د. محمد عمارة : بتاريخ 3 - 3 - 2008

هناك أوجه شبه كبيرة وعميقة وذات دلالة بين المسيحية الشرقية وبين الإسلام في أمرين هامين:
أولهما: الانتشار السلمي لكل منهما بالموعظة والبشارة والتدريج..
وثانيهما: خلو تاريخهما من أية (حروب دينية مقدسة) لإكراه الآخرين على تغيير الاعتقاد..
وعلى العكس من النصرانية الشرقية – التي كانت ديانة السلام المتصوف والصوفية المسالمة – كانت النصرانية الغربية (التي انتشرت بالسيف .. وامتلأ تاريخها بالحروب الدينية – بين الكاثوليك والبروتستانت – التي دامت نحو قرنين من الزمان (1562-1629م) والتي أشتهر منها أحد عشر.. والتي أبيد فيها 40% من شعوب وسط أوروبا يحصيهم (فولتير) (1694-1778) فيقول إنهم عشرة ملايين .. وذلك فضلا عن ضحايا محاكم التفتيش الذين أبيدوا بالقتل والإحراق والإغراق.. والإعدامات على (الخازوق المقدس) التي دامت ثلاثة قرون !..
لذلك كان تاريخ النصرانية الغربية مغايرا لتاريخ النصرانية الشرقية، التي كانت ولا تزال جزءا أصيلا من نسيج حضارة الإسلام..
ولقد شهد المنصفون من علماء الغرب على هذا التمايز بين نصرانية الشرق وبين النصرانية الغربية.. فكتب العلامة الإنجليزي (سير. توماس أرنولد) (1864-1930) عن اضطهاد النصرانية الغربية الرومانية – النصرانية الشرقية ، وعن حروب النصرانية الغربية ضد المسلمين في الحروب الصليبية – التي دامت قرنين من الزمان – (489-690هـ/1096-1291م) كما كتب عن انتشار هذه النصرانية الغربية بحد السيف وساق الوقائع التاريخية التي تقول..
إن شارلمان (742-814م) قد فرض التعميدات المسيحية على السكسونيين بحد السيف..وفي الدانمرك أستأصل الملك (كنوت) (995-1035م) الوثنية من ممتلكاته بالقوة والإرهاب.. وجماعة إخوان السيف قد استخدموا العنف والقتل والحرق في تنصير البروسيين الوثنيين .. وفرضت المسيحية على شعب ليفونيا فرضا.. وكذلك صنع الأمير فالنتين (1699م) مع أهل جزيرة أمبوينا .. وفي فيكن .. القسم الجنوبي من النرويج كان الملك (أولاف ترايجفسون) (963-1000م) يقوم بذبح الذين امتنعوا عن الدخول في المسيحية أو بتقطيع أيديهم وأرجلهم وتشريدهم .. وكانت وصية القديس لويس (1214-1270م) هي استخدام السيف لطعن المخالفين في أحشائهم .. وفي المجر أجبر الملك (شارل روبرت) جميع رعاياه من (الباشفردية) بعد عام 1340م على اعتناق المسيحية بعد أن كانوا مسلمين أو مغادرة البلاد .. وفي عام 1703 أباد الأسقف (دانيال بتروفتش) حاكم الجبل الأسود جميع المسلمين الذين لم يدخلوا المسيحية في ليلة واحدة .. وفي روسيا فرض ملكها (فلاديمير) عام 988م على جميع رعاياه سادة وعبيدا .. أغنياء وفقراء التعميد بمجرد اعتناقه المسيحية .. وظلت الحرية الدينية في روسيا ممنوعة حتى 1905م.. وكانت عقوبة التحول عن المسيحية هي الحرمان من الحقوق المدنية والسجن مع الأشغال الشاقة مابين ثماني وعشر سنوات ..
هكذا تثبت وقائع التاريخ التي أوردها (توماس أرنولد) بكتابه الدعوة إلى الإسلام أن المسيحية الشرقية كالإسلام في الانتشار السلمي والبراءة من الحروب الدينية على حين تميز تاريخ المسيحية الغربية بالعنف الدموي ضد الإسلام والمسيحية الشرقية إبان الغزو الغربي للشرق.. وبالعنف الدموي بين الكاثوليك والبروتستانت إبان الحروب الدينية الأوروبية واضطهادات محاكم التفتيش الأمر الذي يؤكد وحدة الحضارة الشرقية الإسلامية وتميزها عن الحضارة الغربية تاريخيا وحتى هذه اللحظات..