في مثل هذا الشهر من كل عام نرى كثيراً من الناس يحتفلون بيوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يعدون العدة، استعداداً للاحتفال بهذا اليوم؛ حيث يعد في نظر كثير من الناس احتفالاً سنوياً في شهر ربيع الأول، يقام لذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويشتمل على قراءة شيء من القرآن، وشيء من السيرة، وإنشاد قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤدى بشكل جماعي على هيئة الأناشيد.


ولا شك أن هذا العمل لا يجوز أن يُتَعَبَّد الله به؛ فإنه من البدع المحدثة التي ليس لها أصل شرعي، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة، والآثار عن السلف على التحذير من البدع والمحدثات، وإحدى هذه البدع مما انتشر في أوساط المسلمين، وأصبح مستساغاً لدى كثير منهم بدعة المولد النبوي، بل أصبحت هذه البدعة عندهم من الأمور التي يتقربون بها إلى الله - عز وجل - ويظهرون محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الاحتفال، وليس هذا من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، وإنما كمال محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم في متابعته وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بُعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه احتفل بالمولد.


ويبقى أن نشير إلى مسألة مهمة يدعيها من يؤيد فكرة المولد النبوي، وحاصلها: أن بدعة المولد بدعة حسنة؛ لأن فيها إحياء لذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتدارس سيرته إلى آخر ما يقال، فنقول لهؤلاء: لا يوجد في الدين بدعة سيئة، وبدعة حسنة؛ لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه، فالبدعة بدعة، وأما قول عمر - رضي الله عنه -: نَعِمَت البدعة «يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه إذا قيل: إنه بدعة، فهو بدعة لغةً لا شرعاً».


وأن يقاس المولد على التراويح فهذا من الخطأ البين؛ لأن التراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي، وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم، واستمر هو يصليها في بيته، واستمر الصحابة - رضي الله عنهم - يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خلف إمام واحد كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا بدعة في الدين؛ لوقوعها من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلها أصل مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلا وجه؛ لأن تكون من البدع، والله أعلم.


أما المولد فإنه من البدع التي لم تظهر إلا بعد ذهاب القرون المفضلة كما سبق، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بمولده، وأيضاً الصحابة، والتابعين؛ لم يرد عن أحد منهم أن فعل ذلك، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وفي رواية الإمام البخاري: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، ومن نسب هذه البدعة بالاحتفال بالمولد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فقد أعظم الفرية، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذابين والمفترين على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى أصحابه الكرام - رضي الله عنهم -.
نسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا حب رسوله صلى الله عليه وسلم على النهج الذي يريد، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


د.بسام خضر الشطي