس مؤداها أن المال والجاه والسلطان من مغريات الإنسان بالطغيان إلا من رحم الله ـ سبحانه وتعالي‏.‏
‏5‏ ـ تأكيد حتمية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ بالموت والبعث والحشر‏,‏ والعلوم المكتسبة تشير إلي إمكانية البعث بعد الموت‏.‏

‏6‏ ـ إثبات واقعة تاريخية لم ينكرها كفار ومشركو قريش وهي تلك الواقعة المتعلقة برأس من رؤوس الكفر ـ وهو أبو جهل ـ حين حاول منع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من الصلاة في الحرم المكي‏.‏
‏7‏ ـ الإشارة إلي أن ناصية الإنسان هي مركز التحكم في شخصيته وسلوكه‏,‏ وتخطيطه وإرادته‏,‏ وتنظيمه لأموره‏,‏ وحل مشاكله‏,‏ وغير ذلك من وظائف معارفه العليا‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أركز هنا علي النقطة السابعة من القائمة السابقة والتي تتحدث عن دور الناصية في تحديد سلوك الإنسان‏.‏

من الدلالات اللغوية للآية الكريمة
‏(‏الناصية‏)‏ واحدة النواصي وهي الجبهة أو مقدم الرأس‏,‏ أو هي المسافة من فوق العينين إلي منبت الشعر في مقدم الرأس‏,‏ وسمي الشعر الذي ينبت من ذلك الموضع ناصية علي سبيل المجاز ويقال‏:‏ انتصي الشعر أي طال حتي نزل علي الناصية‏.‏
ويقال‏(‏ نصاه‏)‏ أي قبض علي ناصيته‏,‏ وفعله‏(‏ نصا‏)(‏ ينصو‏)(‏ نصوا‏)‏ من باب‏(‏ عدا‏)(‏ يعدو‏)(‏ عدوا‏).‏ وعلي ذلك يقال‏:(‏ نصوت‏)‏ فلانا و‏(‏انتصيته‏)‏ و‏(‏ناصيته‏)‏ أي أخذت بناصيته‏.‏ وفي قوله ـ تعالي ـ‏:‏

إني توكلت علي الله ربي وربكم مامن دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي علي صراط مستقيم‏....[‏ هود‏:56].‏
والأخذ بالناصية هنا كناية أو مجازا عن قمة التمكن والتحكم والقهر والغلبة فلا تخرج عن الأمر‏,‏ وإن لم يكن هناك أخذ فعلي بالناصية‏.‏

وفي قوله ـ تعالي ـ‏:‏ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام‏[‏ الرحمن‏:41]‏ أي فتأخذ الملائكة بنواصيهم‏,‏ مجموعة إلي أقدامهم فتقذف بهم إلي النار‏.‏ والعرب إذا أرادوا وصف إنسان بالذلة والخضوع والهوان لغيره قالوا‏:‏ ماناصية فلان إلا بيد فلان‏,‏ أي أنه في قبضته يصرفه كيف يشاء‏.‏
وجاء في سورة العلق قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية‏*‏ ناصية كاذبة خاطئة‏[‏ العلق‏:16,15]‏ و‏(‏السفع‏)‏ هو الأخذ بشدة‏,‏ وهو أيضا السواد الذي يعلو الوجه من شدة الغضب‏,‏ وباعتبار السواد‏:‏ قيل للصقر‏(‏ أسفع‏)‏ لما به من لمع السواد وقيل لأنثاه‏(‏ سعفاء‏).‏

وجاء في أقوال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مارواه كل من الإمام أحمد‏,‏ والطبراني‏,‏ والحاكم ومانصه‏:‏ ما أصاب أحدا قط هم ولاحزن فقال‏:‏ اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك‏,‏ ناصيتي بيدك‏,‏ ماض في حكمك‏,‏ عدل في قضاؤك‏.‏ أسألك بكل اسم هو لك‏,‏ سميت به نفسك‏,‏ أو علمته أحدا من خلقك‏,‏ أو أنزلته في كتابك‏,‏ أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏,‏ أن تجعل القرآن ربيع قلبي‏,‏ ونور بصري‏,‏ وجلاء حزني‏,‏ وذهاب همي‏,‏ إلا أذهب الله همه وحزنه‏,‏ وأبدله مكانه فرجا‏.‏
وروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏(‏ رضي الله عنها‏)‏ قولها‏:‏ مالكم تنصون ميتكم؟ أي تمدون ناصيته‏.‏
ويقال‏:‏ فلان‏(‏ ناصية‏)‏ قومه و‏(‏نصيتهم‏)‏ أي رأسهم وعينهم وخيارهم و‏(‏النصي‏)‏ أفضل المراعي‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
في وصف ناصية كافر مثل أبي جهل بأنها‏(..‏ كاذبة خاطئة‏)‏ تشير الآية السادسة عشرة من سورة العلق إلي حقيقة علمية لم تبدأ في الانكشاف للانسان إلا من بدايات النصف الثاني للقرن التاسع عشر‏,‏ ولم يتم تبلورها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏.‏
وهذه الحقيقة تتلخص في أن ناصية الإنسان هي مركز التحكم في اتخاذه للقرار‏,‏ وفي تصرفاته‏,‏ وحكمه علي الأشياء‏,‏ ولذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في حق الطاغية الكافر أبي جهل‏:‏ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية‏*‏ ناصية كاذبة خاطئة‏[‏ العلق‏:16,15].‏

وقد كانت سورة العلق من أوائل مانزل من القرآن الكريم‏,‏ وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ في زمن لم يكن لأحد من الخلق إدراك لدور الناصية في حياة الإنسان‏,‏ ذلك الدور المهم الذي لم يلاحظ إلا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حين تعرض أحد العمال الأمريكيين‏(‏ في صيف سنة‏1848‏ م‏),‏ لحادث أصاب ناصيته هذا الشاب الأمريكي كان يحمل أسم فينياس ب‏.‏جيدج‏PhineasP.Gage‏ وكان يعمل في شق طريق لخط من خطوط السكك الحديدية في الجزء الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وفي أثناء تفجير إحدي الوحدات الصخرية تطاير قضيب حديدي يزن نحو‏13‏ رطلا ليضربه في جبينه فأزال جزءا من جمجمته وجزءا من مقدمة مخه تحت الجبهة تماما‏,‏ ولقد نجا هذا لشاب من الموت‏,‏ ولكنه اصيب بتغير تام في شخصيته‏,‏ وتحول إلي انسان آخر غير الذي كان قبل الحادث الذي تعرض له‏,‏ وإن بقي قادرا علي الكلام‏,‏ والسمع والبصر‏,‏ والشم والتذوق‏,‏ واللمس والتحكم في حركة اعضاء بدنه بطريقة طبيعية‏.‏ و كان من أوضح ملامح التغيير التي طرأت عليه‏:‏ العدوانية الشديدة‏,‏ الكذب‏,‏ عدم الشعور بالمسئولية‏,‏ عدم القدرة علي التعبير‏,‏ سرعة الغضب‏,‏ فقد القدرة علي الإرادة والتحكم في النفس‏,‏ وعلي التخطيط‏,‏ وعلي الثبات العاطفي‏,‏ وعلي تغيير السلوك‏,‏ وعلي اتخاذ القرار المناسب‏,‏ وعلي التفاعل السليم مع الآخرين‏,‏ وعلي مواجهة المشاكل التي كانت تقابله‏,‏ وهو ابن الخامسة والعشرين‏.‏

وهذه الحادثة ـ علي مأساويتها ـ كانت فتحا لأطباء المخ والأعصاب‏,‏ فقد تعلموا منها أن لكل جزء من المخ وظائفه الخاصة به‏,‏ ومن أجل تحقيق ذلك بدأوا باستثارة اجزاء من المخ كهربيا في سلاسل من التجارب المكررة‏,‏ كما بدأوا بتدمير أجزاء مختلفة من المخ في حيوانات التجارب‏,‏ وذلك في سلاسل من التجارب المعادة من اجل التوصل إلي معرفة وظائف الأجزاء المختلفة من المخ
‏:Dr.RenatoM.E.Sabbatini:
BrainandMindMagazine,V0l1.,Pt1,.1997‏
وبعد مجاهدات استغرقت آلافا من العلماد ومئات من السنين‏,‏ ومن التجارب المعملية والملاحظات السريرية توصل علماء المخ والأعصاب إلي أن مخ الانسان الذي لا يشكل اكثر من‏2%‏ من وزنه‏(‏ أي نحو‏1‏ إلي‏1.5‏ كيلو جرام في المتوسط‏)‏ يتحكم في جميع انشطته الذهنية والبدنية‏.‏
ويتكون مخ الانسان من كتلة بالغة التعقيد من الخلايا والأنسجة العصبية الممتدة من الحبل النخاعي الشوكي‏,‏ والمحتواه في داخل الجمجمة‏.‏ وتنقسم هذه الكتلة العصبية بالغة التعقيد إلي وحدات رئيسية ثلاث علي النحو التالي‏:‏

(1)‏ البصلة المخية‏,‏ أو النخاع المستطيل‏Medullaoblongata‏ وتصل المخ بالحبل العصبي المركزي المعروف باسم الحبل النخاعي الشوكي‏SpinalCord‏ ليكونا معا الجهاز العصبي المركزي‏,‏ النخاع المستطيل ويقوم بتنظيم عدد من وظائف الاعضاء الأساسية والتنسيق بينها‏,‏ وذلك من مثل‏:‏ التنفس‏,‏ ضغط الدم‏,‏ دقات القلب وغيرها‏,‏ ويعرف باسم الجزء الأسفل أو الخلفي من المخ‏TheHindbrain.‏
‏(‏ ب‏)‏ المخيخ‏TheCerebellum:‏ ويوجد فوق النخاع المستطيل‏,‏ ويعرف أحيانا باسم الجزء الأوسط من المخ‏TheMidbrain‏ ويقوم بالتنسيق بين العمليات العضلية المعقدة من مثل انتصاب القامة‏,‏ وحركات الأطراف‏.‏
ويكون كل من النخاع المستطيل‏(‏ الجزء الخلفي من المخ‏)‏ والمخيخ‏(‏ الجزء الوسطي من المخ‏)‏ ما يعرف باسم جذع المخ‏:TheBrainStem.‏

(‏ جـ‏)‏ المخ‏TheCerebrum‏ ويعرف أحيانا باسم الجزء الأمامي من المخ‏TheForebrain‏ ويمثل أكبر الأجزاء الثلاثة حجما‏,‏ وتتركز فيه عمليات التلقي من جميع مراكز الحس في الجسم‏,‏ ومراكز تحليلها‏,‏ والتنسيق بينها وتكاملها‏.‏ وكذلك تتركز فيه مراكز جميع الأنشطة العقلية والسلوكيات الذكية‏.‏
ويتغطي المخ بطبقة سميكة نسبيا من الخلايا العصبية تعرف باسم المادة الرمادية‏TheGrayMatter‏ ويربطها مع بعضها البعض ومع باقي أجزاء الجهاز العصبي المركزي طبقة خيطية دقيقة توجد اسفل منها وتعرف باسم المادة البيضاء‏TheWhiteMatter‏ وتعرف الطبقتان باسم غطاء المخ‏TheCerebralCortex‏ ويتعرج سطح المخ بالعديد من الطيات المقعرة والمحدبة المتداخلة في بعضها البعض بشكل فائق التعقيد‏.‏
ويقسم المخ إلي أربعة فصوص رئيسية‏(‏ لكل منها وظائفه الخاصة به‏,‏ كما يلي‏:‏

(1)‏ الفص الجبهي أو الأمامي‏(TheFrontalLobe):‏ ويقع في الجزء الأمامي من المخ ممثلا أكبر أجزائه‏,‏ ويعتبر مركز التحكم في العواطف والمشاعر‏,‏ والذاكرة‏,‏ واللغة‏,‏ وقدرة الحكم علي الاشياء‏,‏ والتحكم في البواعث‏,‏ ومثيرات الاندفاع‏,‏ وفي العلاقات الاجتماعية وفي حركة معظم أجزاء الجسم‏,‏ وفي القدرة علي حل المشاكل‏,‏ وعلي أخذ المبادرة‏,‏ وعلي التلقائية‏,‏ وعلي غير ذلك من الصفات الشخصية‏,‏ وتتركز أغلب هذه الصفات في غطاء مقدمة هذا الفص الأمامي‏Thepre-Frontalarea‏ الذي يعرف باسم غطاء مقدمة الفص الجبهي للمخ‏ThePre-FrontalCortex‏ ويقع هذا الغطاء خلف الجبهة تماما في المسافة بين العينين ومنبت شعر الرأس ولذلك فهو المقصود بالتعبير القرآني‏(‏ الناصية‏).‏
وقد ثبت بالتجربة أن الناصية‏(‏ غطاء مقدمة الفص الجبهي للمخ‏)‏ تتحكم في الإرادة‏,‏ والقدرة علي التخطيط‏,‏ واتخاذ القرارات‏,‏ والحكم علي الأشياء‏,‏ والتمييز بينها‏,‏ والتفاعل مع الآخرين‏,‏ والتبصر في الأمور‏,‏ والتحكم في المشاعر‏,‏ والثبات العاطفي‏,‏ والقدرة علي ضبط السلوك‏,‏ وعلي مواجهة المشاكل‏,‏ وعلي الشعور بالمسئولية‏,‏ وغير ذلك من الوظائف العقلية العليا والصفات المحددة لشخصية الانسان الفرد‏.‏

ويأتي خلف تلك المقدمة بقية الفص الأمامي ويقع في غطائه مراكز التحكم في الحركة ولذا يعرف باسم غطاء الجزء المخي المرتبط بالحركة‏TheMotorAssociationCortex,‏ وبالاضافة إلي تحكمه في التنسيق بين حركات مختلف اجزاء الجسم‏,‏ يقع فبه مركز التخيل‏,‏ وفي وسطه مركز التحكم في الكلام وفي الحدس والتوقع‏(‏ منطقة بروكا‏=Broca'sArea).‏
ولما كان غطاء مقدمة الفص الجبهي للمخ له كل هذه القدرات الحاكمة لشخصية الانسان‏,‏ وكان وضعه خلف الجبهة مباشرة أو ما يعرف بالناصية كان الوصف القرآني لجبهة كافر مثل أبي جهل بأنها ناصية كاذبة خاطئة سبقا علميا مبهرا تقدم علي العلوم المكتسبة بأكثر من اثني عشر قرنا‏.‏

(2)‏ الفص الجداري‏(TheParietalLobe)‏ ويقع في قمة المخ‏,‏ خلف الفص الجبهي مباشرة‏,‏ وبه مراكز التوجيه المكاني‏,‏ والتمييز بين الأشكال والأحجام والتضاريس المختلفة‏,‏ وبه مراكز الاتجاهات‏,‏ ومراكز القدرات الحسابية‏,‏ ومراكز التعبير عن العواطف وفهمها‏.‏
‏(3)‏ الفص الصدغي‏(TheTemporalLobe)‏ ويوجد أسفل الفص الجداري‏,‏ وبه مراكز التحكم في السمع‏,‏ وفي كل من ذاكرتي الكلام والأصوات‏.‏

(4)‏ الفص الخلفي‏(TheOccipitalLobe)‏ ويقع في خلف المخ‏,‏ وفي قاعدته مركز الإبصار‏,‏ وفوقه منطقة القراءة والذاكرة البصرية‏,‏ والمنطقة المصاحبة للرؤية‏,‏ والتي إذا تعرضت للتلف فإن صاحبها يري ولكنه لا يستطيع التمييز بين ما يراه‏.‏
من هذا الاستعراض السريع يتضح أن غطاء مقدمة الفص الجبهي من المخ‏ThePre-FrontalCortex‏ الذي يقع خلف عظام الجبهة تماما‏,‏ في المسافة بين العينين ومنبت شعر الرأس هو المقصود بتعبير الناصية في القرآن الكريم‏,‏ وقد ثبت علميا‏,‏ وبتجارب قابلة للتكرار والاعادة‏,‏ وبدراسات سريرية عديدة أن هذا الجزء من مخ الانسان يحوي مراكز التفكير والتخطيط واتخاذ القرار‏,‏ و مراكز الإرادة الانسانية‏,‏ وغير ذلك من الوظائف العقلية العليا‏,‏ ومن ثم فإن في صلاحه صلاحا لصاحبه‏,‏ وفي فساده فسادا له ودمارا في الدنيا والآخرة‏.‏ ومن هنا كان وصف القرآن الكريم لناصية كافر مجرم مثل أبي جهل بأنها‏(‏ ناصية كاذبة خاطئة‏)‏ سبقا علميا لكل المعارف المكتسبة بأكثر من اثني عشر قرنا من الزمان‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتخيل مصدرا لهذا العلم غير الله الخالق‏,‏ الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه حفظا كاملا علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وإلي قيام الساعة‏,‏ حتي يبقي شاهدا علي الناس كافة بأنه كلام الله الخالق‏.‏

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة سيد الأنام‏:‏ سيدنا محمد بن عبدالله الذي ختم الله ببعثته النبوات‏,‏ وبرسالته كل الرسالات‏,‏ وأكمل بها الدين‏,‏ وأتم النعمة علي عباده الصالحين‏,‏ والحمد لله رب العالمين الذي لا شبيه له من خلقه‏,‏ ولا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ الغني عن الصاحبة والولد لأنهما من صفات المخلوقين‏,‏ وهو ـ تعالي ـ منزه عن جميع صفات خلقه‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏