هل ذكر القرآنُ أن محمدًا كان ضالًا ؟!

قالوا على سبيلِ الاستهزاءِ: كيف كان رسولُكم ضالًا؟ وهل هناك رسولٌ كان ضالًا مثل رسولِكم ؟

وكان استشهادهم على استهزائهم هو: قول اللهِ I : ]وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى [ (الضحى7) .

الرد على الشبهة


أولًا: إن هذه ليست بشبهةٍ مطلقًا؛ فهي تدل على جهلِهم وعمى بصيرتِهم، وبصرهم... فكل ما هنالك أن قول الله I : ]وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى [ (الضحى7) فُهم منه أن النبيَّ r كان بعيدًا عن النبوةِ، وعن الرسالةِ ، والعلمِ ، فهداه اللهُ I إليهم .... تدلل على ذلك أدلة كثيرة منها :

1- قولُه I ] : وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [ (النساء113).
2- قولُه I : ] وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) [ (الشورى).

3- قولُه I : ] نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [ (يوسف3) .

4- قولُه ] : I تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [ (هود 49 ) .

كان ما سبق أدلة على عدم بصيرتهم، وأما عن عمى بصرِهم إن أحسنتُ بهم الظن... أقول: لو قرءوا التفاسيرَ ما سألوا بطريقتِهم الغير لائقة ....

جاء في بعض كتب التفاسير ما يقوي ما سبق كما يلي:

1- تفسيرِ الجلالين: { وَوَجَدَكَ ضَالّاً } عما أنت عليه الآن من الشريعةِ { فهدى } أي : فهداك إليها . اهـ

2-التفسيرِ الميسر: ووجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان, فعلَّمك ما لم تكن تعلم, ووفقك لأحسن الأعمال. اهـ

وعليه: تزول الشبهة - بفضلِ اللهِ I-.

ثانيًا: إن سؤالَهم يعبر عن مدى سوءِ أخلاقِهم، لما قالوا: وهل هناك رسول كان ضالًا مثل رسولكم...؟

قلتُ: أجيبُ رُغم شعوري بالهمزِ والوقاحةِ في السؤال، وأقول: لقد كان موسى u من الضالين حينما قتل المصري، وحينما أقول من الضالين أي: لم يكن رسولًا بعد؛ أعني بذلك: أنه كان بعيدًا عن النبوةِ والرسالةِ والعلمِ، مثل نبيِّنا r .....
يدلل على ذلك قوله I عن موسى u : ] قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [ (الشعراء20).

جاء في تفسير الجلالين: { قَالَ } موسى { فَعَلْتُهَا إِذاً } أي: حينئذ { وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ } عما آتاني الله بعدها من العلم والرسالة .اهـ

وجاء في التفسيرِ الميسر: قال موسى مجيبًا لفرعون: فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي، ويبعثني رسولا .اهـ

إذًا من خلالِ ما سبق أتضح لنا: أن الضلالَ المقصود ليس هو ما في تصورهم المغلوط؛ ليس الضلال الذي هم عليه...


ثالثًا: إن الضلالَ الحقيقي الذي يدور في أذهانِ المعترضين هو ما نسبه الكتابُ المقدس إلى الربِّ بأنه يضل الأنبياءَ والبشرَ ويقسي قلوبَهم ....

جاء ذلك في عدة مواضعٍ من الكتابِ المقدسِ منها ما يلي:

1- سفر الخروج إصحاح 10 عدد 1 " ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ".

قلتُ: إن الملاحظ هنا أن اللهَ هو من يقسي قلبَ فرعونَ وعبيدِه ؛ ليُهلكهم كما يذكر النصُ وغيرُه من نفسِ السفر، ففي الإصحاح 7 عدد 3 " وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. 4وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ ".

2- سفر حزقيال إصحاح 14 عدد9 " فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 10وَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. كَإِثْمِ السَّائِلِ يَكُونُ إِثْمُ النَّبِيِّ" .!

قلتُ: إن الملاحظ من النصين أن اللهَ يضلُ النبيَّ الذي يُرسله....!

وأتساءل: أليس هذا دليلًا على ضلالِ أنبياءِ الكتابِ المقدسِ بزعمِ تلك النصوصِ ؟!

3- سفرالملوك الأول إصحاح 22 عدد 23 " وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ...".

4- سفر حزقيال إصحاح 20عدد 24 " لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ".
قلتُ: إن الملاحظ من النصوصِ: أن الربَّ بحسب ما نُسب إليه يضل البشرَ وينجسهم ...!
وأتساءل: هل هذا العقاب يرتضيه المعترضون وهو أن يعاقب اللهُ البشرَ بالضلال والنجاسة... ؟!

5- سفر إشعياء إصحاح 63 عدد 17 " لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ ".

6- سفر إرمياء إصحاح16 عدد 13 " فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلاً حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً" .

7- رسالة بولس تسالونيكي الثانية إصحاح 2 عدد10 " وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. 11وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، 12لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ ".

8-رسالة بولس إلى رومية إصحاح 9 عدد 18 " فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ ".

إن قيل : إن في القرآنِ الكريم آيةَ تقولُ : ]أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [ (فاطر8) .

قلتُ: إن اللهَ يهدي من يشاء فضلاً منه، ويضل من يشاء عدلًا، يهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الضلال، وذلك بعد النذيرِ، وإقامةِ الحجة ....
يدلل على ذلك ما جاء في الآتي:

1- قولهI : ] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [ (الإسراء15).

2- قوله I : ]إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) [ (فاطر).

3- قولهI : ] لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) [النحل).

4- قولهI : ]وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) [ (الرعد).

5 - أن اللهَI لا يضل الأنبياءَ والرسلَ كما هو حال الكتابِ المقدس بل ينصرهم ...
يقول I ]: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [ (غافر51 ).

6- ليس في كتابنا آياتٌ تدل على ظلمِ اللهِ لأنبيائِه ولعبادِه .... بل يقول I : ] إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) [ (النساء ).

كتبه/ أكرم حسن مرسي