الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

وفي هذا المقال سنتناول بإذن الله الرد على سفسطة الملاحدة حول مقولة الأعرابي الذي سئل بم عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير[1].

يعلق أحدهم على مقولة : البعرة تدل على البعير فيقول : " أنها مليئة بالمغالطات المنطقية ... 1 -المشكلة الأولى تكمن في ضرب مثال بمقياس خاطئ حيث أنه عندما يقول البعرة تدل على البعير فالرد على ذلك هو أي بعير؟؟ الجاموس أم البقر أم الماعز أم الجمل الخ...
و هذا ينطبق على الكون فلماذا هو الله؟ لم ليس فيشنو أو أودين أو زيوس أو اهووا مازدا؟؟
....
2- المشكلة الثانية هي الاعتماد على الخبرات السابقة بمعنى إننا نعرف شكل البعرة من الخبرات السابقة و نعلم كيف يتم تكوينها لذا عندما نراها يساعدنا دماغنا على إمدادنا بمعلومة سابقة تمكننا من التعرف على الجسم الموجود أمامنا و الآن تأملوا معي ذلك الأعرابي الذي وجد البعرة و أثر السير.تخيلوا لو انه رأى حفرة على شكل مثلث...ماذا كان سيقول؟؟ البعرة تدل على البعير و الحفرة تلك تدل على..........????????????? ببساطة لن يعلم ؛ لأنه ليست لديه خبرات سابقة تمكنه من التعرف عليه .
3- الاستنتاج على جهل يعد من أكبر المشاكل التي تواجه المتدين بشكل عام فهو يقول البعرة تدل على البعير ...و هذا الكون لا اعرف من أين جاء إذن...الله خلقه..هذه مغالطة منطقية أخرى
4- سذاجة الطرح..فقد ساوى الأعرابي الكون بما فيه ببعرة و بعير و المثالان مقياسهما مختلف تماما و قد اوضحنا ذلك سابقا
5- ... السؤال الأزلي من خلق الله؟؟ ... و في الحقيقة هذا ليس هو السؤال الصحيح بل السؤال الصحيح هو....كيف جاء الله...اخبرني بالطريقة التي جاء بها و سأفهم و أكف عن سؤالك لأني حينها سأقوم بتطبيق الفكرة على كل ما سبق .. عندما أسألك كيف جئت إلى الدنيا؟ ستقول بالتكاثر هنا سأتوقف عن السؤال فورا و افهم أن تلك هي طريقة الإنجاب و أطبقها على أبوك و جدك و سلالتك ...دعنا نرتب أفكارنا (كيف جاء الكون يا ملحد؟؟ جاء بالانفجار العظيم,,,و كيف جاءت المادة التي سببت الانفجار العظيم؟؟ لا اعلم ما زلنا نكتشف....هاها أجل دعني أخبرك إذن أن الله هو الذي جاء بها...إذن و كيف جاء الله؟؟؟ "

ويقول ملحد آخر عن مقولة : البعرة تدل على البعير : " أنها تعرض إهانة بالغة للذات الإلهية التي يحاولون إثبات وجودها، فلا الكون بعرة ولا الله بعير ...إن مقولة ( البعرة تدل على البعير) تستند في حقيقتها على معرفة سابقة للبعير وإنتاجها للبعرة، وهو ما يجعل البدوي يفرّق بين بعرة البعير وروث بقية البهائم الأخرى. وهذه الفكرة البسيطة تنسف من الأساس أيّ استدلال منطقي قائم للاستشهاد بهذه المقولة في مسألة غاية في التعقيد كمسألة نشوء الكون ووجود إله لهذا الكون، هذا إضافة إلى أن عملية إنتاج البعرة ليست عملية واعية، في حين إنتاج الكون تفترض إرادة ووعياً يُلصقها المؤمنون بآلهتهم، وهذا الأمر يجعل الاستدلال بهذه المقولة غير مقبول منطقياً.

ولنأخذ مثالاً على سذاجة هذه المقولة لنفهم منها استحالة الاعتماد عليها في الاستدلال بوجود الله بهذا المنطق. فإذا وجد أحدنا مادة كريهة الرائحة بالقرب من ضفة نهر، فإنه قد يُخمّن أن تكون هذه المادة روثاً لحيوان ما، ولكنه من المستحيل أن يُجزم لمن يعود هذا الروث؛ إلا أن يكون على معرفة سابقة. ولكن سكان المناطق النهرية يعرفون مثلاً أن هذا الروث روث تمساح، لأنهم على معرفة بشكل ورائحة روث التمساح، وعندها يُمكنهم أن يقولوا إن روث التمساح يدل على وجود التمساح، أو أن وجود بيض السلحفاة يدل على وجود السلحفاة، ولكن هنالك اشتراط واحد واجب الإمكان ألا وهو (المعرفة السابقة)، فكيف يُفرّق السكان الأصليون بين روث التمساح وروث فرس النهر؟ وبين بيض السلحفاة وبيض الزقزاق؟ وهل للمؤمنين معرفة سابقة بالله، تجعلهم يقولون إن (الكون يدل على وجود الله)؟ الواقع يقول إن لا أحد يمتلك هذه المعرفة السابقة على الإطلاق.



إن مقولة (البعرة تدل على البعير) تمت إعادة صياغتها بطريقة رياضية وفقاً للتغيّرات المعرفية المتقدمة في تاريخ حركة الإنسان، وتمثل فيما يُسمى بمبدأ (السببية) أو العلّية، وهي تقضي بأن لكل موجود موجد بالضرورة، ولكن من غرائب العقلية الدينية أنه يرفض تطبيق هذا المبدأ بكُلياته، بحيث يتم استثناء الإله من هذا المبدأ عندما نطرح السؤال المنطقي: إذا كانت البعرة تدل على البعير، فعلى مَن يدل البعير؟ وبالتالي فعلى مَن يدل الله؟ والسؤال بصيغة أقل حدّة (من أوجد الله؟) وتكون الإجابة الصادمة للعقل هو أن الله هو الشيء الوحيد الذي وُجد من غير مُوجد! والمؤمنون متصالحون تماماً مع هذا الانقطاع المنطقي لهذا المبدأ العام "

ويقول ملحد آخر : " يستخدم المتدين مثال الساعة والبعرة للاستدلال على مسبب، ويشبه الخنفساء مثلاً بالساعة، فهذه أيضاً معقدة التركيب ولها نظام دقيق وهدف، وهو التكاثر والبقاء.

ولكن هناك مغالطة ضخمة وخداع مشين للذات في هذا التشبيه. وهو أننا نعرف تمام المعرفة أن الساعة مصنوعة ولها مسبب، فقد شاهدنا (أي بعضنا) من ركبها، وكيف ركبها، وكيف صنعت قطعها، وكيف جاءت ومن أين جاءت. وكذلك نعرف أن البعرة سببها البعير، فقد شاهدناه وهو يتبرزها. ولكن لم يشاهد أو يشعر أو يتحسس أحد منا بأي كيان، ميتافيزيقي بالخصوص، وهو يصنع الخنفساء أو الطير أو القطة أو الإنسان أو أي كائن طبيعي آخر ".

ويقول ملحد آخر : " عندما تدل البعرة على البعير فهذا البعير نعرفه وقد رأيناه من قبل ، ولكن لو أتى شخص غريب ولم ير من قبل أي بعير في حياته من قبل أو حتى سمع عنه وهذا الشخص قد أتى إلى الصحراء وقد رأى براز البعير لأول مرة.. فهل سيتمكن هذا الشخص من الاستدلال على البعير الذي لم يراه من قبل ! ، بالطبع لم يتمكن من معرفة من هو صاحب هذا البراز أبدا ما لم ير صاحبه ( البعير ) بأم عينه وهو يتبرز أمام عينيه ! وكذلك الأمر ينطبق على الساعة أو أي آلة معقدة عندما يراها رجلا من سكان الأدغال لأول مرة في حياته فإنه سوف ينسب تلك الساعة إلى الجن أو الأشباح أو أي آلهة قد سمع عنها أو عبدها ! دون أن يخطر على باله بأنها من صناعة البشر مثله ! ولكنه أكثر تطورا وتعلما منه بأشواط كثيرة جدا ! بحيث لو بقيت تلك الساعة بحوزة ذلك الرجل ساكن الأدغال مدى حياته كلها ! فلم يهتدي ابدا من هو صاحبها الحقيقي وكيف نشأت ! ولو كان هذا الرجل من أذكى رجال قومه ! وهذا الأمر أيضا ينطبق على الإنسان المؤمن برب السموات والأرض !! عندما يرى حجم الكون المذهل وتعقيد جميع الكائنات الحية.. فأنه سوف يقع وقد وقع بالفعل في نفس الخطأ الذي وقع به الرجلان الافتراضيان كما أسلفت في المثالين السابقين عندما نسب كل ما رآه إلى ربه الوهمي ( الله ) ! ولم يستوعب عقله أبدا أن يكون كل ما يراه هو نتيجة طبيعية بحتة والكائنات الحية مهما بلغت من تعقيد فهي لا تحتاج إلى أي رب على الإطلاق لينشئها وهي تنشأ حيث الظروف المناسبة لنشأتها ! وهذا الشيء قد تم إثباته تباعا عن طريق أجيال من العلماء العباقرة والباحثين " .





[1] - البيان والتبيين للجاحظ 1/163.