مسلمو بريطانيا.. الأقلية الصامتة



فضح برنامج تليفزيوني بريطاني، ومقال صحافي، الأوضاع المزرية التي يعيشها مسلمو بريطانيا في الوقت الحالي، التي تشمل: اضطهادات وإهانات، وممارسات عنصرية، تتكرر بشكل شبه يومي. ويقابل كل ذلك بتعتيم من قبل وسائل الإعلام البريطانية التي تشارك بفعالية في تعزيز ثقافة العداء ضد المسلمين في هذا البلد، بدلا من ممارسة دورها المنوط بها، في كشف الحقائق.

وفي مقابلة مع القناة الرابعة في التليفزيون البريطاني سوف تذاع ضمن برنامج "برقيات" يوم الاثنين المقبل 7-7-2008، هاجم أول وزير بريطاني مسلم، ثقافة العداء المتنامية ضد المسلمين في المملكة المتحدة، مؤكدا أن كثيرا من المسلمين أصبحوا يشعرون اليوم أنهم مستهدفون مثل"يهود أوربا" أيام اضطهادهم.

وأكد "شهيد مالك"، الذي تم اختياره الصيف الماضي كوزير في وزارة التنمية الدولية، أن استهداف المسلمين في بريطانيا، أصبح أمرا مقبولا سواء في وسائل الإعلام أو المجتمع بصفة عامة، وبشكل لا يمكن أن يكون مقبولا، تجاه أي أقلية أخرى.

وقال: "بطريقة ما، هناك رسالة بأن استهداف الناس يعد أمرا مقبولا طالما كانوا مسلمين. ولا يجب عليك أن تقلق بشأن الحقائق، والأدهى من ذلك، أن يغمض الناس عيونهم تجاه ما تفعل".

وقال إنه شخصيا كان هدفا لسلسلة من الحوادث العنصرية، شملت حرق سيارة عائلته، ومحاولة أحدهم قتله بالسيارة في إحدى محطات الوقود في مدينة برنيلي عام 2002. وذكر كذلك، أنه يستقبل بانتظام، رسائل معادية للمسلمين في مكتب الدائرة الانتخابية الخاص به في مدينة ديوزبيري بمقاطعة ويست يوركشير.

قصص كاذبة

واتهم مالك، وسائل الإعلام بتعمد نشر قصص كاذبة حول المسلمين، تثير حفيظة الشعب البريطاني ضدهم، وتؤجج مشاعر العداء لهم.

ودلل على ذلك بقصة كاذبة، نشرتها صحف قومية عديدة في ديسمبر الماضي، وتدعي أن العاملين في مستشفي ديوزبيري، تلقوا أوامر بتوجيه أسرة المرضى من المسلمين تجاه القبلة 5 مرات في اليوم. وعلق على هذه القصة قائلاً: "يبدو الأمر تقريبا كما لو أنه ليس مطلوبا منك، أن تتأكد من الحقائق عندما يتعلق الأمر بمجموعة معينة من الناس، فقط عليك أن تساير مثل هذه القصص، وتساهم في ترويجها".

واعتبر أن مثل هذه الروح العدائية المتنامية ضد المسلمين في بريطانيا، تجعل المسلمين يشعرون وكأنهم "غرباء في وطنهم"، وحذر قائلاً: "في وقت نرغب فيه في أن ندمج المسلمين في النسيج البريطاني، فإن العكس هو ما يحدث في حقيقة الأمر".

اتهامات مالك أيدها سيمون فولي، وهو عضو في قوة المهام الحكومية حول المساواة بين الأعراق، الذي أكد أن الاسلاموفوبيا تنتشر في كل قطاع من قطاعات الحياة في بريطانيا، محذرا من أن تأثير ذلك سينعكس بدورة في جعل مسلمي هذا البلد، يشعرون بعدم الانتماء للمجتمع البريطاني أكثر وأكثر.

كما شمل برنامج "برقيات" فقرات أكدت أن الاتجاهات السلبية تجاه المسلمين، أصبحت أمرا مقبولا بين المفكرين وكتاب الأعمدة في الصحف، الذين يستخدمون لغة استعارها منهم أقصي اليمين الآن.

مرض بريطانيا الجديد

وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقالاً بعنوان "كراهية الإسلام.. هل هو مرض بريطانيا الجديد؟"، أكد فيه كاتبُه بيتر أوبورن، أن الفجوة تتسع أكثر فأكثر بين المسلمين، وباقي أفراد المجتمع في بريطانيا.

وقال أوبورن: "لقد وَجدت نظرة الشك تجاه المسلمين، طريقها إلى الشارع البريطاني، ولا يبدو أن هناك من يكترث بذلك".

وأضاف: "منذ ثلاث سنوات، تعرضت لندن لـ 4 تفجيرات انتحارية، لم يكن هدفها القتل فقط، وإنما كان وراءها أيضا هدف استراتيجي بعيد المدى وهو: تأجيج نظرة الشك تجاه المسلمين، وتقسيم الشعب البريطاني إلى فريقين، مسلمين وآخرين.. وها هو الهدف يتحقق الآن".

وأكد أوبورن في مقالة أن "ثقافة الاحتقار والعنف تجاه المسلمين أصبحت ظاهرة بوضوح" في شوارع بريطانيا، مشيرا إلى أن الخط العام للمجتمع يرفض "معاداة السامية"، ويعزل المتهمين بها، بينما لا تقابل "الإسلاموفوبيا" ولا أصحابها بنفس الرفض من قبل المجتمع، وهذا يعني أنه لا توجد حماية ثقافية أو سياسية أو اجتماعية للمسلمين في هذا البلد.

واستدل على وجهة نظره بعرض قصة إنسانية بطلها "سارفراز ساروار"، وهو شخصية معروفة بين الجالية المسلمة في مدينة باسيلدون بمقاطعة ايسيكس؛ حيث يتعرض وعائلته بشكل منتظم، للإهانات والهجمات العنصرية.

وكان أول انتهاك تعرضت له عائلة ساروار في أكتوبر 2001؛ حيث تم ترك أطراف خنازير أمام باب منزلهم، وتم تغطية حوائط منزلهم برسومات عنصرية، فضلا عن تهشيم نوافذ المنزل. ومنذ ذلك الحين والعائلة تعاني من الهجمات المتكررة، والتي شملت حرق سيارتهم، وتدمير إطارات السيارة الجديدة، وتحطيم نوافذ المنزل مرة ثانية. ونتيجة لذلك اضطرت عائلة ساروار إلى تركيب كاميرات مراقبة، وتعلية السور المحيط بالمنزل، وتغيير الباب الخلفي للمنزل المصنوع من الخشب بآخر من الصلب. وفضلا عن كل ذلك، فقد تم حرق مركز الصلاة الذي اعتاد ساروار أداء الصلاة فيه، ما اضطره هو ورفقاؤه من المصلين إلى الالتقاء سرا لأداء الصلاة؛ وذلك لتجنب تعرضهم لهجمات. وعلق أوبورن على هذه القصة قائلا إن "جريمة ساروار الوحيدة هي ديانته".

أقلية صامتة

وأكد أوبورن أن وسائل الإعلام تحاول تهويل أي تصرف فردي من قبل أي مسلم، وتحاول إظهاره كأنه سلوك إسلامي أصيل، بينما تفرض تعتيما على أي انتهاك يمارس من قبل الآخرين ضد المسلمين. فضلا عن أن المسلمين أنفسهم لا يقومون بالإبلاغ إلا عن القليل من الحوادث العنصرية التي يتعرضون لها، واصفا مسلمي بريطانيا بأنهم"أقلية صامتة".

وضرب مثالا لذلك، مشيرا إلى قضية عنصرية تم الحكم فيها الأسبوع الماضي، وصاحبها هو مارتن جيلارد من إيست يوركشير، وهو معروف بتعاطفه مع النازية، والذي قضت إحدى المحاكم بعد مداولة القضية بحبسه 16 عاما. أما تفاصيل القضية فتعود إلى عثور الشرطة، على كميات من المتفجرات والأسلحة في منزل جيلارد، شملت: قنابل، وأعيره نارية، وسيوف، وبلطات وسكاكين. واكتشف المحققون أن جيلارد، كان يخطط لاستخدام هذه الأسلحة في شن ما أسماه "حرب ضد المسلمين". وعثر على مفكرة في شقة جيلارد، كتب فيها بخط يده: "لقد تعبت وسئمت من سماع القوميين يتحدثون عن قتل المسلمين، ونسف المساجد دون أن يتحرك منهم أحد.. لقد حان الوقت أن نتوقف عن الكلام وأن نبدأ بالأفعال".

وعلق أوبورن قائلا: "قضية جيلارد مرت مرور الكرام دون أن يتم نشرها، مضيفا: "تخيلوا أن ترسانة من الأسلحة، وُجدت مع مسلم يخطط لهجمات عنف.. دون شك ستكون هذه الواقعة، مادة ثرية لقصص مثيرة تتناقلها مختلف وسائل الإعلام".

ورأى أن هناك أسبابا ما وراء هذا التعتيم، جاء من بينها أن الغالبية العظمى من مسلمي بريطانيا فقراء، ومعزولون عن بقية أفراد المجتمع، كما أنهم بلا نفوذ سياسي تقريبا. فضلا عن أنه لا توجد، صحيفة قومية بها كاتب عمود مسلم، فيما عدا "ياسمين البهي" الكاتبة في صحيفة الإندبندنت.

أسباب العداء

وقدم الكاتب رؤيته حول السبب في انتشار لهجة العداء للمسلمين في بريطانيا، متهما "الحزب القومي البريطاني" المتطرف، بالمشاركة في تأجيج هذه العداء. وأوضح قائلا:" في كل أنحاء أوربا، تخلت أحزاب أقصى اليمين عن العداء التقليدي للأقليات مثل اليهود والسود، وعلى نفس المنوال، أدرك قادة الحزب القومي البريطاني أن معاداة السامية والسود، لن تفيدهم إذا كانوا يرغبون في تحقيق انتصارات انتخابية؛ لذا بحث قادة هذه الحزب في طريقهم للفوز بتأييد رجل الشارع العادي عن قضية تسمح لهم بتفجير مخاوف الناس من المهاجرين والأقليات الإثنية في هذه البلد دون أن يتم تصنيفهم على أنهم متطرفون عنصريون".

وأضاف أن قادة الحزب "وجدوا ضالتهم بالفعل، بعد هجمات 11 سبتمبر، وتفجيرات 7 يوليو، حيث قطع الحزب القومي البريطاني شريان معاداة المسلمين، ووصف قائد الحزب نايك جريفين، الإسلام بأنه عقيدة شريرة ووحشية". وذكر أن "جريفين حاول أن ينأى بنفسه وبحزبه من الماضي الملوث بالعداء للسامية؛ حيث يتم توبيخ أعضاء الحزب إذا ما خاضوا في مسألة الهولوكوست، في الوقت الذي يتلقون فيه أوامر بتركيز مناقشتهم على الإرهاب وأشرار الإسلام، ونسج قصص تغذي حالة الرعب من تحول بريطانيا إلى دولة مسلمة".

وطالب الكاتب البريطاني بمنح المسلمين الحماية نفسها التي يتم منحها لباقي الأقليات من الإهانات وإساءة المعاملة، مؤكدا أن تلك الحماية "ليست متاحة الآن".

واختتم مقاله قائلا: "يجب أن نشعر بالخجل؛ بسبب الطريقة التي نعامل بها المسلمين، سواء في وسائل الإعلام أو في سياستنا أو في شوارعنا. نحن لا نعامل المسلمين بالتسامح ولا باللياقة أو العدالة التي نحب أن نتباهى بأنها هذه هي الطريقة البريطانية. نحن في حاجة عاجلة لتغيير ثقافة مجتمعنا".

http://www.islammessage.com/articles...d=123&aid=3075