سعد عبد المجيد : بتاريخ 2 - 9 - 2006
لا أريد فى مقالتى هذه تكرار الحديث عن موضوع طرح كثيرا للبحث والجدل على صفحات الصحف فى السنوات الماضية وخصوصا بعد قدوم الإستعمار الغربى لمصر فى النصف الثانى للقرن الثامن عشر وهو موضوع " هل مصر فرعونية أم إسلامية ؟" وإنما أريد فى مقالتى هذه الحديث عن مسؤوليتنا نحن المصريون حكومات وشعبا نحو شكل وإسلوب التعريف بالوطن وحضارتة فى الخارج هل سنظل نقدم مصر ونعرّف بها عبر بوابة الحضارة الفرعونية ونغفل واقع حضارتنا الإسلامية القائم حتى اليوم.لقد إسترعى إنتباهى قيام مركز ميجروز للتسوق التجارى بإستانبول طوال شهر أغسطس الماضى بوضع صور ولوحات ونماذج ومجسمات صغيرة تعبر عن آثار الحضارة المصرية القديمة المسماة بحضارة الفراعنة فى جنبات وحوائط وردهات وأدوار المركز التجارى الشهير بإستانبول الجميلة.للوهلة الأولى يشعر المرء أمام هذه الدعاية والتعريف المجانى بمصرنا بشىء من السرور لأن شيئا يرتبط بالوطن الأم يعرض أمام شعب أخر وفى أحد أهم مراكز التسوق الحديثة التى يرتادها الكثير من الأتراك والأجانب على حد سواء وقد وجدت السرور والشغف يلعو شفاه ووجوه الحضور وكذا مجموعة من أبناء عائلتى التركية أثناء زيارتنا للمركز التجارى حيث أمطرتنى بوابل من الأسئلة عن الأهرامات.وقبل أن أدخل فى صميم مقالتى أريد التأكيد على أن رموز الحضارة الفرعونية الماثلة أمامنا اليوم فى الجيزة وأبو سمبل والأقصر وأسوان وبنى سويف وجبال المقطم عند المنيا وأسيوط أو المعروضة أمام العيون اليوم بمدينة القاهرة وغيرها من بقاع مصرنا، هى بلا شك آثار تعبر بقوة عن شكل من أشكال الحضارة القديمة للإنسان المصرى تثير الفضول والشغف ليس لدينا فى مصر وحسب بل فى كل أصقاع الدنيا ويأتى البشر لمصر وفودا ورا ء وفود على مدار العام لرؤيتها بالعين المجردة فى محاولة للتصديق الفعلى بوجودها بعد رؤيتها فى شرائط فيليمة أو صور أو عبر شبكة المعلوماتية الدولية أو برموز منها فى معارض تقام خارج مصر.هى بكل تأكيد ضرب بارز من ضروب أنماط وأشكال الحياة القديمة التى عاشها الإنسان المصرى قبل العصرين القبطى والإسلامى.وهى أيضاً جزء من حضارة مصر المتجزرة فى التاريخ الإنسانى لا يمكن إنكارها ولكنى أعتقد أن هناك تقصيرا منا نحو حضارتنا الإسلامية المستمرة ورموزها القوية الماثلة أمام الجميع اليوم والتركيز فقط على الدعاية للآثار الفرعونية وإبرازها كوجه لمصر من باب الإفتخار أمام أمم الأرض بمنحنى أن قدامى مصر حققوا كذا وفعلوا كذا.لقد نسينا أو تغافلنا عن الجانب المظلم للفرعونية القديمة وهو تسخيره للإنسان وقهره وفرض عبودية الإنسان للإنسان وشواهد هذا الجانب تتضح بجلاء فى رموز وآثار الفرعونية القديمة.فالأهرامات بنيت لأجل تمجيد وتأليه الحاكم الفرد المهيّمن على العباد ومعبد الكرنك أو مراكب الشمس والتماثيل الضخمة أو الصغيرة المصنوعة من المعادن النفيسة والأحجار وتوابيت المومياوات والنقوش والرسوم والكتابات الجدارية تؤكد بدون شك فى أن تلك الحضارة لم تكن يوماً للشعب ولا لرفاهية عموم الإنسانية أو المصرية بل كانت للفرعون القاهر المستبد فى حياتة ومماتة بتسخير كل البشر والثروات لحياتة وتجميدها بوفاتة لكى يتمتع بها لوحده عند عودتة الجديدة أو بعثه بعد الموت على ما كان يعتقد لديه وفقا لرأى أكثرية علماء الحضارة الفرعونية.على أننا لو نظرنا لرموز الحضارة الإسلامية سنجد أنها فى المجمل لأجل الناس وللأكثرية وللمجتمع المحلى والدولى كذلك وإن لم تخلو من إعطاء قدر للفرد دون الشطط والغلو.فجوامع الأزهر وعمرو بن العاص وإبن طولون والإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والمرسى أبو العباس والسيد الدسوقى والسيد البدوى والخضيرى والسلطان برقوق والسلطان قايتباى والسلطان حسن وأحمد الرفاعى ومحمد على باشا وغيرهم بما فيهم رموز الحضارة القبطية المصرية القديمة فى سيناء والقاهرة وجنوب مصر والواحات بنيت للعبادات الجماعية والفردية وللتعليم والوعظ والدعاء ، أى للمجتمع الإنسانى بمسلميه وغيرهم من أهل الذمة ينتفعون منها فى آن واحد.تشترى الأرض والمواد البنائية وتدفع الأجور للناقلين وللبنائين من حر المال وحلاله وبرضا الفرد والمجتمع وتظل تدعو لله الواحد القهار ليل نهار وللفضيلة والتسامح والمحبة والتعاون والتضامن والتآخى بين الناس ونصرة المظلوم وشجب الظالم ولجمع الناس فى المآسى والأحزان أو الأفراح والأعياد.وأسبلة مياه الشرب (سبيل أم عباس وسبيل القاضى بالقاهرة) والكتّاب والميضئة والمدارس (مدرسة السلطان حسن بالقاهرة) والأوقاف الخيرية الملحقة بالجامع (كما هو الحال بأروقة الطلاب المسلمين المغتربين بالأزهر) أو المنفصلة عنه والوكالات التجارية (وكالة الغورى بالقاهرة) ووكالات الحرفيين (الصاغة بالقاهرة) وأسواق التجاريين (الكحكيين والفحامين والخيامين والقزازين والترّبيعة بالقاهرة) وأسوار وعيون نقل المياه(سور مجرى العيون بالقاهرة) ومقياس النيل والمكتبات العامة (دار الكتب المصرية ) كلها رموز حضارية لخير وإسعاد الإنسان والمجتمع متضامنين لا مكان فيها للتأليه البشرى أو الإستبداد. من ثم وبناء على ما تقدم تكون رموز وآثار وشواهد الحضارة الإسلامية جديرة بالإفتخار والإعزاز والتباهى بها أمام الأمم والعمل للدعاية لها والإهتمام بها وصيانتها دوريا وتطوير محيطها بما يلائم العصر وتعزيز دور الجمعيات الأهلية التى ترعاها وتنفق عليها وكذا دعوة التلاميذ والطلاب و الأهالى والأجانب أيضاً لزيارتها.لكنا مع الأسف أهملنا رموز هذه الحضارة العظيمة والإنسانية المتدفقة لليوم وللغد إنشاء الله ولم نصونها ونرممها ونقيم معارض لها ولم نعمل على إبرازها ووضعها رمزا لمصرنا المعاصرة وهذا الإهمال والقصور منا هو الذى يجعل الدول والأجانب يتحدثون عن مصر بالأهرامات وأبو الهول فقط ويربطون بين إسم مصر وبين الأهرامات وهذا يضع مصر دائما فى خانة صاحبة الحضارة الغامضة والقاهرة للإنسان أو بمعنى أصح الحديث عن عالم من الخيال والغموض وترك الواقع القائم والمنظور.كما أن هذه الدعاية الفرعونية وإن ربحنا منها أموالاً وعززت الإقتصاد وهذا نؤيده بكل قوة لكن على الطرف الأخر يعنى حذف 1300 سنة على الأقل من تاريخ مصر المُشرّف وفى وقت لازلنا جميعا نعيش ونتحرك فى ظل مبادىء الحضارة الإسلامية بل ونستفيد واقعياً وعمليا منها بشكل يومى.ترى هل نستوعب هذا الأمر ونتراجع عن إهمالنا ونهبُ حكومة وشعبا للزود عن وجه مشرّف لمصر هو الوجه الإسلامى ؟

http://www.almesryoon.com/ShowDetail...D=23381&Page=7