مســألة : ماذا تفعل البنت إذا أكرهت على الزواج ؟
يكثر في هذا الزمان ، خاصة في الوسط القبلي ، إكراه البنات على الزواج بمن لا يرغبن فيه من الرجال ، وتحجر البنات على أبناء العمومة قسراً ، مع كونهن بالغات عاقلات راشدات ، أبكاراً أو ثيبات .
وقد تقدم أن إكراه الفتاة وإجبارها على من لا ترغبه يعد ظلماً لها ، وتعدِّياً على حقوقها ، أعظم جرماً من التعدي على مالها من غير وجه حق .
وقد ردّ النبي صلى الله عليه وسلم نكاح الخنساء بنت خدام ، لما أكرهها أبوها ، وبوب البخاري لهذا الحديث بقوله " باب : إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود " . صحيح البخاري مع الفتح [ 9/194 ] .
وقد جاء في السنن أحاديث أخرى تؤيد حديث الخنساء ، منها :
1 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة , فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أبــو داود [ 2096 ] وابن ماجه [ 1875 ] و أحمد في المسند [ 1/273 ] .
لكن أعله أبو داود وغيره بالإرسال . وانتصر له ابن القيم في تهذيب السنن [ 3/40 ] وصحح الحديث .
2- حد يث عائشة رضي الله عنها في قصة الفتاة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته , فجعل الأمر إليها , فقالت " قد أجـزت ما صنع أبي , ولكن أردت أن أعلم الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء " . رواه النســائي [ 6/87 ] وابن ماجه [ 1874 ] .
قلت : وفي هذه الأحاديث فائدة : أن الفتاة لها أن ترفع أمرها إلى القضاء إذا أكرهت على الزواج , بكراً كانت أم ثيباً , وأنه لا حرج عليها في ذلك ولا لوم , فقد فعله من هو أفضل منها من النساء , في أفضل القرون , ولو كان عيباً لما أقرهن النبي صلى الله عليه وسلم على مقاضاة آبائهن .
وليس في اعتراض الفتاة على أبيها , أو غيره من الأولياء , ومقاضاته عقوق أو شبهةعقوق , بل هو أمر محمود ممدوح أن ترفض من تكرهه ولو كان كفئاً لها , لأنها إن عاشرت من تكرهه , فقد لا تؤدي حقه , وقد تعصيه , أو تنشز عليه , أو تمنعه من نفسها , وكل ذلك من الذنوب التي تقربها إلى النار , وتجعلها عرضة لسخط الجبار .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء " رأيتكن أكثر أهل النار " ثم ذكر سـبب ذلك فقـال " تكثرن اللعن وتكفرن العشير " . رواه البخاري [ 3/257 ] .
ولهذا خالعت امرأة ثابت بن قيس بن شماس زوجها , وعللت ذلك بقولها " إني أكره الكفر في الإسلام " . رواه البخاري . انظر الفتح [ 9/400 ] .
وتعني : أنها تكره أن تكفر العشير , وهو الزوج , وأن لا تؤدي حقه .
وإذا جاز للمرأة أن تخالع زوجها , بعد زواجها , وربما يكون لها منه أولاد , ولا يعد ذلك منها إثماً ولا عيباً , إذا خافت أن لا تقيم حدود الله معه , فلأن تقاضي أباها ووليها قبل ذلك وترد نكاح من لا ترغب , من باب أولى .
وفي الحديث الآخر " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان , لعنتها الملائكة حتى تصبح " . رواه البخاري [ 9/258 ] ومسلم [ 1436 ] .
وفي لفظ " إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها " .
وروى الترمذي [ 1174 ] من حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه , قاتلك الله , فإنما هو دخيل عندك , يوشك أن يفارقك إلينا " .
قال ابن تيمية " ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد ، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً ، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه ، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه ، كان النكاح كذلك وأولى ، فإن أكل المكروه مرارة ساعة ، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ، ولا يمكن فراقه " اهـ . مجموع الفتاوى [ 32/30 ] .
المفضلات