دعوة من أجل وحدة العالم الإسلامي
إن انهيار الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن العشرين كان عاملاً مهمًا في تحديد موقع العالم الإسلامي خلال ذلك القرن. وقد تمخض عن تشتت الإمبراطورية العثمانية العشرات من الدول والشعوب المختلفة، بيد أن هذه البنية الجغرافية لم تتمكن من بلوغ الاستقرار والأمن الذين كانا سائدين في العهد العثماني.

إن هذه الأيام التي نعيشها من القرن الواحد والعشرين حُبلى بالمشاكل التي تعاني منها مناطق عديدة في العالم وهي مشاكل تنتظر الحل، وهناك نزاعات كثيرة ما زالت تحتاج إلى التسوية. ولم يكن بالإمكان إعادة التوازن-بالمعنى الكامل- إلى الاختلال الذي طرأ على الأوضاع منذ مستهل القرن العشرين، وأغلب هذه المشاكل موجود في ميادين مختلفة ومناطق متفرقة من بلاد المسلمين. وقد تم التوصل إلى حلول مؤقتة حول بعض المسائل بينما ما تزال مناطق أخرى تتخبط في نزاعات وتوترات مستمرة.

إن قسمًا مهمًا من المسائل التي تنتظر الحل في هذه الأيام له صلة بالأراضي التي يعيش فيها المسلمون، وإلى جانب ذلك فقد تصاعدت في الفترة الأخيرة الحملة التي يقودها القائلون بنظرية "صراع الحضارات"، وهي حملة تسعى إلى جعل المسلمين هدفًا للاتهامات الصادرة عن العديد من الأوساط. وهذا ما كان سببًا في ظهور مخاوف مفتعلة لا داعي لها وتصعيد العديد من التوترات. وجميع هذه القضايا تحتم على المسلمين مرة أخرى طرح الموضوع المتعلق بالإستراتيجية التي ينبغي عليم اتباعها خلال القرن الواحد والعشرين. بيد أن ثمة مسألة جد عاجلة يتحتم على العالم الإسلامي أن يجد لها حلاً فوريًا، وهي مسألة حياتية وأساسية، ألا وهي مسألة غياب وحدة العالم الإسلامي.


تحقيق وحدة العالم الإسلامي
إن عدم قدرة المسلمين في العالم على تحقيق وحدة قوية وفاعلة هي من المسائل التي تمثل نقصًا كبيرًا تسبب في ظهور العديد من المشاكل الأساسية. ولو تحققت وحدة متينة للمسلمين لما وقع المسلمون اليوم في ما هم فيه من المشاكل أو لتمكنوا من حلها في مدة أقصر بكثير مما هو متوقع.

ومن الأسباب المهمة في تشتت المسلمين اليوم هو بعدهم عن الأخلاق القرآنية ووقوعهم تحت تأثيرا التيارات والأفكار البعيدة عن الدين. وبعض المثقفين انخدعوا بالفلسفات والإيديولوجيات التي ظهرت في الغرب وتطورت فيه، وظنوا أن جلب هذه الأفكار إلى البلاد الإسلامية سيقودها إلى التقدم. ومازالت معالم هذا الخطأ التاريخي المدمر واضحة إلى اليوم.

وقد حلت بعض الفلسفات والإيديولوجيات التي تقوم على الأعراف الاجتماعية محل الأخلاق القرآنية المتمثلة في العدل والتضحية والرحمة والتسامح وحرية الفكر وبعد النظر، كما حل التناحر والتشتت مكان النظام والتعاون.

إن انتشار العنف والإرهاب والظلم والغش والتحايل والكذب والفساد الأخلاقي والصراعات والفقر يبين أن الأرض أصبحت ساحة للفتن،وفي مواجهة هذه الأوضاع فقد المسلمون مكانتهم بسبب المشاكل التي تشق صفوفهم. وهذا الظلم والانحطاط قوَّى من شوكة المنكرين لوجود الله تعالى ووحدانيته، ومكّن للمناهج الباطلة التي بنت نفسها على أساس إنكار الآخرة، وأعطاها الفرصة لكي تتطور وتنتشر. وإزاء هذا الوضع ينبغي على ذوي الضمائر الحية النهوض بواجبهم لنشر الخير.

أوّلا: ينبغي على المسلمين أن يبحثوا عن أجوبة للأسئلة التالية، وذلك من أجل إزالة الخلافات التي يمكن أن تنشأ بينهم في أية مسألة من المسائل:

"إلى أي مدى يمكن اعتبار موضوع الوحدة الإسلامية موضوعًا مقضًا لمضاجعنا؟"
"هل هو موضوع لا يمكن الاتفاق بشأنه؟"
"هل من المعقول أن ينشغل الفكر بقضايا متعلقة بالمجتمع الإسلامي بدل الانشغال بمحاربة الإيديولوجيات الجاحدة؟"

إن كل فرد عندما يطرح هذه الأسئلة على نفسه يتوصل إلى أنه من الضروري الابتعاد عن جميع أشكال النزاعات وأنه على المسلمين أن يسعوا جاهدين لتحقيق الوحدة فيما بينهم باعتبارها مسألة ضرورية بالنسبة إليهم.

وإذا كان العالم الإسلامي يريد حقيقة أن يصبح قويًا ومستقرًا ومرفهًا، وإذا أراد أن تعود إليه عظمته السابقة فيكون هو رائد العالم في كل ميدان يمده بالنور فعليه أن يتحرك في إطار الوحدة. وغياب هذه الوحدة هو السبب في ما تعاني منه البلاد الإسلامية من تمزق وتفرق، وهو السبب في عدم قدرة المسلمين على صياغة صوت مشترك، وهو السبب كذلك في بقاء المظلومين من المسلمين بلا نصير يدافع عنهم. فالنساء والأطفال والشيوخ في كل من فلسطين وكشمير وتركستان الشرقية ومورو وفي أماكن كثيرة أخرى ينتظرون من يخلصهم من المظالم التي يعانون منها. ومسؤولية هؤلاء الأبرياء تقع على عاتق العالم الإسلامي قبل أي طرف آخر. وينبغي على المسلمين ألا ينسوا قول النبي عليه الصلاة والسلام "المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلمه".

إن على المسلمين في العالم أن ينسوا خلافاتهم ويدعوا تفرقاتهم ويتذكروا أنهم جميعا "إخوة"، وعليهم أن يكونوا نموذجًا للعالم بفضل الأخلاق العالية التي تفرضها عليهم هذه الأخوة. فالأخوة التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض هي من لطف الله تعالى ونعمه. والمسلمون الصادقون عليهم أن يشكروا هذه النعمة ولا ينسوا أمر الله تعالى "ولا تفرقوا":

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ...) آل عمران: 103
بيد أنه يتوجب ألا ننسى أن ما يقوي من صف المؤمنين هو إيمانهم وإخلاصهم، فالصداقة الحقيقية والتكافل الحقيقي لا يتأسسان إلا على قواعد راسخة من الإيمان الصادق. والمؤمنون لا ينتظرون من بعضهم البعض أية مصلحة أو منفعة، فهم متحابون لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، مُتصافون ومتحدون لوجه الله. ومصدر قوة هذه الوحدة إنما هو محبة الله وخشيته، وهو ما يعصمها من الانهيار والضعف. وهكذا فإن هذه الوحدة المتينة سوف تكسب المسلمين قوة فريدة.

إن المسلمين ينظرون إلى الآخرين بعين المحبة والرحمة والشفقة، وأما الذين يقاسمونهم العقيدة نفسها ويؤمنون بالقرآن الكريم وينزلون عند أوامر الله تعالى ويتبعون سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهم يعتبرونهم أخوة لهم وهم أولياء لبعضهم البعض. وما يتوجب عمله هو البعد عن التحزب بسبب بعض الاختلافات الثقافية والفوارق في التقاليد والأفكار ودعم فكرة الوحدة والتآلف بدل التركيز على هذه المسائل والتذكير بها في كل مناسبة. وعلى المسلمين أن يدعموا التكافل فيما بينهم وأن يبدوا قدرًا كبيرًا من التسامح في المواضيع المختلف بشأنها وأن يعاملوا بعضهم البعض بالحسنى. وعلى المسلمين المخلصين والمفكرين والمثقفين المعروفين بصفة خاصة أن يبذلوا قصارى جهدهم لإقامة الوحدة ومد جسور التعاون بين المسلمين. وينبغي أن يُقام تعاون بين جميع المسلمين في العالم على أساس المحبة والاحترام والرحمة والتسامح.

إن حماية أمن جميع المسلمين في العالم وحماية أمن الإنسانية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تشكيل صوت وحيد يكون ممثلاً للمسلمين في الساحة السياسية العالمية.
وعلى العالم الإسلامي أن يصبح كتلة عسكرية وسياسية واقتصادية موحدة.

نموذج الاتحاد الأوروبي

يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي نموذجًا بالنسبة للعالم الإسلامي فيما يتعلق بالوحدة التي يسعى إلى تحقيقها.

من خصائص الاتحاد الأوروبي أن جميع الدول المكونة له مازالت محافظة على سيادتها الوطنية وأنظمتها الإدارية الخاصة بها والآليات الخاصة بالدولة، غير أنه وإلى جانب ذلك فقد تعاقدت هذه الدول على مجموعة من القيم التي تؤسس "الثقافة الأوروبية". وهذه القيم المشتركة هي التي بني عليها التعاون في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي، وهو ما مكَّن من إيجاد إدارة قانونية مركزية تدير هذا التعاون.

وبالنسبة إلى الاتحاد الإسلامي، فينبغي أن تحافظ كل دولة من الدول الأعضاء على استقلالها الوطني وحدودها القومية، وبالتالي يكون بناء يحفظ لكل دولة حقوقها ومصالحها الوطنية. ولكن هذه الدول ذات السيادة توحدها رؤية مشتركة وهي "الثقافة الإسلامية". وهذه الرؤية ينبغي أن تشكل سياسة موحدة ترعاها مجموعة من الأجهزة والقرارات. وليس الهدف هو إنجاز وحدة عضوية بين الدول وإنما تحقيق الوحدة في إطار السياسة والمصالح المشتركة. والنجاح في إنجاز هذه الخطوات هو مرحلة مهمة في إقامة هذا الاتحاد.

وفي الوقت الحاضر فإن منظمة المؤتمر الإسلامي هي أكبر منظمة إسلامية فاعلة-وذلك بالنظر إلى عدد الدول الأعضاء وإلى المساحة الجغرافية التي تشملها- وينضوي تحت سقفها 56 دولة إسلامية. وهناك إلى جانب هذه المنظمة أشكال أخرى من التعاون التجاري والعسكري بين عدد من الدول الإسلامية التي تعيش في محيط جغرافي واحد، كما توجد مجموعة من التحالفات الإقليمية. ولا شك أن كل واحدة من هذه المنظمات تقوم بدور مهم ويعتبر وجودها مفيدًا جدًا. بيد أن العالم الإسلامي في حاجة إلى اتحاد أكثر شمولاً تكون له هيئات دائمة وتكون له صلاحية اتخاذ قرارات ملزمة وينتهج سياسة مشتركة يسعى إلى تطويرها ويطبق تلك السياسة بشكل حازم، ويكون الصوت الناطق باسم كافة المسلمين في العالم. وهذا الاتحاد لا يُعنى فقط بقضايا مناطق معينة بل يسهر على مصالح المسلمين في كل مكان ويجتهد في البحث عن حلول لمشاكلهم. ومجالات التعاون في هذا الاتحاد تشمل الميدان الاقتصادي والعسكري والاجتماعي. وبفضل هذا الاتحاد يتم توفير مناخ للتفاهم والاتفاق بين البلدان الإسلامية، كما يتم تعزير روح التعاون بينها. وعلى هذا النحو تكون مسألة الثقة بين الدول الأعضاء قد حُلّت في المقام الأول، وفي مرحلة لاحقة هناك مجالات كثيرة للتعاون يتم العمل فيها، وهذا من شأنه أن يرفع مستوى الرفاهية في الدول الأعضاء. ومن هذا المنطلق فإن العالم الإسلامي كله سيتحرك كالجسد الواحد فيما يتصل بالقضايا التي تهمه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي يصبح بالإمكان تطوير الإستراتيجيات بما يخدم مصالح المجتمعات الإسلامية.

وبفضل هذا الاتحاد يصبح المسلمون في جميع أنحاء العالم في صلة مباشرة ببعضهم البعض، فيطِّلعون على أوضاع بعضهم البعض عن قرب، وبالتالي ينخرطون في عملية تعاون مثمرة في حين تُلغى مفاهيم مثل "انفصالي" و"متحزب" و"قومي" من التداول، ويسود المبدأ الذي يقضي بأنّ "المسلمين كلهم إخوة". والأفكار السائدة اليوم في العالم الإسلامي مختلف بعضها عن البعض الآخر، وهو ما حال دون التوصل إلى تقارب بين المواقف والآراء وحرم المسلمين من التحرك صفًا واحدًا. والنداء الذي توجهه هذه المنظمة من أجل الوحدة لا يستند لا إلى العرق ولا إلى الظروف الاقتصادية ولا إلى الأوضاع الجغرافية، فجميع الخصومات التي يمكن أن يكون مصدرها العرق أو اللغة أو الثقافة ستتم إزالتها من ساحة هذا الاتحاد. ومفهوم المساواة في هذه المنظمة لا يستند إلى أفضلية مجتمع على آخر ولا إلى سمو ثقافة على ثقافة أخرى، فكلهم سواسية يسود بينهم التسامح والمحبة والصدق وتنتشر بينهم روح التعاون.

اتحاد إسلامي يجعل الاختلاف ائتلافًا

إن من أهم الأهداف الكامنة وراء تشكيل الاتحاد الإسلامي هو ضرورة أن يكون للمسلمين "سلطة مركزية" تقودهم في شؤونهم العامة. ولهذا السبب يتوجب أن يكون خطاب هذا المركز شاملاً لجميع المسلمين، وبتعبير آخر أن يجمع تحت مظلته جميع المواقف على اختلافها. ويتعين على الاتحاد الإسلامي أن يراعي العقائد والقيم الإسلامية الأساسية، أمَّا على المستوى التطبيقي وفي مواطن الاختلاف فينبغي أن يسود التسامح، وينبغي النظر إلى هذه الاختلافات على أنها عناصر إثراء في الثقافة لا باعتبارها حجر عثرة أمام اتخاذ قرارات مشتركة أو عاملاً معرقلاً أمام نشاط الإدارة السياسية. وعلى الدول الإسلامية أن تحلّ اختلافاتها في هذه الإدارة المركزية، كما يتعين إزالة جميع الخلافات. ولا شك أن العالم الإسلامي إذا استطاع أن يحلّ مشاكله الداخلية بنفسه فإنه يصبح قادرًا على حل المشاكل التي يمكن أن يعيشها مع الحضارات الأخرى بطريقة أكثر سهولة. وبهذا الشكل فإن المركز الذي يوحد جميع المسلمين بإمكانه صياغة سياسات مشتركة كما يكون بالإمكان ضمان تطبيق تلك السياسات.

إن المواضيع التي تستدعي التحرك العاجل والبحث عن حلول سريعة في أيامنا الحالية هي نفسها المواضيع التي تشكل مركز اهتمام السياسة العالمية. وفي مقدمة تلك القضايا نجد قضية فلسطين وكشمير والعراق والصراع الفكري لمواجهة الإرهاب ومحاربة التخلف والفقر والمشاكل الصحية والاهتمام بالتعليم. وهذه القضايا ليست قضايا إقليمية أو هي لا تهم فقط أولئك الذين يقطنون تلك الأراضي، وإنما تتعلق مباشرة بجميع المسلمين، ولذلك فهي قضايا تتطلب تضامن العالم الإسلامي من أجل إيجاد حل لها. فلا أحد يمكن أن يدعي أن ما يحدث في المسجد الأقصى لا يهم سوى الفلسطينيين، أو أن على الكشميريين وحدهم البحث عن حلول لما يتعرض له المدنيون من المسلمين هناك من ظلم واضطهاد، كما لا يحق لأحد أن يقول بأن ما يعانيه الأطفال من الفقر المدقع في أية بقعة من بقاع العالم الإسلامي هو مسألة داخلية لا تهم سوى ذلك البلد بعينه. إن مقتضيات الإيمان بالنسبة إلى المسلمين تفرض عليهم ألا يقبلوا هذا الوضع.

وللأسف الشديد فعدم قدرة المسلمين على تكوين اتحاد قوي جعل غيرهم من الدول يقترح حلولاً مختلفة لهذه القضايا ولغيرها. بيد أن أغلب هذه الاقتراحات لا تراعي مصالح المسلمين، أو هي حلول قصيرة الأمد لا تعدو كونها تضميدًا للجراح. فالمسلمون بقوا في وضع جد ضعيف في كثير من الصراعات والنزاعات في العديد من المناطق، ومُنعوا من أن يكون لهم أيّ دور في إدارة أنفسهم. فالمشاريع التي قدمت للمسلمين على أنها "مخططات سلام" كانت في أغلب الأحيان تحمل موادًا أكثر وطأة ومشقة عليهم. ومن أجل حماية حقوق المسلمين فإن العالم الإسلامي مطالب باتخاذ موقف موحد. فعلى الدول الإسلامية أن تنضوي تحت راية الاتحاد الإسلامي، وسوف تنتهي التوترات التي يعيشها المسلمون مع غير المسلمين، كما ستُحل النزاعات الناشبة بين المسلمين بعضهم وبعض.

تحاول الدول الأوروبية اليوم أو المنظمات الدولية التي تعمل تحت رعايتها إزالة النزاعات القائمة بين المسلمين، ولا شك أن القوى الأجنبية الغريبة عن ثقافة الدول الإسلامية وتاريخها لا يمكنها بحال من الأحوال أن تجد الحلول المناسبة للقضايا المتعلقة بالحضارة الإسلامية مهما بدا أنها تحقق أحيانًا بعض الفوائد. ولذلك فعلى الدول الإسلامية أن تحل جميع مشاكلها بنفسها، وهكذا فمن ناحية يتم فض هذه القضايا دون نقلها إلى الساحة الدولية، ومن ناحية أخرى يتم مراعاة مصالح جميع المسلمين في الحلول المقترحة، كما أن تحرك العالم الإسلامي بشكل موحد يعطي مؤشرًا على قوته واستقراره. ومن أكبر أزمات العالم الإسلامي اليوم هو العجز عن اتباع سياسة مشتركة، كما أنه لم يستطع تطوير استراتيجية فاعلة حتى في المواضيع التي تهمه بشكل مباشر.
وفي الحقيقة فإن قيام الاتحاد الإسلامي سيمثل تطورًا إيجابيًا للغاية بالنسبة إلى الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الغربية. فهذه الحضارات ستجد في الاتحاد الإسلامي مُخاطبها في المسائل المتعلقة بالمسلمين، وبالتالي يمكنها أن تقوي علاقاتها بالعالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ومن جانب آخر يصبح بالإمكان حل القضايا القائمة بين الطرفين بطريقة أكثر سهولة. ونتيجة لكل هذا فإن قيام الاتحاد الإسلامي لا يمثل تطورًا إيجابيًا للمسلمين فحسب بل لجميع الإنسانية أيضًا.

وهناك مسؤوليات كبيرة أخرى تنتظر هذا الاتحاد الإسلامي، وهذا يبين أنه ينبغي أن يكون مركزًا فاعلاً ونشيطًا. ولكي يتمكن هذا الاتحاد من القيام بنشاطات منتظمة يتعين أن يكون له مقر دائم وأن تتأسس له مراكز لإصدار القرارات وتنفيذها، وتكون في ارتباط ببعضها البعض، كما يتحتم تشكيل وحدات صغرى، ومن الضروري مراقبة جميع هذه المؤسسات حتى تكون في نشاط مستمر. ومن أجل أن تكون القرارات المتخذة ناجعة و إيجابية ينبغي تأسيس البنية التحتية اللازمة لذلك. وهذا الاتحاد يجب أن يزرع الثقة من خلال نشاطاته، ويجب أن يكون الأعضاء على ثقة بأن حقوقهم مصانة على أحسن وجه من قبل هذا الاتحاد.

وفي هذا الإطار يتعين أن يكون أي تحرك منطلقًا من الاستشارة، ففي الآية الثامنة والثلاثين من سورة الشورى يقول الله تعالى: (وَالذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)، فعند تطبيق مبدأ المشاورة يكون كل فرد قد نطق بكلمة الحق، وفي الوقت نفسه تكون ثمة إمكانية لتقليب الآراء على جميع الوجوه قبل اتخاذ أي قرار، وهذا ما يقلص من احتمال الوقوع في الخطأ ويرجِّح فرص التوصل إلى القرار الصائب.

إن أهم جانب في موضوع الاستشارة هو الاحترام الذي يسود بين أصحاب الآراء المختلفة وكذلك تقبل آراء بعضهم البعض بتفهم ورحابة صدر. ففي أجواء المشاورة لا يُنظر إلى صاحب الرأي الذي أخذ به بل يُنظر إلى الرأي الأكثر صحة وإصابة. وبتعبير آخر فإن الغاية الأساسية من المشاورة هي التوصل إلى القرار الذي يكون أكثر فائدة بالنسبة إلى المجتمع وأقرب إلى الصحة من غيره. فالأخلاق الإسلامية تفرض على المؤمنين ألا يصروا على آرائهم وأن ينزلوا عند الرأي الذي يكون متفقًا مع الضمير والعدل والخير مهما كان مصدر هذا الرأي. وعلى المؤمنين أن يحذوا من العناد والإصرار النابعين من التكبّر كأن يقول أحدهم "يجب أن يكون رأيي هو المقبول" أو "إن رأيي هو الصحيح"، فهذا السلوك منبوذ عند الله تعالى، "...وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ." (يوسف:76). وكما هو وارد في هذه الآية الكريمة على المسلم أن يعلم أن ثمة من هو أعلم منه وأن من الخطأ أن يزعم أن رأيه هو الأصوب.

إن الاتحاد الإسلامي مطالب بالتعامل بمرونة أكثر وذلك بالنظر إلى الظروف السياسية المتغيرة،كما أنه مضطر إلى تطوير استراتيجياته من أجل الوصول إلى وجهات نظر أكثر تقدمًا. فمن الواضح أن الاتحاد لن يكون مجرد منظمة تكتفي فقط بإبداء ردود الأفعال أو التعبير عن التنديد والاستنكار، وإنما سوف يكون مركزا فاعلا قادرا على المبادرة والفعل. وعلى هذا المركز أن ينهض بوظيفته التي تتمثل في المتابعة والتنسيق المستمرين، كما ينبغي لنشاطاته أن تشمل جميع الدول الأعضاء. وهذا الاتحاد يقوم بتقييم جميع التطورات والأحداث بكامل الموضوعية، وينبغي أن يكون جاهزا لتلبية حاجة جميع المسلمين في العالم. ومن وظائف الاتحاد الإسلامي هو إزالة التوترات التي يمكن أن تنشأ بين الدول الأعضاء وفض النزاعات التي تولدها المصالح المختلفة، كما أن من مهامه إيجاد آليات لحماية المسلمين في علاقاتهم بغيرهم المجتمعات الأخرى. والاتحاد كفيل كذلك بزيادة فاعلية العالم الإسلامي ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا.

الاتحاد الإسلامي القوي هو الحل لجميع المشاكل

إن من أهم المشاكل الأخرى التي تعاني منها بعض الدول الإسلامية هي مشكلة التخلف، ولهذا السبب فإن من الأهداف العاجلة للاتحاد الإسلامي هو تنمية أوضاع المسلمين في العالم والنهوض بها ودعم الدول الفقيرة لحل مشاكلها الاقتصادية. وعلى جميع الدول الإسلامية:
- أن تكافح الفقر،
- وأن تحث على الاستثمار لإحداث فرص عمل جديدة،
- أن تحرص على حماية الاستقرار والنظام الاجتماعيين،
- أن توفر العدالة الاجتماعية وتزيل الظلم الاقتصادي،
- أن تقوي علاقاتها الدولية والإقليمية وتوسع من مجالات التعاون،
إن من الضروري تقليص المصاعب التي يعيشها العالم الإسلامي والتي نجمت عن الفوارق المادية، ومن الضروري إقامة وحدة بين الدول الإسلامية في المجال الاقتصادي والسياسي وأهم من كل ذلك في المجال الثقافي، والنهوض بالدول المتخلفة ومدها بما تحتاجه من الإمكانيات. ومن ثمار هذه الوحدة هي النمو الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي.

إن زيادة الاستثمار في الميدان الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي سوف يساهم في تنمية الاقتصاد وتطوره بشكل أكثر سرعة. ولا شك أن التطور الاقتصادي سوف ينجم عنه بصفة طبيعية تحسن في الميدان التربوي والتعليمي، وبالتالي فإن المجتمع سوف يتطور بصفة سريعة. ويمكن للأفراد الذين يعيشون في ظل هذا الاتحاد الإسلامي أن يتنقلوا دون أن تمنعهم الحدود ودون أن تُطلب منهم تأشيرات، كما أن دعم حرية التجارة والمبادرة سيكون وسيلة مهمة في النهوض بالعالم الإسلامي. وليس من شك في أن حركة التنمية هذه سوف تقود الدول الإسلامية بشكل طبيعي إلى الدخول في الحضارة المعاصرة وترفعها إلى مصاف المجتمعات المتقدمة.

يمثل التعاون الاقتصادي عاملا مهما سواء في الحفاظ على الاستقرار أو في إحداث التنمية المنشودة. وهناك دول إسلامية كثيرة يعتبر تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالنسبة إليها ووضع هذا الاقتصاد على المسار السليم من الاحتياجات العاجلة. فالاهتمام بتطوير المؤسسات الصناعية والقيام بالاستثمار هو من الأمور الضرورية. فالملاحظ أنه لابد من تطوير مشروع للتنمية الشاملة، والنهوض بالتعليم والاقتصاد وتطوير البنية الثقافية وإحداث قفزة في العلوم والتكنولوجيا في آن واحد. فمن ناحية لابد من تطوير مجالات العمل من خلال إدخال التكنولوجيا الحديثة، ومن جانب آخر لا بد من رفع مستوى الكفاءة والنوعية لدى العمال حتى تصبح المجتمعات الإسلامية قادرة على مزيد من الإنتاج. ولعل إزالة الفقر والقضاء على الجهل، وتوزيع الموارد توزيعًا عادلاً، إضافة إلى القضاء على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى سيكون له دور كبير في إقامة جسور التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية. وهذا التعاون يمكن أن يتم من خلال إقامة مناطق للتجارة الحرة واتحاد جمركي ومجموعة من الأسواق المشتركة.

الاتحاد الإسلامي وما يوفره من قوة جبارة

تتمتع العديد من الدول الإسلامية بخصائص فذة سواء من الناحية الجغرافية والإستراتيجية أو من ناحية مصادر الطاقة التي تتوفّر عليها مثل الغاز الطبيعي والنفط إضافة إلى الثروات الطبيعية الغنية بها. بيد أنه مع الأسف فإن هذه المصادر لم تستغل في أغلب الأحيان كما ينبغي، فنسبة 86 % من سكان العالم الإسلامي يبلغ دخلهم السنوي أقل من 2000 دولار، و76 % منهم يبلغ دخلهم السنوي أقل من 1000 دولار، في حين أن 67 % منهم لا يتجاوز دخلهم السنوي 500 دولار. وهذا الوضع يشكِّل تناقضًا صارخًا مع الإمكانات الضخمة التي يتمتع بها العالم الإسلامي. فما يستهلكه الغرب من النفط يتم تصدير نصفه تقريبًا من هذه المناطق الجغرافية، ونسبة 40 % من الإنتاج الزراعي في العالم مصدرها هذه المناطق أيضًا. وقد صرح العديد من الاقتصاديين والإستراتيجيين بأن الاقتصاد العالمي مرهون بما يتم تصديره من الأراضي الإسلامية من نفط وغاز طبيعي، وفي مقدمة تلك المناطق نجد خليج البصرة.

إن المخزون الذي تم اكتشافه من النفط إلى اليوم في منطقة خليج البصرة وحدها يعادل ثلثي المخزون العالمي. وقد ورد في التقرير الذي أعدته وزارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية أن صادرات منطقة الخليج من النفط سوف ترتفع بنسبة 125 % ما بين عامي 2000و2020 وهو ما يعني أن قسمًا كبيرًا من احتياجات العالم من الطاقة سيتم تأمينها من الخليج تمامًا مثل ما هو حاصل اليوم. وإلى جانب النفط، ينبغي ألا ننسى أيضًا أن الشرق الأوسط يتوفر على ما يقارب نسبة 40% من المخزون العالمي من الغاز، منها ما يقرب من 35 % في منطقة الخليج وحدها.

وبالإضافة إلى ذلك تعد دول القوقاز ووسط آسيا من الدول الغنية جدًا بالنفط والغاز الطبيعي. كما أن بعض الدول الإسلامية ثرية بالمواد المعدنية الثمينة، فأوزباكستان وقرغيزستان مثلا تأتيان في مقدمة الدول المنتجة للذهب في العالم. كما أن تركيا تعتبر من أغنى الدولبمعدن البورون الذي تزايدت أهميته أكثر خلال السنوات الأخيرة. وتمتلك طاجيكستان أكبر المنشآت لتصنيع الألمونيوم في العالم.

إن القرن الواحد والعشرين وصف بكونه قرن الطاقة، ولذلك فإن هذه الامتيازات التي تتمتع بها الدول الإسلامية سوف تتزايد أهميتها أكثر في المستقبل. وتمثل الطاقة في حياة مجتمعاتنا المعاصرة عنصرًا مهمًا إذ أنها تدخل في الصناعة والمواصلات والإعمار والجوانب العسكرية أيضًا. فالحاجة مُلحة للطاقة بدرجة أولى من أجل تنشيط الإنتاج والاقتصاد. ولهذا السبب يتعين بذل جهود مضنية خلال القرن الواحد والعشرين من أجل مراقبة مصادر الطاقة وضمان السيطرة عليها. ولكن للأسف الشديد فهذه الامتيازات الهائلة التي تنعم بها أراضي المسلمين لم تقع الاستفادة منها على الوجه المطلوب. وبالنسبة إلى أغلب هذه الدول- وبالرغم من ثراء مصادرها- فإنها لم تتمكن من زيادة إنتاجها أو تحويل هذه المصادر في مصانعها وذلك بسبب العجز في بنيتها التحتية وإمكانياتها التكنولوجية، ومن هنا اقتصرت مساهمة هذه المصادر الغنية في الاقتصاد على الصادرات. فهذه الدول غير قادرة على تكرير النفط واستخدامه في مركبات صناعية خاصة بها، كما أنها غير قادرة على تطوير مصانعها. وإلى جانب ذلك فهناك بعض الدول الإسلامية الأخرى لا تملك الإمكانيات الكافية من أجل إجراء الأبحاث اللازمة لاستكشاف المصادر الباطنية وتحديد مواقعها ثم استخراجها. وهذه الأبحاث والاستكشافات تقوم بها شركات أجنبية في بعض الدول، وبعض الدول الإسلامية الأخرى يوجد بها نفط وغاز طبيعي غير أنها لا تستفيد منهما على الإطلاق.

إن عدم استغلال الثروات الباطنية من قبل الدول الإسلامية لا يمثل المشكل الاقتصادي الوحيد بالنسبة إليها، ولكن إذا تم الانطلاق من هذه المشكلة أمكن بعد ذلك حل الكثير من المشاكل الأخرى. نعم ثمة فوارق بين اقتصاديات الدول الإسلامية وفوارق في بنية هذه الاقتصاديات، فاقتصاد بعض هذه الدول يعتمد على كثرة الثروات الباطنية (مثل الدول الغنية بالنفط)، وبعض الدول الأخرى يعتمد اقتصادها على الزراعة (وذلك بالنظر إلى موقعها الجغرافي الخصب). وهذه الاختلافات في البنى الاقتصادية توازيها أيضًا اختلافات في البنى الاجتماعية. فالأغلبية في بعض الدول تعيش في المناطق الريفية بينما تتميز شعوب دول أخرى بأنها ذات طابع مدني (نسبة إلى المدينة). بيد أن دولة ما يمكن أن تسد النقص الموجود في دولة أخرى، وهذه الدولة بإمكانها أن تلبي حاجيات تلك الدولة، فيحدث تكامل بينها، وبذلك تصبح تلك الاختلافات عامل ثراء مهم.

يمكن لهذه النقطة أن تكون منطلقًا للاستثمارات والجهود المشتركة. وبفضل تلك الجهود تستفيد كل دولة من تجارب الدول الأخرى، وتكون مجالات الاستثمار بين البلدين مصدرًا اقتصاديًا لكلا الطرفين. وكما بينا من قبل فإن الدول الإسلامية بتقديمها الدعم لبعضها البعض تسير وفقًا للأخلاق الإسلامية السامية. فنجدة المحتاج والتعاون الاجتماعي هما من أهم خصال المسلمين، وقد أمر القرآن الكريم في كثير من آياته بمد يد العون لذوي الحاجة. وينبغي أن ينتقل التعاون داخل المجتمع الواحد إلى تعاون أشمل بين المجتمعات. وبالإضافة إلى ذلك فإن مجالات التعاون بين الدول الإسلامية لن تقتصر على مجال بعينه. وبذلك تتزايد فرص العمل من ناحية ويبدأ مستوى الدخل في كلا المجتمعين في الارتفاع. فإذا كان بلد ما ينتج النفط، فإن البد الإسلامي الآخر يمكن أن يقوم بعملية تكريره، وإذا كانت هناك دولة فقيرة من حيث الزراعة فإن الدولة الأخرى تسد لها حاجتها في هذا المجال. وإذا كانت القوة العاملة في دولة إسلامية ما محدودة فإن الدولة الأخرى يمكن أن توفر لها ما تحتاجه. وفي صورة ما إذا وجدت القوة العاملة غير أن صناعة تلك الدولة لم تتطور بما فيه الكفاية فإن الدولة المتطورة تنجدها بما ينبغي من الاستثمارات المتنوعة. وعائدات هذا الاستثمار تذهب إلى الدولة التي تم فيها الاستثمار والجهة المستثمرة ومن ساهم في عملية الاستثمار أيضًا. وبذلك تنمو بركة العلم وتزداد التجربة، ويستفيد جميع المسلمين من التطور التكنولوجي على أحسن وجه.

إن الجهود المشتركة من أجل توحيد قوى العالم الإسلامي وإمكانياته تمكن من إنتاج احتياجات كثيرة، داخل الدول الإسلامية على غاية من التطور التكنولوجي. ثم إن السوق الإسلامية المشتركة المزمع إنشاؤها سوف ترفع الحواجز والعراقيل الجمركية فتسوق البضائع التي يتم إنتاجها في بلد ما بكامل السهولة في بلد آخر. وهكذا تتوسع مجلات التجارة وتنال كل دولة إسلامية نصيبها من السوق، وتزداد عمليات التصدير، وهذا من شأنه أن يسرع من وتيرة الصناعة في البلاد الإسلامية. وما سوف تشهده الصناعة من تطور يمكن أن يشمل المجالات التكنولوجية أيضًا. وعلى هذا النحو بإمكان الدول الإسلامية أن تقف صفًا واحدًا في مواجهة المجموعات الاستثمارية الأخرى، وبذلك تصبح جزءًا فاعلاً من الاقتصاد العالمي.
بهذا الشكل تتحسن مستوى معيشة الشعوب الإسلامية وتنعم بالرّفاه، وتزول مظاهر الظلم الاجتماعي. وفي الواقع فإن هناك اتفاقيات إقليمية في التجارة الحرة في كل من دول الخليج وجنوب أفريقيا ودول الباسيفيك ودول شمال أفريقيا. وهناك أشكال من التعاون الاقتصادي في العالم الإسلامي، ولا يمكن استثناء تركيا من هذا التعاون. وفي بعض الأماكن يتعلق الأمر بتعاون ثنائي، غير أن المطلوب هو توسيع هذا التعاون ليشمل جميع الدول الإسلامية، فيحمي حقوق هذه الدول ومصالحها ويوفر لها جميعا فرصة النهوض.

الله تعالى يأمر المسلمين بأن يكونوا أولياء لبعضهم البعض

كل هذا لا يتحقق إلا من خلال مؤسسة مركزية ومن خلال التنسيق الكامل. والطريق لضمان النجاح في هذا المسعى هو غرس الأخلاق الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم والتي أُثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمعات الدول الإسلامية، بمعنى أنه بالإمكان تحقيق ذلك من خلال نهضة ثقافية إسلامية. وينبغي أن تكون قيادة هذه النهضة الثقافية وما يترتب عنها من تعاون سياسي واقتصادي بيد الاتحاد الإسلامي.
وعلى جميع المسلمين أن يأخذوا بعين الاعتبار الأحكام الإسلامية في موضوع التعاون والتضامن. فلقد أمر الله تعالى الإنسان في القرآن الكريم بأن يحذر حب المال وفرط الحرص عليه وأوصى برعاية المحتاج ومساعدته، وبين أن في أموال الأغنياء نصيبا للفقراء. (الذاريات: 19). وفي هذا الموضوع نورد الآيات الكريمة التالية:

(وَلاَ يَأْتَلِ أُولِي الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرِ يُسْرًا ) (الطلاق: 7).

كما بين الله تعالى في القرآن الكريم أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض (التوبة: 71)، وكلمة "ولي" تتضمن معنى الصديق والمساعد والداعم والمنقذ، وفيها تأكيد على أهمية التعاون والتضامن داخل المجتمعات الإسلامية. وما من شك في أن التعاون الذي يكون دافعه مفهوم الأخوة سيجلب الخير والبركة للمسلمين ويزيل الفقر الذي يعتبر من المشاكل المستعصية في العالم الإسلامي. وينبغي ألا ننسى أن المجتمعات المحكومة بالأخلاق القرآنية لا تواجهها مشاكل الفقر والجوع والخصاصة. ولقد طوَّر المسلمون مجتمعاتهم من خلال سياسة عاقلة وراشدة تتسم ببعد النظر، وكذلك من خلال ربط علاقات وطيدة مع باقي المجتمعات والدول و إيلاء أهمية خاصة للتجارة والاستفادة من المصادر الثقافية المختلفة.

إن بالإمكان بعث الحضارة الإسلامية من جديد وجعل القرن الواحد والعشرين قرنًا زاهرًا بالنسبة إلى العالم الإسلامي وذلك بقيادة إسلامية حكيمة.

إن العالم الإسلامي مضطر إلى أن يصبح كتلة عسكرية وسياسية واقتصادية موحدة، وعندما يتمكن من إقامة الوحدة فستشع ثقافته وحضارته من جديد على العالم، وسوف يكون عاملاً مهمًا في الحفاظ على الأمن العالمي، أما بعض الأطراف المتشددة التي تؤمن بنظرية "الصراع بين الحضارات" فلن تجد لها مكانا في هذا العالم.

نعم لقد شهد التاريخ يومًا تلك الحضارة، وستعود قريبًا بقيادة الاتحاد الإسلامي، وسوف تشع على العالم من جديد بإذن الله تعالى.
إن ضرورة قيام هذا الاتحاد الإسلامي وشكل بنيته وما يمكن أن يقدمه من عزة للمسلمين سيتضمنه كتاب بشكل مفصل يصدر في القريب العاجل بإمضاء هارون يحيى، وسوف يمثل خدمة عظيمة لجميع المسلمين. وحال صدور هذا الكتاب سوف نكون سعداء بتقديمه لسعادتكم.


Jun 12, 2009