هل العقل هو المسؤول عن البحث فى النافع والمفيد؟
العقل هو الذى يبحث عما ينفعه، ويسعى الى ما فيه خيره، ويبتعد عما يضره، لأن الانسان لم يخلق عبثا، ولم يوجد سدى بلا وازع ولا رادع، وكما وجد الانسان من العدم، فانه سيبعث بعد الموت، ويسأل عن كل ما عمله فى دنياه، وعما اعتقده، وآمن به، وسيفر فى هذا اليوم المرء من اخيه، وامه وابيه، ومن زوجه وبنيه، كل واحد سيكون مشغولاً بنفسه، ومن رحمة الله بالعباد ان ارسل لهم الرسل، وانزل عليهم الكتب، وبين لهم ما ينفعهم وما يضرهم، ودعا العقل الى التفكر والتدبر، والتأمل مهتديا بنور الدين، مسترشدا بتعاليمه حتى يطمئن بالحق، ويسكن الى الهدي، لايقلد اهل الضلال والشرك والالحاد ففى ذلك هلال وبوار.
وقد ذم الله عز وجل من لايعتبر بمخلوقاته الدالة على وجوده سبحانه وتعالى وعلى كمال صفاته وعظمته وقدره ووحدانيته، فقال:"وكأين من آية فى السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون""يوسف 105: 106" ومدح سبحانه وتعالى أهل التفكر والتدبر من عباده فقال تعالي:"الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار""آل عمران 191".
ولو تفكر الناس فى عظمة الله لما عصوه سبحانه وتعالى ففى كل شيء له آية تدل على انه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .وقد جاء فى الأثر:"ما اكتسب المرء مثل عقل يهدى صاحبه الى هدى او يرده الى ردي".والعقل يعين صاحبه على العلم وعلى الاعتبار بالآيات، والحوادث، وصروف الايام، وتقلبات الدهر والانام، ولنتدبر قول الحق تبارك وتعالي"أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها""الحج 6" اى يعلمون بها او يعتبرون بها.
ويكون العقل نوراً فى القلب اذا اهتدى بالدين، واتخذ من آيات الوحى مرشدا له ودليلا، وجال حراً فى ملكوت السماوات والارض، وما فيهما من ابداع وجلال وروعة ونظام ليدله ذلك على وحدانية الله، وقدرته ووجوب طاعته سبحانه، ولذا قالوا: العاقل هو من عقل عن الله امره ونهيه، وسئلوا قديما: هل الشرير الداهية يسمى عاقلا؟ فأجابوا: بأنه لايسمى عاقلا حتى يكون المرد خيرا دينا، فأما الشرير فيسمى صاحب روية وفكر.
روى عن ابى الدرداء عويمر بن زيد الانصاري، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"ياعويمر، ازدد عقلاً تزدد من ربك قربا، قلت: بأبى انت وامى يارسول الله، ومن لى بالعقل؟ اى من يتكفل ويضمن لى وقال عليه افضل الصلاة والسلام: اجتنب محارم الله، وأد فرائض الله تكن عاقلا، ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد فى الدنيا عقلا وتزدد من ربك قربا، وبه عزا".القرآن الكريم نفى العقل عمن يعرض عن التفكير فى الدليل ليؤمن بالدين الحق، كما نفاه عمن يسخرون استهزاء بالعبادات، ولنتدبر قول الحق تبارك وتعالي:"واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولايهتدون""البقرة 170".
وقوله سبحانه وتعالي"وإذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لايعقلون""المائدة 58"، نفى عنهم صفة العقل لأنهم اذا سمعوا المؤذن يدعو الى الصلاة التى هى افضل الاعمال لمن يعقل ويعلم من ذوى الألباب سخروا، وهذه صفات اتباع الشيطان الذى لايعقلون معانى العبادات والشرائع.
فالاسلام كرم العقل، وخاطبه، وجعله مناط التكليف، وفك عنه قيود الجمود على الموروثات والاغلال التى تربطه بمذاهب ضالة وافكار ارضية منحرفة، ودعا البشر الى التفكير الحر للوصول الى الحق، واعلمهم ان كل انسان مسؤول عن عمله، مكلف بانقاذ مهجته ونفسه من شقاء ابدي، واذا كان الآباء على ضلال وماتوا على الشرك والالحاد فقد ماتوا على جهل ما بعده جهل، ولو كانوا فى دنياهم اهل مكر ودهاء وقوة وثراء ونجاح فى امور المعاش والعمران، لأن العاقل حقا هو الذى يمهد لنفسه ويقدم الخير لحياته الابدية، اذ جعلت الدنيا لمن يأخذ بالأسباب لحكمة الهية، فليس النجاح فى الدنيا دليل العقل الكامل السليم اذا لم يقابله ايمان صحيح، وعقيدة سليمة، وانقياد لامر الرب سبحانه وتعالى ولنتدبر قول الله تعالي:"واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدناعليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون""المائدة 104.. هؤلاء الجاحدون الملحدون اذا دعوا الى دين الله وشرعه وما اوجبه والى ترك ما حرمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الاباء، والاجداد من الطرائق والمسالك، فوبخهم القرآن الكريم على جمودهم وعدم احترامهم عقولهم"أو لو كان آباؤهم لايعلمون شيئا ولا يهتدون" أى ولو كان هؤلاء الاباء لايفهمون الحق، ولا يعرفونه، ولا يهتدون اليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟ انه لايتبعهم الا من هو أجهل منهم، واضل سبيلا لتعطيله قوى التفكير ولعدم تدبره فيما يصلح نفسه، ويعود عليها بالخير.
لذا امر الله عباده المؤمنين ان يصلحوا انفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، واخبرهم انه من اصلح نفسه واطاع ربه لايضره فساد من فسد من الناس سواء كان قريبا منه او بعيداً ولنتدبر قوله تعالي:"يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعلمون""المائدة 501" اى فيجازى كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وجاء عن ابن عباس فى تفسيرها، يقول الله تعالي:"اذا ما العبد أطاعنى فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده اذا عمل بما أمرته به ..
ونسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يجعلنا جميعا ممن يتدبرون قوله سبحانه وأن يهدي إلينا سبلنا فهو سبحانه وتعالى وحده أهل ذلك والقادر عليه
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.