المصلوب ليس عيسى عليه السلام, و إلا اتهمناه بقلة الإيمان, فما الفرق إذا بين المؤمن المحب و بين الساخط على مشيئة ربه جل علاه. المؤمن الحقيقي يا هللويا أو راعوت لا يقول مثل هذا التهكم على الرب و لا يجدر به التلفظ به. أدخلي على أقرب عزاء, لتري من الراضي و من الساخط على قضاء الله.

و بالأمس القريب قال المسيحيون أنه لم ينطق و كان راضيا لمصيره ليلصقوا هذه النبوءة عليه:
ظُلِمَ وَأُذِلَّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، بَلْ كَشَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.10 وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سُرَّ اللهُ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. وَحِينَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَتُفْلِحُ مَسَرَّةُ الرَّبِّ عَلَى يَدِهِ.

و هي تتكلم عن شخص له نسل و ستطول أيامه و لم ينبس بكلمة , ثم تراجعوا و قالوا هذه تخص داوود عليه السلام. قمة التناقض لإسقاط النبوءات. و حتى ان كانت النصوص تخص داوود, فلا شك أن النصوص ملفقة, لأنه من المستحيل أن يرسل الله لنا أنبياء لنتخذهم قدوة و يكونوا قليلي الإيمان ساخطين على قضائه. فهل هذه أمتلة نحتذي بها؟

نرجع إلى القرآن و السيرة ونقرأ مكارم أخلاق الأنبياء الحقيقية و إيمانهم القوي بالله و صبرهم لتتميم الرسالة, لقد خرج رسول الله على أصحابه وهم يعذبون بالنار والحديد في بطحاء مكة لإسلامهم، وفيهم خباب بن الأرَتّ، الذي تقدم إليه شاكياً فقال: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال : ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه". ثم بشره النبي ببشارة عظيمة مذهلة فقال: ((والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)). رواه البخاري ح (3612).

و لا ننسى مصير يحيى عليه السلام ابن خالة عيسى أو يوحنا المعمدان كما يقولون الذي قطع رأسه و مصير أبيه زكريا أيضا من بعده .

سحرة فرعون الذين آمنوا برسالة موسى و المصير البشع الذي لاقوه, و ما تراجعوا لحظة واحدة:
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) سورة طه

و مصير أصحاب الأخدود النصارى في نجران الذين أحرقوا على يد اليهود لإيمانهم برسالة عيسى عليه السلام و ثباتهم حتى الموت:
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) سورة البروج

هؤلاء مجرد بشر مثلنا و ليسوا أنبياء و صبروا و لهم عظيم الجزاء , فما بال الرسل ؟
هذه دعوة للتأمل و التفكير